الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ﴾ وفي مصاحف الشام: قالوا [[ذكره ابن أبي داود في: كتاب "المصاحف" ص 54، ولم ينص عليه أبو عمرو الداني في: "المقنع في رسم مصاحف الأمصار". وينظر: "تفسير ابن عطية" 1/ 460، "البحر المحيط" 1/ 362.]] بغير واو؛ لأن هذه الآية ملابسة بما قبلها من قوله ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ﴾ لأن الذين قالوا: اتخذ الله ولدا من جملة الذين تقدم ذكرهم، فيستغنى عن الواو؛ لالتباس الجملة بما قبلها كما استغنني عنها في نحو قوله: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة: 39]. ولو كان (وَهُمْ) كان حسنًا، إلا أن التباس إحدى الجملتين بالأخرى وارتباطها بها أغنت عن الواو. ومثل ذلك قوله: ﴿سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ [الكهف: 22]، ولم يقل: ورابعهم كما قال: ﴿وَثَامِنُهُمْ﴾ [الكهف: 22]، ولو حذفت الواو منها كما حذفت من التي [[في (ش): (الذي).]] قبلها، واستغنى عن الواو بالملابسة التي بينهما كان حسنًا، ويمكن أن يكون حذف الواو لاستئناف جملة ولا يعطفها على ما تقدم [[ينظر: "إعراب القرآن" للنحاس 208.]].
والآية نزلت ردًّا على اليهود والنصارى والمشركين، فإنهم وصفوا الله تعالى بالولد، فقالت اليهود: ﴿عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ﴾، وقالت النصارى: ﴿الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ﴾ [التوبة: 30]، وقالت المشركون: الملائكة بنات الله، فنزّه اللهُ نفسَه عن اتخاذ الولد، فقال سبحانه: ﴿بَل لَّهُ﴾ [[ينظر: "تفسير الطبري" 1/ 507، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 198، "تفسير السمرقندي" 1/ 152، "تفسير الثعلبي" 1/ 1137، "أسباب النزول" للواحدي ص 42، "زاد المسير" 1/ 118، "العجاب" لابن حجر 1/ 366.]]. وبل معناه: نفي الأول واثبات للثاني [[في (م): (الثاني).]] [[ينظر: "كتاب سيبويه" 4/ 223.]]، أي: ليس الأمر كذلك ﴿بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ عبيدًا وملكًا [["تفسير الثعلبي" 1/ 1138.]].
﴿كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ﴾ قال مجاهد [[أخرجه الطبري 1/ 507، ابن أبي حاتم 1/ 213من طريقين عن مجاهد.]] وعطاء [[ذكره عنه في "تفسير الثعلبي" 1/ 1138.]] والسدي [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 1/ 507 وهو مروي أيضًا عن ابن عباس وقتادة وعكرمة، ينظر: "تفسير الطبري" 1/ 507، البغوي في "تفسيره" 1/ 141، واختاره الطبري في "تفسيره" و"ابن كثير" في "تفسيره".]]: مطيعون.
قال أبو عبيد: أصل القنوت في أشياء: فمنها القيام، وبه جاءت الأحاديث في قنوت الصلاة؛ لأنه إنما يدعو قائمًا، ومن أبين ذلك: حديث جابر [[هو: أبو عبد الله جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي، أحد الصحابة المكثرين من الرواية عن النبي ﷺ، شهد العقبة كما شهد تسع عشرة غزوة مع الرسول ﷺ عدا بدراً وأحدًا، منعه أبوه، توفي سنة 78 وقيل 74، أو 73 هـ. ينظر: "أسد الغابة" 1/ 307، و"الإصابة" 1/ 434.]] قال: سئل النبي ﷺ أي الصلاة أفضل؟ قال: "طول القنوت" [[أخرجه مسلم (756) في صلاة المسافرين، باب أفضل الصلاة طول القنوت.]] يريد: طول القيام.
والقنوت أيضًا: الطاعة [["غريب الحديث" لأبي عبيد 1/ 437، وينظر: "تأويل مشكل القرآن" ص 415، "تفسير الطبري" 2/ 539، "تفسير الثعلبي" 1/ 1138.]]، وقال عكرمة في قوله: ﴿كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ﴾ القانت: المطيع [[أخرجه أبو عبيد في: "غريب الحديث" 1/ 438، ورواه الطبري 1/ 507 بنحوه]]، وقال الزجاج مثله، قال: والمشهور في اللغة أن القنوت الدعاء، وحقيقة القانت: أنه القائم بأمر الله، والداعي إذا كان قائمًا خُصَّ بأن يقال له: قانت، لأنه ذاكر لله وهو قائم على رجليه، فحقيقة القنوت: العبادة والدعاء لله في حال القيام [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 198.]].
ويجوز أن يقع في سائر الطاعة؛ لأنه إن لم يكن قيام بالرجلين فهو قيام بالشيء بالنية [[رجح الطبري في "تفسيره" 1/ 507 أن القنوت: الطاعة والإقرار لله عز وجل بالعبودية، بشهادة أجسامهم بما فيها من آثار الصنعة والدلالة على وحدانية الله.]].
قال ابن عباس في هذه الآية: قوله: ﴿كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ﴾ راجع إلى أهل طاعته دون الناس أجمعين [[ورد عن ابن عباس بلفظ: قانتون: مطيعون. عند الطبري في "تفسيره" 1/ 507 وأما اللفظ المذكور أعلاه فلعله من تلك الرواية التي تقدم الحديث عنها في مقدمة الكتاب.]].
وهو من العموم الذي أريد به الخصوص، وهذا اختيار الفراء [["معاني القرآن" 1/ 74، وذكره الثعلبي في "تفسيره" 1/ 1140.]]، وطريقة مقاتل [["تفسير مقاتل" 1/ 133، وذكره الثعلبي 1/ 140.]] ويمان [[ذكره عنه الثعلبي في "تفسيره" 1/ 1140.]] إلا أنهما قالا: هذا يرجع إلى عُزير والمسيح والملائكة، أراد: أنهم كلهم عباد الله طائعون [[رد الطبري في تفسيره 1/ 508 القول بالخصوص، بأنه لا يجوز ادعاء خصوص في آية ظاهرها العموم، إلا بحجة.]]، نظيره: قوله: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ﴾ [الأنبياء: 26].
وقال السُدي ومجاهد والزجاج: هذا على ما ورد من العموم، فقال السدي: هذا في يوم القيامة [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 1/ 507 وذكره الثعلبي 1/ 1140.]]، تصديقه قوله: ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ﴾ [طه: 111] [["تفسير الثعلبي" 1/ 1141.]].
وقال مجاهد: إن ظِلالَ الكفار تسجد لله وتطيعه [[تقدم تخريجه عن مجاهد قريباً. قال ابن كثير في تفسيره 1/ 171: وهذا القول عن مجاهد -وهو اختيار ابن جرير- يجمع الأقوال كلها، وهو أن القنوت: هو الطاعة والاستكانة إلى الله وذلك شرعي وقدري.]]. دليله قوله [[من قوله: قوله: وعنت ... ساقط من (ش).]]: ﴿يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ﴾ [النحل: 48]، الآية، وقوله: ﴿وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾ [الرعد: 15] [["تفسير الثعلبي" 1/ 1141 البغوي 1/ 141.]].
وقال الزجاج: كل [[في (ش): على.]] ما خلق الله في السماوات والأرض فيه أثر الصنعة فهو قانت لله، ودليل [[في "معاني القرآن"، (والدليل).]] على أنه مخلوق. والمعنى: كل له قانت، إما [[في (ش): (إنما)، وليست الكلمة في "معاني القرآن" للزجاج، والكلام مستقيم بدونها.]] مُقِرّ بأنه خالقه؛ لأنه أكثر من يخالف ليس يدفع أنه مخلوق، وما كان من الجمادات فأثَرُ الخلق بيِّنٌ فيه، فهو على العموم [[في "معاني القرآن": فأثر الصنعة بَيِّنٌ فيه، فهو قانت على العموم.]] [["معاني القرآن" 1/ 198.]].
وقال غيرهُ: طاعة الجميع لله تكونهم [[في (ش): (بكونهم).]] في الخلق عند التكوين إذا قال: كن كان كما أراد [[يروى عن مجاهد. ينظر: ابن أبي حاتم في "تفسيره" 1/ 213.]]، فنسب القنوت إليه كما نسبت الخشية إلى الحجارة، والمحبة إلى الجبال، والشكوى إلى الإبل، والسجود إلى الأشجار [[نسبت الخشية إلى الحجارة في قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾ [البقرة: 74]، ونسبت المحبة إلى الجبال في قوله ﷺ: "أحد جبل يحبنا ونحبه" متفق عليه.
ونسبت الشكوى إلى الإبل في الحديث الذي رواه أبو داود وأحمد عن عبد الله بن جعفر أن النبي ﷺ لما راى جملًا لرجل من الأنصار، حنّ الجمل وذرفت عيناه، فمسح النبي ﷺ ذِفراه، فسكت فقال: "من رب هذا الجمل"، فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله، فقال: "أفلا تتقى الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها، فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه".
ونسب السجود إلى الأشجار في قوله تعالى: ﴿وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ﴾ [الرحمن: 6]، وغيرها من الآيات.]].
{"ayah":"وَقَالُوا۟ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَدࣰاۗ سُبۡحَـٰنَهُۥۖ بَل لَّهُۥ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ كُلࣱّ لَّهُۥ قَـٰنِتُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق