الباحث القرآني

ولَمّا كانَ حالُ الإنْفاقِ المَحْثُوثِ عَلَيْهِ يَخْتَلِفُ بِالسِّرِّ والجَهْرِ فَكانَ مِمّا يُسْألُ عَنْهُ قالَ سُبْحانَهُ وتَعالى حاثًّا عَلى الصَّدَقَةِ في كِلْتا الحالَتَيْنِ مَعَ تَرْجِيحِ الإسْرارِ لِما فِيهِ مِنَ البُعْدِ عَنِ الرِّياءِ: ﴿إنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ﴾ أيِ المُتَطَوَّعَ بِها، قالَ الحَرالِّيُّ: وهي مِن أدْنى النَّفَقَةِ ولِذَلِكَ لا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ ولا لِآلِ مُحَمَّدٍ لِأنَّها طُهْرَةٌ وغَسُولٌ يَعافُها أهْلُ الرُّتْبَةِ [العَلِيَّةِ] والِاصْطِفاءِ، وقالَ: والهَدِيَّةُ أجَلُّ حَقِّ المالِ لِأنَّها لِمَن فَوْقَ رُتْبَةِ المُهْدِي والهِبَةُ لِأنَّها لِلْمِثْلِ ﴿فَنِعِمّا هِيَ﴾ فَجَمَعَ لَها الأمْداحَ المُبْهَمَةَ لِأنَّ نِعْمَ كَلِمَةُ مُبالَغَةٍ تَجْمَعُ المَدْحَ كُلَّهُ وما كَلِمَةٌ مُبْهَمَةٌ تَجْمَعُ المَمْدُوحَ فَتَطابَقَتا في الإبْهامِ؛ وقالَ أبُو طالِبٍ العَبْدِيُّ في شَرْحِ الإيضاحِ: إنَّ نِعْمَ،، وبِئْسَ لِلْمُبالَغَةِ فالمُرادُ بِهِما التَّناهِي في المَدْحِ والذَّمِّ ولِاخْتِصاصِهِما بِهَذا المَعْنى مُنِعَتا التَّصَرُّفَ، واقْتُصِرَ بِهِما عَلى المَعْنى لِأنَّ المَدْحَ والذَّمَّ إنَّما يَكُونانِ مُتَعَلِّقَيْنِ بِما ثَبَتَ واسْتَقَرَّ، لا يُمْدَحُ الإنْسانُ بِما لَمْ يَقَعْ مِنهُ. (p-١٠٠)انْتَهى. ﴿وإنْ تُخْفُوها﴾ حَتّى لا يَعْلَمَ بِها إلّا مَن فَعَلْتُمُوها لَهُ. ولَمّا كانَ المَقْصُودُ بِها سَدَّ الخَلَّةِ قالَ: ﴿وتُؤْتُوها الفُقَراءَ فَهُوَ﴾ أيْ فَذَلِكَ الإخْفاءُ والقَصْدُ لِلْمُحْتاجِ ﴿خَيْرٌ لَكُمْ﴾ لِأنَّهُ أبْعَدُ عَنِ الرِّياءِ وأقْرَبُ إلى الإخْلاصِ الَّذِي هو رُوحُ العِباداتِ، وفي تَعْرِيفِها وجَمْعِها ما رُبَّما أشْعَرَ بِعُمُومِ الفَرْضِ والنَّفْلِ لِما في إظْهارِ المالِ الخَفِيِّ مِنَ التَّعَرُّضِ لِلظُّلْمِ والحَسَدِ وفي إفْهامِ السِّياقِ أنَّ الصَّدَقَةَ تَجُوزُ عَلى الغَنِيِّ. ولَمّا كانَ التَّقْدِيرُ: فَإنّا نَرْفَعُ بِها دَرَجاتِكُمْ، عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: ﴿ويُكَفِّرُ عَنْكم مِن سَيِّئاتِكُمْ﴾ أيِ الَّتِي بَيْنَنا وبَيْنَكم. ولَمّا كانَ التَّقْدِيرُ: فَلا تَخافُوا مِن إخْفائِها [أنْ يَضِيعَ عَلَيْكُمْ] شَيْءٌ مِنها فَإنَّ اللَّهَ بِكُلِّ ما فَعَلْتُمُوهُ مِنها عَلِيمٌ، عَطَفَ عَلَيْهِ تَعْمِيمًا وتَرْغِيبًا وتَرْهِيبًا: ﴿واللَّهُ﴾ أيِ الَّذِي لَهُ كُلُّ كَمالٍ ﴿بِما تَعْمَلُونَ﴾ أيْ مِن ذَلِكَ وغَيْرِهِ ﴿خَبِيرٌ﴾ فَلَمْ يَدَعْ حاجَةً أصْلًا إلى الإعْلانِ فَعَلَيْكم بِالإخْفاءِ فَإنَّهُ أقْرَبُ إلى صَلاحِ الدِّينِ والدُّنْيا فَأخْلِصُوا فِيهِ وقَرُّوا عَيْنًا بِالجَزاءِ عَلَيْهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب