الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ﴾ الآية. فنعما نزلت لما سألوا رسول الله ﷺ، فقالوا: صدقة السِّر أفضل أم صدقة [[سقطت من (ي).]] العلانيهَ؟ [[ذكره الثعلبي 2/ 1640، وذكره الواحدي في "أسباب النزول" ص 91، وابن== الجوزي في "زاد المسير" 1/ 325، وأبو حيان في "البحر المحيط" 2/ 323، والحافظ في "العجاب" 1/ 627 عن الكلبي، وذكره الواحدي في "الوسيط" 1/ 384. عن ابن عباس.]]. والصدقة تطلق على الفرض والنفل، والزكاة لا تطلق إلا على الفرض. قال الزجاجي: أصل [[ليست في (أ) و (م).]] صدق على هذا الترتيب موضوع للصحة والكمال، من ذلك قولهم: رجل صَدْقُ النظر، وصدق اللقاء، وصَدَقُوهم القتال، وفلان صادق المودة، وهذا خَلٌّ صادق الحُموضة، وشيء صادق الحلاوة، وَصَدَقَ فلانٌ في خبره، إذا أخبر به على الوجه الذي هو عليه صحيحًا كاملًا، والصَّدِيقُ سُمِّي صَدِيْقًا لِصِدْقِهِ في المَوَدَّة، والصَّدَاقُ سمي صَدَاقًا لأن عقد النكاح به يتم ويَكْمُل، وسَمَّى الله تعالى الزكاةَ صَدَقَةً لأن المال بها يَصِحُّ ويكْمُل، فهي سبب لكمال المال ونماه، كما أن الزكاة سميت زكاة لأن بها تزكو الأموال وتنمى وتزداد بأن يبارك الله فيها [[لم أجده فيما بين يدي من كتب الزجاجي، وينظر: "تهذيب اللغة" 2/ 1542، "المفردات" 280 - 282.]]. وقوله تعالى: ﴿فَنِعِمَّا هِيَ﴾ فيه ثلاثة أوجه من القراءة [[قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وخلف بفتح النون وكسر العين، وقرأ ورش وابن كثير وحفص ويعقوب بكسر النون والعين، وقرأ أبو جعفر بكسر النون وإسكان العين، واختلف عن قالون والبصري وشعبة، فروي عنهم وجهان: الأول: كسر النون واختلاس كسرة العين، وهذا هو الذي ذكره الشاطبي. والثاني: كسر النون وإسكان العين كقراءة أبي جعفر، واتفقوا على تشديد الميم. ينظر "السبعة" 190، "النشر" 2/ 335 - 336، "البدور الزاهرة" 55 - 56.]]: أحدها: كسر النون وجزم العين، وهو قراعةُ أبي عمروٍ، واختيار أبي عبيد، قال: لأنها لغة النبي ﷺ، حين قال لعمرو بن العاص [[هو: عمرو بن العاص بن وائل بن هشام بن سُعَيد القرشي السهمي، كان في == الجاهلية من الأشداء على الإسلام، أسلم في هدنة الحديبية وأمَّرَه الرسولُ ﷺ- على الجيش، كان من عظماء العربِ ودُهَاتهم، له فتوحاتٌ في الشام ومصر، توفي سنة 43 هـ. انظر: "فضائل الصحابة" للإمام أحمد 2/ 911 "أسد الغابة" 3/ 244 - 248، "الأعلام" 5/ 79.]]: "نِعْمّا بالمال الصالح للرجل الصالح" [[حديث صحيح أخرجه الإمام أحمد 4/ 197 (17763)، (17764)، 4/ 202 (17802)، وأخرجه أبو عبيد في "غريب الحديث" 1/ 93 - 94، وابن أبي شيبة 7/ 17 - 18، وأبو يعلى (7336)، وابن حبان (3210)، (3211)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (6056)، (6057).]] هكذا روي في الحديث بسكون العين [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 354، "علل القراءات" للأزهري 1/ 97، "تفسير الثعلبي" 2/ 1641 - 1642، "والنشر" 2/ 236.]]، وهذه القراءة لا تستقيم عند النحويين؛ لما فيها من الجمع بين ساكنين، الأول منهما ليس بحرف مدّ ولين، وإنما يجوز الجمع بين ساكنين إذا كان أحدهما حرف مدّ ولين، نحو: دابّة وشابّة؛ لأن ما في الحرف من المد يصير عوضًا من الحركة [[من "الحجة" 2/ 396.]]. وأما ما ذكر أبو عبيد من أنها لغة النبي ﷺ، فقال الزجاج: لا أحسب أصحاب الحديث ضبطوا هذا، ولا هذه القراءة جائز عند النحويين البتة؛ لأن فيها الجمع بين ساكنين مع غير حرف من مد ولين [["معاني القرآن" 1/ 354.]]. ومن احتج لأبي عمرو في هذه القراءة قال: لعله أخفى حركة العين، كأخْذِه بالإخفاء في نحو: بارئكم ويأمركم، فظن السامع الإخفاء إسكانًا، للطف ذلك في السمع وخفائه [[من "الحجة" 2/ 397.]]. وسمعت أبا الحسن القهندري رحمه الله يحتج لقراءة أبي عمرو، يقول: إنه لم يُبال الجمع بين ساكنين؛ لقوة العين، وخفاء سكون الميم عند الإدغام إذ اللسان ينبو [[في (أ): (بنوا).]] عن الحرف المدغم نبوة واحدة، ولا يظهر سكون المدغم [[قال في "النشر" 2/ 236: وحكى النحويون الكوفيون سماعا من العرب (شهر رمضان) مدغمًا، وحكى ذلك سيبويه في الشعر، وروى الوجهين جميعًا عنه الحافظ أبو عمرو الداني، ثم قال: والإسكان آثر، والإخفاء أقيس، قلت: والوجهان: صحيحان غير أن النص عنهم بالإسكان، ولا يعرف الاختلاس إلا من طريق المغاربة ومن تبعهم اهـ.]]. الوجه الثاني من القراءة في هذا الحرف: (فنِعِما هي) بكسر النون والعين، قالوا: كسر العين اتباعًا لكسرة الفاء، فرارًا من الجمع بين ساكنين، فأتبع العين الفاء في الكسرة، هذا قول أكثرهم، وقال أبو علي الفارسي: لا يجوز أن تكون هذه القراءة ممن قال: نِعْم، فلما أدغم حرك العين، كما يقول ﴿يَهْدِي﴾ [يونس: 35]، يتحرك الهاء إذا أدغمت التاء في الدال، وأنكر قول من قال: إن العين كسرت اتباعا للفاء [[في (ي): النون مراده بالنون نون نعم والمراد فيما أثبتا الفاء أي فاء الفعل.]]، وقال: هذا لا يجوز في حرفين، وإنما جاز في يهدّي لأنه حرف واحد، ألا ترى أنه لا يجوز في قولك: هذا قرْم [[هكذا بالأصل مضبوطة، وفي "الحجة": (قدم) ولعله أصوب.]] مالك، أن تدغم الميم في الميم ويحرك الراء، وكذلك: جسم ماجد، لا يجوز فيه الإدغام لما فيه من الجمع بين ساكنين، ولأنهما حرفان منفصلان، ولكن هذه القراءة على لغة من يقول في نعْم نِعِم. [["الحجة" 2/ 397 - 398.]] وفي (نعم) أربع لغات: أحدها: نَعِم بفتح النون وكسر العين، وهو الأصل. والثاني: نِعِم بكسر النون والعين، أتبعوا الأول الثاني؛ لأن الكسرة أشبه بحروف الحلق. والثالث: نَعْمَ بفتح الأول وإسكان [[في (م): (سكون).]] الثاني، فعلوا ذلك أيضًا تخفيفًا، وهكذا القول في بئس، وقد مضى الكلام فيهما عند قوله: ﴿بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ﴾ [البقرة: 90] بما فيه مقنع [[لم يذكر في هذا الموضع اللغة الرابعة، وهي نِعْم، بكسر النون وإسكان العين، وينظر في لغاتها: "معاني القرآن" للزجاج 1/ 354، "مشكل إعراب القرآن" 1/ 141.]]. قال سيبويه: أما قولُ بعضهم في القراءة ﴿فَنِعِمَّا هِيَ﴾ فَحَرَّك العين، فليس على لغة من يقول: نِعْمَ ما، فأسكن العين، ولكن على لغة من قال: نِعِم فحرك العين. وحدثنا أبو الخطاب [[هو الأخفش الأكبر.]]: أنها لغة هُذيل [[ينظر: "الكتاب" لسيبويه 4/ 439 - 440.]]، ولو كان الذي قال: نعمّا، ممن يقول في الانفصال: نِعْمَ، لم يجز الإدغام على قوله، لما يلزم من تحريك الساكن في المنفصل [[من "الحجة" 2/ 398.]]. الوجه الثالث من القراءة: (نَعِمّا هي) بفتح النون وكسر العين، ومن قرأ بهذه القراءة فقد جاء بالكلمة على أصلها، وهو نَعِمَ كما قال طرفة: نَعِمَ السَّاعُونَ في الأمْرِ المُبِرْ [[البيت في ديوان طرفة ص 58، وروايته: خالتي والنفس قُدما إنهم ... نعِم الساعون في القوم الشطُر وذكره أبو علي في "الحجة" 2/ 398، وكذا التبريزي في "شرح الحماسة" 2/ 85 برواية: ما أقلت قدماي إنهم ... نَعِم الساعون في الأمر المُبِر وعند سيبويه 4/ 440 برواية: ما أقلت قدم ناعلها ... نعم الساعون في الحي الشطر وقد استوفى الكلام على الشاهد: البغدادي في "خزانة الأدب" 4/ 101، والمُبِر: الغالب، من أبره يبره، إذا قهره بفعال أو غيره. ينظر: "اللسان" 1/ 252، 253 [برر].]] ولا يجوز أن يكون ممن يقول: نَعْم قبل الإدغام، كما أن من قرأ: ﴿نِعِمَّا﴾ لا يكون ممنْ قال قبل الإدغام نِعْمَ، ولكن قارئ الوجه الثالث ممن يقول: نَعِم، فجاء بالكلمة على أصلها [[من "الحجة" 2/ 398 - 399.]]. فأما (ما) في قوله: ﴿فَنِعِمَّا﴾ قال أبو إسحاق: (ما) في تأويل الشيء، أي: نعم الشيء هي [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 354.]]، فعلى هذا (ما) تكون في محل الرفع. وقال أبو علي: الجيد في تمثيل هذا: أن يقال: (ما) في تأويل شيء؛ لأن (ما) هنا: نكرة فتمثيله بالنكرة أبين، والدليل على أن (ما) نكرة هنا: أنها لا تخلو من أن تكون معرفة أو نكرة، فإن كانت معرفة فلا بُدّ لها من صلة، وليس هنا (ما) توصَل به (ما) [[سقطت من (ي).]]، ألا ترى أن الذي بعدها اسم مفردٌ، وهو هي، والاسم المفرد لا يكون صلة لـ (ما) [[في "الإغفال" (لها) والمعنى واحد.]]، وإذا كانت غير موصولة كانت منكورة، وإذا كانت منكورةً كانت منصوبةً، فـ (ما) في نعما بمنزلة سائر النكرات التي تنتصب في هذا الباب، فإن قلت: أرأيت (ما) إذا لم تكن موصولة هل تخلو من أن تكون موصوفة، وعلى هذا ما [[(هذا) ليست في (أ) و (م) و (ش).]] يذهب إليه فيها لا تكون موصوفة أيضًا؛ لأنه ليس في هذا الكلام ما يصح أن يكون وصفًا لها؟ قلنا: لا تكون هنا موصوفة، كما لم تكن في التعجب في قولنا: ما أحسن زيدًا، موصوفةً ولا موصولة [[من "الإغفال" ص 547 - 550 بتصرف واختصار.]]. والمعنى في قوله: ﴿فَنِعِمَّا هِىَ﴾ أن في نعم ضميرُ الفاعل، و (ما) في موضع نصب، وهي تفسير الفاعل المضمر قبل الذكر، والمخصوص بالمدح بقوله: (نعم) هو. (هي) في قوله: ﴿فَنِعِمَّا هِىَ﴾ والمعنى: إن تبدوا الصدقات فيكم [[ليست في (م) ولا (ش) وكأنها تبدو في (أ) مكشوطًا عليها.]] فنعم شيئًا إبداؤُها، وليس المعنى على أنه: إن تبدوا الصدقات فَنِعْمَ شيئًا الصدقات، إنما هو في الإظهار والإخفاء، وترجيح أحدهما على الآخر، وتعليمنا أيهما أصلحُ لنا وأفضلُ، فكما أن قوله: ﴿وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ المعنى فيه: فالإخفاءُ خيرٌ لكم، كذلك قوله: ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ﴾ المعنى فيه: فنعم شيئًا إبداؤها، فالإبداء هو المخصوص بالمدح، إلا أن المضاف الذي هو الإبداء حُذِفَ، وأقيم المضاف إليه الذي هو ضمير الصدقات مقامه، فعلى هذا قوله: ﴿هِيَ﴾ في محل الرفع [[من "الحجة" 2/ 399 بتصرف، وذكر الثعلبي في تفسيره "الكشف والبيان" 2/ 1640 أن (هي) في محل النصب، كما تقول: نعم رجلًا، فإذا عرفت رفعت فعلت: نعم الرجل زيد.]]. وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ الإخفاء: نقيض الإظهار، والخِفَاء: الغِطَاء، والخفيّة: عَرِينُ الأسد، لأنه يَخْتَفِي فيها. والخوافي من الريش ما دون القوادم؛ لأنها تخفى بها [[ينظر في خفي: "تهذيب اللغة" 1/ 1070، "المفردات" 159، "اللسان" 2/ 1216، "القاموس" 1280.]]. وقوله تعالى: ﴿فَهُوَ﴾ كناية عن الإخفاء، لأن الفعل يدل على المصدر، أي: الإخفاء خير لكم [["الحجة" 2/ 399، "التبيان" ص163.]]، وإنما كان الإخفاء والله أعلم خيراً؛ لأنه أبعدُ من أن يشوب الصدقة مُراءاةٌ للناس، وتصنعٌ لهم، فتخلص لله سبحانه [["الحجة" 2/ 399.]]. فأما التفسير، فأكثر المفسرين على أن المراد بالصدقات في هذه الآية التطوّع لا الفرض؛ لأن القرض إظهاره أفضل من كتمانه، والتطوع كتمانه أفضل، لأنه أبعد من الرياء، كما تقول في الصلاة، فإن فرض الصلاة [[قوله: (فإن فرض الصلاة)، ساقطة من (أ) و (م).]] تؤدى في الجماعة ظاهرًا، وهو أفضل، والتطوع كتمانه أفضل [[ينظر: "تفسير الطبري" 3/ 93، "تفسير الثعلبي" 2/ 1650، "أحكام القرآن" لابن العربي 1/ 236، "فتح الباري" 3/ 289.]]، وهذا القول مرويٌّ عن ابن عباس [[رواه عنه الطبري في "تفسيره" 3/ 92، وفي "زاد المسير" 1/ 325 - 326.]]. وقال بعضهم: المراد بالصدقات، هاهنا، القرض، وكان كتمانه على عهد رسول الله ﷺ أفضل، لأن المسلمين إذ ذاك لم تكن تسبق إليهم ظِنَّةٌ في منع الواجب، فأما اليوم والناس يسيئون الظن فإظهار الزكاة أحسن، أما التطوع فإخفاؤه أحسن، فإنه أدلّ على أنه يراد به الله وحده، وهذا اختيار الزجاج [["معاني القرآن" 1/ 354.]]. وقال بعضهم: هذه الآية عامة في الصدقات والزكاة، والإخفاء في كل صدقة من زكاة وغيرها أفضل. وهذا قول الحسن [[ذكره في "زاد المسير" 1/ 326، وذكره في "النكت والعيون" 1/ 345.]] وقتادة [[ذكره في "زاد المسير" 1/ 326، والواحدي في "الوسيط" 1/ 385، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 2/ 537. ورواه الطبري في "تفسيره" 3/ 92 بمعناه.]]. وقوله تعالى: ﴿وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ التكفير في اللغة: التغطية والستر، ورجل مُكَفَّرٌ في السلاح: مُغَطَّى فيه، ومنه، يقال: كفّر عن يمينه، أي: ستر ذَنْبَ الحِنْثِ بما بَذَلَ من الصدقة، والكَفَّارة الساترة لما حصل من الذنب [[ينظر في (مادة: كفر): "تهذيب اللغة" 3160 - 3164، "المفردات" ص 435 - 438، "اللسان" 7/ 3897 - 3902.]]. والرفع [[قرأ نافع وحمزة والكسائي (ونكفر) بالنون وجزم الراء، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وشعبة (ونكفر) بالنون ورفع الراء، وقرأ ابن عامر وحفص (ويكفر) بالياء والرفع. ينظر: "السبعة" ص 191، "الحجة" 2/ 399 - 400.]] في (يكفر) من وجهين: أحدهما: أن يجعله خبرَ مبتدأ محذوف، تقديره: ونحن نكفر. والآخر: أن تستأنف الكلام وتقطعه مما قبله، ولا تجعل العاطف للإشراك، ولكن لعطف جملةٍ على جملةٍ، ومن هذا القبيل قوله: ﴿أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (16) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ﴾ [المرسلات:16 - 17] هو عطف جملة مستأنفة على معنى: نحن نفعل ذلك. ومن قرأ: (ونكفر) بالنون والجزم، فوجهه: أن يُحْمَلَ الكلام على موضع قوله: ﴿فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ وموضِعُه جَزْمٌ، ألا ترى أنه لو قال: وإن تخفوها تكن أعظم لأجركم، لجزم، فقد علمتَ أن قولَه: ﴿فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ في موضع جزم، ومثله في الحمل على الموضع: قراءة من قرأ: ﴿مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ﴾ [الأعراف: 186]، بالجزم، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم. ومن الحمل على المعنى قول أبي دؤادٍ: فَأَبْلُونِي بَلِيَّتَكُم لَعَلِّي ... أُصَالِحْكُم وأَسْتَدْرِجْ نَوِيَّا [[البيت من الوافر، وهو لأبي دؤاد الإيادي في "ديوانه" ص 350، "الحجة" 2/ 401، "الخصائص" 2/ 341، "سر صناعة الإعراب" 2/ 701، "شرح شواهد المغني" 2/ 839، "مغني اللبيب" 2/ 423 بلا نسبة. ينظر: "المعجم المفصل" 8/ 365.]] واختلفوا في الياء والنون في (نكفّر) فمن قرأ بالياء، فلأن ما بعده على لفظ الإفراد، فيُكَفِّر أشبه بما بعده من الإفراد منه بالجمع، ومن قرأ بالنون على لفظ الجمع، فإنه أتى بلفظ الجمع، ثم أفرد بعد، كما أتى بلفظ الإفراد ثم جمع، في قوله: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا﴾. ثم قال: ﴿وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ [["الحجة" 2/ 400 - 402. وينظر: "معاني القرآن" للزجاج 1/ 355 - 356، "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 338 - 339، "مشكل إعراب القرآن" 1/ 141، "التبيان" ص163، "البحر المحيط" 2/ 325.]] [الإسراء: 1 - 2]. وقوله تعالى: ﴿مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ أدخل (من) للتبعيض؛ ليكون العباد فيها على وجل ولا يتكلوا [["تفسير الثعلبي" 2/ 1649، "البحر المحيط" 2/ 326 قال: لأن الصدقة لا تكفر جميع السيئات.]]. وقال ابن الأنباري: (من) هاهنا توكيد للكلام، والتقدير: ويكفر عنكم سيئاتكم، فأكد [[في (م): (وأكد).]] الكلام بمن كما قال: ﴿وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾ [محمد: 15]. وقال عطاء عن ابن عباس: (من) هاهنا صلة للكلام، يريد: جميع سيئاتكم [[ينظر في إعراب الآية: "تفسير الطبري" 5/ 586، "تفسير الثعلبي" 2/ 1649، "المحرر الوجيز" 2/ 464، "التبيان" ص 163، "البحر المحيط" 1/ 326، وقد خطأ ابن عطية من قال إنها زائدة، وضعف قول من جعلها سببية وقدر (من أجل ذنوبكم).]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب