الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾ قال المفسرون: كان قوم يزعمون أنه ليس لجمَّالٍ ولا أَجِيرٍ ولا تاجر حج، فأعلم الله عز وجل أنه لا (جُنَاح) أي: لا حرج في ﴿أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا﴾ من رَبِّكُمْ: رزقًا من ربكم، يعني: التجارة في الحج [[هذا السبب جمعه المؤلف من عدة آثار بمعناها عن ابن عمر وابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد والحسن وقتادة، وقد ثبت عن ابن عباس أنه قال: كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية، فكانوا يتجرون فيها، فلما كان الإسلام كأنهم تأثموا منها، فسألوا النبي ﷺ فأنزل الله: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾، في مواسم الحج، رواه البخاري، "الفتح" (3/ 593) == في الحج، باب: التجارة أيام الموسم، والبيع في أسواق الجاهلية 2/ 239 برقم 1770، وأبو داود في المناسك، باب: الكرى 2/ 146 برقم 1734، والطبراني في "الكبير" 11/ 113، والطبري 2/ 285 وغيرهم، وثبت عن ابن عمر نحوه، رواه الأمام أحمد 2/ 155 برقم 6435 ط. شاكر. وصححه أحمد شاكر، وأبو داود، الموضع السابق حديث 1733، والحاكم 1/ 449 وصححه، والطبري 2/ 282 - 284، وفيه قال أبو أمامة التيمي: قلت لابن عمر: إنا قوم نكري فيزعمون أنه ليس لنا حج، فقال: ألستم تحرمون كما يحرمون، وتطوفون كما يطوفون، وترمون كما يرمون، قلت: بلى، قال: أنت حاج، جاء رجل إلى النبي ﷺ فسأله عن الذي سألتني عنه فلم يدر ما يقول له حتى نزل جبريل عليه السلام بهذه الآية.]]. قال الزجاج: وموضع أن نصب، على تقدير: ليس عليكم جناح في أن تبتغوا، فلما سقطت (في) عمل فيها معنى جُناح. المعنى: لستم تأثمون أن تبتغوا، أي: في أن تبتغوا [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 271.]]. وقوله تعالى: ﴿فَإِذَا أَفَضْتُمْ﴾ معنى الإفاضة، في اللغة: الدَّفْعُ للشَّيءِ حين يَتَفَرَّق. يقال: أفاضت العينُ دَمْعَها، وأفاض بالقداح، وعلى القداح: إذا ضرب بها منبثةً متفرقة، ومنه: وكأنَّهُن رِبَابَةٌ وكأنَّه ... يَسَر يُفِيْضُ على القِدَاحِ وَيصدَعُ [[والبيت لأبي ذؤيب الهذلي خويلد بن خالد يصف الحمُرُ، ضمن قصيدة من "المفضليات" ص 126، "ديوان الهذليين" 1/ 6 والبيت في "اللسان" مادة: ريب، وصدع. والرِّبابة: بكسر الراء: الرقعة تجمع فيها قداح الميسر، واليَسَر. صاحب الميسر، شبه الأُتُن بالقداح لتجمعهن وتراكمهن، وشبه الحمار الوحشي بالضارب الذي يفرق القداح ويجمعها. وينظر: "شرح أشعار الهذليين" للسكري 1/ 18.]] وأفاض البعير بجرته: إذا رمى بها متفرقة. قال الراعي: وأَفَضْنَ بعد كُظُومِهِنّ بجِرَّةٍ ... من ذي الأبَاطِح إذ رَعَيْنَ حَقِيلا [[البيت للراعي النميري من لاميته المطولة التي كان يرمى من لم يحفظها من أولاده وحفدته بالعقوق في "ديوانه" 52، وفي "جمهرة اللغة" لابن دريد 2/ 179 وذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" 3/ 2719 (فيض) والثعلبي في "تفسيره" 2/ 547 ويروى: من ذي الأباطل، قال ياقوت في "معجم البلدان" 2/ 279: قال ثعلب: ذو الأبارق وحقيل موضع واحد، فأراد: من ذي الأبارق إذا رعينه، والكَظْم. إمساك الفم، فلما ابتل مافي بطونها أفضن بجرة. والمعنى: أنها إذا رعت حقيلًا أفاضت بذي الأبارق.]] وأفاض القوم في الحديث، إذا اندفعوا فيه، ومنه ﴿إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ﴾ [[ينظر في مادة (فيض): "تهذيب اللغة" 3/ 2719، "تفسير الثعلبي" 2/ 546، "المفردات" ص 390، "عمدة الحفاظ" 3/ 308، قال الزجاج في "تفسيره" 1/ 272: وكل ما في اللغة من باب الإفاضة، فليس يكون إلا من تفرقة أو كثرة.]] [يونس: 61] فمعنى قوله: ﴿فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ﴾ أي: دفعتم بكثرة [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 272، وفي معنى الآية ثلاثة أقوال، هذا أحدها. والثاني: أن معناه: فإذا رجعتم من حيث بدأتم، وهذا اختيار الطبري في "تفسيره" 2/ 285، والثالث: أن الإفاضة: الإسراع من مكان إلى مكان. وينظر: "تفسير الثعلبي" 2/ 546، "النكت والعيون" 1/ 260، "البحر المحيط" 3/ 83]]، يعني دفع بعضكم بعضًا؛ لأن الناس إذا انصرفوا مزدحمين دفع بعضهم بعضًا، قال أبو إسحاق: قد دل بهذا اللفظ على أن الوقوف بها واجب؛ لأن الإفاضة لا تكون إلا بعد وقوف [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 272، قال أبو حيان في "تفسيره" 2/ 95 متعقبا هذا القول: ولا يظهر من هذا الشرط الوجوب، إنما يعلم منه الحصول في عرفة والوقوف بها، فهل ذلك على سبيل الوجوب أو الندب، لا دليل في الآية على ذلك، لكن السنة الثابتة والإجماع يدلان على ذلك.]]. وقوله تعالى: ﴿مِنْ عَرَفَاتٍ﴾ القراءةُ بالكسرةِ والتنوين؛ لأنها جَمْع عَرَفَة، مثل: مسلمات ومؤمنات، سميت بها بقعةٌ واحدة، مثل قولهم [[ثوب أخلاق: الثوب الذي بلي كله، ومعنى خلق، أي: بلي، وبرمة أعشار، وقدور أعاشر: مكسرة على عشر قطع، أو عظيمة لا يحملها إلا عشرة، والبرُمة: بالضم قدر من حجارة. والسبسب: المفازة، أو الأرض المستوية البعيدة، يقال: بلد سبسب، وسباسب.]]: ثوبٌ أَخْلاقٌ، وبَرْمَةٌ أَعْشَار، وأرضُ سَبَاسبٌ [[في (م): سباب.]]، يجمع بما حولها، فلما سميت بها البقعة الواحدة صرفت، إذ كانت مصروفة قبل أن تسمى بها البقعة، تركًا منهم لها على أصلها [[ينظر: "معاني القرآن" للأخفش 1/ 164 - 165، "الكتاب" لسيبويه 3/ 232 - 233، "تفسير البغوي" 1/ 228، "تفسير الطبري" 2/ 285 - 286، ورجح الطبري أنه اسم لواحد، سمي بجماع، فإذا صرف ذهب به مذهب الجماع الذي كان له أصلًا، وإذا ترك صرفه ذهب به إلى أنه اسم لبقعة واحدة معروفة، فترك صرفه كما يترك صرف أسماء الأمصار والقرى المعارف. واستدرك أبو حيان في "البحر" 2/ 83 على من زعم أنها جمع، بأنه إن عنى في الأصل فصحيح، وإن عنى حالة كونه علما فليس بصحيح؛ لأن الجمعية تنافي العلمية.]]. فإذا كانت في الأصل اسمًا لبقعة ولم يكن جمعًا لواحد معروف تركوا إجراءها، مثل: عانات وأذرعات [[أذرعات: موضع بالشام بين دمشق وعمان، وعانات، ويقال عانة: موضع في العراق على نهر الفرات.]]؛ لأنها ليست بجمع عانة ولا أذرعة، ففرقوا بين الواحد والجمع [["تفسير الثعلبي" 2/ 549.]]، وعلى هذا تتوجه قراءة أشهب العُقَيلي: (من عرفاتَ)، مفتوحة التاء، جعلها اسمًا واحدًا، مثل: عانات وأذْرِعَات. قال أبو إسحاق: في قوله: ﴿مِنْ عَرَفَاتٍ﴾ الوجه كسرها مع التنوين، وهي اسم لمكان واحد، ولفظه لفظ الجمع، والوجه فيه: الصرفُ عند جميع النحويين؛ لأنه بمنزلة الزيدين يستوي نصبُه وجَرُّه، وليس بمنزلة هاء التأنيث [[قوله: وليس بمنزلة هاء التأنيث ساقط من (ش).]] [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 272.]]. هذا كلامه، ومعناه: أن عرفات بمنزلة مسلماتٍ، وهو معنى قوله: لأنه بمنزلة الزيدين، وهي وإن كانت اسمًا لمكان واحد لفظه جمع كما بينا، بخلاف عانات. قال: وقد يجوز منعه الصرف إذا كان اسمًا للواحد، إلا أنه لا يكون إلا مكسورًا، وإن أسقطت التنوين، وأنشد: تَنَوَّرْتُها من أَذْرعاتٍ وأهْلُهَا ... بيَثْرِبَ أدْنَى دَارِها نَظَرٌ عَالِ [[البيت لامرئ القيس في "ديوانه" ص 124. "الكتاب" لسيبوبه 2/ 233، "الخزانة" 1/ 26، والضمير في قوله: تنورتها للمرأة التي يذكرها، وتنور النار: أبصرها من بعيد، والمعنى: لاح نور المرأة في الظلماء وهو بأذرعات بلد الشام وهي بيثرب (المدينة)، ثم يقول: أقرب ما يرى منها لا يرى إلا من عال في جو السماء، يصف بُعْدَ ما بينه وبينها، ومع ذلك فقد لاحت له في الليل من هذا المكان البعيد.]] الرواية بالتنوين، وقد أُنْشِدَ بغير التنوين، فأما الفَتْحُ فَخَطأ [[النحويون على إجازة الأوجه الثلاثة؛ لأنه ليس جمعا. ينظر الأشموني 1/ 75، وممن أنشد البيت بغير تنوين: المبرد في "المقتضب" 3/ 333.]]؛ لأن نصبَ الجميع غير المُنْصِرف وجرَّه كَسْر [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 272، والعبارة الأخيرة عنده هكذا: لأن نصب الجمع وفتحه كسر.]]. فعنده (من عرفاتَ) وهو قراءة العقيلي خطأ؛ لأن هذه التاء لا تفتح، وعند غيره إذا كان المراد به اسمًا واحدًا يجوز أن تفتح؛ لأنها ليست بتاء جمع يجري لفظه على ما كان يجري قبل التسمية، وعلى هذا جاء عرفات، قال الله عز وجل: ﴿فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ﴾ فالذي ذكره أصحابنا التنوين، أجازوا ترك التنوين. قال [[الظاهر عود الضمير على الزجاج في المواضع الثلاثة الآتية، ولم أجد هذا النقل في كتابه، إلا أن يكون في الكلام سقط، أو في "معاني القرآن" للزجاج نقص.]]: وذكر المبرد أن الفتح فيه لا يجوز [["المقتضب" للمبرد 3/ 331 - 334.]]، فلا يجوز عنده أن تقول: رأيت عرفاتَ ومسلماتَ، إذا سميت بها رجلًا، قال: ورأيت من النحويين من يقول ضد هذا، يقول: إذا حذفت التنوين لم يجز إلا الفتح، قال: وكلام سيبويه [["الكتاب" لسيبويه 3/ 232 - 233.]] عندي يدل على هذا، ولم يفصح بفتح ولا كسر، هذا معنى كلام السيرافي [[السيرافي: الحسن بن عبد الله بن مرزبان السيرافي أبو سعيد، تقدمت ترجمته 3/ 328 [البقرة: 129].]]، وهو موافق لما ذكرنا وحكينا. واختلفوا لم سميت تلك البقعة عرفات؟ [[ذكر المفسرون أقوالًا كثيرة في سبب تسمية البقعة عرفات. ينظر: "تفسير الطبري" 2/ 286، "النكت والعيون" 1/ 261، "التفسير الكبير" 5/ 188 - 190.]] فقال الضحاك: إن آدم عليه السلام لما أُهْبِطَ، وقع بالهندِ، وحَوَّاء بِجُدَّة، فجعل آدم يطلب حواءَ، وهي تطلبه، فاجتمعا بعرفات يومَ عَرَفَة، وتَعَارَفا، فسمي اليوم عَرَفَة، والموضع عرفات [[ذكره الثعلبي 2/ 549، البغوي في "تفسيره" 1/ 228، وابن الجوزي في "زاد == المسير" 2/ 174، وروى الطبري في "تاريخ الأمم والملوك" 1/ 121 عن ابن عباس نحوه، وقال ابن كثير: وقد ذكر المفسرون الأماكن التي هبط فيها كل منهما، ويرجع حاصل تلك الأخبار إلى الإسرائيليات؛ والله أعلم بصحتها، ولو كان في تعيين تلك البقاع فائدة تعود على المكلفين في أمر دينهم أو دنياهم لذكرها الله تعالى أو رسوله.]]. وقال عطاء: إن جبريل عليه السلام كان يُرِي إبراهيمَ المناسكَ، فيقول: عَرَفْتُ، ثم يريه فيقول: عرفتُ، فسميت عرفات [[رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"، القسم الأول من الجزء الرابع 291، ورواه الفاكهي في "أخبار مكة" 5/ 9، والطبري 2/ 286، والثعلبي 2/ 554، وروى الإمام أحمد 1/ 297، وغيره عن ابن عباس نحوه.]]. وقوله تعالى: ﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ﴾ أي: بالدُّعاء والتَّلْبية [["تفسير الثعلبي" 2/ 562.]] ﴿عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ﴾ وهو المزدلفة [[اختلف في المراد بالمشعر الحرام، فقيل: هو الجبل الذي بالمزدلفة، ويسمى جبل قزح، وهذا قول لبعض المفسرين، وهو الذي صححه الزمخشري. والأكثرون على أن المزدلفة كلها هي المشعر الحرام، قال الطبري 2/ 287: فأما المشعر، فإنه ما بين جبلي المزدلفة من مأزِمَي عرفة إلى محسر، وليس مأزما عرفة من المشعر، وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، ثم ذكر الرواية به عن ابن عمر وابن عباس وابن جبير ومجاهد وعطاء والسدي والربيع. ثم ذكر الطبري أنه يحتاج للحاج أن يجعل وقوفه لذكر الله من المشعر الحرام على قُزح وما حوله؛ لحديث: هذا الموقف، وكل مزدلفة موقف.]]، وتسمى أيضًا جَمْعًا؛ لأنه يجمع فيها بين صَلاتَي العشاء [["تفسير الثعلبي" 2/ 564، "تفسير البغوي" 1/ 229، "معاني القرآن" للنحاس 1/ 138، وهذا قول، وقيل: لأن الناس يجتمعون بها، وذلك أن قريشا كما سيأتي لا يخرجون إلى عرفات، فيكون اجتماع الحجيج في المزدلفة. ينظر: "معجم البلدان" [مزدلفة]، "اللسان" 4/ 2277، وذكر قولا آخر، وهو: أنها سميت بذلك لأن آدم وحواء لما هبطا اجتمعا بها.]]. وتسمى مشعرًا من الشِّعَار، وهو العلامة؛ لأنه مَعْلَم الحج. والصلاةُ [[سقطت من (م).]] والمقامُ والمبيتُ به والدعاءُ عنده من معالم الحج [["تفسير الثعلبي" 2/ 562، وينظر: "تفسير الطبري" 2/ 287، ونقل الثعلبي، عن المفضل: سمي المشعر لأنه أُشْعِرَ المؤمنون أنه حرم كالبيت ومكة، أي: اعملوا.]]. وقد ذكرنا هذا عند قوله: ﴿مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾. وقولُه تعالى: ﴿وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ﴾ موضَع الكاف نَصْب. المعنى: واذكروه ذكرًا مثل هدايته إياكم، أي: يكون جزاءً لهدايته [[من "معاني القرآن" للزجاج 1/ 273.]]، ومعنى (اذكروه) بتوحيده والثناء عليه والشكر له [[المصدر السابق.]]. قال سيبويه: يقال: ذَكَرْته ذِكرًا مثل: حَفِظْتُه حِفْظًا [["الكتاب" لسيبويه، لم أعثر عليه فيه. ونقله عنه في "اللسان" 3/ 1507 "ذكر".]]. وقالوا: ذُكرًا كما قالوا: شُربًا [[ينظر: "تهذيب اللغة"، ونقل عن الفراء قوله: الذَّكر: ما ذكرته بلسانك وأظهرته. قال: والذُّكر بالقلب، يقال: ما زال مني على ذُكر، أي: لم أنسه.]]. والذكر في كلام العرب على ضَرْبين: ذكر هو خلاف النسيان، وذكر هو قول [[ينظر: "تهذيب اللغة" 2/ 1286 - 1287، نقله عن الليث، "لسان العرب" 3/ 1508 "ذكر".]]، فمما هو خلاف النسيان قوله: ﴿وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ﴾ [الكهف: 63] والذكر الذي هو قولٌ يستعمل على ضربين: قول لا ثلبَ فيه للمذكور، كقوله: ﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ﴾ [البقرة: 200] ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة: 203]، وهو كثير. والآخر: يراد به ثلب المذكور، كقوله: ﴿سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ﴾ [الأنبياء: 60] [[نقل الأزهري في "تهذيب اللغة" 2/ 1287 "ذكر"، عن الفراء والزجاج بيان أن الذكر يكون مدحا ويكون عيبا، ونقل عن بعضهم أنه أن يكون الذكر عيبا. وينظر أيضا: "تفسير الرازي" 5/ 193 - 194، ونقله بحروفه.]]. ومن ذلك قول الشاعر: يذكركم منا عدي بن حاتم ... لَعَمْري لقد جِئْتُم حبولًا وماثما [[البيت لم أهتد إلى قائله، ولا من ذكره.]] ويقال في مصدره أيضًا: ذِكرى [[ينظر في مادة: (ذكر) "تهذيب اللغة" 2/ 1286 - 1288، "اللسان" 3/ 1507 - 1509 "ذكر"، "المفردات" ص 184 وقال: الذكر تارة يقال ويراد به هيئة للنفس، بها يمكن للإنسان أن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة، وهو كالحفظ إلا أن الحفظ يقال اعتبارًا بإحرازه، والذكر يقال اعتبارًا باستحضاره، وتارة يقال لحضور الشيء القلب أو القول، ولذلك قيل: الذكر ذكران: ذكر بالقلب، وذكر باللسان، وكل واحد منهما ضربان: ذكر عن نسيان، وذكر لا عن نسيان، بل عن إدامة الحفظ، وكل قول يقال له ذكر. ثم ذكر الأمثلة على ذلك، ولخص كلامه السمين الحلبي في "عمدة الحفاظ" 2/ 42 - 45.]]. وإنما أعاد الأمر بالذكر بعد قوله: ﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ﴾ مبالغة في الأمر، وزيادة في الحث. وأكثر ما يكون التكرير في الأمر والنهي، كقولهم للرجل: اِرْم اِرْم. على أنَّ هذا التكرير حَسُنَ هاهنا؛ لأن اللفظةَ الثانيةَ لم تلاصِقِ الأُوْلى، وأيضًا فإن الأمر الثاني موصول بما لم يَصِلْ به الأول، وكانت الإعادة لما تعلق به من قوله: ﴿كَمَا هَدَاكُمْ﴾ [[ينظر: "التفسير الكبير" 5/ 192 - 193، وذكر وجوها أخر.]]. وقال ابن الأنباري معنى قوله: ﴿وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ﴾ أي: اذكروه بتوحيده كما ذكَرَكُم بهدايته [[المصدر السابق.]]. وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ﴾ أي: من قبل هداه، فالهاء كناية عن الهدى لدلالة هدى عليه [[واختاره الطبري 2/ 291، وقيل: راجعة إلى الرسول ﷺ، كناية عن غير مذكور، وقيل: راجعة إلى القرآن، ينظر: "تفسير الثعلبي" 2/ 566، "تفسير البغوي" 1/ 230، "البحر المحيط" 2/ 98.]]، وتأويله: ما كنتم من قبل إلا ضالين، كقوله: ﴿وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ [الشعراء: 186]، يعنى: ما نظنك إلا من الكاذبين [[ينظر: "تفسير الطبري" 2/ 291، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 273، "تفسير الثعلبي" 2/ 566، "تفسير البغوي" 1/ 230، "تفسير الرازي" 5/ 195، وحكى الطبري وجها مفاده: أن إنْ بمعنى قد، والمعنى: وقد كنتم من قبل ذلك من الضالين، وهذا مذهب الكسائي كما في "البحر المحيط" 2/ 98.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب