الباحث القرآني
﴿سَواءٌ مِنكم مَن أسَرَّ القَوْلَ﴾ أخْفاهُ في نَفْسِهِ ولَمْ يَتَلَفَّظْ بِهِ وقِيلَ: تَلَفَّظَ بِهِ بِحَيْثُ لَمْ يُسْمِعْ نَفْسَهُ دُونَ غَيْرِهِ ﴿ومَن جَهَرَ بِهِ﴾ مَن يُقابِلُ ذَلِكَ بِالمَعْنَيَيْنِ ﴿ومَن هو مُسْتَخْفٍ﴾ مُبالِغٌ في الإخْفاءِ كَأنَّهُ مُخْتَفٍ ﴿بِاللَّيْلِ﴾ وطالِبٌ لِلزِّيادَةِ ﴿وسارِبٌ بِالنَّهارِ﴾ . (10) . أيْ ظافِرٌ فِيهِ كَما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وهو ما قالَ جَمْعٌ في الأصْلِ اسْمُ فاعِلٍ مِن سَرَبَ إذا ذَهَبَ في سِرْبِهِ أيْ طَرِيقِهِ ويَكُونُ بِمَعْنى تَصَرَّفَ كَيْفَ شاءَ قالَ الشّاعِرُ: .
؎إنِّي سَرَبْتُ وكُنْتُ غَيْرَ سُرُوبٍ وتَقْرُبُ الأحْلامُ غَيْرَ قَرِيبِ
وقالَ الآخَرُ: .
؎وكُلُّ أُناسٍ قارَبُوا قَيْدَ فَحْلِهِمْ ∗∗∗ ونَحْنُ خَلَعْنا قَيْدَهُ فَهو سارِبُ
أيْ فَهو مُتَصَرِّفٌ كَيْفَ شاءَ لا يُدْفَعُ عَنْ جِهَةٍ يَفْتَخِرُ بِعِزَّةِ قَوْمِهِ فَما ذَكَرَهُ الحَبْرُ لازِمٌ مَعْناهُ وقَرِينَتُهُ وُقُوعُهُ في مُقابَلَةِ مُسْتَخْفٍ والظّاهِرُ مِن كَلامِ بَعْضِهِمْ أنَّهُ حَقِيقَةٌ في الظّاهِرِ ورَفْعُ ﴿سَواءٌ﴾ عَلى أنَّهُ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ و( مَن ) مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ ولَمْ يُثَنَّ الخَبَرُ لِأنَّهُ في الأصْلِ مَصْدَرٌ وهو الآنَ بِمَعْنى مُسْتَوٍ ولَمْ يَجِئْ تَثْنِيَتُهُ في أشْهَرِ اللُّغاتِ وحَكى أبُو زَيْدٍ هُما سَواءانِ و﴿مِنكُمْ﴾ حالٌ مِنَ الضَّمِيرِ المُسْتَتِرِ فِيهِ لا في ( أسَرَّ ) و( جَهَرَ ) لِأنَّ ما في حَيِّزِ الصِّلَةِ والصِّفَةِ لا يَتَقَدَّمُ عَلى المَوْصُولِ والمَوْصُوفِ وجَوَّزَ أبُو حَيّانَ كَوْنَ ( سَواءٌ ) مُبْتَدَأً لِوَصْفِهِ بِمَنِّكم وما بَعْدَهُ الخَبَرُ وكَذا أعَرَبَ سِيبَوَيْهِ قَوْلَ العَرَبِ: سَواءٌ عَلَيْهِ الخَيْرُ والشَّرُّ وقَوْلُ ابْنِ عَطِيَّةَ: إنَّ سِيبَوَيْهِ ضَعَّفَ ذَلِكَ (p-111)بِأنَّهُ ابْتِداءٌ بِنَكِرَةٍ لا يَصِحُّ و( سارِبٌ ) عُطِفَ عَلى ( مَن ) كَأنَّهُ قِيلَ: سَواءٌ مِنكم إنْسانٌ هو مُسْتَخْفٍ وآخَرُ سارِبٌ والنُّكْتَةُ في زِيادَةِ هو في الأوَّلِ أنَّهُ الدّالُّ عَلى كَمالِ العِلْمِ فَناسَبَ زِيادَةَ تَحْقِيقِ وهو النُّكْتَةُ في حَذْفِ المَوْصُوفِ عَنْ سارِبٍ أيْضًا والوَجْهُ في تَقْدِيمِ ( أسَرَّ ) وإعْمالِهِ في صَرِيحِ القَوْلِ عَلى جَهْرِهِ وإعْمالِهِ في ضَمِيرِهِ وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ عَلى مُسْتَخْفٍ واسْتُشْكِلَ بِأنَّ ( سَواءٌ ) يَقْتَضِي ذِكْرَ شَيْئَيْنِ فَإذا كانَ ( سارِبٌ ) مَعْطُوفًا عَلى جُزْءِ الصِّلَةِ أوِ الصِّفَةِ لا يَكُونُ هُناكَ إلّا شَيْءٌ واحِدٌ ولا يَجِيءُ هَذا عَلى الأوَّلِ لِأنَّ المَعْنى ما عَلِمْتَ وأُجِيبَ بِأنَّ ( مَن ) عِبارَةٌ عَنِ الِاثْنَيْنِ كَما في قَوْلِهِ: .
؎تَعالَ فَإنْ عاهَدْتَنِي لا تَخُونُنِي ∗∗∗ نَكُنْ مِثْلَ مَن يا ذِئْبُ يَصْطَحِبانِ
فَكَأنَّهُ قِيلَ: سَواءٌ مِنكُمُ اثْنانِ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وسارِبٌ بِالنَّهارِ قالَ في الكَشْفِ: وعَلى الوَجْهَيْنِ ( مَن ) مَوْصُوفَةٌ لا مَوْصُولَةٌ فَيُحْمَلُ الأُولَيانِ أيْضًا عَلى ذَلِكَ لِيَتَوافَقَ الكُلُّ وإيثارُها عَلى المَوْصُولَةِ دَلالَةٌ عَلى أنَّ المَقْصُودَ الوَصْفُ فَإنَّ ذَلِكَ مُتَعَلِّقُ العِلْمِ وأمّا لَوْ قِيلَ: سَواءٌ الَّذِي أسَرَّ القَوْلَ والَّذِي جَهَرَ بِهِ فَإنْ أُرِيدَ الجِنْسُ مِن بابِ ولَقَدْ أمُرُّ عَلى اللَّئِيمِ يَسُبُّنِي فَهو والأوَّلُ سَواءٌ لَكِنَّ الأوَّلَ نَصٌّ وإنْ أُرِيدَ المَعْهُودُ حَقِيقَةً أوْ تَقْدِيرًا لَزِمَ إيهامُ خِلافِ المَقْصُودِ لِما مَرَّ وقِيلَ: في الكَلامِ مَوْصُولٌ مَحْذُوفٌ والتَّقْدِيرُ ومَن هو سارِبٌ كَقَوْلِ أبِي فِراسٍ: .
؎فَلَيْتَ الَّذِي بَيْنِي وبَيْنَكَ عامِرٌ ∗∗∗ وبَيْنِي وبَيْنَ العالَمِينَ خَرابُ
وقَوْلِ حَسّانَ: .
؎أمَن يَهْجُو رَسُولَ اللَّهِ مِنكم ∗∗∗ ويَمْدَحُهُ ويَنْصُرُهُ سَواءُ
وهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا لِما فِيهِ مِن حَذْفِ المَوْصُولِ مَعَ صَدْرِ الصِّلَةِ وقَدِ ادَّعى الزَّمَخْشَرِيُّ أنَّ أحَدَ الحَذْفَيْنِ سائِغٌ لَكِنَّ اجْتِماعَهُما مُنْكَرٌ مِنَ المُنْكَراتِ بِخِلافِ البَيْتَيْنِ وقالَ أبُو حَيّانَ: إنَّ حَذْفَ مَن هُنا وإنْ كانَ لِلْعِلْمِ بِهِ لا يَجُوزُ عِنْدَ البَصْرِيِّينَ ويَجُوزُ عِنْدَ الكُوفِيِّينَ وزَعَمَ بَعْضُهم أنَّ المَقْصُودَ اسْتِواءُ الحالَتَيْنِ سَواءٌ كانَتا لِواحِدٍ أوْ لِاثْنَيْنِ والمَعْنى سَواءٌ اسْتِخْفاؤُهُ وسُرُوٌّ بِهِ بِالنِّسْبَةِ إلى عِلْمِ اللَّهِ تَعالى فَلا حاجَةَ إلى تَوْجِيهِ الآيَةِ بِما مَرَّ وكَذا حالُ ما تَقَدَّمَهُ فَعَبَّرَ بِأُسْلُوبَيْنِ والمَقْصُودُ واحِدٌ.
وتُعُقِّبَ بِأنَّهُ لا تُساعِدُهُ العَرَبِيَّةُ لِأنَّ ( مَن ) لا تَكُونُ مَصْدَرِيَّةً ولا سابِكَ في الكَلامِ وزَعَمَ ابْنُ عَطِيَّةَ جَوازَ أنْ تَكُونَ الآيَةُ مُتَضَمِّنَةً ثَلاثَةَ أصْنافٍ فالَّذِي يُسِرُّ طَرَفٌ والَّذِي يَجْهَرُ طَرَفٌ مُضادٌّ لِلْأوَّلِ والثّالِثُ مُتَلَوِّنٌ يَعْصِي بِاللَّيْلِ مُسْتَخْفِيًا ويُظْهِرُ البَراءَةَ بِالنَّهارِ وهو كَما تَرى ومِنَ الغَرِيبِ ما نُقِلَ عَنِ الأخْفَشِ وقُطْرُبَ تَفْسِيرُ المُسْتَخْفِي بِالظّاهِرِ فَإنَّهُ وإنْ كانَ مَوْجُودًا في كَلامِهِمْ بِهَذا المَعْنى لَكِنْ يَمْنَعُ عَنْهُ في الآيَةِ ما يَمْنَعُ ثُمَّ إنَّ في بَيانِ عِلْمِهِ تَعالى بِما ذُكِرَ بَعْدَ بَيانِ شُمُولِ عِلْمِهِ سُبْحانَهُ الأشْياءَ كُلَّها ما لا يَخْفى مِنَ الِاعْتِناءِ بِذَلِكَ.
{"ayah":"سَوَاۤءࣱ مِّنكُم مَّنۡ أَسَرَّ ٱلۡقَوۡلَ وَمَن جَهَرَ بِهِۦ وَمَنۡ هُوَ مُسۡتَخۡفِۭ بِٱلَّیۡلِ وَسَارِبُۢ بِٱلنَّهَارِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











