الباحث القرآني

﴿ما أنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾ جَوابُ القَسَمِ والباءُ الثّانِيَةُ مَزِيدَةٌ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ، ومَجْنُونٌ خَبَرُ ما والباءُ الأُولى لِلْمُلابَسَةِ في مَوْضِعِ الحالِ والعامِلُ مَجْنُونٌ وباؤُهُ لا تَمْنَعُ العَمَلَ لِأنَّها مَزِيدَةٌ، وتَعَقَّبَهُ ناصِرُ الدِّينِ بِأنَّ فِيهِ نَظَرًا مِن حَيْثُ المَعْنى ووَجَّهَ بِأنَّ مُحَصِّلَهُ عَلى هَذا التَّقْدِيرِ أنَّهُ انْتَفى عَنْكَ الجُنُونُ وقْتَ التِباسِكَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ، ولا يُفْهَمُ مِنهُ انْتِفاءُ مُطْلَقِ الجُنُونِ عَنْهُ ﷺ وهَلِ المُرادُ إلّا هَذا وقِيلَ عَلَيْهِ لا يَخْفى أنَّهُ وارِدٌ عَلى ما اخْتارَهُ هو أيْضًا أيْ وذَلِكَ لِأنَّ المَعْنى حِينَئِذٍ انْتَفى عَنْكَ مُلْتَبِسًا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ الجُنُونُ ولا يُفْهَمُ مِنهُ انْتِفاؤُهُ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ في جَمِيعِ الأوْقاتِ وهو المُرادُ. وأُجِيبَ بِأنَّ تِلْكَ الحالَةَ لازِمَةٌ لَهُ ﷺ غَيْرُ مُنْفَكَّةٍ عَنْهُ فَنَفْيُهُ عَنْهُ فِيها مُسْتَلْزِمٌ لِنَفْيِهِ عَنْهُ دائِمًا وسائِرُ الحالاتِ وتُعُقِّبَ بِأنَّ هَذا مُتَأتٍّ عَلى كِلا التَّقْدِيرَيْنِ لا اخْتِصاصَ لَهُ بِأحَدِهِما دُونَ الآخَرِ، وأنْتَ خَبِيرٌ بِأنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُما إذْ يَصِيرُ المَعْنى عَلى تَقْدِيرِ كَوْنِ العامِلِ ”مَجْنُونٌ“ كَما أُشِيرَ إلَيْهِ أنَّهُ انْتَفى عَنْكَ الجُنُونُ الواقِعُ عَلَيْكَ حالَةَ الِالتِباسِ المَذْكُورِ، وهَذا يَدُلُّ عَلى إمْكانِ وُقُوعِهِ في تِلْكَ الحالَةِ بَلْ عَلى تَحَقُّقِهِ أيْضًا وهو مَعْنًى لاغٍ إذْ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ وُجُودُ الجُنُونِ ووُقُوعُهُ وقْتَ التِباسِهِ ﷺ بِالنِّعْمَةِ، ومِن جُمْلَتِها الحَصافَةُ ولا يَرِدُ هَذا عَلى التَّقْدِيرِ المُخْتارِ إذِ الِانْتِفاءُ المَفْهُومُ حِينَئِذٍ لا يَكُونُ وارِدًا عَلى الجُنُونِ المُقَيَّدِ بِما ذَكَرَ وهو وإنْ كانَ مُقَيَّدًا فِيهِ أيْضًا لا ضَيْرَ بِهِ لِكَوْنِ قَيْدِهِ لازِمًا لَذّاتِ المَنفِيِّ عَنْهُ كَما عَرَفْتَ هَذا، وقِيلَ: إذا حَمَلَ الباءَ عَلى السَّبَبِيَّةِ واعْتَبَرَ الظَّرْفَ لَغْوًا يَظْهَرُ عَدَمُ جَوازِ تَعَلُّقِهِ بِما بَعْدَهُ مِن حَيْثُ المَعْنى: ظُهُورُ نارِ القِرى لَيْلًا عَلى عِلْمٍ ولَهم في الجُمْلَةِ الحالِيَّةِ والحالِ إذا وقَعَتْ بَعْدَ النَّفْيِ كَلامٌ ذَكَرَهُ الخَفاجِيُّ وحَقَّقَ أنَّهُ حِينَئِذٍ إنَّما يَلْزَمُ انْتِفاءُ مُقارَنَةِ الحالِ لِذِي الحالِ لا نَفْيُها نَفْسُها فَتَدَبَّرْ ولا تَغْفُلْ. وجَوَّزَ كَوْنَ ﴿بِنِعْمَةِ رَبِّكَ﴾ قِسْمًا مُتَوَسِّطًا في الكَلامِ لِتَأْكِيدِهِ مِن غَيْرِ تَقْدِيرِ جَوابٍ، (p-25)أوْ يُقَدَّرُ لَهُ جَوابٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ الكَلامُ المَذْكُورُ، واسْتَظْهَرَ هَذا الوَجْهَ أبُو حَيّانٍ والتَّعَرُّضُ لِوَصْفِ الرُّبُوبِيَّةِ المُنْبِئَةِ عَنِ التَّبْلِيغِ إلى مَعارِجِ الكَمالِ مَعَ الإضافَةِ إلى ضَمِيرِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لِتَشْرِيفِهِ ﷺ والإيذانِ بِأنَّهُ تَعالى يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِ ويُبَلِّغُهُ في العُلُوِّ إلى غايَةٍ لا غايَةَ وراءَها، والمُرادُ تَنْزِيهُهُ ﷺ عَمّا كانُوا يَنْسُبُونَهُ إلَيْهِ ﷺ مِنَ الجُنُونِ حَسَدًا وعَداوَةً ومُكابَرَةً، فَحاصِلُ الكَلامِ أنْتَ مُنَزَّهٌ عَمّا يَقُولُونَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب