الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ مَن رَبُّ السَّماواتِ والأرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أفاتَّخَذْتُمْ مِن دُونِهِ أوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأنْفُسِهِمْ نَفْعًا ولا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعْمى والبَصِيرُ أمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ والنُّورُ أمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وهو الواحِدُ القَهّارُ﴾ . اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا بَيَّنَ أنَّ كُلَّ مَن في السَّماواتِ والأرْضِ ساجِدٌ لَهُ بِمَعْنى كَوْنِهِ خاضِعًا لَهُ، عادَ إلى الرَّدِّ عَلى عَبَدَةِ الأصْنامِ، فَقالَ: ﴿قُلْ مَن رَبُّ السَّماواتِ والأرْضِ قُلِ اللَّهُ﴾ ولَمّا كانَ هَذا الجَوابُ جَوابًا يُقِرُّ بِهِ المَسْئُولُ ويَعْتَرِفُ بِهِ ولا يُنْكِرُهُ، أمَرَهُ ﷺ أنْ يَكُونَ هو الذّاكِرَ لِهَذا الجَوابِ تَنْبِيهًا عَلى أنَّهم لا يُنْكِرُونَهُ البَتَّةَ، ولَمّا بَيَّنَ أنَّهُ سُبْحانَهُ هو الرَّبُّ لِكُلِّ الكائِناتِ قالَ: قُلْ لَهم فَلِمَ اتَّخَذْتُمْ مِن دُونِ اللَّهِ أوْلِياءَ، وهي جَماداتٌ، وهي لا تَمْلِكُ لِأنْفُسِها نَفْعًا ولا ضَرًّا؟ ولَمّا كانَتْ عاجِزَةً عَنْ تَحْصِيلِ المَنفَعَةِ لِأنْفُسِها ودَفْعِ المَضَرَّةِ عَنْ أنْفُسِها، فَبِأنْ تَكُونَ عاجِزَةً عَنْ (p-٢٦)تَحْصِيلِ المَنفَعَةِ لِغَيْرِها ودَفْعِ المَضَرَّةِ عَنْ غَيْرِها كانَ ذَلِكَ أوْلى، فَإذا لَمْ تَكُنْ قادِرَةً عَلى ذَلِكَ كانَتْ عِبادَتُها مَحْضَ العَبَثِ والسَّفَهِ، ولَمّا ذَكَرَ هَذِهِ الحَجَّةَ الظّاهِرَةَ بَيَّنَ أنَّ الجاهِلَ بِمِثْلِ هَذِهِ الحُجَّةِ يَكُونُ كالأعْمى والعالِمَ بِها كالبَصِيرِ، والجَهْلُ بِمِثْلِ هَذِهِ الحُجَّةِ كالظُّلُماتِ، والعِلْمُ بِها كالنُّورِ، وكَما أنَّ كُلَّ أحَدٍ يَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أنَّ الأعْمى لا يُساوِي البَصِيرَ، والظُّلْمَةَ لا تُساوِي النُّورَ كَذَلِكَ كُلُّ أحَدٍ يَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أنَّ الجاهِلَ بِهَذِهِ الحُجَّةِ لا يُساوِي العالِمَ بِها، قَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ وأبُو بَكْرٍ وعَمْرٌو عَنْ عاصِمِ [يَسْتَوِي الظُّلُماتُ والنُّورُ] بِالياءِ، لِأنَّها مُقَدَّمَةٌ عَلى اسْمِ الجَمْعِ والباقُونَ بِالتّاءِ، واخْتارَهُ أبُو عُبَيْدَةَ، ثُمَّ أكَّدَ هَذا البَيانَ فَقالَ: ﴿أمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الخَلْقُ عَلَيْهِمْ﴾ يَعْنِي هَذِهِ الأشْياءَ الَّتِي زَعَمُوا أنَّها شُرَكاءُ لِلَّهِ لَيْسَ لَها خَلْقٌ يُشْبِهُ خَلْقَ اللَّهِ حَتّى يَقُولُوا إنَّها تُشارِكُ اللَّهَ في الخالِقِيَّةِ، فَوَجَبَ أنْ تُشارِكَهُ في الإلَهِيَّةِ، بَلْ هَؤُلاءِ المُشْرِكُونَ يَعْلَمُونَ بِالضَّرُورَةِ أنَّ هَذِهِ الأصْنامَ لَمْ يَصْدُرْ عَنْها فِعْلٌ البَتَّةَ، ولا خَلْقٌ ولا أثَرٌ، وإذا كانَ الأمْرُ كَذَلِكَ كانَ حُكْمُهم بِكَوْنِها شُرَكاءَ لِلَّهِ في الإلَهِيَّةِ مَحْضَ السَّفَهِ والجَهْلِ، وفي الآيَةِ مَسائِلُ: المسألة الأُولى: اعْلَمْ أنَّ أصْحابَنا اسْتَدَلُّوا بِهَذِهِ الآيَةِ في مَسْألَةِ خَلْقِ الأفْعالِ مِن وُجُوهٍ: الأوَّلُ: أنَّ المُعْتَزِلَةَ زَعَمُوا أنَّ الحَيَواناتِ تَخْلُقُ حَرَكاتٍ وسَكَناتٍ مِثْلَ الحَرَكاتِ والسَّكَناتِ الَّتِي يَخْلُقُها اللَّهُ تَعالى، وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ فَقَدْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ، ومَعْلُومٌ أنَّ اللَّهَ تَعالى إنَّما ذَكَرَ هَذِهِ الآيَةَ في مَعْرِضِ الذَّمِّ والإنْكارِ، فَدَلَّتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلى أنَّ العَبْدَ لا يَخْلُقُ فِعْلَ نَفْسِهِ، قالَ القاضِي: نَحْنُ وإنْ قُلْنا: إنَّ العَبْدَ يَفْعَلُ ويُحْدِثُ، إلّا أنّا لا نُطْلِقُ القَوْلَ بِأنَّهُ يَخْلُقُ، ولَوْ أطْلَقْناهُ لَمْ نَقُلْ إنَّهُ يَخْلُقُ كَخَلْقِ اللَّهِ؛ لِأنَّ أحَدَنا يَفْعَلُ بِقُدْرَةِ اللَّهِ، وإنَّما يَفْعَلُ لِجَلْبِ مَنفَعَةٍ ودَفْعِ مَضَرَّةٍ، واللَّهُ تَعالى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، فَثَبَتَ أنَّ بِتَقْدِيرِ كَوْنِ العَبْدِ خالِقًا، إلّا أنَّهُ لا يَكُونُ خَلْقُهُ كَخَلْقِ اللَّهِ تَعالى، وأيْضًا فَهَذا الإلْزامُ لازِمٌ لِلْمُجْبِرَةِ؛ لِأنَّهم يَقُولُونَ: عَيْنُ ما هو خَلْقُ اللَّهِ تَعالى فَهو كَسْبُ العَبْدِ وفِعْلٌ لَهُ، وهَذا عَيْنُ الشِّرْكِ؛ لِأنَّ الإلَهَ والعَبْدَ في خَلْقِ تِلْكَ الأفْعالِ بِمَنزِلَةِ الشَّرِيكَيْنِ اللَّذَيْنِ لا مالَ لِأحَدِهِما إلّا ولِلْآخَرِ فِيهِ حَقٌّ، وأيْضًا فَهو تَعالى إنَّما ذَكَرَ هَذا الكَلامَ عَيْبًا لِلْكُفّارِ وذَمًّا لِطَرِيقَتِهِمْ، ولَوْ كانَ فِعْلُ العَبْدِ خَلْقًا لِلَّهِ تَعالى لَما بَقِيَ لِهَذا الذَّمِّ فائِدَةٌ، لِأنَّ لِلْكُفّارِ أنْ يَقُولُوا عَلى هَذا التَّقْدِيرِ: إنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ وتَعالى لَمّا خَلَقَ هَذا الكُفْرَ فِينا، فَلِمَ يَذُمُّنا عَلَيْهِ ولا يَنْسُبُنا إلى الجَهْلِ والتَّقْصِيرِ مَعَ أنَّهُ قَدْ حَصَلَ فِينا لا بِفِعْلِنا ولا بِاخْتِيارِنا. والجَوابُ عَنِ السُّؤالِ الأوَّلِ: أنَّ لَفْظَ الخَلْقِ إمّا أنْ يَكُونَ عِبارَةً عَنِ الإخْراجِ مِنَ العَدَمِ إلى الوُجُودِ، أوْ يَكُونَ عِبارَةً عَنِ التَّقْدِيرِ، وعَلى الوجه يْنِ فَبِتَقْدِيرِ أنْ يَكُونَ العَبْدُ مُحْدِثًا فَإنَّهُ لا بُدَّ وأنْ يَكُونَ حادِثًا. أما قوله: والعَبْدُ وإنْ كانَ خالِقًا إلّا أنَّهُ لَيْسَ خَلْقُهُ كَخَلْقِ اللَّهِ. قُلْنا: الخَلْقُ عِبارَةٌ عَنِ الإيجادِ والتَّكْوِينِ والإخْراجِ مِنَ العَدَمِ إلى الوُجُودِ، ومَعْلُومٌ أنَّ الحَرَكَةَ الواقِعَةَ بِقُدْرَةِ العَبْدِ لَمّا كانَتْ مِثْلًا لِلْحَرَكَةِ الواقِعَةِ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعالى، كانَ أحَدُ المَخْلُوقَيْنِ مِثْلًا لِلْمَخْلُوقِ الثّانِي، وحِينَئِذٍ يَصِحُّ أنْ يُقالَ: إنَّ هَذا الَّذِي هو مَخْلُوقُ العَبْدِ مِثْلٌ لِما هو مَخْلُوقٌ لِلَّهِ تَعالى، بَلْ لا شَكَّ في حُصُولِ المُخالَفَةِ في سائِرِ الِاعْتِباراتِ، إلّا أنَّ حُصُولَ المُخالَفَةِ في سائِرِ الوُجُوهِ لا يَقْدَحُ في حُصُولِ المُماثَلَةِ مِن هَذا الوجه وهَذا القَدْرُ يَكْفِي في الِاسْتِدْلالِ، وأما قوله: هَذا لازِمٌ عَلى المُجْبَرَةِ حَيْثُ قالُوا: إنَّ فِعْلَ العَبْدِ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ تَعالى، فَنَقُولُ: هَذا غَيْرُ لازِمٍ؛ لِأنَّ هَذِهِ الآيَةَ دالَّةٌ عَلى أنَّهُ لا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ خَلْقُ العَبْدِ مِثْلًا لِخَلْقِ اللَّهِ تَعالى، (p-٢٧)ونَحْنُ لا نُثْبِتُ لِلْعَبْدِ خَلْقًا البَتَّةَ، فَكَيْفَ يَلْزَمُنا ذَلِكَ؟ وأما قوله: لَوْ كانَ فِعْلُ العَبْدِ خَلْقًا لِلَّهِ تَعالى لَما حَسُنَ ذَمُّ الكُفّارِ عَلى هَذا المَذْهَبِ. قُلْنا: حاصِلُهُ يَرْجِعُ إلى أنَّهُ لَمّا حَصَلَ المَدْحُ والذَّمُّ وجَبَ أنْ يَكُونَ العَبْدُ مُسْتَقِلًّا بِالفِعْلِ، وهو مَنقُوضٌ؛ لِأنَّهُ تَعالى ذَمَّ أبا لَهَبٍ عَلى كُفْرِهِ مَعَ أنَّهُ عالِمٌ مِنهُ أنَّهُ يَمُوتُ عَلى الكُفْرِ، وقَدْ ذَكَرْنا أنَّ خِلافَ المَعْلُومِ مُحالُ الوُقُوعِ، فَهَذا تَقْرِيرُ هَذا الوجه في هَذِهِ الآيَةِ. وأمّا الوجه الثّانِي في التَّمَسُّكِ بِهَذِهِ الآيَةِ قَوْلُهُ: ﴿قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ ولا شَكَّ أنَّ فِعْلَ العَبْدِ شَيْءٌ، فَوَجَبَ أنْ يَكُونَ خالِقُهُ هو اللَّهَ وسُؤالُهم عَلَيْهِ ما تَقَدَّمَ. والوجه الثّالِثُ: في التَّمَسُّكِ بِهَذِهِ الآيَةِ: قَوْلُهُ: ﴿وهُوَ الواحِدُ القَهّارُ﴾ ولَيْسَ يُقالُ فِيهِ: إنَّهُ تَعالى واحِدٌ في أيِّ المَعانِي، ولَمّا كانَ المَذْكُورُ السّابِقُ هو الخالِقِيَّةَ وجَبَ أنْ يَكُونَ المُرادُ هو الواحِدَ في الخالِقِيَّةِ، القَهّارَ لِكُلِّ ما سِواهُ، وحِينَئِذٍ يَكُونُ دَلِيلًا أيْضًا عَلى صِحَّةِ قَوْلِنا. * * * المسألة الثّانِيَةُ: زَعَمَ جَهْمٌ أنَّ اللَّهَ تَعالى لا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الشَّيْءِ. اعْلَمْ أنَّ هَذا النِّزاعَ لَيْسَ إلّا في اللَّفْظِ، وهو أنَّ هَذا الِاسْمَ هَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ أمْ لا، وزَعَمَ أنَّهُ لا يَقَعُ هَذا الِاسْمُ عَلى اللَّهِ تَعالى، واحْتَجَّ عَلَيْهِ بِأنَّهُ لَوْ كانَ شَيْئًا لَوَجَبَ كَوْنُهُ خالِقًا لِنَفْسِهِ، لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ ولَمّا كانَ ذَلِكَ مُحالًا، وجَبَ أنْ لا يَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ الشَّيْءِ، ولا يُقالُ: هَذا عامٌّ دَخَلَهُ التَّخْصِيصُ؛ لِأنَّ العامَّ المَخْصُوصَ إنَّما يَحْسُنُ إذا كانَ المَخْصُوصُ أقَلَّ مِنَ الباقِي وأخَسَّ مِنهُ، كَما إذا قالَ: أكَلْتُ هَذِهِ الرُّمّانَةَ مَعَ أنَّهُ سَقَطَتْ مِنها حَبّاتٌ ما أكَلَها، وهاهُنا ذاتُ اللَّهِ تَعالى أعْلى المَوْجُوداتِ وأشْرَفُها، فَكَيْفَ يُمْكِنُ ذِكْرُ اللَّفْظِ العامِّ الَّذِي يَتَناوَلُهُ مَعَ كَوْنِ الحكم مَخْصُوصًا في حَقِّهِ؟ والحُجَّةُ الثّانِيَةُ: تَمَسَّكَ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ والمَعْنى: لَيْسَ مِثْلَ مِثْلِهِ شَيْءٌ، ومَعْلُومٌ أنَّ كُلَّ حَقِيقَةٍ فَإنَّها مِثْلُ مِثْلِ نَفْسِها، فالبارِي تَعالى مِثْلُ مِثْلِ نَفْسِهِ، مَعَ أنَّهُ تَعالى نَبَّهَ عَلى أنَّ مِثْلَ مِثْلِهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ، فَهَذا تَنْصِيصٌ عَلى أنَّهُ تَعالى غَيْرُ مُسَمًّى بِاسْمِ الشَّيْءِ. والحُجَّةُ الثّالِثَةُ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولِلَّهِ الأسْماءُ الحُسْنى فادْعُوهُ بِها﴾ [الأعْرافِ: ١٨٠] دَلَّتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلى أنَّهُ لا يَجُوزُ أنْ يُدْعى اللَّهُ إلّا بِالأسْماءِ الحُسْنى، ولَفْظُ الأشْياءِ يَتَناوَلُ أخَسَّ المَوْجُوداتِ، فَلا يَكُونُ هَذا اللَّفْظُ مُشْعِرًا بِمَعْنًى حَسَنٍ، فَوَجَبَ أنْ لا يَكُونَ هَذا اللَّفْظُ مِنَ الأسْماءِ الحُسْنى، فَوَجَبَ أنْ لا يَجُوزَ دُعاءُ اللَّهِ تَعالى بِهَذا اللَّفْظِ، والأصْحابُ تَمَسَّكُوا في إطْلاقِ هَذا الِاسْمِ عَلَيْهِ تَعالى بِقَوْلِهِ: ﴿قُلْ أيُّ شَيْءٍ أكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وبَيْنَكُمْ﴾ [الأنْعامِ: ١٩]. وأجابَ الخَصْمُ عَنْهُ بِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿قُلْ أيُّ شَيْءٍ أكْبَرُ شَهادَةً﴾ سُؤالٌ مَتْرُوكُ الجَوابِ، وقَوْلُهُ: ﴿قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وبَيْنَكُمْ﴾ كَلامٌ مُبْتَدَأٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ لا تَعَلُّقَ لَهُ بِما قَبْلَهُ. * * * المسألة الثّالِثَةُ: تَمَسَّكَ المُعْتَزِلَةُ بِهَذِهِ الآيَةِ في أنَّهُ تَعالى عالِمٌ لِذاتِهِ لا بِالعِلْمِ، وقادِرٌ لِذاتِهِ لا بِالقُدْرَةِ. قالُوا: لِأنَّهُ لَوْ حَصَلَ لِلَّهِ تَعالى عِلْمٌ وقُدْرَةٌ وحَياةٌ، لَكانَتْ هَذِهِ الصِّفاتُ إمّا أنْ تَحْصُلَ بِخَلْقِ اللَّهِ أوْ لا بِخَلْقِهِ، والأوَّلُ باطِلٌ وإلّا لَزِمَ التَّسَلْسُلُ، والثّانِي: باطِلٌ لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ يَتَناوَلُ الذّاتَ والصِّفاتَ، حَكَمْنا (p-٢٨)بِدُخُولِ التَّخْصِيصِ فِيهِ في حَقِّ ذاتِ اللَّهِ تَعالى فَوَجَبَ أنْ يَبْقى فِيما سِوى الذّاتِ عَلى الأصْلِ، وهو أنْ يَكُونَ تَعالى خالِقًا لِكُلِّ شَيْءٍ سِوى ذاتِهِ تَعالى، فَلَوْ كانَ لِلَّهِ عِلْمٌ وقُدْرَةٌ لَوَجَبَ كَوْنُهُ تَعالى خالِقًا لَهُما وهو مُحالٌ، وأيْضًا تَمَسَّكُوا بِهَذِهِ الآيَةِ في خَلْقِ القُرْآنِ، قالُوا: الآيَةُ دالَّةٌ عَلى أنَّهُ تَعالى خالِقٌ لِكُلِّ الأشْياءِ، والقُرْآنُ لَيْسَ هو اللَّهَ تَعالى، فَوَجَبَ أنْ يَكُونَ مَخْلُوقًا وأنْ يَكُونَ داخِلًا تَحْتَ هَذا العُمُومِ. والجَوابُ: أقْصى ما في البابِ أنَّ الصِّيغَةَ عامَّةٌ، إلّا أنّا نُخَصِّصُها في حَقِّ صِفاتِ اللَّهِ تَعالى بِسَبَبِ الدَّلائِلِ العَقْلِيَّةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب