الباحث القرآني
﴿الخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ والخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ والطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ والطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمّا يَقُولُونَ لَهم مَغْفِرَةٌ ورِزْقٌ كَرِيمٌ﴾
بَعْدَ أنْ بَرَّأ اللَّهُ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها مِمّا قالَ عُصْبَةُ الإفْكِ فَفَضَحَهم بِأنَّهم ما جاءُوا إلّا بِسَيِّئِ الظَّنِّ واخْتِلاقِ القَذْفِ وتَوَعَّدَهم وهَدَّدَهم ثُمَّ تابَ عَلى الَّذِينَ تابُوا أنْحى عَلَيْهِمْ ثانِيَةً بِبَراءَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِن أنْ تَكُونَ لَهُ أزْواجٌ خَبِيثاتٌ؛ لِأنَّ عِصْمَتَهُ وكَرامَتَهُ عَلى اللَّهِ يَأْبى اللَّهُ مَعَها أنْ تَكُونَ أزْواجُهُ غَيْرَ طَيِّباتٍ. فَمَكانَةُ الرَّسُولِ ﷺ كافِيَةٌ في الدَّلالَةِ عَلى بَراءَةِ زَوْجِهِ وطَهارَةِ أزْواجِهِ كُلِّهِنَّ. وهَذا مِنَ الِاسْتِدْلالِ عَلى حالِ الشَّيْءِ بِحالِ مُقارِنِهِ ومُماثِلِهِ، وفي هَذا تَعْرِيضٌ بِالَّذِينِ اخْتَلَقُوا الإفْكَ بِأنَّ ما أفَكُوهُ لا يَلِيقُ مِثْلُهُ إلّا بِأزْواجِهِمْ، فَقَوْلُهُ: ﴿الخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ﴾ تَعْرِيضٌ بِالمُنافِقِينَ المُخْتَلِقِينَ لِلْإفْكِ.
والِابْتِداءُ بِذِكْرِ (الخَبِيثاتُ)؛ لِأنَّ غَرَضَ الكَلامِ الِاسْتِدْلالُ عَلى بَراءَةِ عائِشَةَ وبَقِيَّةِ أُمَّهاتِ المُؤْمِنِينَ. واللّامُ في قَوْلِهِ (لِلْخَبِيثِينَ) لامُ الِاسْتِحْقاقِ. والخَبِيثاتُ والخَبِيثُونَ والطَّيِّباتُ والطَّيِّبُونَ أوْصافٌ جَرَتْ عَلى مَوْصُوفاتٍ مَحْذُوفَةٍ يَدُلُّ عَلَيْها السِّياقُ. والتَّقْدِيرُ في الجَمِيعِ: الأزْواجُ.
(p-١٩٥)وعَطْفُ (والخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ) إطْنابٌ لِمَزِيدِ العِنايَةِ بِتَقْرِيرِ هَذا الحُكْمِ ولِتَكُونَ الجُمْلَةُ بِمَنزِلَةِ المَثَلِ مُسْتَقِلَّةً بِدَلالَتِها عَلى الحُكْمِ، ولِيَكُونَ الِاسْتِدْلالُ عَلى حالِ القَرِينِ بِحالِ مُقارِنِهِ حاصِلًا مِن أيِّ جانِبٍ ابْتَدَأهْ السّامِعُ.
وذِكْرُ ﴿والطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ والطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ﴾ إطْنابٌ أيْضًا لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّ المُقارَنَةَ دَلِيلٌ عَلى حالِ القَرِينَيْنِ في الخَيْرِ أيْضًا.
وعَطْفُ (والطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ) كَعَطْفِ (والخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ) .
وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى الخَبِيثِ والطَّيِّبِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لِيَمِيزَ اللَّهُ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ [الأنفال: ٣٧] في سُورَةِ الأنْفالِ وقَوْلُهُ: ﴿قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً﴾ [آل عمران: ٣٨] في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ وقَوْلُهُ: ﴿ويُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبائِثَ﴾ [الأعراف: ١٥٧] في سُورَةِ الأعْرافِ.
وغَلَبَ ضَمِيرُ التَّذْكِيرِ في قَوْلِهِ (مُبَرَّءُونَ) وهَذِهِ قَضِيَّةٌ كُلِّيَّةٌ، ولِذَلِكَ حُقَّ لَها أنْ تَجْرِيَ مَجْرى المَثَلِ وجُعِلَتْ في آخِرِ القِصَّةِ كالتَّذْيِيلِ.
والمُرادُ بِالخُبْثِ: خُبْثُ الصِّفاتِ الإنْسانِيَّةِ كالفَواحِشِ. وكَذَلِكَ المُرادُ بِالطَّيِّبِ: زَكاءُ الصِّفاتِ الإنْسانِيَّةِ مِنَ الفَضائِلِ المَعْرُوفَةِ في البَشَرِ، فَلَيْسَ الكُفْرُ مِنَ الخُبْثِ ولَكِنَّهُ مِن مْتَمِّماتِهِ. وكَذَلِكَ الإيمانُ مِن مُكَمِّلاتِ الطَّيِّبِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ كُفْرُ امْرَأةِ نُوحٍ وامْرَأةِ لُوطٍ ناقِضًا لِعُمُومِ قَوْلِهِ: ﴿الخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ﴾ فَإنَّ المُرادَ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِن عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما﴾ [التحريم: ١٠] أنَّهُما خانَتا زَوْجَيْهِما بِإبْطانِ الكُفْرِ. ويَدُلُّ لِذَلِكَ مُقابَلَةُ حالِهِما بِحالِ امْرَأةِ فِرْعَوْنَ ﴿إذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا في الجَنَّةِ﴾ [التحريم: ١١] إلى قَوْلِهِ: ﴿ونَجِّنِي مِنَ القَوْمِ الظّالِمِينَ﴾ [التحريم: ١١] .
والعُدُولُ عَنِ التَّعْبِيرِ عَنِ الإفْكِ بِاسْمِهِ إلى (ما يَقُولُونَ) إلى أنَّهُ لا يَعْدُو كَوْنَهُ قَوْلًا، أيْ أنَّهُ غَيْرُ مُطابِقٍ لِلْواقِعِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ونَرِثُهُ ما يَقُولُ؛ لِأنَّهُ لا مالَ لَهُ ولا ولَدَ في الآخِرَةِ.
والرِّزْقُ الكَرِيمُ: نَعِيمُ الجَنَّةِ. وتَقَدَّمَ أنَّ الكَرِيمَ هو النَّفِيسُ في جِنْسِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ ومَغْفِرَةٌ ورِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [الأنفال: ٤] في سُورَةِ الأنْفالِ.
(p-١٩٦)وبِهَذِهِ الآياتِ انْتَهَتْ زَواجِرُ قِصَّةِ الإفْكِ.
{"ayah":"ٱلۡخَبِیثَـٰتُ لِلۡخَبِیثِینَ وَٱلۡخَبِیثُونَ لِلۡخَبِیثَـٰتِۖ وَٱلطَّیِّبَـٰتُ لِلطَّیِّبِینَ وَٱلطَّیِّبُونَ لِلطَّیِّبَـٰتِۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا یَقُولُونَۖ لَهُم مَّغۡفِرَةࣱ وَرِزۡقࣱ كَرِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق