الباحث القرآني
قال تعالى: ﴿إنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمّا هِيَ وإنْ تُخْفُوها وتُؤْتُوها الفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ويُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِن سَيِئاتِكُمْ واللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [البقرة: ٢٧١].
اختُلِفَ في سببِ نزولِ الآيةِ، وليس في الآيةِ شيءٌ مِن ذلك مسنَدٌ مرفوعٌ أو موقوفٌ صحيحٌ، وإنّما هي أقوالٌ لبعضِ السلفِ:
فقيلَ: إنّ المسلِمِينَ كَرِهُوا الصَّدَقةَ على قَراباتِهم مِن المشرِكِينَ، فأنزَلَ اللهُ ذلك بيانًا لهم.
وقيل: إنّ النبيَّ ﷺ نَهاهُمْ عن الصدقةِ على المشرِكِينَ، فنسَخَ اللهُ ذلك بالآيةِ.
والنهيُ لا يصحُّ عن النبيِّ ﷺ، وفي الآيةِ التاليةِ ما يُشِيرُ إلى النفقةِ على المشرِكِينَ، فقد قال بعد هذِهِ الآيةِ: ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ ولَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشاءُ وما تُنْفِقُوا مِن خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٧٢].
الصدقةُ والزكاةُ على الكافِرِ:
والزكاةُ على الكافرِ لا تصحُّ إلا تأليفًا لقلبِهِ، لا لمجرَّدِ فَقْرِهِ ومَسْكَنَتِهِ، حكى الاتِّفاقَ غيرُ واحدٍ كابنِ المنذِرِ، فيُعطى مِن زكاةِ الأموالِ، لا زكاةِ الفِطْرِ، لأنّ زكاةَ الفِطْرِ لا يدخُلُ فيها المؤلَّفةُ قلوبُهم، لتقييدِها في الحديثِ بالمسلِمِينَ، ولذا خَصَّ اللهُ الكفارَ بآيةِ الأصنافِ الثمانيةِ بقولِهِ تعالى: ﴿والمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ﴾ [التوبة: ٦٠]، وهذا القيدُ لا يُشترَطُ في المُسلِمِ، فيُعطى المسلِمُ لمجرَّدِ فقرِهِ، ولو لم يُقصَدْ تأليفُ قلبِهِ، ولو كان فاسِقًا يُعلَمُ أنّ الصدقةَ لا تجعلُهُ يُقلِعُ عن معصيتِهِ، لأنّ الزكاةَ استَحَقَّها لفَقْرِهِ ومسكَنَتِهِ، وغُرْمِهِ وجهادِهِ، ولرقبتِهِ، ولغُرْبَتِهِ في سَفَرِهِ، ولجهادِهِ ما دام مسلِمًا، ولو جاز أن يُعطى الكافِرُ زكاةً لفَقْرِهِ ومسكنتِهِ ونحوِ ذلك، ما خَصَّهُ تأليفًا لقلبِهِ، لأنّه لو أُعطِيَ لفقرِهِ وهو باقٍ على كُفْرِهِ، فتأليفُهُ لِيُسلِمَ مِن بابِ أوْلى، فالكفرُ أعظمُ مِن الفقرِ.
وذِكْرُ الجهادِ في قولِهِ: ﴿وفِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٦٠] إشارةٌ إلى خروجِ الكافرِ مِن جميعِ الأنواعِ إلا المؤلَّفةَ قلوبُهُمْ، لأنّه لا يُجاهِدُ في سبيلِ اللهِ، على خلافٍ في استئجارِهِ والاستعانةِ به في القتالِ.
وجمهورُ الأئمَّةِ: على أنّ سهمَ المؤلَّفةِ قلوبُهُمْ باقٍ لم يُنسَخْ، خلافًا لأبي حنيفةَ، والصحيحُ بقاؤُهُ، ولا دليلَ يصحُّ على النسخِ، ثمَّ إنّ العِلَّةَ التي لأجلِها شُرِعَ سَهْمُ المؤلَّفةِ قلوبُهُمْ باقيةٌ إلى قيامِ الساعةِ ما وُجدَ الكُفْرُ والإيمانُ، ونَسْخُ هذا الحكمِ مع بقاءِ عِلَّتِهِ لا يَتَّفِقُ مع أحكامِ الشريعةِ وقواعِدِها.
واختلَفَ العلماءُ في الصَّدَقةِ مِن غيرِ الزكاةِ على الكافرِ مِن غيرِ قصدِ التأليفِ، والأظهرُ عدَمُ جوازِ ذلك إلا تأليفًا لقلبِهِ فقطْ ـ صدقةً وإطعامًا ـ إذا كان جارًا، لأنّه إذا جاز التأليفُ في الزكاةِ، ففي الصدقةِ مِن بابِ أولى.
ورُوِيَ عن بعضِ الصحابةِ الصدقةُ على الكافرِ، كابنِ عباسٍ وعبدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وقد تصدَّقتْ عائشةُ على يهوديَّةٍ سأَلَتْها، كما في «الصحيحِ»[[أخرجه البخاري (١٠٤٩) (٢/٣٦)، ومسلم (٩٠٣) (٢/٦٢١).]]، وسألت أسماءُ بنتُ أبي بكرٍ رضي الله عنهما النبيَّ ﷺ، فقالتْ: «قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وهي مشرِكةٌ ـ في عهدِ قُرَيْشٍ، إذْ عاهَدُوا رسولَ اللهِ ﷺ، ومُدَّتِهم ـ مع أبِيها، فاستفتَتْ رسولَ اللهِ ﷺ، فقالتْ: يا رسولَ اللهِ، إنّ أُمِّي قَدِمَتْ عليَّ وهِيَ راغِبةٌ ـ تطلُبُ العَوْنَ ـ أفأَصِلُها؟ قال: (نَعَمْ، صِلِيها)، رواهُ البخاريُّ[[أخرجه البخاري (٣١٨٣) (٤/١٠٣).]].
وهذا ظاهرُ القُرآنِ في قولِهِ تعالى: ﴿لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ ولَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِن دِيارِكُمْ أنْ تَبَرُّوهُمْ وتُقْسِطُوا إلَيْهِمْ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ ﴾ [الممتحنة: ٨]، وتدخُلُ الهديةُ مِن هذا البابِ، لأنّ الهَدايا تحبِّبُ النفوسَ وتستميلُ القلوبَ للمُهْدِي، وقد رُوِيَ في الحديثِ: (تَهادَوْا تَحابُّوا) [[أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (٥٩٤)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (٦/١٦٩)، وفي «الشعب» (٨٩٧٦).]]، والآيةُ أخرَجَتِ الكافرَ الحَرْبيَّ، فلا يجوزُ الصدقةُ له، إلا لمَن غلَبَ على الظنِّ دفْعُ شرِّهِ وجلْبُ خيرِهِ، كهديَّةِ عُمرَ لأخيهِ في مَكَّةَ قميصًا.
إعطاءُ الفاسقِ والمنافقِ تأليفًا لقلبِهِ:
وإذا أُعطِيَ الكافرُ تأليفًا لقلبِهِ، فيُعطى المسلِمُ ضعيفُ الإسلامِ ليحسُنَ إسلامُهُ ولو كان غنيًّا، إذا عُلِمَ ذلك مِن حالِه، ليُؤمَنَ شرُّهُ، فشرُّ بعضِ فُسّاقِ المسلِمِينَ ومنافِقِيهِمْ على الإسلامِ ربَّما يزيدُ على شرِّ بعضِ الكفّارِ المعاهَدِينَ، فقد يكونُ المنافِقُ والفاسِقُ يُخشى عليهِ أنْ يكونَ عينًا للمشرِكِينَ أو كائِدًا متربِّصًا ببَيْضةِ الإسلامِ، والمالُ يكسِرُ قلبَهُ ويُطفِئُ هواهُ، وفي «الصحيحَيْنِ»، عن أبي سعيدٍ، أنّ عليًّا بعَثَ إلى النبيِّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بِذُهَيْبَةٍ في تُرْبَتِها مِن اليَمَنِ، فقسَّمَها بينَ أربعةِ نَفَرٍ: الأَقْرَعِ بنِ حابِسٍ، وعُيَيْنَةَ بنِ بَدْرٍ، وعَلْقَمةَ بنِ عُلاثَةَ، وزَيْدِ الخَيْرِ، وقال: (أتَأَلَّفُهُمْ) [[أخرجه البخاري (٣٣٤٤) (٤/١٣٧)، ومسلم (١٠٦٤) (٢/٧٤١).]].
وكان النبيُّ ﷺ يُعطي الطُّلَقاءَ، وبعضَ مَن يَخشى بُعْدَهُ عن الحقِّ لِيَقْرُبَ، وقال: (إنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ، وغَيْرُهُ أحَبُّ إلَيَّ مِنهُ، خَشْيَةَ أنْ يَكُبَّهُ اللهُ فِي النّارِ) [[أخرجه البخاري (٢٧) (١/١٤)، ومسلم (١٥٠) (١/١٣٢).]].
أفضلُ الصدقاتِ:
وأعظمُ الصدقاتِ ما كانت على أشدِّ المسلِمِينَ حاجةً، فالنفقةُ على الفقيرِ أعظَمُ أجرًا مِن النفقةِ على المِسْكِينِ، ومَن جمَعَ فقرًا وغُرْمًا وسبيلًا وجهادًا، أعظَمُ ممَّن جمَعَ بعضَها.
والصدقةُ على الفقيرِ الصالِحِ أوْلى مِنَ الفقيرِ الفاسقِ إذا اسْتوَيا في الحاجةِ، إلا عندَ غلبةِ الظنِّ بأنّ الصدقةَ على الفاسقِ تقرِّبُهُ وتؤلِّفُهُ.
إسرارُ الصدقةِ وإعلانُها:
وفي الآيةِ: فَضْلُ الإسرارِ بالصَّدَقةِ على الإعلانِ بها، ومِن العلماءِ مَن حمَلَ الآيةَ على زكاةِ الفَرْضِ، وهو قولُ ابنِ عباسٍ، وأبي جعفرٍ.
روى ابنُ جريرٍ، وابنُ أبي حاتِمٍ، عن عليِّ بنِ أبي طَلْحةَ، عن ابنِ عباسٍ، قال في الآيةِ: «جعَلَ اللهُ صَدَقةَ السِّرِّ في التطوُّعِ تفضُلُ عَلانِيَتَها بسبعينَ ضِعْفًا، وجعَلَ صَدَقَةَ الفريضةِ عَلانِيَتَها أفضَلَ مِن سِرِّها، يقالُ بخمسةٍ وعِشْرِينَ ضِعْفًا، وكذلك جميعُ الفرائضِ والنوافلِ في الأشياءِ كلِّها»[[«تفسير الطبري» (٥/١٥)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (٢/٥٣٦).]].
ومنهُم: مَن خصَّها بصَدَقةِ النَّفْلِ، وهو قولُ سُفْيانَ، لأنّ زكاةَ الفَرْضِ لا يظهَرُ فيها كمالُ الإحسانِ والمِنَّةِ كصَدَقةِ النَّفْلِ، فالفرضُ تكليفٌ يُسقِطُهُ الإنسانُ عن نفسِهِ ومالِهِ، والرياءُ في النفلِ أقوى مِن الفَرْضِ، خاصَّةً عندَ مَن يؤدِّي الفرضَ والنفلَ، وأمّا مَن لا يَعتادُ أن يؤدِّيَ في مالِه إلا زكاةً واجِبةً، فقد يدخُلُ عليه الرياءُ في فرضِهِ، كما يدخُلُ الرياءُ على صاحِبِ النفلِ.
إخفاءُ الطاعاتِ وإعلانُها:
والأصلُ في الفرائضِ في الدِّينِ: الإعلانُ، وأنّه أفضلُ مِن الإسرارِ، وقد حكى الإجماعَ على هذا ابنُ جريرٍ، إلا الزكاةَ[[«تفسير الطبري» (٥/١٧).]]، ففيها خلافٌ عندَ السلفِ، وذلك لأنّ الفرضَ يحتاجُ إلى التواصي وعدَمِ التواكُلِ، ولكونِها شعائِرَ دينيَّةً تحتاجُ إلى إظهارِها ليَقتدِيَ بذلك الناسُ، ولا يَجِدَ ضعيفُ الإيمانِ والمنافِقُ بابًا للخروجِ عن أدائِها بدعوى الإسرارِ، وحتّى لا يُحسَنَ الظنُّ بصاحبِ السُّوءِ، فتتعطَّلَ بذلك مَقاصِدُ الشريعةِ.
والأحاديثُ كثيرةٌ في فضلِ إخفاءِ النوافلِ صَدَقةً وصلاةً وغيرَها، ومِن السَّبْعةِ الذين يُظِلُّهُمُ اللهُ في ظِلِّهِ: (رَجُلٌ تَصَدَّقَ، أخْفى حَتّى لا تَعْلَمَ شِمالُهُ ما تُنْفِقُ يَمِينُهُ)، كما جاء في حديثِ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه في «الصحيحَيْنِ»[[أخرجه البخاري (٦٦٠) (١/١٣٣)، ومسلم (١٠٣١) (٢/٧١٥).]]، ولذا كانت نافِلةُ الليلِ أعظَمَ مِن نافلةِ النهارِ، لخفائِها والخَلْوةِ فيها، وأعظَمُ ما ينفي النِّفاقَ، ويدفَعُ الرِّياءَ: عبادةُ السِّرِّ.
وإذا قامتْ مصلحةُ التعليمِ وحَضِّ الناسِ، فلا حرَجَ مِن إعلانِ العملِ الصالِحِ ولو كان نفلًا، كما في حديثِ المنذِرِ بنِ جرِيرٍ، عن أبيهِ، قال: «جاءَ قَوْمٌ حُفاةٌ عُراةٌ مُجْتابِي النِّمارِ أوِ العَباءِ، مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ، عامَّتُهُمْ مِن مُضَرَ، بَلْ كُلُّهُمْ مِن مُضَرَ، فَتَمَعَّرَ وجْهُ رَسُولِ اللهِ ﷺ، لِما رَأى بِهِمْ مِنَ الفاقَةِ، فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ، فَأَمَرَ بِلالًا، فَأَذَّنَ وأَقامَ، فَصَلّى ثُمَّ خَطَبَ، وحَثَّ النّاسَ عَلى الصَّدَقَةِ، فَجاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصارِ بِصُرَّةٍ كادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْها، بَلْ قَدْ عَجَزَتْ، قالَ: ثُمَّ تَتابَعَ النّاسُ، حَتّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِن طَعامٍ وثِيابٍ، حَتّى رَأَيْتُ وجْهَ رَسُولِ اللهِ ﷺ يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ، فقالَ رسولُ اللهِ ﷺ: (مَن سَنَّ فِي الإسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أجْرُها، وأَجْرُ مَن عَمِلَ بها بَعْدَهُ، مِن غَيْرِ أنْ يَنْقُصَ مِن أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، ومَن سَنَّ فِي الإسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كانَ عَلَيْهِ وِزْرُها، ووِزْرُ مَن عَمِلَ بها مِن بَعْدِهِ، مِن غَيْرِ أنْ يَنْقُصَ مِن أوْزارِهِمْ شَيْءٌ) [[أخرجه مسلم (١٠١٧) (٢/٧٠٤).]].
وهذه: صدقةُ العلانيةِ فيها أفضَلُ مِن السِّرِّ، للحاجةِ للإعلانِ لحثِّ الناسِ ودَفْعِهِمْ إلى الصَّدَقةِ لِتُسَدَّ حاجةُ الناسِ، ويخرُجَ شُحُّ النفوسِ منها، وربَّما هناك مَن يَمْنَعُهُ الحياءُ مِن النفقةِ، لِقِلَّةِ ما في يدِهِ، فلا يَراهُ يساوي شيئًا، فإذا رأى صاحبَ القليلِ والكثيرِ يُنفِقُ، أنفَقَ، لأنّ النفوسَ تستوحِشُ مِن الانفرادِ عن فِعْلِ بني جِنْسِها.
محوُ الحَسَناتِ للسيِّئاتِ:
وفي الآيةِ: تكفيرُ الصدقةِ للسَّيِّئاتِ: ﴿ويُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِن سَيِئاتِكُمْ واللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾، وفي حديثِ حُذَيْفةَ في «الصحيحِ»، قال: (فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أهْلِهِ، ووَلَدِهِ، وجارِهِ: تُكَفِّرُها الصَّلاةُ، والصَّدَقَةُ) [[أخرجه البخاري (١٤٣٥) (٢/١١٣).]].
وفي «المسندِ»، و«السُّنَنِ»، مِن حديثِ كَعْبِ بنِ عُجْرةَ، قال ﷺ: (والصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الخَطِيئَةَ، كَما يُطْفِئُ الماءُ النّارَ) [[أخرجه أحمد (١٥٢٨٤) (٣/٣٩٩)، والترمذي (٦١٤) (٢/٥١٣).]].
وكُلُّ حسنةٍ تمحُو سيِّئةً، وكلُّ سيِّئةٍ لها أثرٌ على حَسَنةٍ، وقد تَمْحُوها، والحَسَناتُ والسيِّئاتُ يَتَغالَبْنَ، والغَلَبةُ للأكثَرِ والأعظَمِ، إلا التوحيدَ لا يَمْحُوهُ إلا الشِّرْكُ، والشِّرْكَ لا يَمْحُوهُ إلا التوحيدُ، والمُشْرِكُ لا أثَرَ لطاعاتِهِ ما لم يوحِّدْ، فلا يَكْسِبُ بها أجرًا، ولا يكفِّرُ بها ذنبًا، إلا إنْ أسلَمَ فيُكتَبُ له ما سلَفَ مِن عملِهِ الخالِصِ فقطْ، لقولِهِ ﷺ: (أسْلَمْتَ عَلى ما أسْلَفْتَ مِن خَيْرٍ) [[أخرجه البخاري (١٤٣٦) (٢/١١٤)، ومسلم (١٢٣) (١/١١٣).]].
ومَنِ ارتَدَّ بعدَ إسلامٍ، ثمَّ أسلَمَ، فهل تَرجِعُ إليه حسناتُهُ قبل رِدَّتِهِ؟ قولانِ للعلماءِ، والصحيحُ: رجوعُها إليه، لأنّ مَن تصدَّقَ زمَنَ كُفْرِهِ مخلِصًا للهِ، تُكتَبُ له حسناتُهُ تلك إذا أسلَمَ، فكيف بمُسلِمٍ تصدَّقَ، ثمَّ كفَرَ، ثمَّ أسلَمَ؟! فرجوعُ حسنةٍ زمَنَ الإسلامِ أوْلى مِن رجوعِها زمَنَ الكُفْرِ.
محوُ السَّيِّئات للحَسَنات:
وقدِ اختلَفَ العلماءُ في مَحْوِ السيئةِ للحسنةِ، مع اتِّفاقِهِم على محوِ الحَسَناتِ للسيِّئاتِ، والصوابُ: أنّ السيئةَ تؤثِّرُ على الحَسَناتِ، وقد تمحُو تضعيفَها، ومضاعَفةُ الحَسَنةِ حَسَناتٌ، فالحَسَنةُ بعَشْرِ أمثالِها إلى سَبْعِ مِئةِ ضِعْفٍ، واللهُ يضاعِفُ لمَن يشاءُ، وهذا التضعيفُ معدودٌ في الحَسَناتِ، وهذا لا يخالِفُ أنّ رَحْمةَ اللهِ تَسبِقُ غَضَبَهُ، لأنّ الحَسَنةَ تضاعَفُ، والسيِّئةَ تَبقى واحدةً، فلو محَتِ السيئةُ حسنةً فتَمْحُو تضعيفَها أو بعضَهُ، فلا تأتي على جميعِ أصلِها، لأنّ السيئةَ أضعَفُ مِن الحَسَنةِ، والمُوبِقاتُ والكبائرُ أقوى مِن الصغائرِ، ولكلِّ حسنةٍ تضعيفٌ وبَرَكةٌ، ويَذهَبُ مِن تضعيفِ الحسناتِ وبَرَكَتِها بمقدارِ الذنوبِ، وهذا سببُ عدمِ وجودِ بَرَكةِ الحَسَنةِ مِن الفاسِقِ والمنافِقِ في نفسِهِ ومالِهِ ووَلَدِه.
{"ayah":"إِن تُبۡدُوا۟ ٱلصَّدَقَـٰتِ فَنِعِمَّا هِیَۖ وَإِن تُخۡفُوهَا وَتُؤۡتُوهَا ٱلۡفُقَرَاۤءَ فَهُوَ خَیۡرࣱ لَّكُمۡۚ وَیُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَیِّـَٔاتِكُمۡۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِیرࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق