الباحث القرآني

فِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً﴾ هَذَا إِخْبَارٌ عَنْ النَّصَارَى فِي قَوْلِهِمْ: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ. وَقِيلَ عَنِ الْيَهُودِ فِي قَوْلِهِمْ: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ. وَقِيلَ عَنْ كَفَرَةِ الْعَرَبِ فِي قَوْلِهِمُ: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ. وَقَدْ جَاءَ مِثْلُ هَذِهِ الْأَخْبَارِ عَنِ الْجَهَلَةِ الْكُفَّارِ فِي" مَرْيَمَ [[راجع ج ١١ ص ١٥٨ فما بعدها وص ٢٨١.]] "وَ" الْأَنْبِيَاءِ [[راجع ج ١١ ص ١٥٨ فما بعدها وص ٢٨١.]] ". الثَّانِيَةُ- قوله: "سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ" الْآيَةُ. خَرَّجَ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَزَعَمَ أَنِّي لَا أَقْدِرُ أَنْ أُعِيدَهُ كَمَا كَانَ وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ لِي وَلَدٌ فَسُبْحَانِي أَنْ أَتَّخِذَ صَاحِبَةً أَوْ وَلَدًا". الثَّالِثَةُ- "سُبْحَانَ" مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ، وَمَعْنَاهُ التَّبْرِئَةُ وَالتَّنْزِيهُ وَالْمُحَاشَاةُ، مِنْ قَوْلِهِمُ: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً، بَلْ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَاحِدٌ فِي ذَاتِهِ، أَحَدٌ فِي صِفَاتِهِ، لَمْ يَلِدْ فَيَحْتَاجُ إِلَى صَاحِبَةٍ، "أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ" وَلَمْ يُولَدْ فَيَكُونُ مَسْبُوقًا، جَلَّ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ وَالْجَاحِدُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا! "بَلْ لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ" مَا" رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ فِي الْمَجْرُورِ، أَيْ كُلُّ ذَلِكَ لَهُ مِلْكٌ بِالْإِيجَادِ وَالِاخْتِرَاعِ. وَالْقَائِلُ بأنه اتخذ ولدا داخل في جملة السموات وَالْأَرْضِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَعْنًى سُبْحَانَ اللَّهِ: بَرَاءَةُ اللَّهِ مِنَ السُّوءِ [[راجع ج ١ ص ٢٧٦ طبعه ثانية.]]. الرَّابِعَةُ- لَا يَكُونُ الْوَلَدُ إِلَّا مِنْ جِنْسِ الْوَالِدِ، فَكَيْفَ يَكُونُ لِلْحَقِّ سُبْحَانَهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ وهو لا يشبهه شي، وَقَدْ قَالَ:" إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً [[راجع ج ١١ ص ١٥٨ فما بعدها وص ٢٨١.]] "، كَمَا قَالَ هُنَا: "بَلْ لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ" فَالْوَلَدِيَّةُ تَقْتَضِي الْجِنْسِيَّةَ وَالْحُدُوثَ، وَالْقِدَمُ يَقْتَضِي الْوَحْدَانِيَّةَ وَالثُّبُوتَ، فَهُوَ سُبْحَانُهُ الْقَدِيمُ الْأَزَلِيُّ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ، الْفَرْدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ. ثُمَّ إِنَّ الْبُنُوَّةَ تُنَافِي الرِّقَّ وَالْعُبُودِيَّةَ- عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي سُورَةِ" مَرْيَمَ [[راجع ج ١١ ص ١٥٨ فما بعدها وص ٢٨١.]] " إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى- فَكَيْفَ يَكُونُ وَلَدَ عَبْدًا! هَذَا مُحَالٌ، وما أدى إلى المحال محال. الْخَامِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ﴾ ابْتِدَاءٌ وَخَبَرٌ، وَالتَّقْدِيرُ كُلُّهُمْ، ثُمَّ حُذِفَ الْهَاءُ وَالْمِيمُ. "قانِتُونَ" أَيْ مُطِيعُونَ وَخَاضِعُونَ، فَالْمَخْلُوقَاتُ كُلُّهَا تَقْنُتُ لله، أي تخضع وتطبع. وَالْجَمَادَاتُ قُنُوتُهُمْ فِي ظُهُورِ الصَّنْعَةِ عَلَيْهِمْ وَفِيهِمْ. فَالْقُنُوتُ الطَّاعَةُ، وَالْقُنُوتُ السُّكُوتُ، وَمِنْهُ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ: كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ، يُكَلِّمُ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ إِلَى جَنْبِهِ حَتَّى نَزَلَتْ: "وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ" فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنِ الْكَلَامِ. وَالْقُنُوتُ: الصَّلَاةُ، قَالَ الشَّاعِرُ: قَانِتًا لِلَّهِ يَتْلُو كُتُبَهُ ... وَعَلَى عَمْدٍ مِنَ النَّاسِ اعْتَزَلَ وَقَالَ السُّدِّيُّ وَغَيْرُهُ فِي قَوْلِهِ: "كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ" أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. الْحَسَنُ: كُلٌّ قَائِمٌ بِالشَّهَادَةِ أَنَّهُ عَبْدُهُ. وَالْقُنُوتُ فِي اللُّغَةِ أَصْلُهُ الْقِيَامُ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: (أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ) قَالَهُ الزَّجَّاجُ. فَالْخَلْقُ قَانِتُونَ، أَيْ قَائِمُونَ بِالْعُبُودِيَّةِ إِمَّا إِقْرَارًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، فَأَثَرُ الصَّنْعَةِ بَيِّنٌ عَلَيْهِمْ. وَقِيلَ: أَصْلُهُ الطَّاعَةُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ﴾. وَسَيَأْتِي لِهَذَا مَزِيدُ بَيَانٍ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:" وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ [[راجع ج ٣ ص ٢١٣.]] ".
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب