الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مَثَلُهم كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نارًا﴾ .
هَذِهِ الآَيَةُ نَزَلَتْ في المُنافِقِينَ. و"المَثَلُ" بِتَحْرِيكِ الثّاءِ: ما يُضْرَبُ ويُوضَعُ لِبَيانِ النَّظائِرِ في الأحْوالِ. وفي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿اسْتَوْقَدَ﴾ قَوْلانِ. (p-٣٩)أحَدُهُما: أنَّ السِّينَ زائِدَةٌ وأنْشَدُوا:
؎ وداعٍ دَعا يا مَن يُجِيبُ إلى النَّدى فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذاكَ مُجِيبُ
أرادَ: فَلَمْ يُجِبْهُ، وهَذا قَوْلُ الجُمْهُورِ، مِنهُمُ الأخْفَشُ، وابْنُ قُتَيْبَةَ.
والثّانِي: أنَّ السِّينَ داخِلَةٌ لِلطَّلَبِ، أرادَ: كَمَن طَلَبَ مِن غَيْرِهِ نارًا.
***
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلَمّا أضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وتَرَكَهم في ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ﴾ .
وَفِي "أضاءَتْ" قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّهُ مِنَ الفِعْلِ المُتَعَدِّي، قالَ الشّاعِرُ:
؎ أضاءَتْ لَهم أحْسابُهم ووُجُوهُهم دُجى اللَّيْلِ حَتّى نَظَّمَ الجِزْعَ ثاقِبُهُ
وَقالَ آَخَرُ:
؎ أضاءَتْ لَنا النّارُ وجْهًا أغَرَّ ∗∗∗ مُلْتَبِسًا بِالفُؤادِ التِباسًا
والثّانِي: أنَّهُ مِنَ الفِعْلِ اللّازِمِ. قالَ أبُو عُبَيْدٍ: يُقالُ: أضاءَتِ النّارُ، وأضاءَها غَيْرُها. وقالَ الزَّجّاجَ: يُقالُ: ضاءَ القَمَرُ، وأضاءَ.
وَفِي "ما" قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّها زائِدَةٌ، تَقْدِيرُهُ: أضاءَتْ حَوْلَهُ. والثّانِي: أنَّها بِمَعْنى الَّذِي. وحَوْلَ الشَّيْءِ: ما دارَ مِن جَوانِبِهِ. والهاءُ: عائِدَةٌ عَلى المُسْتَوْقَدِ. فَإنْ قِيلَ: كَيْفَ وحَّدَ، فَقالَ: ﴿كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ﴾ ثُمَّ جَمَعَ فَقالَ: ﴿ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ﴾ ؟ فالجَوابُ: أنَّ ثَعْلَبًا حَكى عَنِ الفَرّاءِ أنَّهُ قالَ: إنَّما ضُرِبَ المَثَلُ لِلْفِعْلِ، لا لِأعْيانِ الرِّجالِ، وهو مَثَلٌ لِلنِّفاقِ. وإنَّما قالَ: ﴿ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ﴾ لِأنَّ المَعْنى ذاهِبٌ إلى المُنافِقِينَ، فَجُمِعَ لِذَلِكَ. قالَ ثَعْلَبٌ: وقالَ غَيْرُ الفَرّاءُ: مَعْنى الَّذِي: الجَمْعُ، وُحِّدَ أوَّلًا لِلَفْظِهِ، وجُمِعَ بَعْدُ لِمَعْناهُ، كَما قالَ الشّاعِرُ:(p-٤٠)
؎ فَإنَّ الَّذِي حانَتْ بِفَلْجٍ دِماؤُهم ∗∗∗ هُمُ القَوْمُ كُلُّ القَوْمِ يا أمَّ خالِدٍ
فَجَعَلَ "الَّذِي" جَمْعًا.
* فَصْلٌ
اخْتَلَفَ العُلَماءُ في الَّذِي ضَرَبَ اللَّهُ تَعالى لَهُ هَذا المَثَلَ مِن أحْوالِ المُنافِقِينَ عَلى قَوْلَيْنِ. أحَدُهُما: أنَّهُ ضَرَبَ بِكَلِمَةِ الإسْلامِ الَّتِي يَلْفِظُونَ بِها، ونُورُها صِيانَةُ النُّفُوسِ وحَقْنُ الدِّماءِ، فَإذا ماتُوا سَلْبَهُمُ اللَّهُ ذَلِكَ العِزَّ، كَما سَلَبَ صاحِبَ النّارِ ضَوْءَهُ. وهَذا المَعْنى مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّانِي: أنَّهُ ضَرَبَ لِإقْبالِهِمْ عَلى المُؤْمِنِينَ وسَماعِهِمْ ما جاءَ بِهِ الرَّسُولُ، فَذَهابُ نُورِهِمْ: إقْبالُهم عَلى الكافِرِينَ والضَّلالُ، وهَذا قَوْلُ مُجاهِدٍ.
وَفِي المُرادِ بِـ "الظُّلُماتِ" هاهُنا أرْبَعَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: العَذابُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. والثّانِي: ظُلْمَةُ الكُفْرِ، قالَهُ مُجاهِدٌ. والثّالِثُ: ظُلْمَةٌ يُلْقِيها اللَّهُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ المَوْتِ، قالَهُ قَتادَةُ. والرّابِعُ: أنَّها نِفاقُهم قالَهُ السُّدِّيُّ.
* فَصْلٌ
وَفِي ضَرْبِ المَثَلِ لَهم بِالنّارِ ثَلاثُ حِكَمٍ.
إحْداها: أنَّ المُسْتَضِيءَ بِالنّارِ مُسْتَضِيءٌ بِنُورٍ مِن جِهَةِ غَيْرِهِ، لا مِن قِبَلِ نَفْسِهِ، فَإذا ذَهَبَتْ تِلْكَ النّارُ بَقِيَ في ظُلْمَةٍ، فَكَأنَّهم لَمّا أقَرُّوا بِألْسِنَتِهِمْ مِن غَيْرِ اعْتِقادِ قُلُوبِهِمْ، كانَ نُورُ إيمانِهِمْ كالمُسْتَعارِ.
والثّانِيَةُ: أنَّ ضِياءَ النّارِ يَحْتاجُ في دَوامِهِ إلى مادَّةِ الحَطَبِ، فَهو لَهُ كَغِذاءِ الحَيَوانِ، فَكَذَلِكَ نُورُ الإيمانِ يَحْتاجُ إلى مادَّةِ الِاعْتِقادِ لِيَدُومَ.
(p-٤١)والثّانِيَةُ أنَّ الظُّلْمَةَ الحادِثَةَ بَعْدَ الضَّوْءِ أشَدُّ عَلى الإنْسانِ مِن ظُلْمَةٍ لَمْ يَجِدْ مَعَها ضِياءٌ، فَشَبَّهَ حالَهم بِذَلِكَ.
{"ayah":"مَثَلُهُمۡ كَمَثَلِ ٱلَّذِی ٱسۡتَوۡقَدَ نَارࣰا فَلَمَّاۤ أَضَاۤءَتۡ مَا حَوۡلَهُۥ ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمۡ وَتَرَكَهُمۡ فِی ظُلُمَـٰتࣲ لَّا یُبۡصِرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق