الباحث القرآني

(p-٥٩)سُورَةُ القَلَمِ مَكِّيَّةٌ في قَوْلِ الحَسَنِ وعِكْرِمَةَ وعَطاءٍ وجابِرٍ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: مِن أوَّلِها إلى قَوْلِهِ سُبْحانَهُ " ﴿سَنَسِمُهُ عَلى الخُرْطُومِ﴾ " مَكِّيٌّ، ومِن بَعْدِ ذَلِكَ إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ﴾ مَدَنِيٌّ، ومِن بَعْدِ ذَلِكَ إلى قَوْلِهِ ﴿يَكْتُبُونَ﴾ مَكِّيٌّ، ومِن بَعْدِ ذَلِكَ إلى قَوْلِهِ: ﴿مِنَ الصّالِحِينَ﴾ مَدَنِيٌّ، وباقِي السُّورَةِ مَكِّيٌّ. قَوْلُهُ تَعالى ﴿ن﴾ فِيهِ ثَمانِيَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: أنَّ النُّونَ الحُوتُ الَّذِي عَلَيْهِ الأرْضُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ مِن رِوايَةِ أبِي الضُّحى عَنْهُ، وقَدْ رَفَعَهُ.(p-٦٠) الثّانِي: أنَّ النُّونَ الدَّواةُ، رَواهُ أبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ . الثّالِثُ: أنَّهُ حَرْفٌ مِن حُرُوفِ الرَّحْمَنِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ في رِوايَةِ الضَّحّاكِ عَنْهُ. الرّابِعُ: هو لَوْحٌ مِن نُورٍ، رَواهُ مُعاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ عَنْ أبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ . الخامِسُ: أنَّهُ اسْمٌ مِن أسْماءِ السُّورَةِ، وهو مَأْثُورٌ. السّادِسُ: أنَّهُ قَسَمٌ أقْسَمَ اللَّهُ بِهِ، ولِلَّهِ تَعالى أنْ يُقْسِمَ بِما يَشاءُ، قالَهُ قَتادَةُ. السّابِعُ: أنَّهُ حَرْفٌ مِن حُرُوفِ المُعْجَمِ. الثّامِنُ: أنَّ نُونْ بِالفارِسِيَّةِ أيذون كُنْ، قالَهُ الضَّحّاكُ. وَيَحْتَمِلُ تاسِعًا: إنْ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ نَقْلٌ أنْ يَكُونَ مَعْناهُ: تَكْوِينُ الأفْعالِ والقَلَمُ وما يَسْطُرُونَ، فَنَزَلَ الأقْوالُ جَمِيعًا في قَسَمِهِ بَيْنَ أفْعالِهِ وأقْوالِهِ، وهَذا أعَمُّ قِسْمَةٍ. وَيَحْتَمِلُ عاشِرًا: أنْ يُرِيدَ بِالنُّونِ النَّفْسَ لِأنَّ الخِطابَ مُتَوَجِّهٌ إلَيْها بِغَيْرِ عَيْنِها بِأوَّلِ حُرُوفِها، والمُرادُ بِالقَلَمِ ما قَدَّرَهُ اللَّهُ لَها وعَلَيْها مِن سَعادَةٍ وشَقاءٍ، لِأنَّهُ مَكْتُوبٌ في اللَّوْحِ المَحْفُوظِ. أمّا ﴿والقَلَمِ﴾ فَفِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ القَلَمُ الَّذِي يَكْتُبُونَ بِهِ لِأنَّهُ نِعْمَةٌ عَلَيْهِمْ ومَنفَعَةٌ لَهم، فَأقْسَمَ بِما أنْعَمَ، قالَهُ ابْنُ بَحْرٍ. الثّانِي: أنَّهُ القَلَمُ الَّذِي يُكْتَبُ بِهِ الذِّكْرُ عَلى اللَّوْحِ المَحْفُوظِ، قالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: هو مِن نُورٍ، طُولُهُ كَما بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ. وَفي قَوْلِهِ ﴿وَما يَسْطُرُونَ﴾ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: وما يَعْلَمُونَ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. الثّانِي: وما يَكْتُبُونَ، يَعْنِي مِنَ الذِّكْرِ، قالَهُ مُجاهِدٌ والسُّدِّيُّ.(p-٦١) الثّالِثُ: أنَّهُمُ المَلائِكَةُ الكاتِبُونَ يَكْتُبُونَ أعْمالَ النّاسِ مِن خَيْرٍ وشَرٍّ. ﴿ما أنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾ كانَ المُشْرِكُونَ يَقُولُونَ لِلنَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ مَجْنُونٌ بِهِ شَيْطانٌ، وهو قَوْلُهم: ﴿يا أيُّها الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إنَّكَ لَمَجْنُونٌ﴾ [الحِجْرِ: ٦] فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى رَدًّا عَلَيْهِمْ وتَكْذِيبًا لِقَوْلِهِمْ: ﴿ما أنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾ أيْ بِرَحْمَةِ رَبِّكَ، والنِّعْمَةُ ها هُنا الرَّحْمَةُ. وَيَحْتَمِلُ ثانِيًا: أنَّ النِّعْمَةَ ها هُنا قَسَمٌ، وتَقْدِيرُهُ: ما أنْتَ ونِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ، لِأنَّ الواوَ والباءَ مِن حُرُوفِ القَسَمِ. وَتَأوَّلَهُ الكَلْبِيُّ عَلى غَيْرِ ظاهِرِهِ، فَقالَ: مَعْناهُ ما أنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمُخْفِقٍ. ﴿وَإنَّ لَكَ لأجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ﴾ فِيهِ أرْبَعَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: غَيْرُ مَحْسُوبٍ، قالَهُ مُجاهِدٌ. الثّانِي: أجْرًا بِغَيْرِ عَمَلٍ، قالَهُ الضَّحّاكُ. الثّالِثُ: غَيْرُ مَمْنُونٍ عَلَيْكَ مِنَ الأذى، قالَهُ الحَسَنُ. الرّابِعُ: غَيْرُ مُنْقَطِعٍ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ ؎ ألا تَكُونُ كَإسْماعِيلَ إنَّ لَهُ رَأْيًا أصِيلًا وأْجْرًا غَيْرَ مَمْنُونِ وَيَحْتَمِلُ خامِسًا: غَيْرُ مُقَدَّرٍ وهو الفَضْلُ، لِأنَّ الجَزاءَ مُقَدَّرٌ، والفَضْلَ غَيْرُ مُقَدَّرٍ. ﴿وَإنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: أدَبُ القُرْآنِ، قالَهُ عَطِيَّةُ. الثّانِي: دِينُ الإسْلامِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ وأبُو مالِكٍ. الثّالِثُ: عَلى طَبْعٍ كَرِيمٍ، وهو الظّاهِرُ. وَحَقِيقَةُ الخُلُقِ في اللُّغَةِ هو ما يَأْخُذُ بِهِ الإنْسانُ نَفْسَهُ مِنَ الآدابِ سُمِّيَ خُلُقًا لِأنَّهُ يَصِيرُ كالخِلْقَةِ فِيهِ، فَأمّا ما طُبِعَ عَلَيْهِ مِنَ الآدابِ فَهو الخِيمُ فَيَكُونُ الخُلُقُ الطَّبْعَ المُتَكَلَّفَ، والخِيمُ هو الطَّبْعُ الغَرِيزِيُّ، وقَدْ أوْضَحَ ذَلِكَ الأعْشى في شِعْرِهِ فَقالَ:(p-٦٢) ؎ وإذا ذُو الفُضُولِ ضَنَّ عَلى المَوْ ∗∗∗ لى وعادَتْ لِخِيمِها الأخْلاقُ ايْ رَجَعَتِ الأخْلاقُ إلى طِباعِها. ﴿فَسَتُبْصِرُ ويُبْصِرُونَ﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: فَسَتَرى ويَرَوْنَ يَوْمَ القِيامَةِ حِينَ يَتَبَيَّنُ الحَقُّ والباطِلُ. الثّانِي: قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ مَعْناهُ فَسَتَعْلَمُ ويَعْلَمُونَ يَوْمَ القِيامَةِ. ﴿بِأيِّيكُمُ المَفْتُونُ﴾ فِيهِ أرْبَعَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: يَعْنِي المَجْنُونَ، قالَهُ الضَّحّاكُ. الثّانِي: الضّالُّ، قالَهُ الحَسَنُ. الثّالِثُ: الشَّيْطانُ، قالَهُ مُجاهِدٌ. الرّابِعُ: المُعَذَّبُ مِن قَوْلِ العَرَبِ فَتَنْتُ الذَّهَبَ بِالنّارِ إذا أحَمَيْتُهُ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَوْمَ هم عَلى النّارِ يُفْتَنُونَ﴾ [اَلذّارِياتِ: ١٣] أيْ يُعَذَّبُونَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب