الباحث القرآني
﴿فَأرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ والجَرادَ والقُمَّلَ والضَّفادِعَ والدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فاسْتَكْبَرُوا وكانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ﴾ قالَ الأخْفَشُ: الطُّوفانُ جَمْعُ طُوفانَةٍ عِنْدَ البَصْرِيِّينَ وهو عِنْدُ الكُوفِيِّينَ مَصْدَرٌ كالرُّجْحانِ، وحَكى أبُو زَيْدٍ في مَصْدَرِ طافَ طَوْفًا وطَوافًا ولَمْ يَحْكِ طَوَفانًا، وعَلى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ مَصْدَرًا فَلا يُرادُ بِهِ هُنا المَصْدَرُ، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: هو الماءُ المُغْرِقُ، وقالَ قَتادَةُ، والضَّحّاكُ، وابْنُ جُبَيْرٍ، وأبُو مالِكٍ ومُقاتِلٌ هو المَطَرُ أُرْسِلَ عَلَيْهِمْ دائِمًا اللَّيْلَ والنَّهارَ ثَمانِيَةَ أيّامٍ واخْتارَهُ الفَرّاءُ، وابْنُ قُتَيْبَةَ، وقِيلَ: ذَلِكَ مَعَ ظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ لا يَرَوْنَ شَمْسًا ولا قَمَرًا ولا يَقْدِرُ أحَدٌ أنْ يَخْرُجَ مِن دارِهِ. وقِيلَ: أُمْطِرُوا حَتّى كادُوا يَهْلِكُونَ وبُيُوتُ القِبْطِ وبَنِي إسْرائِيلَ مُشْتَبِكَةٌ فامْتَلَأتْ بُيُوتُ القِبْطِ ماءً حَتّى قامُوا فِيهِ إلى تَراقِيهِمْ فَمَن جَلَسَ غَرِقَ ولَمْ يَدْخُلْ بُيُوتَ بَنِي إسْرائِيلَ قَطْرَةٌ وفاضَ الماءُ عَلى وجْهِ أرْضِهِمْ ورَكَدَ فَمَنَعَهم مِنَ الحَرْثِ والبِناءِ والتَّصَرُّفِ ودامَ عَلَيْهِمْ سَبْعَةَ أيّامٍ، (p-٣٧٣)وقِيلَ: طَمَّ فَيْضُ النِّيلِ عَلَيْهِمْ حَتّى مَلَأ الأرْضَ سَهْلًا وجَبَلًا. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: هو عامٌّ في كُلِّ شَيْءٍ يَطُوفُ إلّا أنَّ اسْتِعْمالَ العَرَبِ لَهُ أكْثَرُ في الماءِ والمَطَرِ الشَّدِيدِ. ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎غَيَّرَ الجِدَّةَ مِن عِرْفانِهِ خُرُقُ الرِّيحِ وطُوفانُ المَطَرِ
وقالَ أبُو النَّجْمِ:
؎ومَدَّ طُوفانٌ مُبِيدٌ مَدَدًا ∗∗∗ شَهْرًا شَآبِيبَ وشَهْرًا بَرَدا
وقالَ مُجاهِدٌ، وعَطاءٌ ووَهْبٌ، وابْنُ كَثِيرٍ: هو هُنا المَوْتُ الجارِفُ. ورَوَتْهُ عائِشَةٌ عَنِ الرَّسُولِ ﷺ ولَوْ صَحَّ وجَبَ المَصِيرُ إلَيْهِ، ونُقِلَ عَنْ مُجاهِدٍ ووَهْبٍ: إنَّهُ الطّاعُونُ بِلُغَةِ اليَمَنِ، وقالَ أبُو قَلابَةَ: هو الجُدَرِيُّ وهو أوَّلُ عَذابٍ وقَعَ فِيهِمْ فَبَقِيَ في الأرْضِ. وقِيلَ: هو عَذابٌ نَزَلَ مِنَ السَّماءِ فَطافَ بِهِمْ، ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ مُعَمًّى عُنِيَ بِهِ شَيْءٌ أطافَهُ اللَّهُ بِهِمْ فَقالُوا لِمُوسى: ادْعُ لَنا رَبَّكَ يَكْشِفْ عَنّا ونَحْنُ نُؤْمِنُ بِكَ فَدَعا فَرَفَعَ عَنْهم فَما آمَنُوا فَنَبَتَ لَهم في تِلْكَ السَّنَةِ مِنَ الكَلَأِ والزَّرْعِ ما لَمْ يُعْهَدْ مِثْلُهُ فَأقامُوا شَهْرًا فَبَعَثَ اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِمُ الجَرادَ فَأكَلَتْ عامَّةَ زَرْعِهِمْ وثِمارِهِمْ، ثُمَّ أكَلَتْ كُلَّ شَيْءٍ حَتّى الأبْوابَ وسُقُوفَ البُيُوتِ والثِّيابَ ولَمْ يَدْخُلْ بُيُوتَ بَنِي إسْرائِيلَ مِنها شَيْءٌ فَفَزِعُوا إلى مُوسى ووَعَدُوهُ التَّوْبَةَ فَكَشَفَ عَنْهم سَبْعَةَ أيّامٍ وخَرَجَ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - إلى الفَضاءِ فَأشارَ بِعَصاهُ نَحْوَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ فَرَجَعَ الجَرادُ إلى النَّواحِي الَّتِي جِئْنَ مِنها وقالُوا ما نَحْنُ بِتارِكِي دِينِنا فَأقامُوا شَهْرًا وسَلَّطَ عَلَيْهِمُ القُمَّلَ، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ، وقَتادَةُ، وعَطاءٌ: هو الدَّبا وهو صِغارُ الجَرادِ قَبْلَ أنْ تَنْبُتَ لَهُ أجْنِحَةٌ ولا يَطِيرُ، وقالَ ابْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: هو السُّوسُ الَّذِي يَقَعُ في الحِنْطَةِ، وقالَ الحَسَنُ، وابْنُ جُبَيْرٍ: دَوابُّ سُودٌ صِغارٌ، وقالَ حَبِيبُ بْنُ أبِي ثابِتٍ: هو الجِعْلانُ، وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: هو الحَمْنانُ وهو ضَرْبٌ مِنَ القِرْدانِ، وقالَ عَطاءٌ الخُراسانِيُّ وزَيْدُ بْنُ أسْلَمَ: هو القُمَّلُ المَعْرُوفُ وهو لُغَةٌ فِيهِ ويُؤَيِّدُهُ قِراءَةُ الحَسَنِ بِفَتْحِ القافِ وسُكُونِ المِيمِ، وقِيلَ: هو البَراغِيثُ حَكاهُ ابْنُ زَيْدٍ، ورُوِيَ أنَّ مُوسى مَشى إلى كَثِيبٍ أهْيَلٍ فَضَرَبَهُ بِعَصاهُ فانْتَشَرَ كُلُّهُ قُمَّلًا بِمِصْرَ فَأكَلَ ما أبْقاهُ الجَرادُ ولَحِسَ الأرْضَ وكانَ يَدْخُلُ بَيْنَ جِلْدِ القِبْطِيِّ وقَمِيصِهِ، ويَمْتَلِئُ بِالطَّعامِ لَيْلا، ويَطْحَنُ أحَدُهم عَشْرَةَ أجْرِبَةٍ فَلا يَرُدَّ مِنها إلّا يَسِيرًا وسَعى في أبْشارِهِمْ وشُعُورِهِمْ وأهْدابِ عُيُونِهِمْ ولَزِمَتْ جُلُودَهم فَضَجُّوا وفَزِعُوا إلى مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - فَرَفَعَ عَنْهم فَقالُوا قَدْ تَحَقَّقْنا الآنَ أنَّكَ ساحِرٌ، وعِزَّةُ فِرْعَوْنَ لا نُصَدِّقُكَ أبَدًا، فَأرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ شَهْرٍ الضَّفادِعَ فَمَلَأتْ آنِيَتَهم وأطْعِماتِهِمْ ومَضاجِعَهم ورَمَتْ بِأنْفُسِها في القُدُورِ وهي تَغْلِي وفي التَّنانِيرِ وهي تَفُورُ وإذا تَكَلَّمَ أحَدُهم وثَبَتْ إلى فِيهِ، قالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: وكانَ أحَدُهم يَجْلِسُ في الضَّفادِعِ إلى ذَقَنِهِ فَقالُوا لِمُوسى: ارْحَمْنا هَذِهِ المَرَّةَ ونَحْنُ نَتُوبُ التَّوْبَةَ النَّصُوحَ ولا نَعُودُ، فَأخَذَ عَلَيْهِمُ العُهُودَ فَكَشَفَ عَنْهم فَنَقَضُوا العَهْدَ فَأرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الدَّمَ، قالَ الجُمْهُورُ: صارَ ماؤُهم دَمًا حَتّى إنَّ الإسْرائِيلِيَّ لِيَضَعَ الماءَ في فِيِّ القِبْطِيِّ فَيَصِيرُ في فِيهِ دَمًا وعَطِشَ فِرْعَوْنُ حَتّى أشَفى عَلى الهَلاكِ فَكانَ يَمُصُّ الأشْجارَ الرَّطْبَةَ فَإذا مَضَغَها صارَ ماؤُها الطَّيِّبُ مِلْحًا أُجاجًا، وقالَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ: سالَ عَلَيْهِمُ النِّيلُ دَمًا، وقالَ زَيْدُ بْنُ أسْلَمَ: الدَّمُ هو الرُّعافُ سَلَّطَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، ومَعْنى تَفْصِيلِ الآياتِ تَبْيِينِها وإزالَةِ أشْكالِها، والتَّفْصِيلُ في الإجْرامِ هو التَّفْرِيقُ وفي المَعانِي يُرادُ بِهِ أنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَها فاسْتَبانَتْ وامْتازَ بَعْضُها مِن بَعْضٍ فَلا يُشْكِلُ عَلى العاقِلِ أنَّها مِن آياتِ اللَّهِ الَّتِي لا يَقْدِرُ عَلَيْها غَيْرُهُ، وأنَّها عِبْرَةٌ لَهم ونِقْمَةٌ عَلى كُفْرِهِمْ، وقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ سَمّاها مُفَصَّلاتٍ؛ لِأنَّ بَيْنَ الآيَةِ والآيَةِ فَصْلًا مِنَ الزَّمانِ، قِيلَ كانَتِ الآيَةُ تَمْكُثُ مِنَ السَّبْتِ إلى السَّبْتِ، ثُمَّ يَبْقَوْنَ عُقَيْبَ رَفْعِها شَهْرًا في عافِيَةٍ، وقِيلَ: ثَمانِيَةَ أيّامٍ، ثُمَّ تَأْتِي (p-٣٧٤)الآيَةُ الأُخْرى، وقالَ وهْبٌ: كانَ بَيْنَ كُلِّ آيَتَيْنِ أرْبَعُونَ يَوْمًا، وقالَ نَوْفٌ البِكالِيُّ مَكَثَ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - في آلِ فِرْعَوْنَ بَعْدَ إيمانِ السَّحَرَةِ عِشْرِينَ سَنَةً يُرِيهِمُ الآياتِ، وحِكْمَةُ التَّفْصِيلِ بِالزَّمانِ أنَّهُ يَمْتَحِنُ فِيهِ أحْوالَهم أيَفُونَ بِما عاهَدُوا أمْ يَنْكُثُونَ فَتَقُومُ عَلَيْهِمُ الحُجَّةُ وانْتَصَبَ ﴿آياتٍ مُفَصَّلاتٍ﴾ عَلى الحالِ والَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الآيَةُ أنَّهُ أرْسَلَ عَلَيْهِمْ ما ذَكَرَ فِيها، وأمّا كَيْفِيَّةُ الإرْسالِ ومَكْثُ ما أرْسَلَ عَلَيْهِمْ مِنَ الأزْمانِ والهَيْئاتِ فَمَرْجِعُهُ إلى النَّقْلِ عَنِ الأخْبارِ الإسْرائِيلِيّاتِ إذْ لَمْ يَثْبُتْ مِن ذَلِكَ في الحَدِيثِ النَّبَوِيِّ شَيْءٌ ومَعَ إرْسالِ جِنْسِ الآياتِ اسْتَكْبَرُوا عَنِ الإيمانِ وعَنْ قَبُولِ أمْرِ اللَّهِ تَعالى، ﴿وكانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ﴾ إخْبارٌ مِنهُ تَعالى عَنْهم بِاجْتِرامِهِمْ عَلى اللَّهِ وعَلى عِبادِهِ.
{"ayah":"فَأَرۡسَلۡنَا عَلَیۡهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلۡجَرَادَ وَٱلۡقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ ءَایَـٰتࣲ مُّفَصَّلَـٰتࣲ فَٱسۡتَكۡبَرُوا۟ وَكَانُوا۟ قَوۡمࣰا مُّجۡرِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق