الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ قال ابن عباس: نزلت في نفر من اليهود قالوا للمسلمين بعد وقعة أحد [[تحرف في نسخ "أسباب النزول" كما في ص 38 إلى وقعة بدر.]]: ألم تروا إلى ما أصابكم، ولو كنتم على الحقّ ما هُزِمتم، فارجعوا إلى ديننا فهو خير لكم [[ذكره المصنف أيضًا في "أسباب النزول" ص 38، وعنه ابن حجر في "العجاب في بيان الأسباب" 1/ 354، ثم قال: هذا لعله من تفسير الكلبي، والذي ذكره ابن إسحاق في المغازي من رواية يونس بن بكير عنه حدثني محمد بن أبي محمد، حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس قال: كان حيي بن أخطب وأبو ياسر بن أخطب من أشد يهود للعرب حسداً، إذ خصهم الله تعالى برسوله، وكانا جاهدين في رد الناس عن الإسلام بما استطاعا، فأنزل الله تعالى فيهما: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ﴾ الآية. انتهى. وقد أخرجه الطبري في "تفسيره" 1/ 487 - 488، ابن أبي == حاتم في "تفسيره" 1/ 204 وسند ابن أبي حاتم حسن كما في "التفسير الصحيح" 1/ 215، وقد ذكر القصة بأطول مما عند الواحدي: مقاتل في "تفسيره" 1/ 130 وكذا الثعلبي في "تفسيره" 1/ 1112، وذكره الزيلعي في "تخريج أحاديث الكشاف" 1/ 78 وقال: قلت: غريب، وهو في "تفسير الثعلبي" هكذا من غير سندٍ ولاراوٍ. وقال ابن حجر في "الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف" 1/ 356: لم أجده مسندًا. اهـ. وممن ذكر القصة مختصرة: السمرقندي 1/ 149، والحيري في "الكفاية" 1/ 67، والسمعاني في "تفسيره" 2/ 16، وابن عطية 1/ 446، وابن الجوزي في "زاد المسير" 1/ 114 وغيرهم.]]. وتم الكلام عند قوله: ﴿كُفَّارًا﴾. وانتصب ﴿حَسَدًا﴾ على المصدر. ودل قوله: (يردونكم كفارًا) على (يحسدونكم)، وإن شئت جعلته مفعولًا له، كأنه قيل: للحسد [[ينظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 1114، و"البيان" لابن الأنباري 1/ 118، "التبيان في إعراب القرآن" ص 83، و"إعراب القرآن" لأبي جعفر النحاس 1/ 207، و"الدر المصون" 1/ 341.]]. وقوله تعالى: ﴿مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ﴾ أراد: أنهم ودُّوا ذلك من عند أنفسهم، لم يؤمروا به في كتابهم [["تفسير الثعلبي" 1/ 1114.]] الدليل على ذلك قوله: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾ فـ (من) موصولة بـ ﴿وَدَّ﴾ لا بقوله: ﴿حَسَدًا﴾ على التوكيد، كقوله: ﴿وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ﴾ [الأنعام: 38]. قال ابن الأنباري: ويكون تأويل ﴿مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ﴾ في حكمهم وتدينهم ومذهبهم، أي: هذا الحسد مذهب لهم، لم يؤمروا به كما تقول: هذا عند الشافعي حلال، أي: في حكمه ومذهبه. وأما معنى الحسد في اللغة، فحكى ثعلب عن ابن الأعرابي: أصل الحسد في كلام العرب: القشر، ومنه أخذ الحسد؛ لأنه يَقْشر القلب، قال والحَسدلُ [[زيدت اللام فيه كما يقال للعبد: عبدل. ينظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 1114.]]: القرادة، لأنه يقشر الجلد فيمص الدم. ذكره الأزهري [[في "تهذيب اللغة" 1/ 813، "اللسان" 2/ 868 (حسد).]]. وقوله تعالى: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾ في التوراة أن قول محمد صدق، ودينه حق، وهذا يدل على أنهم كانوا معاندين [["تفسير الثعلبي" 1/ 1114.]]. وقوله تعالى: ﴿فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا﴾ قد ذكرنا معنى العفو عند قوله: ﴿ثُمَّ عَفَونَا عَنكم﴾ [البقرة: 52]، وأما الصفح فمعناه في اللغة: الإعراض [[ينظر: "شمس العلوم" لنشوان الحميري 6/ 3773.]]، يقال: صفح عن فلان أي: أعرض عنه موليًا، ومنه قول كُثَيِّر يصفُ امرأة أعرضت عنه: صفوحًا فما تلقاك إلا بخيلةً ... فمَنْ ملَّ منها ذلك الوصلَ ملَّتِ [[البيت لكثير عزة، في "ديوانه" ص 98، "لسان العرب" 4/ 2457، (مادة: صفح)، "المعجم المفصل" 1/ 553.]] قال ابن عباس: ﴿فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا﴾ أي: عن مساوئ كلامهم، وغلّ قلبهم [[تقدم الكلام عن مثل هذه الرواية في قسم الدراسة.]]. قال: وهذا منسوخٌ بآية القتال [[أخرجه الطبري 1/ 489 - 490، ابن أبي حاتم في "تفسيره" 1/ 206. وينظر: "مجاز القرآن" لأبي عبيد 1/ 50، و"الناسخ والمنسوخ" للنحاس ص 274، و"الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه" لمكي ص 312. ورد ابن الجوزي في "نواسخ القرآن" ص 46 القولَ بالنسخ وعزى ذلك لجماعة، وقال: واحتجوا بأن الله لم يأمر بالصفح والعفو مطلقًا، وإنما أمر به إلى غاية، وما بعد الغاية يخالف ما قبلها، وما هذا سبيله لا يكون من باب المنسوخ، بل يكون الأول قد انقضت مدته بغايته، والآخر يحتاج إلى حكم آخر. ونقل في "البحر المحيط" 1/ 349 عن قوم بأنه ليس هذا حد المنسوخ، لأن هذا في نفس الأمر للتوقيف على مدته ﴿حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ﴾ غيّا العفو والصفح بهذه الغاية، وهذه الموادعة على أن تأتي أمر الله == بقتل بني قريظة، وإجلاء بني النضير وإذلالهم بالجزية، وغير ذلك مما أتي من أحكام الشرع فيهم، وترك العفو والصفح.]]، وذلك أن النبي ﷺ كان مأمورًا في أوَّلِ الأمر أن [[ساقط من (ش)]] يدعو بالحججِ البينة، وغاية الرفق، فلمَّا عاندَ اليهود بعدَ وضوحِ الحق عندهم أُمِرَ المسلمون بعد ذلك بالحرب [[انظر: "معاني القرآن" للنحاس 1/ 193.]]. وقوله تعالى: ﴿حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ﴾ قال ابن عباس: يريد إجلاء النضير، وقتل قريظة، وفتح خيبر وفَدَك [[فَدَك: قال في "المصباح المنير" ص 465 (ط: المكتبة العلمية) بفتحتين، بلدة بينها وبين مدينة النبي ﷺ يومان، وبينها وبين خيبر دون مرحلة، وهي مما أفاء الله على رسوله ﷺ وتنازعها علي والعباس في خلافة عمر ... فسلمها لهما. وينظر: "المغرب" للمطرزي ص 353 ط. دار "الكتاب" العربي.]] [[عزاه لابن عباس: الثعلبي 3/ 1114، وينظر: "الكفاية" 1/ 67، "الوسيط" 1/ 191 "ابن عطية" 1/ 448، "القرطبي" 2/ 65، "البحر المحيط" 1/ 349.]]، وقال قتادة: يعنى: أمره بالقتال [[وهذا قول الجمهور كما في "البحر المحيط" 1/ 349.]] في قوله: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [[أخرجه الطبري 1/ 490، وذكره الثعلبي 3/ 1114 وروي نحوه عن ابن عباس وأبي العالية والسدي والربيع بن أنس وغيرهم كما عند الطبري 1/ 490، وابن أبي حاتم 1/ 334.]] [التوبة: 29] [[لم يفسر المؤلف الآية رقم (110) وهي قوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب