الباحث القرآني
﴿إنّا أرْسَلْناكَ بِالحَقِّ بَشِيرًا ونَذِيرًا﴾: بَشِيرًا لِمَن آمَنَ، ونَذِيرًا لِمَن كَفَرَ. وهَذِهِ الآيَةُ تَسْلِيَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَإنَّهُ كانَ يَضِيقُ صَدْرُهُ لِتَمادِيهِمْ عَلى ضَلالِهِمْ. ومُناسَبَةُ هَذِهِ الآيَةِ لِما قَبْلَها: أنَّهُ لَمّا ذَكَرَ أنَّهُ بَيَّنَ الآياتِ ذَكَرَ مَن بُيِّنَتْ عَلى يَدَيْهِ، فَأقْبَلَ عَلَيْهِ وخاطَبَهُ ﷺ لِيَعْلَمَ أنَّهُ هو صاحِبُ الآياتِ فَقالَ: ﴿إنّا أرْسَلْناكَ بِالحَقِّ﴾، أيْ بِالآياتِ الواضِحَةِ، وفُسِّرَ الحَقُّ هُنا بِالصِّدْقِ وبِالقُرْآنِ وبِالإسْلامِ. وبِالحَقِّ في مَوْضِعِ الحالِ، أيْ أرْسَلْناكَ ومَعَكَ الحَقُّ لا يُزايِلُكَ. وانْتِصابُ بَشِيرًا ونَذِيرًا عَلى الحالِ مِنَ الكافِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ حالًا مِنَ الحَقِّ؛ لِأنَّ ما جاءَ بِهِ مِنَ الحَقِّ يَتَّصِفُ أيْضًا بِالبِشارَةِ والنِّذارَةِ. والأظْهَرُ الأوَّلُ. وعَدَلَ إلى فَعِيلٍ لِلْمُبالَغَةِ؛ لِأنَّ فَعِيلًا مِن صِفاتِ السَّجايا، والعَدْلُ في بَشِيرٍ لِلْمُبالَغَةِ مَقِيسٌ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، إذا جَعَلْناهُ مِن بَشَّرَ لِأنَّهم قالُوا: بِشْرٌ مُخَفَّفًا، ولَيْسَ مَقِيسًا في نَذِيرٍ لِأنَّهُ مِن أنْذَرَ، ولَعَلَّ مُحَسِّنَ العَدْلِ فِيهِ كَوْنُهُ مَعْطُوفًا عَلى ما يَجُوزُ ذَلِكَ فِيهِ؛ لِأنَّهُ قَدْ يَسُوغُ في الكَلِمَةِ مَعَ الِاجْتِماعِ مَعَ ما يُقابِلُها ما لا يَسُوغُ فِيها لَوِ انْفَرَدَتْ، كَما قالُوا: أخَذَهُ ما قَدَّمَ وما حَدَثَ وشِبْهُهُ.
﴿ولا تُسْألُ عَنْ أصْحابِ الجَحِيمِ﴾: قِراءَةُ الجُمْهُورِ: بِضَمِّ التّاءِ واللّامِ. وقَرَأ أُبَيٌّ: وما تُسْألُ. وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ: ولَنْ تُسْألَ، وهَذا كُلُّهُ خَبَرٌ. فالقِراءَةُ الأُولى، وقِراءَةُ أُبَيٍّ يُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ الجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةً، وهو الأظْهَرُ، ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ في مَوْضِعِ الحالِ. وأمّا قِراءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَيَتَعَيَّنُ فِيها الِاسْتِئْنافُ، والمَعْنى عَلى الِاسْتِئْنافِ أنَّكَ لا تُسْألُ عَنِ الكُفّارِ ما لَهم لَمْ يُؤْمِنُوا؛ لِأنَّ ذَلِكَ لَيْسَ إلَيْكَ، ﴿إنْ عَلَيْكَ إلّا البَلاغُ﴾ [الشورى: ٤٨]، ﴿إنَّكَ لا تَهْدِي مَن أحْبَبْتَ﴾ [القصص: ٥٦]، ﴿إنَّما أنْتَ مُنْذِرٌ﴾ [الرعد: ٧] . وفي ذَلِكَ تَسْلِيَةٌ لَهُ ﷺ وتَخْفِيفُ ما كانَ يَجِدُهُ مِن عِنادِهِمْ، (p-٣٦٨)فَكَأنَّهُ قِيلَ: لَسْتَ مَسْئُولًا عَنْهم، فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهم. وفي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلى أنَّ أحَدًا لا يُسْألُ عَنْ ذَنْبِ أحَدٍ ﴿ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى﴾ [الأنعام: ١٦٤] . وأمّا الحالُ فَعَطْفٌ عَلى ما قَبْلَها مِنَ الحالِ، أيْ وغَيْرُ مَسْئُولٍ عَنِ الكُفّارِ ما لَهم لا يُؤْمِنُونَ، فَيَكُونُ قَيْدًا في الإرْسالِ، بِخِلافِ الِاسْتِئْنافِ. وقَرَأ نافِعٌ ويَعْقُوبُ: ولا تَسْألْ بِفَتْحِ التّاءِ وجَزْمِ اللّامِ، وذَلِكَ عَلى النَّهْيِ، وظاهِرُهُ: أنَّهُ نَهْيٌ حَقِيقَةً، «نُهِيَ ﷺ أنْ يَسْألَ عَنْ أحْوالِ الكُفّارِ» . قالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ القُرَظِيُّ: قالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَيْتَ شِعْرِي ما فَعَلَ أبَوايَ» فَنَزَلَتْ، واسْتُبْعِدَ في المُنْتَخَبِ هَذا؛ لِأنَّهُ عالِمٌ بِما آلَ إلَيْهِ أمْرُهُما. وقَدْ ذَكَرَ عِياضٌ أنَّهُما أُحْيِيا لَهُ فَأسْلَما. وقَدْ صَحَّ أنَّ اللَّهَ أذِنَ لَهُ في زِيارَتِهِما، واسْتُبْعِدَ أيْضًا ذَلِكَ؛ لِأنَّ سِياقَ الكَلامِ يَدُلُّ عَلى أنَّ ذَلِكَ عائِدٌ عَلى اليَهُودِ والنَّصارى ومُشْرِكِي العَرَبِ، الَّذِينَ جَحَدُوا نُبُوَّتَهُ، وكَفَرُوا عِنادًا، وأصَرُّوا عَلى كُفْرِهِمْ. وكَذَلِكَ جاءَ بَعْدَهُ: ﴿ولَنْ تَرْضى عَنْكَ اليَهُودُ ولا النَّصارى﴾ [البقرة: ١٢٠] إلّا إنْ كانَ ذَلِكَ عَلى سَبِيلِ الِانْقِطاعِ مِنَ الكَلامِ الأوَّلِ، ويَكُونُ مِن تَلْوِينِ الخِطابِ وهو بَعِيدٌ. وقِيلَ: يُحْتَمَلُ أنْ لا يَكُونَ نَهْيًا حَقِيقَةً، بَلْ جاءَ ذَلِكَ عَلى سَبِيلِ تَعْظِيمِ ما وقَعَ فِيهِ أهْلُ الكُفْرِ مِنَ العَذابِ كَما تَقُولُ: كَيْفَ حالُ فُلانٍ، إذا كانَ قَدْ وقَعَ في بَلِيَّةٍ، فَيُقالُ لَكَ: لا تَسْألْ عَنْهُ. ووَجْهُ التَّعْظِيمِ: أنَّ المُسْتَخْبِرَ يَجْزَعُ أنْ يَجْرِيَ عَلى لِسانِهِ ما ذَلِكَ الشَّخْصُ فِيهِ لِفَظاعَتِهِ، فَلا تَسْألْهُ ولا تُكَلِّفْهُ ما يُضْجِرُهُ، أوْ أنْتَ يا مُسْتَخْبِرُ لا تَقْدِرُ عَلى اسْتِماعِ خَبَرِهِ لِإيحاشِهِ السّامِعَ وإضْجارِهِ، فَلا تَسْألْ، فَيَكُونُ مَعْنى التَّعْظِيمِ إمّا بِالنِّسْبَةِ إلى المُجِيبِ، وإمّا بِالنِّسْبَةِ إلى المُجابِ، ولا يُرادُ بِذَلِكَ حَقِيقَةُ النَّهْيِ.
{"ayah":"إِنَّاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ بِٱلۡحَقِّ بَشِیرࣰا وَنَذِیرࣰاۖ وَلَا تُسۡـَٔلُ عَنۡ أَصۡحَـٰبِ ٱلۡجَحِیمِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق