قولى تعالى: ﴿سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ﴾ الآية، قال الفراء [["معاني القرآن" 2/ 59.]] والزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 141، والسياق كذا في جميع النسخ وفيه سقط، وهو عند الزجاج -لأن العبارة عبارته- كالتالي: موضع (من) رفعٌ بسواء، وكذلك (من) الثانية يرتفعان جميعًا بسواء؛ لأن سواء يطلب اثنين.]]: من رفع (سواء) وكذلك الثانية وسواء يطلب اثنين تقول: سواء زيد وعمرو، أي ذوي عدل، ويجوز أن يكون سواء بمعنى مستوٍ، فلا يحتاج إلى تقدير الحذف، إلا أن سيبويه يستقبح أن يقول: مستوٍ زيد وعمرو؛ لأن أسماء الفاعلين عنده إذا كانت نكرة لا يبدأ بها. ذكر هذين الوجهين في (سواء) أبو إسحاق [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 141.]] وأبو بكر [["زاد المسير" 4/ 309.]]، إلا أن أبا بكر يقول: جَعْل (سواء) بمنزلة مستوٍ أقوى وأصوب؛ لأنه خال من الإضمار ومعاملة الظاهر مع السلامة من المضمرات، إذا لم يلحق المعنى نقص - أولى.
وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ﴾ يقال [["تهذيب اللغة" (خفى) 1/ 1070.]]: أخفيت الشيء أخفيه إخفاءً، فخفي واستخفى، ويقال أيضاً: اختفى، وهي قليلة، واستخفى فلان من فلان، أي توارى واستتر منه.
وقوله تعالى: ﴿وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ﴾ قال الفراء [["معاني القرآن" 2/ 60.]]، وأبو إسحاق [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 141.]]: ظاهر بالنهار في سربه، أي طريقه، يقال: خل له سربه، أي: طريقه، الأزهري [["تهذيب اللغة" (سرب) 2/ 1662.]]، والعرب تقول: سربت الإبل تَسرُب، وسرب الفحل سروبًا، أي مضت في الأرض ظاهرة حيث شاءت، ومنه قوله [[هكذا البيت في جميع النسخ، وهو كذلك في القرطبي 9/ 290، وفي "التهذيب" 2/ 1662، (ونحن خلعنا قيده ..) وقد نسبه الأزهري للأخنس بن شهاب التعلبي، وهو كذلك في "اللسان" (سرب) 4/ 1980، و"شعراء النصرانية" ص 187، و"تاج العروس" (سرب) 2/ 73، و"جهرة اللغة" ص 309، و"التنبيه والإيضاح" 1/ 94، وبلا نسبة في "اللسان" (خلع) 2/ 1232، كتاب "العين" 1/ 118، و"تاج العروس" (خلع) 11/ 103.]]:
وكلُّ أناسٍ قَارَبُوا قيْدَ فَحْلهم ... ونحن جَعَلْنَا قَيْدَه فَهْو سارِبُ
قال أبو إسحاق [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 142.]]: معنى الآية: الجاهر بنطقه والمضمر في نفسه، والظاهر في الطرقات والمستخفي في الظلمات، عِلْم الله فيهم سواء، ونحو هذا قال الفراء [["معاني القرآن" 2/ 60.]].
وقال أبو العباس [["تهذيب اللغة" (خفى) 1/ 1070، و"اللسان" (سرب) 4/ 1980.]]: المستخفي: المستتر، والسار: الظاهر، المعنى: الظاهر والخفي عنده واحد.
قال ابن عباس: يريد علم ما نطقت به الألسنة وما أضمر الفؤاد، ومن هو مستخف بالليل وظاهر بالنهار، ونحو هذا قال قتادة [[الطبري 36/ 114.]]: سارب ظاهر.
وقال مجاهد [[القرطبي 9/ 290.]]: مستخف بالليل يعمل السوءات، وسارب بالنهار ويظهرها، وهذا التفسير يحتاج معه إلى إضمار، كأنه مستخف بالليل بالمعاصي وظاهر بالنهار بها، هذا الذي ذكرنا في هذه الآية، هو قول أكثر أهل اللغة والتفسير [[الطبري 13/ 113، و"تفسير كتاب الله العزيز" 2/ 296، و"بحر العلوم" 2/ 186، وابن كثير 2/ 552، و"معاني القرآن" للنحاس 3/ 476، و"البحر" 5/ 370، و"فتح البيان" 7/ 25، 26، و"الدر المصون" 4/ 231.]].
وقال الأخفش [["معاني القرآن" 2/ 595، و"زاد المسير" 4/ 310، و"تهذيب اللغة" (خفي) 1/ 1070، و"اللسان" (سرب) 4/ 1980.]]: المستخفي الظاهر، والسارب: المتواري، ومن هذا يقال: خفيت الشيء وأخفيته، أي: أظهرته، ومنه قول امرئ القيس [[جزء من صدر بيت لامرئ القيس، والبيت بتمامه:
خفاهن من أنفاقهن كأنما ... خفاهنّ ودق من سحاب مركب
"ديوانه" ص 51، وفيه: (كأنما خفاهن ودق من عشي مجلب)، و"المحتسب" 2/ 48، و"مجاز القرآن" 2/ 17، و"المخصص" 10/ 46، والقرطبي 9/ 290، و"تهذيب اللغة" (خفي) 1/ 1070، و"اللسان" 2/ 1216.
وقوله: (خفاهن): أي: أظهرهن، والأنفاق: أسراب تحت الأرض، والودق: المطر، وخص مطر العشي؛ لأنه أغزر، والمجلب، الذي يسمع له جلبة لشدة وقعه.]]:
خَفَاهُنّ من أنْفَاقِهِنَّ ........
أي أظهرهن، واختفيت [[في (ب): (واخفيت).]] الشيء، استخرجته، ويسمى التباس المختفي، والسارب: المتواري الداخل سرابًا، وانسراب الوحش إذا دخل في كناسه، وهذا الوجه مذهب قطرب [["زاد المسير" 4/ 310، و"اللسان" (سرب) 4/ 1982.]] أيضًا، وهو صحيح في اللغة غير أن الأول هو الاختيار، لما شهد به [[في (أ)، (ج): (شهدته).]] الآثار.
قال أبو بكر [["الأضداد" ص 76.]]: الأوّل أثبت معنى في الآية؛ لأن الليل يدل على الاستتار [[في (أ)، (ج): (نتشار).]]، والظهور يشاكل النهار لانتشار الناس فيه وبروزهم.
{"ayah":"سَوَاۤءࣱ مِّنكُم مَّنۡ أَسَرَّ ٱلۡقَوۡلَ وَمَن جَهَرَ بِهِۦ وَمَنۡ هُوَ مُسۡتَخۡفِۭ بِٱلَّیۡلِ وَسَارِبُۢ بِٱلنَّهَارِ"}