الباحث القرآني

(سُورَةُ القَلَمِ مَكِّيَّةٌ وهي اثْنَتانِ وخَمْسُونَ آيَةً) (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ﴿ن والقَلَمِ وما يَسْطُرُونَ﴾ ﴿ما أنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾ ﴿وإنَّ لَكَ لَأجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ﴾ ﴿وإنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ ﴿فَسَتُبْصِرُ ويُبْصِرُونَ﴾ ﴿بِأيِّيكُمُ المَفْتُونُ﴾ ﴿إنَّ رَبَّكَ هو أعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وهو أعْلَمُ بِالمُهْتَدِينَ﴾ [القلم: ٧] ﴿فَلا تُطِعِ المُكَذِّبِينَ﴾ [القلم: ٨] ﴿ودُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ [القلم: ٩] ﴿ولا تُطِعْ كُلَّ حَلّافٍ مَهِينٍ﴾ [القلم: ١٠] ﴿هَمّازٍ مَشّاءٍ بِنَمِيمٍ﴾ [القلم: ١١] ﴿مَنّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أثِيمٍ﴾ [القلم: ١٢] ﴿عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ﴾ [القلم: ١٣] ﴿أنْ كانَ ذا مالٍ وبَنِينَ﴾ [القلم: ١٤] ﴿إذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أساطِيرُ الأوَّلِينَ﴾ [القلم: ١٥] ﴿سَنَسِمُهُ عَلى الخُرْطُومِ﴾ [القلم: ١٦] ﴿إنّا بَلَوْناهم كَما بَلَوْنا أصْحابَ الجَنَّةِ إذْ أقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ﴾ [القلم: ١٧] ﴿ولا يَسْتَثْنُونَ﴾ [القلم: ١٨] ﴿فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِن رَبِّكَ وهم نائِمُونَ﴾ [القلم: ١٩] ﴿فَأصْبَحَتْ كالصَّرِيمِ﴾ [القلم: ٢٠] ﴿فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ﴾ [القلم: ٢١] ﴿أنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكم إنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ﴾ [القلم: ٢٢] ﴿فانْطَلَقُوا وهم يَتَخافَتُونَ﴾ [القلم: ٢٣] ﴿أنْ لا يَدْخُلَنَّها اليَوْمَ عَلَيْكم مِسْكِينٌ﴾ [القلم: ٢٤] ﴿وغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ﴾ [القلم: ٢٥] ﴿فَلَمّا رَأوْها قالُوا إنّا لَضالُّونَ﴾ [القلم: ٢٦] ﴿بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ﴾ [القلم: ٢٧] ﴿قالَ أوْسَطُهم ألَمْ أقُلْ لَكم لَوْلا تُسَبِّحُونَ﴾ [القلم: ٢٨] ﴿قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إنّا كُنّا ظالِمِينَ﴾ [القلم: ٢٩] ﴿فَأقْبَلَ بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ﴾ [القلم: ٣٠] ﴿قالُوا يا ويْلَنا إنّا كُنّا طاغِينَ﴾ [القلم: ٣١] ﴿عَسى رَبُّنا أنْ يُبْدِلَنا خَيْرًا مِنها إنّا إلى رَبِّنا راغِبُونَ﴾ [القلم: ٣٢] ﴿كَذَلِكَ العَذابُ ولَعَذابُ الآخِرَةِ أكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [القلم: ٣٣] ﴿إنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنّاتِ النَّعِيمِ﴾ [القلم: ٣٤] ﴿أفَنَجْعَلُ المُسْلِمِينَ كالمُجْرِمِينَ﴾ [القلم: ٣٥] ﴿ما لَكم كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ [القلم: ٣٦] ﴿أمْ لَكم كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ﴾ [القلم: ٣٧] ﴿إنَّ لَكم فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ﴾ [القلم: ٣٨] ﴿أمْ لَكم أيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إلى يَوْمِ القِيامَةِ إنَّ لَكم لَما تَحْكُمُونَ﴾ [القلم: ٣٩] ﴿سَلْهم أيُّهم بِذَلِكَ زَعِيمٌ﴾ [القلم: ٤٠] ﴿أمْ لَهم شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إنْ كانُوا صادِقِينَ﴾ [القلم: ٤١] ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ ويُدْعَوْنَ إلى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ﴾ [القلم: ٤٢] ﴿خاشِعَةً أبْصارُهم تَرْهَقُهم ذِلَّةٌ وقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إلى السُّجُودِ وهم سالِمُونَ﴾ [القلم: ٤٣] ﴿فَذَرْنِي ومَن يُكَذِّبُ بِهَذا الحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهم مِن حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ﴾ [القلم: ٤٤] ﴿وأُمْلِي لَهم إنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ [القلم: ٤٥] ﴿أمْ تَسْألُهم أجْرًا فَهم مِن مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ﴾ [القلم: ٤٦] ﴿أمْ عِنْدَهُمُ الغَيْبُ فَهم يَكْتُبُونَ﴾ [القلم: ٤٧] ﴿فاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ولا تَكُنْ كَصاحِبِ الحُوتِ إذْ نادى وهو مَكْظُومٌ﴾ [القلم: ٤٨] ﴿لَوْلا أنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِن رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالعَراءِ وهو مَذْمُومٌ﴾ [القلم: ٤٩] ﴿فاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصّالِحِينَ﴾ [القلم: ٥٠] ﴿وإنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأبْصارِهِمْ لَمّا سَمِعُوا الذِّكْرَ ويَقُولُونَ إنَّهُ لَمَجْنُونٌ﴾ [القلم: ٥١] ﴿وما هو إلّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ﴾ [القلم: ٥٢] . (p-٣٠٥)المَهِينُ، قالَ الرُّمّانِيُّ: الوَضِيعُ لِإكْثارِهِ مِنَ القَبائِحِ، مِنَ المَهانَةِ، وهي القِلَّةُ. الهَمْزُ أصْلُهُ في اللُّغَةِ، الضَّرْبُ طَعْنًا بِاليَدِ أوْ بِالعَصا أوْ نَحْوِها، ثُمَّ اسْتُعِيرَ لِلَّذِي يَنالُ بِلِسانِهِ. قالَ القاضِي مُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ: وبِعَيْنِهِ وإشارَتِهِ. النَّمِيمُ والنَّمِيمَةُ: مَصْدَرانِ لِـ (نَمَّ) وهو نَقْلُ ما يَسْمَعُ مِمّا يَسُوءُ ويُحَرِّشُ النُّفُوسَ. وقِيلَ: النَّمِيمُ جَمْعُ نَمِيمَةٍ، يُرِيدُونَ بِهِ اسْمَ الجِنْسِ. العُتُلُّ، قالَ الكَلْبِيُّ والفَرّاءُ: الشَّدِيدُ الخُصُومَةِ بِالباطِلِ. وقالَ مَعْمَرٌ: هو الفاحِشُ اللَّئِيمُ. قالَ الشّاعِرُ: ؎بِعُتُلٍّ مِنَ الرِّجالِ زَنِيمٍ غَيْرِ ذِي نَجْدَةٍ وغَيْرِ كَرِيمٍ وقِيلَ: الَّذِي يَعْتِلُ النّاسَ أيْ: يَجُرُّهم إلى حَبْسٍ أوْ عَذابٍ، ومِنهُ: خُذُوهُ فاعْتِلُوهُ. قالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: عَتَلْتُهُ وعَتَنْتُهُ بِاللّامِ والنُّونِ. الزَّنِيمُ: الدَّعِيُّ. قالَ حَسّانُ: ؎زَنِيمٌ تَداعاهُ الرِّجالُ زِيادَةً ∗∗∗ كَما زِيدَ في عَرْضِ الأدِيمِ الأكارِعُ (وقالَ أيْضًا): ؎بوَأنْتَ زَنِيمٌ نِيطَ في آلِ هاشِمٍ ∗∗∗ كَما نِيطَ خَلْفَ الرّاكِبِ القَدَحُ الفَرْدُ والزَّنِيمُ مِنَ الزَّنَمَةِ، وهي الهَنَةُ مِن جِلْدِ الماعِزِ، تُقْطَعُ فَتُخَلّى مُعَلَّقَةً في حَلْقَةٍ، سُمِّيَ الدَّعِيُّ بِذَلِكَ لِأنَّهُ زِيادَةٌ مُعَلَّقَةٌ بِغَيْرِ أهْلِهِ. وسَمَهُ: جَعَلَ لَهُ سِمَةً، وهي العَلامَةُ تَدُلُّ عَلى شَيْءٍ. قالَ جَرِيرٌ: ؎لَمّا وضَعْتُ عَلى الفَرَزْدَقَ مَيْسَمِي ∗∗∗ وعَلى البَعِيثِ جَدَعْتُ أنْفَ الأخْطَلِ الخُرْطُومُ: الأنْفُ، والخُرْطُومُ مِن صِفاتِ الخَمْرِ، قالَ الشّاعِرُ: ؎قَدْ أشْهَدُ الشَّرْبَ فِيهِمُ مِزْهَرٌ زَنِمُ ∗∗∗ والقَوْمُ تَصْرَعُهم صَهْباءُ خُرْطُومُ قالَ الشَّمَنتَرِيُّ: الخُرْطُومُ أوَّلُ خُرُوجِها مِنَ الدَّنِّ، ويُقالُ لَها الأنْفُ أيْضًا، وذَلِكَ أصْفى لَها وأرَقُّ. وقالَ النَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ: الخُرْطُومُ: الخَمْرُ، وأنْشَدَ لِلْأعْرَجِ المُغَنِيِّ: ؎تَظَلُّ يَوْمَكَ في لَهْوٍ وفي لَعِبٍ ∗∗∗ وأنْتَ بِاللَّيْلِ شَرّابُ الخَراطِيمِ الصِّرامُ: جِدادُ النَّخْلِ. الحَرْدُ: المَنعُ، مِن قَوْلِهِمْ: حارَدَتِ الإبِلُ: إذا قَلَّتْ ألْبانُها، وحارَدَتِ السَّنَةُ: قَلَّ مَطَرُها وخَيْرُها، قالَهُ أبُو عُبَيْدٍ والقُتَبِيُّ، والحَرْدُ: الغَضَبُ. قالَ أبُو نَضْرٍ أحْمَدُ بْنُ حاتِمٍ صاحِبُ الأصْمَعِيِّ: وهو مُخَفَّفٌ، وأنْشَدَ: ؎إذا جِيادُ الخَيْلِ جاءَتْ تَرَدّى ∗∗∗ مَمْلُوءَةً مِن غَضَبٍ وحَرْدِ (وقالَ الأشْهَبُ بْنُ رُمَيْلَةَ): ؎أُسُودُ شَرًى لاقَتْ أُسُودَ خَفِيَّةٍ ∗∗∗ تَساقَوْا عَلى حَرْدٍ دِماءَ الأساوِدِ وقالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: وقَدْ يُحَرَّكُ، تَقُولُ: حَرِدَ بِالكَسْرِ حَرْدًا فَهو حَرْدانُ، ومِنهُ قِيلَ: أسَدٌ حارِدٌ، ولُيُوثٌ حَوارِدُ، والحَرْدُ: الِانْفِرادُ، حَرَدَ يَحْرِدُ حُرُودًا: تَنَحّى عَنْ قَوْمِهِ ونَزَلَ مُنْفِرَدًا ولَمْ يُخالِطْهم، وكَوْكَبٌ حَرُودٌ: مُعْتَزِلٌ عَنِ الكَواكِبِ. وقالَ الأصْمَعِيُّ: المُنْحَرِدُ: المُنْفَرِدُ في لُغَةِ هُذَيْلٍ. انْتَهى. والحَرْدُ: القَصْدُ، حَرَدَ يَحْرِدُ بِالكَسْرِ: قَصَدَ، ومِنهُ حَرَدْتُ حَرْدَكَ أيْ: قَصَدْتُ قَصْدَكَ. ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ: ؎وجاءَ سَيْلٌ كانَ مِن أمْرِ اللَّهِ ∗∗∗ يَحْرِدُ حَرْدَ الجَنَّةِ المُغِلَّهْ (p-٣٠٦)﴿ن والقَلَمِ وما يَسْطُرُونَ﴾ ﴿ما أنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾ ﴿وإنَّ لَكَ لَأجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ﴾ ﴿وإنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ ﴿فَسَتُبْصِرُ ويُبْصِرُونَ﴾ ﴿بِأيِّيكُمُ المَفْتُونُ﴾ ﴿إنَّ رَبَّكَ هو أعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وهو أعْلَمُ بِالمُهْتَدِينَ﴾ [القلم: ٧] ﴿فَلا تُطِعِ المُكَذِّبِينَ﴾ [القلم: ٨] ﴿ودُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ [القلم: ٩] ﴿ولا تُطِعْ كُلَّ حَلّافٍ مَهِينٍ﴾ [القلم: ١٠] ﴿هَمّازٍ مَشّاءٍ بِنَمِيمٍ﴾ [القلم: ١١] ﴿مَنّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أثِيمٍ﴾ [القلم: ١٢] ﴿عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ﴾ [القلم: ١٣] ﴿أنْ كانَ ذا مالٍ وبَنِينَ﴾ [القلم: ١٤] ﴿إذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أساطِيرُ الأوَّلِينَ﴾ [القلم: ١٥] ﴿سَنَسِمُهُ عَلى الخُرْطُومِ﴾ [القلم: ١٦] ﴿إنّا بَلَوْناهم كَما بَلَوْنا أصْحابَ الجَنَّةِ إذْ أقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ﴾ [القلم: ١٧] ﴿ولا يَسْتَثْنُونَ فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِن رَبِّكَ وهم نائِمُونَ﴾ [القلم: ١٨] ﴿فَأصْبَحَتْ كالصَّرِيمِ﴾ [القلم: ٢٠] ﴿فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ﴾ [القلم: ٢١] ﴿أنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكم إنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ﴾ [القلم: ٢٢] ﴿فانْطَلَقُوا وهم يَتَخافَتُونَ﴾ [القلم: ٢٣] ﴿أنْ لا يَدْخُلَنَّها اليَوْمَ عَلَيْكم مِسْكِينٌ﴾ [القلم: ٢٤] ﴿وغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ﴾ [القلم: ٢٥] ﴿فَلَمّا رَأوْها قالُوا إنّا لَضالُّونَ﴾ [القلم: ٢٦] ﴿بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ﴾ [القلم: ٢٧] ﴿قالَ أوْسَطُهم ألَمْ أقُلْ لَكم لَوْلا تُسَبِّحُونَ﴾ [القلم: ٢٨] ﴿قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إنّا كُنّا ظالِمِينَ﴾ [القلم: ٢٩] ﴿فَأقْبَلَ بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ﴾ [القلم: ٣٠] ﴿قالُوا ياوَيْلَنا إنّا كُنّا طاغِينَ﴾ [القلم: ٣١] ﴿عَسى رَبُّنا أنْ يُبْدِلَنا خَيْرًا مِنها إنّا إلى رَبِّنا راغِبُونَ﴾ [القلم: ٣٢] ﴿كَذَلِكَ العَذابُ ولَعَذابُ الآخِرَةِ أكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [القلم: ٣٣] . (p-٣٠٧)هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ولا خِلافَ فِيها بَيْنَ أحَدٍ مِن أهْلِ التَّأْوِيلِ. انْتَهى. ومُعْظَمُها نَزَلَ في الوَلِيدِ بْنِ المُغِيرَةِ وأبِي جَهْلٍ. ومُناسَبَتُها لِما قَبْلَها: أنَّهُ فِيما قَبْلَها ذَكَرَ أشْياءَ مِن أحْوالِ السُّعَداءِ والأشْقِياءِ، وذَكَرَ قُدْرَتَهُ الباهِرَةَ وعِلْمَهُ الواسِعَ، وأنَّهُ - تَعالى - لَوْ شاءَ لَخَسَفَ بِهِمْ أوْ لَأرْسَلَ عَلَيْهِمْ حاصِبًا. وكانَ ما أخْبَرَ - تَعالى - بِهِ هو ما تَلَقّاهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالوَحْيِ، وكانَ الكُفّارُ يَنْسُبُونَهُ مَرَّةً إلى الشِّعْرِ، ومَرَّةً إلى السِّحْرِ، ومَرَّةً إلى الجُنُونِ. فَبَدَأ - سُبْحانَهُ وتَعالى - هَذِهِ السُّورَةَ بِبَراءَتِهِ مِمّا كانُوا يَنْسُبُونَهُ إلَيْهِ مِنَ الجُنُونِ، وتَعْظِيمِ أجْرِهِ عَلى صَبْرِهِ عَلى أذاهم، وبِالثَّناءِ عَلى خُلُقِهِ العَظِيمِ. (ن): حَرْفٌ مِن حُرُوفِ المُعْجَمِ، نَحْوَ ”ص“ و”ق“، وهو غَيْرُ مُعْرَبٍ كَبَعْضِ الحُرُوفِ الَّتِي جاءَتْ مَعَ غَيْرِها مُهْمَلَةً مِنَ العَوامِلِ، والحُكْمُ عَلى مَوْضِعِها بِالإعْرابِ تَخَرُّصٌ. وما يُرْوى عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ومُجاهِدٍ: أنَّهُ اسْمُ الحُوتِ الأعْظَمِ الَّذِي عَلَيْهِ الأرْضُونَ السَّبْعُ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أيْضًا والحَسَنِ وقَتادَةَ والضَّحّاكِ: أنَّهُ اسْمُ الدَّواةِ. وعَنْ مُعاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ يَرْفَعُهُ أنَّهُ لَوْحٌ مِن نُورٍ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أيْضًا: أنَّهُ آخِرُ حَرْفٍ مِن حُرُوفِ الرَّحْمَنِ. وعَنْ جَعْفَرٍ الصّادِقِ: أنَّهُ نَهْرٌ مِن أنْهارِ الجَنَّةِ - لَعَلَّهُ لا يَصِحُّ شَيْءٌ مِن ذَلِكَ. وقالَ أبُو نَصْرٍ عَبْدُ الرَّحِيمِ القُشَيْرِيُّ في تَفْسِيرِهِ: ”ن“ حَرْفٌ مِن حُرُوفِ المُعْجَمِ، فَلَوْ كانَ كَلِمَةً تامَّةً أُعْرِبَ كَما أُعْرِبَ القَلَمُ، فَهو إذَنْ حَرْفُ هِجاءٍ كَما في سائِرِ مَفاتِيحِ السُّوَرِ. انْتَهى. ومَن قالَ إنَّهُ اسْمُ الدَّواةِ أوِ الحُوتِ وزَعَمَ أنَّهُ مُقْسَمٌ بِهِ كالقَلَمِ، فَإنْ كانَ عَلَمًا فَيَنْبَغِي أنْ يُجَرَّ، فَإنْ كانَ مُؤَنَّثًا مُنِعَ الصَّرْفَ، أوْ مُذَكَّرًا صُرِفَ، وإنْ كانَ جِنْسًا أُعْرِبَ ونُوِّنَ، ولَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِن ذَلِكَ فَضَعُفَ القَوْلُ بِهِ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: إذا كانَ اسْمًا لِلدَّواةِ، فَإمّا أنْ يَكُونَ لُغَةً لِبَعْضِ العَرَبِ، أوْ لَفْظَةً أعْجَمِيَّةً عُرِّبَتْ، قالَ الشّاعِرُ: ؎إذا ما الشَّوْقُ بَرَّحَ بِي إلَيْهِمْ ∗∗∗ ألْقَتِ النُّونَ بِالدَّمْعِ السُّجُومُ فَمَن جَعَلَهُ البَهَمُوتَ، جَعَلَ القَلَمَ هو الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ وأمَرَهُ بِكَتْبِ الكائِناتِ، وجَعَلَ الضَّمِيرَ في (يَسْطُرُونَ) لِلْمَلائِكَةِ. ومَن قالَ: هو اسْمٌ، جَعَلَهُ القَلَمَ المُتَعارَفَ بِأيْدِي النّاسِ. نَصَّ عَلى ذَلِكَ ابْنُ عَبّاسٍ وجَعَلَ الضَّمِيرَ في (يَسْطُرُونَ) لِلنّاسِ، فَجاءَ القَسَمُ عَلى هَذا المَجْمُوعِ، أمْرُ الكِتابِ الَّذِي هو قِوامٌ لِلْعُلُومِ وأُمُورِ الدُّنْيا والآخِرَةِ، فَإنَّ القَلَمَ أخُو اللِّسانِ ونِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ عامَّةٌ. انْتَهى. وقَرَأ الجُمْهُورُ: (ن) بِسُكُونِ النُّونِ وإدْغامِها في واوِ (والقَلَمِ) بِغُنَّةٍ، وقَوْمٌ بِغَيْرِ غُنَّةٍ، وأظْهَرَها حَمْزَةُ وأبُو عَمْرٍو وابْنُ كَثِيرٍ وقالُونُ وحَفْصٌ. وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ وابْنُ أبِي إسْحاقَ والحَسَنُ وأبُو السَّمّالِ بِكَسْرِ النُّونِ لِالتِقاءِ السّاكِنَيْنِ. وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وعِيسى بِخِلافٍ عَنْهُ بِفَتْحِها، فاحْتَمَلَ أنْ تَكُونَ حَرَكَةَ إعْرابٍ، وهو اسْمٌ لِلسُّورَةِ أقْسَمَ بِهِ، وحُذِفَ حَرْفُ الجَرِّ فانْتَصَبَ، ومُنِعَ الصَّرْفَ لِلْعَلَمِيَّةِ والتَّأْنِيثِ، ويَكُونُ (والقَلَمِ) مَعْطُوفًا عَلَيْهِ. واحْتَمَلَ أنْ يَكُونَ لِالتِقاءِ السّاكِنَيْنِ، وأُوثِرَ الفَتْحُ تَخْفِيفًا كَأيْنَ. و(ما) يُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً ومَصْدَرِيَّةً، والضَّمِيرُ في (يَسْطُرُونَ) عائِدٌ عَلى الكُتّابِ لِدَلالَةِ القَلَمِ عَلَيْهِمْ، فَإمّا أنْ يُرادَ بِهِمُ الحَفَظَةُ، وإمّا أنْ يُرادَ كُلُّ كاتِبٍ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ويَجُوزُ أنْ يُرادَ بِالقَلَمِ أصْحابُهُ، فَيَكُونُ الضَّمِيرُ في (يَسْطُرُونَ) لَهم، كَأنَّهُ قِيلَ: وأصْحابِ القَلَمِ ومَسْطُوراتِهِمْ أوْ وتَسْطِيرِهِمْ. انْتَهى. فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ: ﴿كَظُلُماتٍ في بَحْرٍ لُجِّيٍّ﴾ [النور: ٤٠] أيْ: وكَذِي ظُلُماتٍ؛ ولِهَذا عادَ عَلَيْهِ الضَّمِيرُ في قَوْلِهِ: يَغْشاهُ مَوْجٌ. وجَوابُ القَسَمِ: ما أنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ. ويَظْهَرُ أنَّ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ قَسَمٌ اعْتُرِضَ بِهِ بَيْنَ المَحْكُومِ عَلَيْهِ والحُكْمِ عَلى سَبِيلِ التَّوْكِيدِ والتَّشْدِيدِ والمُبالَغَةِ في انْتِفاءِ الوَصْفِ الذَّمِيمِ عَنْهُ، ﷺ . وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: بِنِعْمَةِ رَبِّكَ (p-٣٠٨)اعْتِراضٌ، كَما تَقُولُ لِلْإنْسانِ: أنْتَ بِحَمْدِ اللَّهِ فاضِلٌ. انْتَهى. ولَمْ يُبَيِّنْ ما تَتَعَلَّقُ بِهِ الباءُ في (بِنِعْمَةِ) . وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يَتَعَلَّقُ (بِمَجْنُونٍ) مَنفِيًّا، كَما يَتَعَلَّقُ بِعاقِلٍ مُثْبَتًا في قَوْلِكَ: أنْتَ بِنِعْمَةِ اللَّهِ عاقِلٌ، مُسْتَوِيًّا في ذَلِكَ النَّفْيُ والإثْباتُ اسْتِواءَهُما في قَوْلِكَ: ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا، وما ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا، تُعْمِلُ الفِعْلَ مُثْبَتًا ومَنفِيًّا إعْمالًا واحِدًا، ومَحَلُّهُ النَّصْبُ عَلى الحالِ، كَأنَّهُ قالَ: ما أنْتَ بِمَجْنُونٍ مُنْعِمًا عَلَيْكَ بِذَلِكَ، ولَمْ تَمْنَعِ الباءُ أنْ يَعْمَلَ (مَجْنُونٌ) فِيما قَبْلَهُ؛ لِأنَّها زائِدَةٌ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ، والمَعْنِيُّ: اسْتِبْعادُ ما كانَ يَنْسُبُهُ إلَيْهِ كُفّارُ مَكَّةَ عَداوَةً وحَسَدًا، وأنَّهُ مِن إنْعامِ اللَّهِ - تَعالى - عَلَيْهِ بِحَصافَةِ العَقْلِ والشَّهامَةِ الَّتِي يَقْتَضِيها التَّأْهِيلُ لِلنُّبُوَّةِ بِمَنزِلَةٍ. انْتَهى. وما ذَهَبَ إلَيْهِ الزَّمَخْشَرِيُّ مِن أنَّ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ مُتَعَلِّقٌ (بِمَجْنُونٍ) وأنَّهُ في مَوْضِعِ الحالِ، يَحْتاجُ إلى تَأمُّلٍ، وذَلِكَ أنَّهُ إذا تَسَلَّطَ النَّفْيُ عَلى مَحْكُومٍ بِهِ، وذَلِكَ لَهُ مَعْمُولٌ، فَفي ذَلِكَ طَرِيقانِ: أحَدُهُما: أنَّ النَّفْيَ يَتَسَلَّطُ عَلى ذَلِكَ المَعْمُولِ فَقَطْ، والآخَرُ: أنْ يَتَسَلَّطَ النَّفْيُ عَلى المَحْكُومِ بِهِ فَيَنْتَفِي مَعْمُولُهُ لِانْتِفائِهِ. بَيانُ ذَلِكَ، تَقُولُ: ما زَيْدٌ قائِمٌ مُسْرِعًا، فالمُتَبادِرُ إلى الذِّهْنِ أنَّهُ مُنْتَفٍ إسْراعُهُ دُونَ قِيامِهِ، فَيَكُونُ قَدْ قامَ غَيْرَ مُسْرِعٍ. والوَجْهُ الآخَرُ أنَّهُ انْتَفى قِيامُهُ فانْتَفى إسْراعُهُ، أيْ لا قِيامَ فَلا إسْراعَ، وهَذا الَّذِي قَرَّرْناهُ لا يَتَأتّى مَعَهُ قَوْلُ الزَّمَخْشَرِيِّ بِوَجْهٍ، بَلْ يُؤَدِّي إلى ما لا يَجُوزُ أنْ يُنْطَقَ بِهِ في حَقِّ المَعْصُومِ، ﷺ . وقِيلَ: مَعْناهُ: ما أنْتَ بِمَجْنُونٍ، والنِّعْمَةُ بِرَبِّكَ. لِقَوْلِهِمْ: سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ، أيْ: والحَمْدُ لِلَّهِ، ومِنهُ قَوْلُ لَبِيدٍ: ؎وأُفْرِدْتُ في الدُّنْيا بِفَقْدِ عَشِيرَتِي ∗∗∗ وفارَقَنِي جارٌ بِأرْبَدَ نافِعُ أيْ: وهو أرْبَدُ. انْتَهى. وهَذا تَفْسِيرُ مَعْنًى لا تَفْسِيرُ إعْرابٍ. وفي المُنْتَخَبِ ما مُلَخَّصُهُ: المَعْنى: انْتَفى عَنْكَ الجُنُونُ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ، أيْ: حُصُولُ الصِّفَةِ المَحْمُودَةِ، وزالَ عَنْكَ الصِّفَةُ المَذْمُومَةُ بِواسِطَةِ إنْعامِ رَبِّكَ. ثُمَّ قَرَّرَ بِهَذِهِ الدَّعْوى ما هو كالدَّلِيلِ القاطِعِ عَلى صِحَّتِها؛ لِأنَّ نِعَمَهُ كانَتْ ظاهِرَةً في حَقِّهِ مِن كَمالِ الفَصاحَةِ والعَقْلِ والسِّيرَةِ المَرْضِيَّةِ، والبَراءَةِ مِن كُلِّ عَيْبٍ، والِاتِّصافِ بِكُلِّ مَكْرُمَةٍ، فَحُصُولُ ذَلِكَ وظُهُورُهُ جارٍ مَجْرى اليَقِينِ في كَوْنِهِمْ كاذِبِينَ في قَوْلِهِمْ: إنَّهُ مَجْنُونٌ. وإنَّ لَكَ لَأجْرًا في احْتِمالِ طَعْنِهِمْ، وفي دُعاءِ الخَلْقِ إلى اللَّهِ، فَلا يَمْنَعُكَ ما قالُوا عَنِ الدُّعاءِ إلى اللَّهِ. وإنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ هَذا كالتَّفْسِيرِ لِما تَقَدَّمَ مِن قَوْلِهِ: بِنِعْمَةِ رَبِّكَ وتَعْرِيفٌ لِمَن رَماهُ بِالجُنُونِ أنَّهُ كَذَبَ وأخْطَأ، وأنَّ مَن كانَ بِتِلْكَ الأخْلاقِ المَرْضِيَّةِ لا يُضافُ الجُنُونُ إلَيْهِ، ولَفْظُهُ يَدُلُّ عَلى الِاسْتِعْلاءِ والِاسْتِيلاءِ. انْتَهى. وإنَّ لَكَ لَأجْرًا أيْ: عَلى ما تَحَمَّلْتَ مِن أثْقالِ النُّبُوَّةِ، ومِن أذاهم مِمّا يَنْسُبُونَ إلَيْكَ مِمّا أنْتَ لا تَلْتَبِسُ بِهِ مِنَ المَعائِبِ غَيْرَ مَمْنُونٍ أيْ: غَيْرَ مَقْطُوعٍ، مَنَنْتُ الحَبْلَ: قَطَعْتُهُ، وقالَ الشّاعِرُ: ؎غُبْسٌ كَواسِبُ لا يُمَنُّ طَعامُها أيْ: لا يُقْطَعُ. وقالَ مُجاهِدٌ: غَيْرَ مَحْسُوبٍ. وقالَ الحَسَنُ: غَيْرَ مُكَدَّرٍ بِالمَنِّ. وقالَ الضَّحّاكُ: بِغَيْرِ عَمَلٍ. وقِيلَ: غَيْرُ مُقَدَّرٍ، وهو مَعْنى قَوْلِ مُجاهِدٍ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أوْ غَيْرُ مَمْنُونٍ عَلَيْكَ؛ لِأنَّهُ ثَوابٌ تَسْتَوْجِبُهُ عَلى عَمَلِكَ ولَيْسَ بِتَفَضُّلٍ ابْتِداءً، وإنَّما تُمَنُّ الفَواضِلُ لا الأُجُورُ عَلى الأعْمالِ. انْتَهى، وفِيهِ دَسِيسَةُ الِاعْتِزالِ. وإنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ ومُجاهِدٌ: دِينٍ عَظِيمٍ، لَيْسَ دِينٌ أحَبَّ إلى اللَّهِ تَعالى مِنهُ. وقالَتْ عائِشَةُ: إنَّ خُلُقَهُ كانَ القُرْآنَ. وقالَ عَلِيٌّ: هو أدَبُ القُرْآنِ. وقالَ قَتادَةُ: ما كانَ يَأْتَمِرُ بِهِ مِن أمْرِ اللَّهِ تَعالى. وقِيلَ: سُمِّيَ عَظِيمًا لِاجْتِماعِ مَكارِمِ الأخْلاقِ فِيهِ، مِن كَرَمِ السَّجِيَّةِ، ونَزاهَةِ القَرِيحَةِ، والمَلَكَةِ الجَمِيلَةِ، وجَوْدَةِ الضَّرائِبِ. ما دَعاهُ أحَدٌ إلّا قالَ لَبَّيْكَ، وقالَ: «إنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي لِأُتَمِّمَ مَكارِمَ الأخْلاقِ»، ووَصّى أبا ذَرٍّ فَقالَ: «وخالِقِ النّاسَ بِخُلُقٍ (p-٣٠٩)حَسَنٍ» . وعَنْهُ ﷺ: «ما مِن شَيْءٍ يُوضَعُ في المِيزانِ أثْقَلُ مِن خُلُقٍ حَسَنٍ» . وقالَ: «أحَبُّكم إلى اللَّهِ تَعالى أحْسَنُكم أخْلاقًا» . والظّاهِرُ تَعَلُّقُ بِأيِّيكُمُ المَفْتُونُ بِما قَبْلَهُ. وقالَ عُثْمانُ المازِنِيُّ: تَمَّ الكَلامُ في قَوْلِهِ (ويُبْصِرُونَ) ثُمَّ اسْتَأْنَفَ قَوْلَهُ: بِأيِّيكُمُ المَفْتُونُ. انْتَهى. فَيَكُونُ قَوْلُهُ: بِأيِّيكُمُ المَفْتُونُ اسْتِفْهامًا يُرادُ بِهِ التَّرْدادُ بَيْنَ أمْرَيْنِ، ومَعْلُومٌ نَفْيُ الحُكْمِ عَنْ أحَدِهِما، ويُعَيِّنُهُ الوُجُودُ، وهو المُؤْمِنُ، لَيْسَ بِمَفْتُونٍ ولا بِهِ فُتُونٌ. وإذا كانَ مُتَعَلِّقًا بِما قَبْلَهُ، وهو قَوْلُ الجُمْهُورِ، فَقالَ قَتادَةُ وأبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرٌ: الباءُ زائِدَةٌ، والمَعْنى: أيُّكُمُ المَفْتُونُ ؟ وزِيدَتِ الباءُ في المُبْتَدَأِ، كَما زِيدَتْ فِيهِ في قَوْلِهِ: بِحَسْبِكَ دِرْهَمٌ، أيْ حَسْبُكَ. وقالَ الحَسَنُ والضَّحّاكُ والأخْفَشُ: الباءُ لَيْسَتْ بِزائِدَةٍ، والمَفْتُونُ بِمَعْنى الفِتْنَةِ، أيْ: بِأيِّكم هي الفِتْنَةُ والفَسادُ الَّذِي سَمَّوْهُ جُنُونًا ؟ وقالَ الأخْفَشُ أيْضًا: بِأيِّكم فُتِنَ المَفْتُونُ، حَذَفَ المُضافَ وأقامَ المُضافَ إلَيْهِ مَقامَهُ. فَفي قَوْلِهِ الأوَّلِ جَعَلَ المَفْتُونَ مَصْدَرًا، وهُنا أبْقاهُ اسْمَ مَفْعُولٍ وتَأوَّلَهُ عَلى حَذْفِ مُضافٍ. وقالَ مُجاهِدٌ والفَرّاءُ: الباءُ بِمَعْنى (في) أيْ في أيِّ فَرِيقٍ مِنكُمُ النَّوْعُ المَفْتُونُ ؟ انْتَهى. فالباءُ ظَرْفِيَّةٌ، نَحْوُ: زَيْدٌ بِالبَصْرَةِ، أيْ في البَصْرَةِ، فَيَظْهَرُ مِن هَذا القَوْلِ أنَّ الباءَ في القَوْلِ قَبْلَهُ لَيْسَتْ ظَرْفِيَّةً، بَلْ هي سَبَبِيَّةٌ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: المَفْتُونُ، المَجْنُونُ؛ لِأنَّهُ فُتِنَ، أيْ مُحِنَ بِالجُنُونِ، أوْ لِأنَّ العَرَبَ يَزْعُمُونَ أنَّهُ مِن تَخْيِيلِ الجِنِّ، وهُمُ الفُتّانُ لِلْفُتّاكِ مِنهم. انْتَهى. وقَرَأ ابْنُ أبِي عَبْلَةَ: في أيِّكُمُ المَفْتُونُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب