الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ﴾ الآية، السؤال والجواب جاء من ناحية واحدة، كقوله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ﴾ [يونس: 34] الآية، وذلك أن الكفار لا ينكرون أن الله خالق السموات والأرض والمخلوقات، لقوله: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [الزخرف: 87]، وقوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [يونس: 31] إلى قوله: ﴿فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ﴾، فإذا أجاب النبي ﷺ عن هذا السؤال بقوله: الله، لم ينكروا هم ذلك، ويصير كأنهم قالوا ذلك، ثم ألزمهم الحجة، فقال: ﴿قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ﴾ قال ابن عباس: يريد توليتم غير رب السماء والأرض، والولي النصير، والذي يتولى النصرى، كأنه قال أفتخذتم من دونه أنصارًا، يعني: الأصنام لا يملكون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا، فكيف لغيرهم. ثم ضرب مثلًا للذي يعبد الأوثان، وللذي يعبد الله تعالى: فقال: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ﴾ قال ابن عباس [["تنوير المقباس" ص 156، و"زاد المسير" 4/ 320، والقرطبي 9/ 303، وأبو الشيخ كما في "الدر" 4/ 102، وأخرج الطبري 13/ 333 عن مجاهد نحوه.]] يريد المشرك والمؤمن ﴿أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ﴾ قال: يريد الشرك والإيمان، وقرأه أكثر القراء [[قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم (تستوي) بالتاء، وقرأ أبو بكر عن عاصم وحمزة والكسائي (يستوي) بالياء. انظر: "السبعة" ص 358، و"الإتحاف" ص 270، و"زاد المسير" 4/ 320، والقرطبي 9/ 303.]] (تستوي) بالتاء؛ لأن الظلمات جمع، ولا حائل بينهما وبين الفعل، ومن قرأ بالياء فلتقدم الفعل مع التأنيث في الظلمات غير حقيقي. وقوله تعالى: ﴿أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ﴾ إلى قوله ﴿عَلَيْهِمْ﴾، قال ابن عباس [["تنوير المقباس" ص 156 نحوه وأخرج ابن أبي شيبة، والطبري 13/ 133 وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد نحوه. "الدر" 4/ 103.]]: معناه أجعلوا لله شركاء خلقوا سموات وأرضين وجنًّا وإنسًا، فتشابه الخلق عليهم من هذا الوجه. وقال أبو إسحاق [["معانى القرآن وإعرابه" 3/ 144.]]: أي هل رأوا غير الله خلق شيئًا، فاشتبه عليه خلق الله من خلق غيره؟ وقال ابن الأنباري [["زاد المسير" 4/ 320.]]: تلخيص هذه الآية: وبخهم أجعلوا لله شركاء خلقوا مثل ما خلق الله، فتشابه خلق الشركاء بخلق الله عندهم؟ وهذا الاستفهام إنكار لذلك، أي ليس الأمر على هذا حتى يشبه الأمر، بل إذا فكروا بعقولهم وجدوا الله هو المنفرد بالخلق، وسائر الشركاء لا يخلقون خلقًا يتشابه بخلق الله، وإذا كانوا بهذه الصفة ألزمتهم الحجة. وقوله تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾،قال الزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 145.]]: أي قل ذلك وبينّه بما أخبر به من الدلالة على توحيده، من أول هذه السورة، مما يدل على أنه خالق كل شيء. قال أصحابنا [[المراد بأصحابه هنا: الأشاعرة. وما ذكره في معنى الآية صحيح، كما هو قول أهل السنة، وهو رد على المعتزلة المستدلين بالآية على أن القرآن مخلوق. وعلى أن أفعال العباد مخلوقة.]]: معناه: أنه خالق كل شيء بما يصح أن يكون مخلوقاً، ألا ترى أنه شيء وهو غير مخلوق. وقال الشافعي [["الأم" 7/ 462.]] في هذا: إنه من العموم الذي لم يدخله الخصوص، يعني أنه لما ذكر لفظ الخالق، علم أن عمومه بالمخلوقات، وإذا كان كذلك لم يدخله خصوص، لأنه لا مخلوق إلا وهو خالقه، ولما شبه المؤمن والكافر، والإيمان والكفر مثلًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب