سارِبٌ ذاهب في سربه- بالفتح- أى في طريقه ووجهه. يقال: سرب في الأرض سروبا. والمعنى: سواء عنده من استخفى: أى طلب الخفاء في مختبإ بالليل في ظلمته، ومن يضطرب في الطرقات ظاهراً بالنهار يبصره كل أحد. فإن قلت: كان حق العبارة أن يقال:
ومن هو مستخف بالليل ومن هو سارب بالنهار [[قال محمود: «إن قلت كان من حق الكلام أن يقال: ومن هو مستخف بالليل ومن هو سارب بالنهار ...
الخ» قال أحمد: فمقتضى السؤال الذي أورده الزمخشري أن تكون الواو عاطفة لإحدى الصفتين على الأخرى، ومقتضى ما أجاب به أن يعطف أحد الموصوفين على الآخر، وتحتمل الآية وجها آخر: وهو أن يكون الموصول محذوفا وصلته باقية. والمعنى: ومن هو مستخف بالليل ومن هو سارب بالنهار، وحذف الموصول المعطوف وبقاء صلته شائع، وخصوصا وقد تكرر الموصول في الآية ثلاثا، ومنه قوله تعالى وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ والأصل: ولا ما يفعل بكم، وإلا كان حرف النفي دخيلا في غير موضعه، لأن الجملة الثانية لو قدرت داخلة في صلة الأول بواسطة العاطف لم يكن للنهى موقع، وإنما صحب في الأول الموصول لا الصلة. ومنه:
فمن بهجو رسول الله منكم ... ويمدحه وينصره سواء
أى ومن يمدحه وينصره، والله أعلم.]] ، حتى يتناول معنى الاستواء المستخفى والسارب، وإلا فقد تناول واحداً هو مستخف وسارب. قلت: فيه وجهان: أحدهما أنّ قوله وَسارِبٌ عطف على من هو مستخف، لا على مستخف، والثاني أنه عطف على مستخف، إلا أن مَنْ في معنى الاثنين، كقوله:
نَكُنْ مِثْلَ مَنْ يَاذِئْبُ يصْطَحِبَانِ [[فبت أقد الزاد بيني وبينه ... على ضوء نار مرة ودخان
فقلت له لما تكشر ضاحكا ... وقائم سيفي من يدي بمكان
تعال فان عاهدتني لا تخوننى ... نكن مثل من يا ذئب يصطحبان
أأنت امرؤ يا ذئب والغدر كنتما ... أخيين كانا أرضعا بلبان
للفرزدق، يصف ذئبا أتاه في مفازة فبات يقطع الزاد ويقسمه بينه وبينه، حال كونهما مشرفين على ضوء نار تارة وعلى دخانها أخرى، دلالة على تكرر إيقادها. وتكشر: أبدى أنيابه كالضاحك. وقائم سيفي: أى والحال أن مقبض سيفي بمكان عظيم من يدي، دلالة على الحرص والجرأة. تعال: أى أقبل إلى نتعاهد. ويروى تعش أى كل العشاء، فان عاهدتني بعد ذلك والتزمت أنك لا تخوننى: نكن مثل من يصطحبان يا ذئب. ومعنى «من» مثنى، فعاد عليه الرابط كذلك. والنداء. اعتراض بين الصلة والموصول. وأ أنت: استفهام توبيخي. وتكرير النداء فيه نوع توبيخ أيضا. وأخيين: مصغر أخوين. واللبان: لبن المرأة خاصة. شبه الذئب والغدر بتوأمين نشئا معا من صغرهما ترضعهما أم واحدة، دلالة على كمال التلازم والتآلف. وتسمية الذئب امرأ، مبنية على تنزيله منزلة العاقل المصحح لخطابه. وشبههما بالأخوين من نوع الإنسان، كما دل على ذلك لفظ اللبان، لأن التآلف فيه أكمل وأظهر منه في غيره.]] كأنه قيل: سواء منكم اثنان: مستخف بالليل، وسارب بالنهار. والضمير في لَهُ مردود على مِنْ كأنه قيل: لمن أسرّ ومن جهر، ومن استخفى ومن سرب مُعَقِّباتٌ جماعات من الملائكة تعتقب في حفظه وكلاءته، والأصل: معتقبات، فأدغمت التاء في القاف، كقوله وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ بمعنى المعتذرون. ويجوز معقبات، بكسر العين ولم يقرأ به. أو هو مفعلات من عقبه إذا جاء على عقبه، كما يقال: قفاء، لأنّ بعضهم يعقب بعضاً. أو لأنهم يعقبون ما يتكلم به فيكتبونه يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ هما صفتان جميعاً، [[عاد كلامه. قال: ومعنى قوله لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ هما صفتان جميعا وليس من أمر الله بصلة الحفظ كأنه قيل له ... الخ» قال أحمد: وحقيقة هذا الوجه أنهم يحفظونه من الأمر الذي علم الله أنه يدفعه عنه بسبب دعائهم. ولولا هذا السبب لكان في علم الله أن النقمة تحل عليه، لأن الله عز وجل يعلم ما لا يكون لو كان كيف كان يكون، وسع ربنا كل شيء علما.]] وليس مِنْ أَمْرِ اللَّهِ بصلة للحفظ، كأنه قيل: له معقبات من أمر الله. أو يحفظونه من أجل أمر الله، أى: من أجل أنّ الله أمرهم بحفظه. والدليل عليه قراءة على رضى الله عنه وابن عباس وزيد بن على وجعفر بن محمد وعكرمة: يحفظونه بأمر الله. أو يحفظونه من بأس الله ونقمته إذا أذنب، بدعائهم له ومسألتهم ربهم أن يمهله رجاء أن يتوب وينيب، كقوله قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ وقيل: المعقبات الحرس والجلاوزة [[قوله «والجلاوزة» في الصحاح «الجلواز» الشرطي، والجمع الجلاوزة. (ع)]] حول السلطان، يحفظونه في توهمه وتقديره من أمر الله أى من قضاياه ونوازله، أو على التهكم به، وقرئ له معاقيب جمع معقب أو معقبة.
والياء عوض من حذف إحدى القافين في التكسير إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ من العافية والنعمة حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ من الحال الجميلة بكثرة المعاصي مِنْ والٍ ممن يلي أمرهم ويدفعه عنهم.
{"ayahs_start":10,"ayahs":["سَوَاۤءࣱ مِّنكُم مَّنۡ أَسَرَّ ٱلۡقَوۡلَ وَمَن جَهَرَ بِهِۦ وَمَنۡ هُوَ مُسۡتَخۡفِۭ بِٱلَّیۡلِ وَسَارِبُۢ بِٱلنَّهَارِ","لَهُۥ مُعَقِّبَـٰتࣱ مِّنۢ بَیۡنِ یَدَیۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦ یَحۡفَظُونَهُۥ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُغَیِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ یُغَیِّرُوا۟ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ وَإِذَاۤ أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوۡمࣲ سُوۤءࣰا فَلَا مَرَدَّ لَهُۥۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَالٍ"],"ayah":"سَوَاۤءࣱ مِّنكُم مَّنۡ أَسَرَّ ٱلۡقَوۡلَ وَمَن جَهَرَ بِهِۦ وَمَنۡ هُوَ مُسۡتَخۡفِۭ بِٱلَّیۡلِ وَسَارِبُۢ بِٱلنَّهَارِ"}