القول في تأويل قوله: ﴿فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (١٣٣) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فاستكبر هؤلاء الذين أرسل الله عليهم ما ذكر في هذه الآيات من الآيات والحجج، عن الإيمان بالله وتصديق رسوله موسى ﷺ واتباعه على ما دعاهم إليه، وتعظموا على الله وعتَوا عليه [[انظر تفسير ((الاستكبار)) فيما سلف ١٢: ٥٦١، تعليق: ٣، والمراجع هناك:]] = ﴿وكانوا قومًا مجرمين﴾ ، يقول: كانوا قومًا يعملون بما يكرهه الله من المعاصي والفسق عتوًّا وتمرّدًا. [[انظر تفسير ((الإجرام)) فيما سلف ١٢: ٢٠٧، تعليق: ٣، والمراجع هناك.]]
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (١٣٤) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: "ولما وقع عليهم الرجز"، ولما نزل بهم عذاب الله، وحَلّ بهم سخطه.
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في ذلك "الرجز" الذي أحبر الله أنه وقع بهؤلاء القوم.
فقال بعضهم: كان ذلك طاعونًا.
* ذكر من قال ذلك:
١٥٠٣٣ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب القمي، عن جعفر بن المغيرة، عن سعيد بن جبير قال: وأمر موسى قومه من بني إسرائيل = وذلك بعد ما جاء قوم فرعونَ بالآيات الخمس: الطوفان وما ذكر الله في هذه الآية، فلم يؤمنوا ولم يرسلوا معه بني إسرائيل = فقال: ليذبح كل رجل منكم كبشًا، ثم ليخضب كفّه في دمه، ثم ليضرب به على بابه! فقالت القبط لبني إسرائيل = لم تعالجُون هذا الدمَ على أبوابكم؟ [[في المطبوعة: ((لم تجعلون)) ، وفي المخطوطة كما أثبتها. سيئة الكتابة، ومعناها قريب من الصواب إن شاء الله.]] فقالوا: إن الله يرسل عليكم عذابًا، فنسلم وتهلكون. فقالت القبط: فما يعرفكم الله إلا بهذه العلامات؟ فقالوا: هكذا أمرنا به نبيّنا! فأصبحوا وقد طُعِنَ من قوم فرعون سبعون ألفًا، فأمسوا وهم لا يتدَافنون. فقال فرعون عند ذلك: ﴿ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفتَ عنا الرجز﴾ ، وهو الطاعون، ﴿لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل﴾ ، فدعا ربه، فكشفه عنهم، فكان أوفاهم كلّهم فرعون، فقال لموسى: اذهب ببني إسرائيل حيث شئت.
١٥٠٣٤ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حبويه الرازي وأبو داود الحفري، عن يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بن جبير = قال حبويه، عن ابن عباس = ﴿لئن كشفت عنا الرجز﴾ قال: الطاعون.
* * *
وقال آخرون: هو العذاب.
* ذكر من قال ذلك:
١٥٠٣٥ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "الرجز" العذاب.
١٥٠٣٦ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٥٠٣٧ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: ﴿فلما كشفنا عنهم الرجز﴾ ، أي العذاب.
١٥٠٣٨ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور قال، حدثنا معمر، عن قتادة: ﴿ولما وقع عليهم الرجز﴾ ، يقول: العذاب.
١٥٠٣٩ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: ﴿ولما وقع عليهم الرجز﴾ ، قال، "الرجز"، العذاب الذي سلط الله عليهم من الجراد والقمل وغير ذلك، وكلّ ذلك يعاهدونه ثم ينكثون.
* * *
وقد بينا معنى "الرجز" فيما مضى من كتابنا هذا بشواهده المغنية عن إعادتها. [[انظر تفسير ((الرجز)) فيما سلف ٢: ١١٦ - ١١٨/١٢: ٥٢١.]]
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القولين بالصواب في هذا الموضع أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر عن فرعون وقومه أنهم لما وقع عليهم الرجز = وهو العذاب والسخط من الله عليهم = فزعوا إلى موسى بمسألته ربَّه كشفَ ذلك عنهم. وجائز أن يكون ذلك "الرجز" كان الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم، لأن كل ذلك كان عذابًا عليهم = وجائز أن يكون ذلك "الرجز" كان طاعونًا، ولم يخبرنا الله أيّ ذلك كان، ولا صحَّ عن رسول الله ﷺ بأيِّ ذلك كان خبرٌ، فنسلم له. فالصواب أن نقول فيه كما قال جل ثناؤه: ﴿ولما وقع عليهم الرجز﴾ ، ولا نتعداه إلا بالبيان الذي لا تمانع فيه بين أهل التأويل، وهو لمّا حل بهم عذاب الله وسخطه.
* * *
= ﴿قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك﴾ ، يقول: بما أوصاك وأمرك به. [[انظر تفسير ((العهد)) فيما سلف ص: ١٠، تعليق: ٢، والمراجع هناك.]] وقد بينا معنى: "العهد"، فيما مضى.
* * *
= ﴿لئن كشفت عنا الرجز﴾ ، يقول: لئن رفعت عنا العذاب الذي نحن فيه [[انظر تفسير ((الكشف)) فيما سلف ١١: ٣٥٤.]] ﴿لنؤمننّ لك﴾ ، يقول: لنصدقن بما جئت به ودعوت إليه ولنقرَّنّ به لك = ﴿ولنرسلن معك بني إسرائيل﴾ ، يقول: ولنخلِّين معك بني إسرائيل فلا نمنعهم أن يذهبوا حيث شاؤوا.
{"ayahs_start":133,"ayahs":["فَأَرۡسَلۡنَا عَلَیۡهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلۡجَرَادَ وَٱلۡقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ ءَایَـٰتࣲ مُّفَصَّلَـٰتࣲ فَٱسۡتَكۡبَرُوا۟ وَكَانُوا۟ قَوۡمࣰا مُّجۡرِمِینَ","وَلَمَّا وَقَعَ عَلَیۡهِمُ ٱلرِّجۡزُ قَالُوا۟ یَـٰمُوسَى ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَۖ لَىِٕن كَشَفۡتَ عَنَّا ٱلرِّجۡزَ لَنُؤۡمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرۡسِلَنَّ مَعَكَ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ"],"ayah":"فَأَرۡسَلۡنَا عَلَیۡهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلۡجَرَادَ وَٱلۡقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ ءَایَـٰتࣲ مُّفَصَّلَـٰتࣲ فَٱسۡتَكۡبَرُوا۟ وَكَانُوا۟ قَوۡمࣰا مُّجۡرِمِینَ"}