الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً﴾ قال الفراء: نُصبت ﴿وَزِينَةً﴾ على: وجعلها زينة، مثل قوله: ﴿وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا﴾ [[الآية التي أورد الفراء غير هذه، وهي: ﴿وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ﴾ [الصافات: 7].]] [فصلت: 12] المعنى: وحفظناها حفظًا، ولو لم يكن في (الزينة) ولا في ﴿وَحِفظَا﴾ وَاوٌ لنصبتَها بالفعل الذي قبلها لا بالإضمار، ومثله: أعطيتك درهمًا ورغبة في الأجر، المعنى أعطيتكه [[في جميع النسخ: (أعطيتكه هو) بزيادة ضمير الفصل، وأدى إلى اضطراب المعنى، والتصويب من المصدر.]] رغبةً، فلو ألقيت الواو لم يحتج إلى ضمير؛ لأنه متصل بالفعل الذي قبله [["معاني القرآن" للفراء 2/ 97، بتصرف يسير.]]، وقال أبو إسحاق: نُصبت ﴿وَزِينَةً﴾ على أنها مفعول لها، المعنى: وخلقها للزينة [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 192، بنحوه.]]. قال أصحابنا: والآية لا تدل على تحريم لحوم الخيل، وإن ذكرت البغال والحمير؛ لأن القصد بهذه الآية بيانُ إباحةِ الركوب وإظهار المنّة بأنْ خَلق لنا من الحيوان ما نقضي عليه حوائجنا ونتجمَّل به، وكيف تدل على تحريمها والسورة مكية؟ ولحوم الحُمُر الأهلية حُرِّمت عام خيبر [[وقد وردت عدة أحاديث في ذلك، منها: ما رواه علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن رسول الله -ﷺ- نهى عن المتعة عام خيبر وعن لحوم حُمُرِ الإنسيَّةِ. (أخرجه البخاري (5523) كتاب: الذبائح والصيد، باب: لحوم الحمر الإنسية (5/ 2102، ومسلم (1407) كتاب: الصيد والذبائح، تحريم أكل الحمر الإنسية، وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: نهى النبي -ﷺ- عن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر. رواه البخاري (5521)، ومسلم (561).]]، فلو دَلَّت على تحريم لحم الخيل لَدَلَّت على تحريم لحم الحُمُر حتى [[هكذا في جميع النسخ، والعبارة مضطربة، فلعل (حين) تصحفت إلى (حتى)، وبها يستقيم السياق.]] تُحَرَّم عند نزولها، ولحوم الخيل حلال بالسنة والأخبار فيها كثيرة [[وهو مذهب الشافعية والحنابلة، وقد استدلوا على إباحته بما رواه الشيخان عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: نهى النبيُّ -ﷺ- يوم خيبر عن لحوم الحمر، ورخص في لحوم الخيل، وفي رواية مسلم: وأذن في لحوم الخيل. (أخرجه البخاري (5520، 5524): الذبائح، باب: لحوم الخيل، ومسلم (1941): الصيد والذبائح، باب: في أكل لحوم الخيل، واستدلوا أيضًا بما روته أسماء -رضي الله عنها- قالت: نحرنا فرسًا على عهد رسول الله -ﷺ- فأكلناه. (أخرجه البخاري (5520، 5519) كتاب: الذبائح والصيد، النحر والذبح (1942)، ومسلم (1942): الصيد والذبائح، في أكل لحوم الخيل (3/ 1541)، والمشهور عن الحنفية والمالكية تحريمه، وروي عنهما الكراهة، والقول بالإباحة هو الراجح؛ لصحة أدلته وصراحة دلالتها، ومع أن الشرع يُجوِّز أكله فإن أكله غير مشهور في بلاد المسلمين اليوم، ولعل سبب ذلك استخدامه في المعارك العسكرية في الأجيال السابقة، لذلك لم يألف الناس أكله ولا بيعه ولا تسويقه لذلك الغرض. انظر: "بداية المجتهد" 1/ 469، و"شرح الزرقاني" (3/ 91، و"حاشية الرهوني == على عبد الباقي 3/ 39، و"المبسوط" 11/ 233، و"حاشية ابن عابدين" 6/ 305، و"تفسير القرطبي" 10/ 76، و"المجموع" 9/ 4، و"المغني والشرح الكبير" 11/ 69، و"فتح الباري" 9/ 566، و"أضواء البيان" 2/ 254، و"أحكام الأطعمة في الشريعة الإسلامية" ص 126.]]. وقوله تعالى: ﴿وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ روي عن ابن عباس أنه قال: لم يسمه فالله أعلم [[انظر: "تنوير المقباس" ص 282، بنحوه.]]. وروى عطاء عنه، ومقاتل عن الضحاك عنه، قال: يريد أنّ عن يمين العرش نهرًا من نور؛ مثل السموات السبع والأرضين السبع والبحار السبع يدخل جبريل فيه كل سحر فيغتسل فيزاد نورًا إلى نوره وجمالًا إلى جماله، وعِظَمًا إلى عِظَمِه، ثم ينتفض فيخلق الله من كل نفضة تقع من ريشه كذا وكذا ألف ملك، يدخل منهم كل يوم سبعون ألفًا البيت المعمور، وفي الكعبة سبعون ألفًا، لا يعودون إليه إلى أن تقوم الساعة [[ليس في تفسير مقاتل، وأخرجه أبو الشيخ في العظمة ص 154، بنحوه من طريقين؛ مرفوعًا إلى النبي -ﷺ- من رواية أبي سعيد، وموقوفًا على وهب بن منبه، لكن ليس في الروايتين أنه تفسير لقوله تعالى: ﴿وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾، وورد في "تفسير الثعلبي" 2/ 154 ب، بنصه، وانظر: "تفسير الفخر الرازي" 19/ 231، و "تفسير القرطبي" 10/ 80، وأبي السعود 5/ 98، و"تفسير الألوسي" 14/ 102، وورد غير منسوب في: "تفسير ابن الجوزي" 4/ 432 مختصرًا. وعلى هذا التفسير مأخذان؛ الأول: أنه حدد وخصص ما أبهم الله خلقه بأمور بعيدة عن سياق الآية. الثاني: أن الحديث الوارد موضوع، فقد أورده السيوطي في "اللالئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة" 1/ 84، عن أبي هريرة مرفوعاً. وأغلب الظن أن الأثر من الإسرائيليات، يؤكده أنه ورد عن أحد مصادر الإسرائيليات، وبذلك جزم محقق كتاب "العظمة" ص 154، رقم (3)، وقد أورده ابن الجوزي بنحوه في كتاب "الموضوعات" 1/ 218.]]. وقال آخرون: يعني مما أعد في الجنة لأهلها وما أعد في النار لأهلها [[انظر: "تفسير الطبري" 14/ 83، والبغوي 5/ 11، وابن الجوزي 4/ 432، و"تفسير القرطبي" 10/ 80، والخازن 3/ 108، وأبي حيان 5/ 477.]]. وقال السدي وقتادة: يعني السوس في الثياب، والدود في الفواكه [[ورد في "معاني القرآن" للنحاس 4/ 57، عن السدي، و"تفسير الثعلبي" 2/ 154 ب، بنصه عن قتادة، و"تفسير القرطبي" 10/ 80، وعنهما في الخازن 3/ 108، عن قتادة، وأبي حيان 5/ 477، وهو قول غريب وتخصيص عجيب دون داعٍ أو مناسبة، وهذا التفسير لا يليق بهذا المكان؛ لأن السياق في النعم والمنن، وحتى تخصيصه بما أُعد في الجنة غير مناسب للسياق؛ فالحديث في معرض الامتنان على العباد مؤمنهم وكافرهم بالمركوبات، لذلك فالإطلاق أولى من كل هذه التخصيصات البعيدة عن السياق، وإن لزم الأمر إلى تخصيص، فينبغي أن يكون التخصيص بجنس الممتن به؛ لقوة القرينة، فيكون المقصود بـ ﴿مَا لَا تَعلَمُونَ﴾، أي: من جنس المركوبات، ويؤيد هذا التخصيص ما ألهم الله البشر من اختراع وسائل النقل المتعددة - لم تكن موجودة بل ولا متصورة يومئذٍ، كالسيارات والقطارات والطائرات والمركبات الفضائية، وقد أشار إلى ذلك جماعة من العلماء المعاصرين. انظر: "تفسير سيد قطب" 4/ 2161، و"الطاهر بن عاشور" 14/ 111، و"الشنقيطي" 3/ 218.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب