الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ﴾ قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ذكره: ليس عليكم أيها المؤمنون جناح. * * * و"الجناح"، الحرج، [[انظر ما سلف في تفسير"الجناح" من الجزء ٣: ٢٣٠، ٢٣١.]] كما:- ٣٧٦١ - حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:" ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم"، وهو لا حرج عليكم في الشراء والبيع قبل الإحرام وبعده. * * * وقوله:" أن تبتغوا فضلا من ربكم"، يعني: أن تلتمسوا فضلا من عند ربكم. يقال منه: ابتغيت فضلا من الله - ومن فضل الله- أبتغيه ابتغاء"، إذا طلبته والتمسته،" وبغيته أبغيه بغيا"، [[انظر ما سلف في تفسير: "ابتغي" من الجزء ٣: ٥٠٨.]] كما قال عبد بني الحسحاس: بغاك، وما تبغيه حتى وجدته ... كأنك قد واعدته أمس موعدا [[ديوانه: ٤١ وسيأتي في التفسير ٤: ١٥- ١٦/ ٥: ٤٥ (بولاق) وهذا البيت متعلق بثلاثة أبيات قبله، هو تمام معناها في ذكر الموت: رأيت المنايا لم يهبن محمدا ... ولا أحدا ولم يدعن مخلدا ألا لا أرى على المنون ممهلا ... ولا باقيا إلا له الموت مرصدا سيلقاك قرن لا تريد قتاله ... كمي إذا ما هم بالقرن أقصدا بغاك وما تبغيه. . . . . . . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . وقوله: "حتى وجدته" رواية الديوان"إلا وجدته". ورواية الطبري عزيزة فهي شاهد قل أن نظفر به على أن"حتى" تأتي بمعنى"إلا" في الاستثناء وقد ذكر ذلك ابن هشام في المغني ١: ١١١ قال بعد ذكر وجوه"حتى": "وبمعنى إلا في لاستثناء، وهذا أقلها وقل من يذكره".]] يعني طلبك والتمسك. * * * وقيل: إن معنى" ابتغاء الفضل من الله"، التماس رزق الله بالتجارة، وأن هذه الآية نزلت في قوم كانوا لا يرون أن يتجروا إذا أحرموا يلتمسون البر بذلك، فأعلمهم جل ثناؤه أن لا بر في ذلك، وأن لهم التماس فضله بالبيع والشراء. * ذكر من قال ذلك: ٣٧٦٢ - حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي، قال: حدثنا المحاربي، عن عمر بن ذر، عن مجاهد، قال: كانوا يحجون ولا يتجرون، فأنزل الله:" ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم"، قال: في الموسم. ٣٧٦٣ - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا عمر بن ذر، قال: سمعت مجاهدا يحدث قال: كان ناس لا يتجرون أيام الحج، فنزلت فيهم" ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم". [[في المطبوعة: "فنزلت فيهم: لا جناح عليكم أن تبتغوا. . " وبين أنه خطأ وسهو.]] ٣٧٦٤ - حدثني محمد بن عمارة الأسدي، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا أبو ليلى، عن بريدة في قوله تبارك وتعالى:" ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم"، قال: إذا كنتم محرمين، أن تبيعوا وتشتروا. ٣٧٦٥ - حدثنا طليق بن محمد الواسطي، قال: أخبرنا أسباط، قال: أخبرنا الحسن ابن عمرو، عن أبي أمامة التيمي قال: قلت لابن عمر: إنا قوم نكرى، فهل لنا حج؟ قال: أليس تطوفون بالبيت، وتأتون المعرف وترمون الجمار، وتحلقون رؤوسكم؟ فقلنا: بلى! قال: جاء رجل إلى النبي: ﷺ فسأله عن الذي سألتني عنه، فلم يدر ما يقول له، حتى نزل جبريل عليه السلام عليه بهذه الآية:" ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم" إلى آخر الآية، فقال النبي ﷺ: أنتم حجاج. [[الحديث: ٣٧٦٥ -طليق بن محمد بن السكن الواسطي شيخ الطبري: ثقة، قال ابن حبان في الثقات: "مستقيم الحديث كالأثبات". وهو من شيوخ النسائي وابن خزيمة وغيرهما. وهذا الباب باب"طليق": نص الذهبي في المشتبه على أنه بفتح الطاء وتبعه الحافظ ابن حجر في تحرير المشتبه. ولم يذكرا غير هذا الضبط. ولكن الحافظ في التقريب ضبط أول اسم فيه"بالتصغير" بالنص على ذلك. وأنا أرجح أنه وهم منه، رحمه الله. أسباط: هو ابن محمد بن عبد الرحمن بن خالد بن ميسرة وهو ثقة من شيوخ أحمد وابن راهويه وغيرهما. الحسن بن عمرو الفقيمي -بضم الفاء- التميمي الكوفي: ثقة أخرج له البخاري في صحيحه ابو أمامة التيمي: تابعي ثقة. بينا ترجمته ومراجعها في شرح المسند: ٦٤٣٤. والحديث رواه أحمد في المسند: ٦٤٣٤ عن أسباط بن محمد بهذا الإسناد. وقد فصلنا القول في تخريجه هناك. ونقله ابن كثير ١: ٤٦٣ عن المسند و ٤٦٤ عن هذا الموضع من الطبري وسيأتي بإسناد آخر: ٣٧٨٩.]] ٣٧٦٦ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: أخبرنا أيوب، عن عكرمة، قال: كانت تقرأ هذه الآية:"ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج". ٣٧٦٧ - حدثنا عبد الحميد، قال: أخبرنا إسحاق، عن شريك، عن منصور بن المعتمر في قوله:" ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم"، قال: هو التجارة في البيع والشراء، والاشتراء لا بأس به. ٣٧٦٨ - حدثت عن أبي هشام الرفاعي، قال: حدثنا وكيع، عن طلحة بن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس أنه كان يقرؤها:" ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج". ٣٧٦٩ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، عن علي بن مسهر، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس، قال: كان متجر الناس في الجاهلية عكاظ وذو المجاز، فلما جاء الإسلام كأنهم كرهوا ذلك، حتى أنزل الله جل ثناؤه:" ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم". ٣٧٧٠ - حدثنا الحسن بن عرفة، قال: حدثنا شبابة بن سوار، قال: حدثنا شعبة، عن أبي أميمة، قال: سمعت ابن عمر - وسئل عن الرجل يحج ومعه تجارة - فقرأ ابن عمر:" ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم". [[الخبر: ٣٧٧٠ -أبو أميمة: الراجح الظاهر أنه"أبو أمامة التيمي" الماضي في الحديث ٣٧٦٥، وأن هذا الخبر مختصر من ذاك الحديث ولكنه موقوف على ابن عمر. وقد نقله ابن كثير ١: ٤٦٣، عن هذا الموضع من الطبري وقال: "وهذا موقوف، وهو قوي جيد".]] ٣٧٧١ - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا هشيم = وحدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا هشيم = قال: أخبرنا يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: كانوا لا يتجرون في أيام الحج، فنزلت:" ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم". ٣٧٧٢ - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا حجاج، عن عطاء، عن ابن عباس أنه قرأ: [[في المطبوعة: "قال" مكان"قرأ" وهو سهو من الناسخ، وانظر الأثر السالف: ٣٧٦٦، ٣٧٦٨، والآثار التي تلي هذا الأثر.]] " ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج". ٣٧٧٣ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا طلحة بن عمرو الحضرمي، عن عطاء قوله:" ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج"، هكذا قرأها ابن عباس. ٣٧٧٤ - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن علية، قال: حدثنا ليث، عن مجاهد في قوله:" ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم"، قال: التجارة في الدنيا، والأجر في الآخرة. ٣٧٧٥ - حدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى:" ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم"، قال: التجارة، أحلت لهم في المواسم. قال: فكانوا لا يبيعون، أو يبتاعون في الجاهلية بعرفة. ٣٧٧٦ - حدثنا المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. ٣٧٧٧ - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:" ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم"، كان هذا الحي من العرب لا يعرجون على كسير ولا ضالة ليلة النفر، وكانوا يسمونها"ليلة الصدر"، ولا يطلبون فيها تجارة ولا بيعا، فأحل الله عز وجل ذلك كله للمؤمنين، أن يعرجوا على حوائجهم ويبتغوا من فضل ربهم. ٣٧٧٨ - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عبيد الله بن أبي يزيد، قال: سمعت ابن الزبير يقرأ: [[في المطبوعة: "سمعت ابن الزبير يقول" والصواب من مخطوطة تفسير عبد الرزاق ص: ٢١.]] " ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج". [[الخبر: ٣٧٧٨ - أشار إليه الحافظ في الفتح ٣: ٤٧٣ وذكر أنه رواه ابن عيينة وابن جريج عن عبيد الله بن أبي يزيد. ولم يذكر من خرجه وقد عرفنا من رواية الطبري أنه خرجه عبد الرزاق عن ابن عيينة. وهو في تفسير عبد الرزاق ص: ٢١، بهذا الإسناد. وهو صحيح عبيد الله بن ألبي يزيد المكي: تابعي ثقة.]] ٣٧٧٩ - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، قال: قال ابن عباس: كانت ذو المجاز وعكاظ متجرا للناس في الجاهلية، فلما جاء الإسلام تركوا ذلك حتى نزلت:" ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج". ٣٧٨٠ - حدثنا أحمد بن حازم والمثنى، قالا حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا سفيان، عن محمد بن سوقة، قال: سمعت سعيد بن جبير يقول: كان بعض الحاج يسمون"الداج"، فكانوا ينزلون في الشق الأيسر من منى، وكان الحاج ينزلون عند مسجد منى، فكانوا لا يتجرون، حتى نزلت:" ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم"، فحجوا. [[الداج: هم الذين مع الحجاج من الأجراء والمكارين والأعوان والخدم، وظاهر أنهم كانوا لا يحجون مع الناس.]] ٣٧٨١ - حدثني أحمد بن حازم، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا عمر بن ذر، عن مجاهد قال: كان ناس يحجون ولا يتجرون، حتى نزلت:" ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم"، فرخص لهم في المتجر والركوب والزاد. ٣٧٨٢ - حدثنا موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط عن السدي، قوله:" ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم"، هي التجارة. قال: اتجروا في الموسم. ٣٧٨٣ - حدثنا محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:" ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم"، قال: كان الناس إذا أحرموا لم يتبايعوا حتى يقضوا حجهم، فأحله الله لهم. ٣٧٨٤ - حدثنا المثنى، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا سفيان، عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: كانوا يتقون البيوع والتجارة أيام الموسم، يقولون:" أيام ذكر! " فأنزل الله:" ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم"، فحجوا. ٣٧٨٥ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن طلحة بن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس أنه كان يقرؤها:" ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج". ٣٧٨٦ - حدثنا المثنى، قال: حدثنا الحماني، قال: حدثنا شريك، عن منصور، عن إبراهيم، قال: لا بأس بالتجارة في الحج، ثم قرأ:" ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم". ٣٧٨٧ - حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس قوله:" ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم"، قال: كان هذا الحي من العرب لا يعرجون على كسير ولا على ضالة ولا ينتظرون لحاجة، وكانوا يسمونها" ليلة الصدر"، ولا يطلبون فيها تجارة. فأحل الله ذلك كله، أن يعرجوا على حاجتهم، وأن يطلبوا فضلا من ربهم. ٣٧٨٨ - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا مندل، عن عبد الرحمن بن المهاجر، عن أبي صالح مولى عمر، قال: قلت لعمر: يا أمير المؤمنين، كنتم تتجرون في الحج؟ قال: وهل كانت معايشهم إلا في الحج. ٣٧٨٩ - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن العلاء بن المسيب، عن رجل من بني تيم الله، قال: جاء رجل إلى عبد الله بن عمر، فقال: يا أبا عبد الرحمن، إنا قوم نكرى فيزعمون أنه ليس لنا حج! قال: ألستم تحرمون كما يحرمون، وتطوفون كما يطوفون، وترمون كما يرمون؟ قال: بلى! قال: فأنت حاج! جاء رجل إلى النبي ﷺ فسأله عما سألت عنه، فنزلت هذه الآية:" ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم". [[الحديث: ٣٧٨٩ -العلاء بن المسيب بن رافع الأسدي: ثقة مأمون، كما قال ابن معين. والديث رواه أحمد في المسند: ٦٤٣٥، عن عبد الله بن الوليد العدني، عن سفيان الثوري بهذا الإسناد. وقلنا في شرحه: إن إسناده صحيح، وأن إبهام الرجل من بني تيم الله- لا يضر، فقد عرف أنه"أبو أمامة التيمي". كما مضى في: ٣٧٦٥. وقد خرجناه مفصلا في المسند.]] ٣٧٩٠ - حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: كانوا إذا أفاضوا من عرفات لم يتجروا بتجارة، ولم يعرجوا على كسير، ولا على ضالة، فأحل الله ذلك، فقال:" ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم" إلى آخر الآية. ٣٧٩١ - حدثني سعيد بن الربيع الرازي، قال: حدثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس، قال: كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية، فكانوا يتجرون فيها. فلما كان الإسلام كأنهم تأثموا منها، فسألوا النبي ﷺ، فأنزل الله:" ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج. [[الحديث: ٣٧٩١ -سعيد بن الربيع الرازي- شيخ الطبري: لم أجد له ترجمة. وقد ذكر في فهارس تاريخ الطبري بهذا الاسم، فانتفت شبهة التحريف فيه. و"سفيان" -شيخه: هو ابن عيينة. ويشتبه"سعيد بن الربيع" براو آخر، هو"سعيد بن الربيع الهروي الجرشي العامري" المترجم في التهذيب. ولكنه قديم الوفاة، مات سنة ٢١١ قبل ولادة الطبري. وهو من أقدم شيوخ البخاري. والحديث رواه البخاري ٤: ٢٤٨، ٢٦٩، و ٨: ١٣٩ (فتح) من طريق سفيان ابن عيينة بهذا الإسناد. ورواه أيضًا ٣: ٤٧٣- ٤٧٤ من طريق ابن جريج عن عمرو بن دينار. وذكره ابن كثير ١: ٤٦٢، من رواية البخاري. وهذا الحديث من أفراد البخاري -دون مسلم- كما نص على ذلك الحافظ في الفتح ٣: ٤٧٥. ولم أجده في مسند أحمد. وهو من الأحاديث الصحاح القليلة، التي في أحد الصحيحين وليست في المسند. وقد مضى نحو معناه مختصرا: ٣٧٧٩، من رواية عبد الرزاق عن ابن عيينة ومضى كذلك مختصرا: ٣٧٧١، ٣٧٨٤، من وجه آخر من رواية مجاهد عن ابن عباس. و ٣٧٧٢، ٣٧٨٥، من وجه ثالث، من رواية عطاء عن ابن عباس.]] * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ﴾ قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله:" فإذا أفضتم"، فإذا رجعتم من حيث بدأتم. * * * ولذلك قيل للذي يضرب القداح بين الأيسار:"مفيض"، لجمعه القداح، ثم إفاضته إياها بين الياسرين. [[القداح جمع قدح (بكسر فسكون) : هو السهم قبل أن ينصل ويراش، كانوا يستقسمون بها في الميسر، وهي الأزلام أيضًا. والأيسار جمع يس (بفتحين) وهم المجتمعون على الميسر من أشراف الحي. وفي المطبوعة: "المياسرين" والصواب ما أثبت. والياسر: الضارب بالقداح والمتقامر على الجزور اللاعب بالقداح.]] ومنه قول بشر بن أبي خازم الأسدي: [[في المطبوعة: "ابن أبي حازم" وهو خطأ.]] فقلت لها ردي إليه جنانه ... فردت كما رد المنيح مفيض [[لم أجد هذا البيت في مكان، ومن القصيدة ثلاثة أبيات في الحيوان ٦: ٣٤٣ من هذا الشعر، وهي أبيات جياد. والمنيح: أحد القداح الأربعة التي ليس لها غرم ولا غنم في قداح الميسر، ولكن قد يمنح صاحبه شيئا من الجزور. ولا أتبين معنى البيت حتى أعرف ما قبله، وأعرف الضمائر فيه إلى من تعود.]] * * * ثم اختلف أهل العربية في"عرفات"، والعلة التي من أجلها صُرفت وهي معرفة، وهل هي اسم لبقعة واحدة أم هي لجماعة بقاع؟ فقال بعض نحويي البصريين: هي اسم كان لجماعة مثل"مسلمات، ومؤمنات"، سميت به بقعة واحدة، فصرف لما سميت به البقعة الواحدة، إذ كان مصروفا قبل أن تسمى به البقعة، تركا منهم له على أصله. لأن"التاء" فيه صارت بمنزلة"الياء والواو" في"مسلمين ومسلمون"، لأنه تذكيره، وصار التنوين بمنزلة"النون". فلما سمي به ترك على حاله، كما يترك" المسلمون" إذا سمي به على حاله. [[هو قول الأخفش (اللسان: عرف) ومعجم البلدان (عرفات) وانظر سيبويه ٢: ١٧- ١٨.]] قال: ومن العرب من لا يصرفه إذا سمي به، ويشبه"التاء" بهاء التأنيث، وذلك قبيح ضعيف، واستشهدوا بقول الشاعر: [[هو امرؤ القيس بن حجر.]] تنورتها من أذرعات وأهلها ... بيثرب أدنى دارها نظر عالي [[ديوانه: ١٤٠، وسيبويه ٢: ١٨ والخزانة ١: ٢٦ وهو من قصيدته الرائعة المشهورة والضمير في قوله: "تنورتها" للمرأة التي يذكرها (انظر طبقات فحول الشعراء: ٦٨ تعليق: ٣) . وتنورالنار أبصرها من بعيد جعل المرأة تضيء له فيراها كالنار المشبوبة. وأذرعات: بلد بالشام. ويثرب: مدينة رسول الله ﷺ كان هذا اسمها في الجاهلية. يقول: لاح له نورها في الظلماء، وهو بالشام وأهلها بالمدينة. ثم يقول: أقرب ما يرى منها لا يرى إلا من مكان عال في جو السماء. يصف بعد ما بينه وبينها، ومع ذلك فقد لاحت له في الليل من هذا المكان البعيد، وأتم المعنى في البيت لتالي: نظرت إليها والنجوم كأنها مصابيح رهبان تشب لقفال]] ومنهم من لا ينون"أدرعات" وكذلك:"عانات"، وهو مكان. وقال بعض نحويي الكوفيين: إنما انصرفت"عرفات"، لأنهن على جماع مؤنث"بالتاء". قال: وكذلك ما كان من جماع مؤنث"بالتاء"، ثم سميت به رجلا أو مكانا أو أرضا أو امرأة، انصرفت. قال: ولا تكاد العرب تسمي شيئا من الجماع إلا جماعا، ثم تجعله بعد ذلك واحدا. وقال آخرون منهم: ليست"عرفات" حكاية، ولا هي اسم منقول، [[الحكاية: الإتيان باللفظ على ما كان عليه من قبل، وسيظهر معناها في الأسطر الآتية.]] ولكن الموضع مسمى هو وجوانبه"بعرفات"، ثم سميت بها البقعة. اسم للموضع، ولا ينفرد واحدها. قال: وإنما يجوز هذا في الأماكن والمواضع، ولا يجوز ذلك في غيرها من الأشياء. قال: ولذلك نصبت العرب"التاء" في ذلك، لأنه موضع. ولو كان محكيا، لم يكن ذلك فيه جائزا، لأن من سمى رجلا"مسلمات" أو"مسلمين" لم ينقله في الإعراب عما كان عليه في الأصل، فلذلك خالف:"عانات، وأذرعات"، ما سمي به من الأسماء على جهة الحكاية. * * * قال أبو جعفر: واختلف أهل العلم في المعنى الذي من أجله قيل لعرفات"عرفات". فقال بعضهم: قيل لها ذلك من أجل أن إبراهيم خليل الله صلوات الله عليه لما رآها عرفها بنعتها الذي كان لها عنده، فقال: قد عرفت، فسميت عرفات بذلك. وهذا القول من قائله يدل على أن عرفات اسم للبقعة، وإنما سميت بذلك لنفسها وما حولها، كما يقال: ثوب أخلاق، وأرض سباسب، فتجمع بما حولها. [[انظر ما سلف ١: ٤٣٣.]] * ذكر من قال ذلك: ٣٧٩٢ - حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي، قال: لما أذن إبراهيم في الناس بالحج، فأجابوه بالتلبية، وأتاه من أتاه أمره الله أن يخرج إلى عرفات، ونعتها فخرج، فلما بلغ الشجرة عند العقبة، استقبله الشيطان يرده، فرماه بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، فطار فوقع على الجمرة الثانية، فصده أيضا، فرماه وكبر، فطار فوقع على الجمرة الثالثة، فرماه وكبر. فلما رأى أنه لا يطيقه، ولم يدر إبراهيم أين يذهب، [[في المطبوعة: "فلما رأى أنه لا يطيعه، فلم يدر إبراهيم" والصواب ما أثبته عن نص الطبري آنفًا، كما سيأتي في المراجع بعد.]] انطلق حتى أتى ذا المجاز، [[في المطبوعة: "فانطلق" والصواب ما أثبت.]] فلما نظر إليه فلم يعرفه جاز، فلذلك سمي:"ذا المجاز". ثم انطلق حتى وقع بعرفات، فلما نظر إليها عرف النعت، قال:"قد عرفت! " فسمي:"عرفات". فوقف إبراهيم بعرفات، حتى إذا أمسى ازدلف إلى جمع، فسميت:"المزدلفة"، فوقف بجمع. [[الأثر: ٣٧٩٢ -قد سلف تاما برقم: ٢٠٦٥، والتصويب السالف منه.]] ٣٧٩٣ - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن سليمان التيمي، عن نعيم بن أبي هند، قال: لما وقف جبريل بإبراهيم عليهما السلام بعرفات، قال:"عرفت! "، فسميت عرفات لذلك. ٣٧٩٤ - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قال ابن المسيب: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: بعث الله جبريل إلى إبراهيم فحج به، فلما أتى عرفة قال:"قد عرفت! "، وكان قد أتاها مرة قبل ذلك، ولذلك سميت"عرفة". * * * وقال آخرون: بل سميت بذلك بنفسها وببقاع أخر سواها. * ذكر من قال ذلك: ٣٧٩٥ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع بن مسلم القرشي، عن أبي طهفة، عن أبي الطفيل، عن ابن عباس قال: إنما سميت عرفات، لأن جبريل عليه السلام، كان يقول لإبراهيم: هذا موضع كذا، هذا موضع كذا، فيقول:" قد عرفت! "، فلذلك سميت"عرفات". [[الخبر: ٣٧٩٥ - هذا إسناد مشكل، لا أدري ما وجه صوابه. أما"وكيع بن مسلم القرشي": فما وجدت راويا بهذا الاسم ولا ما يشبهه. والذي أكاد أجزم به أنه"وكيع بن الجراح" الإمام المعروف. وأن كلمة"بن" محرفة عن كلمة"عن" ثم يزيد الإشكال أن لم أجد من اسمه"مسلم القرشي" وإشكال ثالث، أن"أبا طهفة" هذا لا ندري ما هو؟ واليقين -عندي- أن الإسناد محرف غير مستقيم.]] ٣٧٩٦ - حدثني المثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء قال: إنما سميت عرفة أن جبريل كان يري إبراهيم عليهما السلام المناسك، فيقول:" عرفت، عرفت! " فسمي"عرفات". ٣٧٩٧ - حدثني المثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن زكريا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: قال ابن عباس: أصل الجبل الذي يلي عرنة وما وراءه موقف، حتى يأتي الجبل جبل عرفة. وقال ابن أبي نجيح: عرفات:"النبعة" و"النبيعة" و"ذات النابت"، وذلك قول الله:" فإذا أفضتم من عرفات"، وهو الشعب الأوسط. وقال زكريا: ما سال من الجبل الذي يقف عليه الإمام إلى عرفة، فهو من عرفة، وما دبر ذلك الجبل فليس من عرفة. * * * وهذا القول يدل على أنها سميت بذلك نظير ما يسمى الواحد باسم الجماعة المختلفة الأشخاص. * * * قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب في ذلك عندي أن يقال: هو اسم لواحد سمي بجماع، فإذا صرف ذهب به مذهب الجماع الذي كان له أصلا. وإذا ترك صرفه ذهب به إلى أنه اسم لبقعة واحدة معروفة، فترك صرفه كما يترك صرف أسماء الأمصار والقرى المعارف. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ﴾ قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: فإذا أفضتم فكررتم راجعين من عرفة، إلى حيث بدأتم الشخوص إليها منه،" فاذكروا الله"، يعني بذلك: الصلاة، والدعاء عند المشعر الحرام. * * * وقد بينا قبل أن"المشاعر" هي المعالم، من قول القائل:"شعرت بهذا الأمر"، أي علمت، ف"المشعر"، هو المعلم، [[انظر ما سلف في الجزء ٣: ٢٢٦، ٢٢٧ (بولاق) تفسير"شعائر".]] سمي بذلك لأن الصلاة عنده والمقام والمبيت والدعاء، من معالم الحج وفروضه التي أمر الله بها عباده. وقد:- ٣٧٩٨ - حدثني المثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن زكريا، عن ابن أبي نجيح، قال: يستحب للحاج أن يصلي في منزله بالمزدلفة إن استطاع، وذلك أن الله قال:" فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم". * * * فأما"المشعر": فإنه هو ما بين جبلي المزدلفة من مأزمي عرفة إلى محسر. وليس مأزما عرفة من"المشعر". [[المأزم: كل طريق ضيق بين جبلين. ومأزما عرفة: مضيق ين جمع وعرفة.]] وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ٣٧٩٩ - حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا ابن أبي زائدة، قال: أخبرنا إسرائيل، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: رأى ابن عمر الناس يزدحمون على الجبيل بجمع فقال: أيها الناس إن جمعا كلها مشعر. ٣٨٠٠ - حدثني يعقوب، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا حجاج، عن نافع، عن ابن عمر أنه سئل عن قوله:" فاذكروا الله عند المشعر الحرام"، قال: هو الجبل وما حوله. ٣٨٠١ - حدثنا هناد، قال: حدثنا ابن أبي زائدة، قال: أخبرنا إسرائيل، عن حكيم بن جبير، عن ابن عباس قال: ما بين الجبلين اللذين بجمع مشعر. ٣٨٠٢ - حدثنا هناد، قال: حدثنا ابن أبي زائدة، قال: أخبرنا الثوري، عن السدي، عن سعيد بن جبير، مثله. ٣٨٠٣ - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري= وحدثني أحمد بن حازم قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا سفيان= عن السدي، عن سعيد بن جبير، قال: سألته عن المشعر الحرام فقال: ما بين جبلي المزدلفة. ٣٨٠٤ - حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، قال:"المشعر الحرام" المزدلفة كلها= قال معمر: وقاله قتادة. ٣٨٠٥ - حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، قال: أنبأنا الثوري، عن السدي، عن سعيد بن جبير:" فاذكروا الله عند المشعر الحرام"، قال: ما بين جبلي المزدلفة هو المشعر الحرام. ٣٨٠٦ - حدثنا هناد، قال: حدثنا ابن أبي زائدة، قال: أخبرنا أبي، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، قال: سألت عبد الله بن عمر عن المشعر الحرام، فقال: إذا انطلقت معي أعلمتكه. قال: فانطلقت معه، فوقفنا حتى إذا أفاض الإمام سار وسرنا معه، حتى إذا هبطت أيدي الركاب، وكنا في أقصى الجبال مما يلي عرفات قال: أين السائل عن المشعر الحرام؟ أخذت فيه! قلت: ما أخذت فيه؟ قال: كلها مشاعر إلى أقصى الحرم. ٣٨٠٧ - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا إسرائيل= وحدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيل= عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون الأودي، قال: سألت عبد الله بن عمر، عن المشعر الحرام قال: إن تلزمني أركه. قال: فلما أفاض الناس من عرفة وهبطت أيدي الركاب في أدنى الجبال، قال: أين السائل عن المشعر الحرام؟ قال: قلت: ها أنا ذاك، قال: أخذت فيه! قلت: ما أخذت فيه! قال: حين هبطت أيدي الركاب في أدنى الجبال فهو مشعر إلى مكة. ٣٨٠٨ - حدثنا هناد، قال: حدثنا وكيع، عن عمارة بن زاذان، عن مكحول الأزدي، قال: سألت ابن عمر يوم عرفة عن المشعر الحرام؟ فقال: الزمني! فلما كان من الغد وأتينا المزدلفة، قال: أين السائل عن المشعر الحرام؟ هذا المشعر الحرام. ٣٨٠٩ - حدثنا هناد، قال: حدثنا ابن أبي زائدة، قال: أخبرنا داود، عن ابن جريج، قال: قال مجاهد: المشعر الحرام: المزدلفة كلها. ٣٨١٠ - حدثنا هناد، قال: حدثنا ابن أبي زائدة، قال: أخبرنا داود، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء: أين المزدلفة؟ قال: إذا أفضت من مأزمي عرفة، فذلك إلى محسر. قال: وليس المأزمان مأزما عرفة من المزدلفة، ولكن مفاضاهما. قال: قف بينهما إن شئت، وأحب إلي أن تقف دون قزح. هلم إلينا من أجل طريق الناس!. ٣٨١١ - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: رآهم ابن عمر يزدحمون على قزح، فقال: علام يزدحم هؤلاء؟ كل ما ههنا مشعر!. ٣٨١٢ - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: المشعر الحرام المزدلفة كلها. ٣٨١٣ - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. ٣٨١٤ - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:" فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام" وذلك ليلة جمع. قال قتادة: كان ابن عباس يقول: ما بين الجبلين مشعر. ٣٨١٥ - حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي، قال: المشعر الحرام هو ما بين جبال المزدلفة = ويقال: هو قرن قزح. [[القرن: الجبل الصغير المستطيل المنقطع عن الجبل الكبير.]] ٣٨١٦ - حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع:" فاذكروا الله عند المشعر الحرام"، وهي المزدلفة، وهي جمع. * * * * وذكر عن عبد الرحمن بن الأسود ما:- ٣٨١٧ - حدثنا به هناد، قال: حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن جابر، عن عبد الرحمن بن الأسود، قال: لم أجد أحدا يخبرني عن المشعر الحرام. ٣٨١٨ - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفيان، عن السدي، قال: سمعت سعيد بن جبير يقول: المشعر الحرام: ما بين جبلي مزدلفة. ٣٨١٩ - حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا قيس، عن حكيم بن جبير، عن سعيد بن جبير، قال: سألت ابن عمر عن المشعر الحرام فقال: ما أدري؟ وسألت ابن عباس، فقال: ما بين الجبلين. ٣٨٢٠ - حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيل: عن أبي إسحاق، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: الجبيل وما حوله مشاعر. ٣٨٢١ - حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيل، عن ثوير، قال: وقفت مع مجاهد على الجبيل، فقال: هذا المشعر الحرام. ٣٨٢٢ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا حسن بن عطية، قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الضحاك، عن ابن عباس، الجبيل وما حوله مشاعر. * * * قال أبو جعفر: وإنما جعلنا أول حد المشعر مما يلي منى، منقطع وادي محسر مما يلي المزدلفة، لأن:- ٣٨٢٣ - المثنى حدثني قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، عن زيد بن أسلم، عن النبي ﷺ قال:"عرفة كلها موقف إلا عرنة، وجمع كلها موقف إلا محسرا". [[الحديث: ٣٨٢٣ -هذا حديث مرسل كما قال ابن كثير ١: ٤٦٧ وقد رواه مالك في الموطأ ص: ٣٨٨"أنه بلغه عن رسول الله ﷺ"- دون إسناد. وذكره ابن عبد البر في كتاب"التقصي" رقم: ٨٣٩. وقال: "وهذا الحديث يتصل من حديث جابر بن عبد الله ومن حديث ابن عباس، ومن حديث علي بن أبي طالب". وحديث جابر رواه مسلم ١: ٣٤٨ ولكن ليس فيه استثناء"عرنة" و"محسر" ورواه ابن ماجه: ٣٠١٢ من حديث جابر وفيه هذا الاستثناء. وإسناده ضعيف جدا. وانظر السنن الكبرى للبيهقي ٥: ١١٥، والتلخيص الحبير ص: ٢١٦ ونصب الراية ٣: ٦٠- ٦٢.]] ٣٨٢٤ - حدثني يعقوب، قال: حدثني هشيم، عن حجاج، عن ابن أبي مليكة، عن عبد الله بن الزبير، أنه قال: كل مزدلفة موقف إلا وادي محسر. ٣٨٢٥ - حدثني يعقوب، قال: حدثنا هشيم، عن حجاج، قال: أخبرني من سمع عروة بن الزبير يقول مثل ذلك. ٣٨٢٦ - حدثني المثنى، قال: حدثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، عن هشام بن عروة، قال: قال عبد الله بن الزبير في خطبته: تعلمن أن عرفة كلها موقف إلا بطن عرنة، تعلمن أن مزدلفة كلها موقف إلا بطن محسر. [[الخبر: ٣٨٢٦ -رواه مالك في الموطأ ص ٣٨٨، بنحوه عن هشام بن عروة عن عبد الله بن الزبير.]] * * * قال أبو جعفر: غير أن ذلك وإن كان كذلك فإني أختار للحاج أن يجعل وقوفه لذكر الله من المشعر الحرام على قزح وما حوله، لأن:- ٣٨٢٧ - أبا كريب حدثنا، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى، عن إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع، عن عبد الرحمن بن الحارث المخزومي، عن زيد بن علي، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي قال: لما أصبح رسول الله ﷺ بالمزدلفة، غدا فوقف على قزح، وأردف الفضل، ثم قال: هذا الموقف، وكل مزدلفة موقف. ٣٨٢٨ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا يونس بن بكير، قال: أخبرنا إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع، عن عبد الرحمن بن الحارث، عن زيد بن علي بن الحسين، عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبي رافع، عن رسول الله ﷺ بنحوه. [[الحديثان: ٣٨٢٧، ٣٨٢٨ -إبراهيم بن إسمعيل بن مجمع الأنصاري المدني: ضعيف قال ابن معين: "ليس بشيء" وقال البخاري: "كثير الوهم". عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي: ثقة من أهل العلم. ين بن علي بن أبي طالب: ثقة معروف، لا يحتاج إلى تعريف. وهو الذي تنسب إليه الزيدية من الشيعة. وكان حربا على الرافضة. وهو يروى عن عبيد الله بن أبي رافع مباشرة، ولكنه روى هذا الحديث بعينه -كما سيأتي في التخريج- عن أبيه زين العابدين علي بن الحسين عن عبيد الله. عبيد الله بن أبي رافع المدني، مولى رسول الله ﷺ: تابعي ثقة. وكان كاتبا لعلي بن أبي طالب رضي اله عنه. وهذا الحديث مختصر من حديث مطول. وقد أخطأ فيه إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع: فحذف من الإسناد [عن أبيه] بين زيد بن علي وعبيد الله بن أبي رافع. وذكر أن رسول الله ﷺ"أردف الفضل" -في هذا الحديث. وإنما"أردف أسامة بن زيد". وإرداف الفضل بن عباس كان في حادثة أخرى. والحديث رواه احمد في المسند: ١٣٤٧، عن يحيى بن آدم عن سفيان -وهو الثوري-"عن عبد الرحمن بن عياش عن زيد بن علي، عن أبيه عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي قال: وقف رسول الله ﷺ بعرفة فقال: هذا الموقف وعرفة كلها موقف ثم أردف أسامة فجعل يعتق على ناقته، والناس يضربون الإبل يمينا وشمالا، لا يلتفت إليهم". وهذا مختصر أيضًا. ورواه أبو داود: ١٩٢٢، عن أحمد بن حنبل بهذا الإسناد واختصره قليلا. ورواه أحمد: ٥٦٢ عن أبي أحمد الزبيري عن سفيان بهذا الإسناد مطولا. وفيه -بعد إرداف أسامة-"ثم أتى قزح فوقف على قزح، فقال: هذا الموقف وجمع كلها موقف. . . "- إلى آخره مطولا. ورواه عبد الله بن أحمد، في زيادات المسند: ٥٦٤ من طريق المغيرة بن عبد الرحمن المخزومي عن أبيه. و ٦١٣ من طريق مسلم بن خالد الزنجي، عن عبد الرحمن المخزومي - بهذا الإسناد مطولا أيضًا. ورواه الترمذي ٢: ١٠٠- ١٠١، مطولا من طريق أبي أحمد الزبيري عن الثوري وقال: "حديث حسن صحيح، لا نعرفه من حديث علي إلا من هذا الوجه من حديث عبد الرحمن بن الحارث ابن عياش. وقد رواه غير واحد عن الثوري مثل هذا".]] ٣٨٢٩ - حدثنا هناد وأحمد الدولابي، قالا حدثنا سفيان، عن ابن المنكدر، عن سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع عن ابن الحويرث، قال: رأيت أبا بكر واقفا على قزح وهو يقول: أيها الناس أصبحوا! أيها الناس أصبحوا! ثم دفع. [[الخر: ٣٨٢٩ -سفيان: هو ابن عيينة. ابن المنكدر: هو محمد بن المنكدر التيمي: أحد الأئمة الأعلام من التابعين. سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع: ترجمه الحافظ في التعجيل ص: ١٥٤ وذكر أنه مخزومي وأشار إلى هذا الخبر من روايته. وقال: "وقع عند غيره: عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع". ويريد: عند غير الشافعي، لأن هذا الخبر رواه الشافعي كما سيأتي. وقد رمز لهذه الترجمة في التعجيل بحرف الألف، وهو رمز"أحمد" في المسند. وهو خطأ مطبعي. وصحته"فع" رمز الشافعي. وعبد الرحمن ابن سعيد بن يربوع: مترجم في التهذيب ٦: ١٨٧ وابن سعد ٥: ١١١ وابن أبي حاتم ٢/٢/٢٣٩، ولكن جميع روايات هذا الخبر فيها"سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع". وأنا أرجح بما يظهر لي من الترجمتين: أن الراوي هنا غير المترجم في التهذيب ومن المحتمل أن راوي هذا الخبر ابن +الذي في التهذيب. خصوصا وأن ابن أبي حاتم ذكره في ترجمة"ابن الحويرث" راويا عنه. وإن لم يترجم هو ولا البخاري في الكبير ل"سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع". ابن الحويرث: هو جبير بن الحويرث. ترجمه ابن أبي حاتم ١/١/٥١٢ وقال: "روى عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه. روى عنه سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع". وكذلك ترجمه ابن عبد البر في الاستيعاب رقم: ٣١٧ ثم قال: "في صحبته نظر". وترجمه ابن الأثير في أسد الغابة ١: ٢٧٠ وقال: "وقتل أبوه يوم فتح مكة قتله علي. وهذا يدل على أن لابنه جبير صحبة أو رؤية". وكذلك رجح صحبته - الحافظ في الإصابة ١: ٢٣٥ والتعجيل: ٦٦- ٦٧. وكلهم ذكر أباه باسم"الحويرث" إلا المصعب الزبيري في نسب قريش ص: ٢٥٧ فإنه ذكره باسم"الحارث" و"الحويرث" هو الصواب الموافق لما في سيرة ابن هشام، ص: ٨١٩ (طبعة أوربة) وطبقات ابن سعد ١/٢/٩٠. وهذا الخبر رواه الشافعي في الأم ٢: ١٨٠ عن سفيان بن عيينة بهذا الإسناد بزيادة في آخره ولكن فيه: "عن أبي الحويرث" وكذلك ثبت في مسنده بترتيب الشيخ عابد السندي ١: ٢٥٦. ووقع في مسند الشافعي المطبوع بهامش الجزء ٦ من الأم: "عن جوبير بن حويرث". وهذا الضطراب يدل على تحريف الاسم في بعض نسخ الأم ومسند الشافعي. خصوصا وأن الحافظ ابن حجر ذكر اسمه في التعجيل على الصواب ولم يذكر فيه خلافا، لو كان هذا اختلاف رواية مع أنه رمز له برمز الشافعي وحده. ولعل هذا الخطأ كان في بعض نسخ الأم. ومسند الشافعي القديمة وأن هذا حمل البيهقي على أن يروي الخبر من غير طريق الشافعي خلافا لعادته الغالبة. فقد رواه البيهقي ٥: ١٢٥، من طريق سعدان بن نصر عن سفيان وهو ابن عيينة -بهذا الإسناد. ورواه ابن حزم في المحلى ٣: ٢١٥- ٢١٦ من طريق محمد بن المثنى عن سفيان به.]] ٣٨٣٠ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا هارون، عن عبد الله بن عثمان، عن يوسف بن ماهك، قال: حججت مع ابن عمر، فلما أصبح بجمع صلى الصبح، ثم غدا وغدونا معه حتى وقف مع الإمام على قزح، ثم دفع الإمام فدفع بدفعته. * * * وأما قول عبد الله بن عمر حين صار بالمزدلفة:" هذا كله مشاعر إلى مكة"، فإن معناه أنها معالم من معالم الحج ينسك في كل بقعة منها بعض مناسك الحج = لا أن كل ذلك"المشعر الحرام" الذي يكون الواقف حيث وقف منه إلى بطن مكة قاضيا ما عليه من الوقوف بالمشعر الحرام من جمع. * * * وأما قول عبد الرحمن بن الأسود:" لم أجد أحدا يخبرني عن المشعر الحرام" فلأنه يحتمل أن يكون أراد: لم أجد أحدا يخبرني عن حد أوله ومنتهى آخره على حقه وصدقه. لأن حدود ذلك على صحتها حتى لا يكون فيها زيادة ولا نقصان، لا يحيط بها إلا القليل من أهل المعرفة بها. غير أن ذلك وإن لم يقف على حد أوله ومنتهى آخره وقوفا لا زيادة فيه ولا نقصان إلا من ذكرت، فموضع الحاجة للوقوف لا خفاء به على أحد من سكان تلك الناحية وكثير من غيرهم. وكذلك سائر مشاعر الحج، والأماكن التي فرض الله عز وجل على عباده أن ينسكوا عندها كعرفات ومنى والحرم. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (١٩٨) ﴾ قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: واذكروا الله أيها المؤمنون عند المشعر الحرام= بالثناء عليه، والشكر له على أياديه عندكم، وليكن ذكركم إياه بالخضوع لأمره، والطاعة له والشكر على ما أنعم عليكم من التوفيق، لما وفقكم له من سنن إبراهيم خليله بعد الذي كنتم فيه من الشرك والحيرة والعمى عن طريق الحق وبعد الضلالة= كذكره إياكم بالهدى، حتى استنقذكم من النار به بعد أن كنتم على شفا حفرة منها، فنجاكم منها. وذلك هو معنى قوله:" كما هداكم". * * * وأما قوله:" وإن كنتم من قبله لمن الضالين"، فإن من أهل العربية من يوجه تأويل" إن" إلى تأويل" ما"، وتأويل اللام التي في" لمن" إلى" إلا". [[هذا توجيه الكوفيين انظر المعنى لابن هشام ١: ١٩١ وغيره.]] فتأويل الكلام على هذا المعنى: وما كنتم = من قبل هداية الله إياكم لما هداكم له من ملة خليله إبراهيم التي اصطفاها لمن رضي عنه من خلقه = إلا من الضالين. * * * ومنهم من يوجه تأويل"إن" إلى"قد". فمعناه على قول قائل هذه المقالة: واذكروا الله أيها المؤمنون كما ذكركم بالهدى، فهداكم لما رضيه من الأديان والملل، وقد كنتم من قبل ذلك من الضالين.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب