الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا﴾ الآية. قال أبو عبيد عن الفراء: يقال [[في (ب): (ويقال).]]: مَثَل ومِثْل وشَبَه وشِبْه بمعنى واحد [["تهذيب اللغة" (مثل) 4/ 3341.]].
وقال الليث: المثل: الشيء الذي يضرب [[في (ب): (لا يضرب) و (ج) (ضرب).]] مثلا لشيء، فيجعل مثله [["تهذيب اللغة" (مثل) 4/ 3341.]]. وقال المبرد [[أورد الميداني كلام المبرد في "مجمع الأمثال" 1/ 7.]]: (المثل): مأخوذ من المثال، والمثل من الكلام: قول سائر نشبه [[في "مجمع الأمثال" (يشبه به).]] به حال الثاني بالأول، والأصل فيه التشبيه، فمعنى قولهم: (مثل بين يديه) إذا انتصب، معناه: أشبه الصورة المنتصبة بين يديه، والأماثل: الأفاضل. و (هذا أمثل من ذاك) [[في (ب): (ذلك). وفي "مجمع الأمثال": (فلان أمثل من فلان) 1/ 7.]]، أي: أشبه بما له [[في "مجمع الأمثال" (أشبه بما له [من] الفضل) 1/ 7، ويظهر أن (من) مضافة من المحقق لاستقامة المعنى.]] الفضل.
والِمثَال: القصاص لتسوية [[في (أ) (لتشويه). وقوله: (المثال القصاص لتسوية الحالتين) ليس في "مجمع الأمثال" 1/ 7.]] الحالتين، وتشبيه حال المقتص منه بحال الأول، والامتثال: الاقتصاص من هذا.
و (الأمثال) [[في (ب): (الامتثال).]]: أصل كبير في بيان الأشياء، لأن الشيء يعرف بشبهه ونظيره. [و (الأمثال): يخرج ما يخفى تصوره إلى ما يظهر تصوره، و (المثل): بيان ظاهر على أن الثاني مثل الأول] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]].
و (الأمثال): متداولة سائرة في البلاد، وفيها حكم عجيبة وفوائد كثيرة، وقد ذكر الله تعالى الأمثال في غير موضع من كتابه، لما [[في (ب): (التي فيها).]] فيها من حسن البيان وقرب الاستدلال.
والمقصود بالمثل: البيان عن حال الممثل [[في (ب): (الممتثل).]]. وحقيقته: ما جعل من القول كالعلم للتشبيه بحال الأول، مثال ذلك قول كعب بن زهير [[هو كعب بن زهير بن أبي سلمى المزني، شاعر مشهور، وصحابي معروف، قدم على رسول الله صلى الله عيه وسلم وأسلم وأنشده قصيدته المشهورة (بانت سعاد). انظر ترجمته في "الشعر والشعراء" ص 890، "الإصابة" 3/ 295.]]: كَانَتْ مَوَاعِيدُ عُرْقُوبٍ لَنا [[في (ب): (لها) وهي رواية للبيت.]] مَثَلاً ... وَمَا مَوَاعِيدُهُ إلاَّ الأَبَاطِيلُ [[بيت من قصيدة كعب (بانت سعاد) المشهورة التي قالها أمام الرسول ﷺ فأعطاه بردته، و (عرقوب): اسم رجل مشهور بخلف الوعد فيضرب به المثل، فيقال: (مواعيد عرقوب)، أورد القصيدة ابن هشام في "السيرة" 4/ 152، وأورد بعضها ابن قتيبة في "الشعر والشعراء" ص 80، وورد البيت المستشهد به في "الدرة الفاخرة في الأمثال السائرة" 1/ 177، "مجمع الأمثال" للميداني 1/ 7.]]
فمواعيد عرقوب علم [[في (ج): (مثالا).]] في كل ما لا يصح من المواعيد [[انتهى كلام المبرد، وقد ذكره الميداني في مقدمة "مجمع الأمثال" واختصر بعضه، 1/ 7.]]. وورد المثل في معان كثيرة في التنزيل، فَذِكْرُ كل واحد في موضعه، إن شاء الله.
وذُكِر لفظ (المثل) لأن المراد تشبيه الحالة بالحالة، وذكرنا أن لفظ المثل [[في (ب): (الملك).]] قد صار كالعلم للتشبيه بحال الأول، ولو قيل ﴿كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا﴾ لم يُعرف ما الغرض من التشبيه، فإذا ذكر لفظ المثل عُلم أن المراد تشبيه الحال بالحال [[انظر: "الطبري" 1/ 140، "معاني القرآن" للفراء 1/ 15، "الكشاف" 1/ 197.]].
و ﴿اسْتَوْقَدَ﴾ بمعنى: أوقد [[(أوقد) ساقط من (ب).]] في قول أكثر أهل اللغة [[فعلى هذا (السين) و (التاء) زائدتان: انظر "معاني القرآن" للأخفش 1/ 208، "تأويل مشكل القرآن" ص 362، "تفسير الطبري" 1/ 143، "تفسير ابن عطية" 1/ 183، "زاد المسير" 1/ 39، "القرطبي" 1/ 183، "البحر" 1/ 75.]].
وقال بعضهم: استوقد، معناه: استدعى بالنار الضياء [[وقيل: المراد طلب من غيره أن يوقد له. انظر "تفسير ابن عطية" 1/ 184، "زاد == المسير" 1/ 39. وقيل: طلب الوقود وسعى في تحصيله، وهو سطوع النار وأرتفاع لهبها. انظر: "تفسير البيضاوي" 1/ 11، "تفسير أبي السعود" 1/ 50، وانظر. "البحر" 1/ 78.]]، والأول الصحيح [[وهو اختيار الأخفش وابن جرير وغيرهم كما سبق.]]. و (النار) من النور [[وبعضهم جعلها مشتقة من نار ينور إذا نفر، لأن فيها حركة واضطرابا، والنور مشتق منها. ذكره الزمخشري في "الكشاف" 1/ 197، انظر: "معجم مقاييس اللغة" (نور) 5/ 368.]]، وجمعها نيران [[انظر "تهذيب اللغة" (نار) 4/ 3479، وفي "القرطبي" جمعها (نور وأنوار ونيران)، "القرطبي" في "تفسيره" 1/ 184.]]، والنار تستعار لكل شدة، فيقال: أوقد نار الفتنة، وألقى بينهم نارا: إذا ألقى عداوة. و (أضاء) يكون واقعا ومطاوعا [[الفعل الواقع هو المتعدي إلى مفعول به أو أكثر.
والمطاوعة: هي قبول فاعل فعل أثر فاعل فعل آخر يلتقيان في الاشتقاق، مثل: أدبته فتأدب، فالتأدب أثر التأديب. انظر (معجم المصطلحات النحوية والصرفية) ص 141، 245.]]، يقال: أَضَاءَ الشيء بنفسه، وأضاءه غيره [[انظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 35 أ، ب، "الصحاح" (ضوأ) 1/ 60، وابن عطية في "تفسيره" 1/ 184، "القرطبي" في "تفسيره" 1/ 185، "زاد المسير" 1/ 39، "الكشاف" 1/ 198.]].
وقال أبو عبيد: أَضَاءَت النار، وأَضَاءَها غيرها [["تهذيب اللغة" (ضاء) 3/ 2077.]]. والنار تضيء في نفسها، وتضيء غيرها من الأشياء، قال الشاعر:
أَضاءتْ لهم أَحَسابُهُم وَوُجُوههم ... دُجَى الليْلِ حتَّى نَظَّم الجَزْعَ ثَاقِبُهْ [[في (أ)، (ج) (ناقبه) بالنون وما في (ب) موافق لجميع المصادر. والبيت نسبه بعضهم لأبي الطمحان القيني، وبعضهم للقيط بن زرارة، يقول: إن أحسابهم == طاهرة زكية، فدجى الليل تنكشف من نور أحسابهم، حتى إن ثاقب الضوء يسهل نظم الجزع لناظمه، ورد البيت في "الكامل" 3/ 129، "الحماسة بشرح المرزوقي" 4/ 1598، "أمالي المرتضى" 1/ 257، "الشعر والشعراء" ص 475، "الصناعتين" ص 360، "خزانة الأدب" 8/ 95، "اللسان" (خضض) 2/ 1186، "القرطبي" في "تفسيره" 1/ 185.]] ويقال: ضَاءَت النار، وأضاءت، لغتان [[انظر "الصحاح" (ضوأ) 1/ 60، "تهذيب اللغة" (ضاء) 3/ 2077، "اللسان" (ضوأ) 5/ 2618.]]، وأضاء السبيل إذا وضح، وكل ما وضح فقد أضاء، وأضاءت الشمس وأضاء القمر [[انظر: "القرطبي" في: "تفسيره" 1/ 185، "زاد المسير" 1/ 39.]]. والذي في الآية واقع [[أي متعد، وقيل: لازم، انظر "تفسير ابن عطية" 1/ 184، "الكشاف" 1/ 198، "زاد المسير" 1/ 39، "البحر المحيط" 1/ 78، "الدر المصون" 1/ 160.]].
وقوله تعالى: ﴿مَا حَوْلَهُ﴾. محل (ما) منصوب بوقوع الإضاءة عليه، و (حوله) نصب على الظرف [[هذا على أن (أضاء) متعد، فإن كان لازما، فالفاعل ضمير النار، و (ما) زائدة، وأجاز الزمخشري: أن تكون موصولة فاعله، وحوله منصوب على الظرفية. انظر (إعراب القرآن) للنحاس 1/ 143، "إملاء ما من به الرحمن" 1/ 21، "تفسير ابن عطية" 1/ 184، "الكشاف" 1/ 198، "البحر المحيط" 1/ 178، "الدر المصون" 1/ 160.]]. والعرب تقول: رأيت الناس حَوْلَه، وحَوْلَيْه، وحَوَالَهُ، وحَوَالَيْهِ. فَحَوَالَهُ وُحْدَان حَوَالَيْه، وَحَوْلَيْه تَثْنِيةُ حَوْلَه وينشد: مَاءٌ رَوَاهٌ ونَصيٌّ حَوْلَيَه [[الرِجز للزَّفَيَان السعدي، يروى البيت (حَوْلَيَه) و (حَولِيه) و (حَوْلَيْهْ) ورد البيت عند أبي زيد ص331، وفي "التهذيب" (حال) 1/ 710، "الخصائص" 1/ 332، وليس في "كلام العرب" لابن خالويه ص 41، "اللسان" (روى) 2/ 1055. قال محقق "نوادر أبي زيد": المثبت هنا رواية أبي زيد والبصريين على أنه من الرجز وهي == (حَوْلَيَهْ) وأما رواية الكوفيين للأبيات فعلى أنها من السريع (حَوْلَيْهْ ...)، ص 331.]] ومما ينشد على لسان البهائم أن الضب قال لِلْحِسْل [[في (ب): (للحسك) والحِسْل: ولد الضب. "تهذيب اللغة" (حسل) 4/ 303.]]:
أهَدَمُوا بَيْتَكَ لا أبَالَكا ... وأنا أمْشِي [[في (ب): (استي).]] الدَّأَلَى حَوَالَكَا [[الرجز من "شواهد سيبويه" 1/ 351، وهو في "الكامل" 2/ 198، "المخصص" 13/ 226، "أمالي الزجاجي" ص130، "همع الهوامع" 1/ 135، "اللسان" (حول) 2/ 1055 الدألي. مشية فيها تثاقل، وهو من تكاذيب الأعراب يزعمون أنه من قول الضب لولده أيام كانت الأشياء تتكلم.]]
و (النور) ضد الظلمة، ويقال: نار الشيء وأنار واستنار بمعنى واحد، وأنار الشيء [[في (ب): (للشيء).]] أي أوضحه [[انظر: "تهذيب اللغة" (نار) 4/ 3482.]] ومنه الحديث: (فرض عمر بن الخطاب [[(بن الخطاب) سقط من (ب).]] -رضي الله عنه- فريضة فأنارها زيد بن ثابت) [[ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" ولفظه: (فرض عمر بن الخطاب للجد ثم أنارها زيد بن ثابت)، أي: نورها وأوضحها "تهذيب اللغة" (نار) 4/ 3479، ونحوه عند ابن الجوزي في "غريب الحديث" 2/ 440، وعند ابن الأثير في "النهاية" 5/ 125. وأخرج عبد الرزاق في "المصنف" بسنده عن الزهري نحوه ولفظه: (إنما هذِه فرائض عمر، ولكن زيدا أثارها بعده وفشت عنه)، "المصنف" 10/ 266، 267 رقم (19060) و (19061)، ونحوه في "كنز العمال" عن عبد الرزاق 11/ 62.]].
فأما التفسير: فقال ابن عباس وقتادة والضحاك ومقاتل والسدي: يقول: مثل هؤلاء المنافقين كمثل رجل أوقد ناراً في ليلة [[في (ب): (ليل).]] مظلمة في مفازة فاستضاء بها واستدفأ، ورأى ما حوله فاتقى ما يحذر ويخاف وأمن، فبينما هو كذلك إذ طفئت ناره فبقي مظلما خائفا متحيرا، كذلك المنافقون لما أظهروا كلمة الإيمان استناروا بنورها، واعتزوا بعزها، وأمنوا، فناكحوا المسلمين ووارثوهم [[في (ب): (واورثوهم).]] وقاسموهم الغنائم وأمنوا على أموالهم وأولادهم، فلما ماتوا عادوا إلى الظلمة والخوف، وبقوا في العذاب والنقمة [[ذكره "الطبري" 1/ 143 - 144، من طريق علي بن طلحة عن ابن عباس، وعن قتادة والضحاك ورجحه. وذكره ابن أبي حاتم 1/ 50 عن ابن عباس. وذكره ابن كثير عن قتادة. انظر: "تفسير ابن كثير" 1/ 58، "الدر المصون" 1/ 32.]].
وهذا القول اختيار الزجاج، لأنه قال: هذا المثل ضربه الله للمنافقين في تجملهم بظاهر الإسلام، فمثل ما تجملوا به من الإسلام كمثل النار التي يستضيء [[في (أ)، (ج): (تستضيء)، وأثبت ما في (ب) لمناسبته للسياق.]] بها المستوقد [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 58.]].
وعلى ما قاله أبو إسحاق: التمثيل وقع بين تجملهم [[في (ب): (تحكمهم).]] بالإسلام، وبين النار التي [[في (ب): (الذي).]] يستضاء بها.
وقال غيره: معنى الآية: مثل استضاءتهم [[في (ب) (استضابهم).]] بكلمة الإيمان كمثل استضاءة الموقد بالنار. فالتمثيل وقع بين الاستضاءتين، وحذف الاستضاءة، لأنه مضاف فأقيم المضاف إليه مقامه [[ذكره "الطبري" 1/ 141.]].
وهذا قول الفراء، لأنه قال: شبههم وهم جماعة بالذي استوقد نارًا وهو واحد؛ لأنه تشبيه [[في (ب) (وهو لا تشبيه).]] للفعل بالفعل، لا للذوات [[في (ب) (للذات).]] بالذوات، ومحل هذا قوله: ﴿تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ﴾ [الأحزاب: 19] يعني كدوران عين الذي يغشى عليه، وكقوله: ﴿مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ [لقمان: 28]، يعني إلا كخلق وكبعث نفس واحدة.
قال: ولو أراد تشبيه الذوات لقال: (كالذين)، كما قال: ﴿كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ﴾ [المنافقون 40] وقال: ﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ﴾ [الحاقة:7] وعلى هذا ﴿الَّذِي﴾ في قوله: ﴿الَّذِي اسْتَوْقَدَ﴾ واحد [[انظر كلام الفراء في: "معاني القرآن" 1/ 15، نقله الواحدي بمعناه، وانظر "الطبري" في تفسيره 1/ 141.]].
وقوله تعالى بعد هذا: ﴿ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ﴾. قال الزجاج: معناه والله أعلم إطلاع الله المؤمنين على كفرهم، فقد ذهب منهم نور الإسلام بما أظهر الله عز وجل من كفرهم، ويجوز أن يكون ذهب الله بنورهم في الآخرة، لأن الله عز وجل قد جعل للمؤمنين في الآخرة نورا، وسلب الكافرين ذلك النور، وهو قوله: ﴿انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا﴾ [[كلام الزجاج في "معاني القرآن" 1/ 59.]] [الحديد: 13].
ومثل هذا قال الفراء، فقال: إنما قال: ﴿ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ﴾ لأن المعنى ذهب إلى المنافقين [[قال الفراء بعد هذا: (... فجمع لذلك، ولو وحد لكان صوابًا ...) "معاني القرآن" 1/ 15. ومعنى كلام الفراء: أن المعنى انصرف إلى المنافقين، وليس للذي استوقد نارًا، ولو كان المعنى له لقال: بنوره. وقول الفراء (لو وحد لكان صوابًا) == أسلوب لا يتناسب مع كلام الله، لأن ما قال الله هو الصواب لا غيره.]].
فعلى قول هذين [[أي: قول الزجاج والفراء.]] النور كان للمنافقين فأذهبه الله، والكناية راجعة إليهم [[وإلى هذا ذهب "الطبري" وغيره. والمعنى عند "الطبري": فلما أضاءت ما حوله: ذلك أن المنافق لم يزل مستضيئا بضوء القول الذي قاله منافقا في حياته، ثم في يوم القيامة أنطفأ ذلك النور، وقال: الهاء والميم في (بنورهم) عائد على (الهاء والميم) في قوله: (مثلهم). "الطبري" في "تفسيره" 1/ 145، وبعضهم قال: (الهاء والميم) تعود على (الذي). انظر "القرطبي" في "تفسيره" 1/ 183.]].
وكان يجب في حق النظم أن يكون اللفظ [[(أن يكون اللفظ) ساقط من (ب).]]: (فلما أضاءت ما حوله أطفأ الله ناره) ليشاكل جواب (لما) معنى هذه القصة [[هذا التعبير لا يناسب مقام كتاب الله، وإن كان للعبارة وجه من الاحتمال، لكن الأولى استعمال الألفاظ والأساليب التي تليق بكلام الله الذي هو في قمة الفصاحة والبلاغة، والله سبحانه قال ﴿ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ﴾ وهذا أبلغ مما ذكر الواحدي في قوله: (أطفأ الله ناره) فالنار إذا انطفأت يمكن إيقادها، ولكن إذا ذهب نورها وسلب فلا فائدة فيها. وكذا قوله: (وهذا طريق حسن في الآية) وهل هناك أحسن مما تكلم الله به؟!.]]. ولكن لما كان إطفاء النار مثلا لإذهاب نورهم، أقيم ذهاب النور مقام الإطفاء، وجعل جواب (لما) [[للعلماء في جواب (لما) قولان: أحدهما: أنه محذوف تقديره (خمدت وانطفأت) وهذا رأي "الطبري" في "تفسيره" 1/ 145، والزمخشري في "الكشاف" 1/ 198، وقد انتصرا لهذا الوجه ورجحاه. ورد أبو حيان قول الزمخشري، وقال: لا ينبغي آن يفسر كلام الله بغير ما يحتمله ولا أن يزاد فيه، بل يكون الشرح طبق المشروح == من غير زيادة عليه ولا نقص منه ...)، انظر "البحر المحيط" 1/ 79، وانظر "القرطبي" في "تفسييره" 1/ 129، و"الدر المصون" 1/ 162.]] اختصارا وإيجازا، وهذا طريق حسن في الآية.
وفيها طريق آخر: وهو أن ﴿الَّذِي﴾ في قوله: ﴿الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا﴾ المراد به الجماعة. وهو مذهب ابن قتيبة [[هو أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، وقيل: المروزي، النحوي اللغوي، سكن بغداد، له المصنفات المشهورة (223 - 276 هـ) انظر "طبقات النحويين واللغويين" ص183، "إنباه الرواة" 2/ 143، "تاريخ بغداد" 10/ 170، "وفيات الأعيان" 3/ 42.]] وابن الأنباري. أما ابن قتيبة فقال: ﴿الَّذِي﴾ قد يأتي مؤديا عن الجمع [[انظر "تأويل مشكل القرآن" ص 361، وانظر "الكشاف" 1/ 196، "إملاء ما من به الرحمن" 1/ 20.]]، واحتج بقول الشاعر:
وإنَّ الذي حَانَتْ بِفَلْجٍ دِمَاؤُهُم ... هُمُ القَوْمُ كُل القَوْمِ يا أُمَّ خَالِد [[البيت للأشهب بن رميلة، وهو من "شواهد سيبويه"، استشهد به على حذف النون من (الذين) عند طول الصلة. "الكتاب" 1/ 187، وكذا في "المقتضب" 4/ 146، وفي "تأويل مشكل القرآن" ص 361، "تفسير الطبري" 1/ 141، "المنصف" 1/ 67، "زاد المسير" 1/ 40، "القرطبي" في "تفسيره" 1/ 129، (الخزانة) 6/ 25، (شرح المفصل) 3/ 154 - 155، (همع الهوامع) 1/ 68،4/ 380، "الدر المصون" 1/ 157، "مغني اللبيب" 1/ 194، "البحر المحيط" 1/ 76، "معجم البلدان" 4/ 272، قال ياقوت: فَلْج: واد بين البصرة وحمى ضرية، وقيل: طريق تأخذ من طريق البصرة إلى اليمامة. وقعت فيه الوقعة التي يصفها الشاعر، هم القوم كل القوم: أي الكاملون في قوميتهم. فاعلمي ذلك وابكي عليهم يا أم خالد.]]
ويقال في الواحد: (اللذ) وفي التثنية: (اللذا) وهو لغة لبعض العرب قد وردت في الأشعار [[في (الذي) لغات منها: إثبات الياء، وحذفها مع بقاء الكسرة، وحذف الياء مع إسكان الذال، وتشديد الياء مكسورة، ومضمومة. انظر "البحر المحيط" 1/ 74، == "الدر المصون" 1/ 159، وقال: (قال بعضهم: وقولهم: هذِه لغات ليس جيدًا؛ لأن هذِه لم ترد إلا ضرورة، فلا ينبغي أن تسمى لغات) 1/ 159، وانظر (شرح المفصل) 3/ 154.]].
وقال ابن الأنباري: (الذي) في هذه الآية، واحد في معنى الجمع [[ذكر نحوه الأخفش في "معاني القرآن" 1/ 209، وانظر "زاد المسير" 1/ 39، "الدر المصون" 1/ 156.]]، وليس على ما ذكره ابن قتيبة، لأن (الذي) في البيت الذي احتج به جمع واحد (اللذ)، والذي في الآية واحد في اللفظ لا [[في (ج) (في اللفظ واحد له) وفي (أ)، صححت في الهامش بإضافة (لا).]] واحد له، ولكن المراد منه الجمع [[وقد رد على ابن قتيبة "الطبري" حيث قال: (وقد زعم بعض أهل العربية من أهل البصرة: أن (الذي) في قوله: ﴿كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا﴾ بمعنى (الذين) كما قال جل ثناؤه: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ﴾ [الزمر: 33]. وكما قال الشاعر: فإن الذي ... البيت (ثم قال: (وقد أغفل قائل ذلك فرق ما بين (الذي) في الآيتين والبيت .... وغير جائز لأحد نقل الكلمة التي هي الأغلب في استعمال العرب على معنى، إلى غيره إلا بحجة يجب التسليم لها). "تفسير الطبري" 1/ 141، وانظر "البحر" 1/ 77، "الدر المصون" 1/ 157.]]. وجاز أن يوضع (الذي) موضع (الذين) لأنه مبهم يحتمل الوجوه في مثل [[(مثل) ساقط من (ب).]] قول الناس: (أوصي بمالي للذي [[في (ب) الذي.]] غزا وحج) معناه: للغازين والحاجين. [ومثله: (من) و (ما) [[انظر "البحر" 1/ 74.]]. ووحد الفعل في (استوقد) لأن (الذي) وإن أريد به الجمع فهو موضوع للواحد [[فأعاد الضمير في استوقد إلى لفظ الذي انظر "الدر المصون" 1/ 157.]]. فهذا الاختلاف بينهما [[بين أبي قتيبة وابن الأنباري.]] في لفظ (الذي) واتفقا أن المراد به الجمع] [[ما بين المعقوفين فيه سقط وتقديم وتأخير في (ب).]].
وعلى هذا القول، الكناية في قوله: ﴿بِنُورِهِم﴾ راجعة إلى المستوقدين [[وقيل يعود على معنى الذي انظر "تفسير ابن عطية" 1/ 182، "الدر المصون" 1/ 163.]]، وهو جواب (فلما) في الظاهر والمعنى جميعا [[وهذا بخلاف قول الفراء والزجاج فإنه جواب فلما حسب الظاهر فقط لأن المعنى على قوليهما راجع إلى المنافقين لا إلى المستوقدين ولهذا ادعى البعض أن جواب لما محذوف وهو طفئت أو خمدت كما مر قريبا وهو قول "الطبري" والزمخشري انظر "الطبري" في "تفسيره" 1/ 143، "الكشاف" 1/ 198.]].
وإنما قال: بنورهم والمذكور في أول الآية النار، لأن النار شيئان، النور والحرارة، والنور هاهنا كان أجدى [[في (ج) أحدى.]] المنفعتين [["تفسير الثعلبي" 1/ 53 ب، وانظر "تفسير البيضاوي" 1/ 11، وأبي السعود في "تفسيره" 1/ 50، والقاسمي في "تفسيره" 2/ 62.]].
وذكر صاحب النظم في الآية طريقة ثالثة، وهو أنه قال: العلة في توحيد ﴿الَّذِي﴾ [[الذي ساقطة من (ب).]] وجمع الكناية في قوله: ﴿بِنُورِهِم﴾ أن المستوقد كان واحداً من جماعة تولى الاستيقاد لهم، وكانت الكناية في الاستيقاد عنه خصوصا دون أصحابه لتوليه ذلك دونهم، فلما ذهب الضوء، رجع ذهابه عليهم جميعا، فرجع الخبر إلى جماعتهم لما عموا به.
{"ayah":"مَثَلُهُمۡ كَمَثَلِ ٱلَّذِی ٱسۡتَوۡقَدَ نَارࣰا فَلَمَّاۤ أَضَاۤءَتۡ مَا حَوۡلَهُۥ ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمۡ وَتَرَكَهُمۡ فِی ظُلُمَـٰتࣲ لَّا یُبۡصِرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق