الباحث القرآني

(p-١٢٦)ولَمّا أفادَ ما تَقَدَّمَ وصْفُهُ تَعالى بِتَمامِ القُدْرَةِ واتِّساعِ المُلْكِ والفَضْلِ وشُمُولِ العِلْمِ كانَ مِنَ المُحالِ افْتِقارُهُ إلى شَيْءِ ولَدٍ أوْ غَيْرِهِ قَدَّمَ أهْلَ الأدْيانِ الباطِلَةِ كُلَّهم بِافْتِرائِهِمْ في الوَلَدِ اليَهُودَ في عُزَيْرٍ والنَّصارى في المَسِيحِ وعَبَدَةَ الأوْثانِ في المَلائِكَةِ فَقالَ مُعَجِّبًا مِمَّنِ اجْتَرَأ عَلى نِسْبَةِ ذَلِكَ إلَيْهِ مَعَ مَعْرِفَةِ ما تَقَدَّمَ عاطِفًا عَلى ما سَبَقَ مِن دَعاوِيهِمْ: ﴿وقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ﴾ الَّذِي لَهُ الكَمالُ كُلُّهُ وعَبَّرَ بِقَوْلِهِ: ﴿ولَدًا﴾ الصّالِحَ لِلذَّكَرِ والأُنْثى لِيَنْظِمَ بِذَلِكَ مَقالاتِ الجَمِيعِ، ولَمّا كانَ العَطْفُ عَلى مَقالاتِ أهْلِ الكِتابِ رُبَّما أوْهَمَ اخْتِصاصَ الذَّمِّ بِهِمْ حُذِفَتْ واوُ العَطْفِ في قِراءَةِ ابْنِ عامِرٍ عَلى طَرِيقِ الِاسْتِئْنافِ في جَوابٍ مِن كَأنَّهُ قالَ: هَلِ انْقَطَعَ حَبْلُ افْتِرائِهِمْ ؟ إشارَةً إلى ذَمِّ كُلِّ مَن قالَ بِذَلِكَ، وذَلِكَ إشارَةٌ إلى شِدَّةِ التِباسِها بِما قَبْلَها كَما قالَ الإمامُ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ في كِتابِ الحُجَّةَ، لِأنَّ جَمِيعَ المُتَحَزِّبِينَ عَلى أهْلِ الإسْلامِ مانِعُونَ لَهم مِن إحْياءِ المَساجِدِ بِالذِّكْرِ لِشَغْلِهِمْ لَهم بِالعَداوَةِ عَنْ لُزُومِها، والحاصِلُ أنَّهُ إنْ عَطَفَ كانَ انْصِبابُ الكَلامِ إلى أهْلِ الكِتابِ وأمّا غَيْرُهم فَتَبَعٌ لَهم لِلْمُساواةِ (p-١٢٧)فِي المَقالَةِ، وإذا حُذِفَتِ الواوُ انْصَبَّ إلى الكُلِّ انْصِبابًا واحِدًا. ونَزَّهَ نَفْسَهُ الشَّرِيفَةَ اسْتِئْنافًا بِقَوْلِهِ: ﴿سُبْحانَهُ﴾ فَذَكَرَ عِلْمَ التَّسْبِيحِ الجامِعِ لِإحاطَةِ المَعْنى في جَوامِعِ التَّنْزِيهِ كُلِّهِ، ثُمَّ جاءَ بِكَلِمَةِ الإضْرابِ المُفْهِمَةِ الرَّدَّ بِالنَّفْيِ فَكَأنَّ الخِطابَ يُفْهِمُ: ما اتَّخَذَ اللَّهُ ولَدًا ولا لَهُ ولَدٌ، ﴿بَلْ لَهُ ما﴾ فَعَبَّرَ بِالأداةِ الَّتِي هي لِغَيْرِ العاقِلِ تَصْلُحُ لَهُ تَعْمِيمًا وتَحْقِيرًا لَهم، ﴿فِي السَّماواتِ والأرْضِ﴾ مِمّا ادَّعَتْ كُلُّ فُرْقَةٍ مِنهم فِيهِ الوَلَدِيَّةَ وغَيْرَ ذَلِكَ. ثُمَّ عَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ مُعَبِّرًا بِما يُفْهِمُ غايَةَ الإذْعانِ: ﴿كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ﴾ أيْ: مُخْلِصُونَ خاشِعُونَ مُتَواضِعُونَ، لِاسْتِسْلامِهِمْ لِقَضائِهِ مِن غَيْرِ قُدْرَةٍ عَلى دِفاعٍ، ولا تَطَلُّعٍ إلى نَوْعِ امْتِناعِ العاقِلِ، غَيْرَهُ، حَتّى كَأنَّهم يَسْعَوْنَ (p-١٢٨)فِي ذَلِكَ ويُبادِرُونَ إلَيْهِ مُبادَرَةَ اللَّبِيبِ الحازِمِ. قالَ الحَرالِّيُّ: فَجاءَ بِالجَمْعِ المُشْعِرِ كَما يُقالُ بِالعَقْلِ والعِلْمِ لِما تَقَدَّمَ مِن أنَّهُ لا عُجْمَةَ ولا جَمادِيَّةَ بَيْنَ الكَوْنِ والمُكَوِّنِ، إنَّما يَقَعُ جَمادِيَّةً وعُجْمَةً بَيْنَ آحادٍ مِنَ المُقَصِّرِينَ في الكَوْنِ عَنِ الإدْراكِ التّامِّ؛ والقُنُوتُ ثَباتُ القائِمِ بِالأمْرِ عَلى قِيامِهِ تَحَقُّقًا بِتَمَكُّنِهِ فِيهِ. انْتَهى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب