الباحث القرآني
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (٢١) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (٢٢) ﴾
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد ﷺ: وهل أتاك يا محمد نبأ الخصم وقيل: إنه عني بالخصم في هذا الموضع ملكان، وخرج في لفظ الواحد، لأنه مصدر مثل الزور والسفر، لا يثنى ولا يجمع؛ ومنه قول لبيد:
وَخَصْمٍ يَعدوّنَ الذُّحُولَ كَأَنَّهُمْ ... قُرُوم غَيَارَى كلُّ أزْهَرَ مُصْعَب [[البيت للبيد (مجاز القرآن لأبي عبيدة، الورقة ٢١٣ - ب) . قال:" نبأ الخصم": يقع على الواحد والجمع. قال لبيد:" وخصم ... " البيت. والذحول: جمع ذحل، وهو الثأر. والقروم جمع قرم، وهو الفحل العظيم من الإبل. وغياري: جمع غيران. والأزهر: الأبيض والمصعب: الشديد القوي الذي يودع من الركوب والعمل، للفحلة. (اللسان: صعب. أهـ شبه الخصوم الأقوياء بالفحول من الإبل.]]
* * *
وقوله ﴿إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ﴾
يقول: دخلوا عليه من غير باب المحراب؛ والمحراب مقدّم كل مجلس وبيت وأشرفه.
* * *
وقوله ﴿إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ﴾
فكرّر إذ مرّتين وكان بعض أهل العربية يقول في ذلك: قد يكون معناهما كالواحد، كقولك: ضربتك إذ دخلت عليّ إذ اجترأت، فيكون الدخول هو الاجتراء، ويكون أن تجعل إحداهما على مذهب لما، فكأنه قال: إذ تسوّروا المحراب لما دخلوا، قال: وإن شئت جعلت لما في الأول، فإذا كان لما أولا أو آخرا، فهي بعد صاحبتها، كما تقول: أعطيته لما سألني، فالسؤال قبل الإعطاء في تقدّمه وتأخره.
* * *
وقوله ﴿فَفَزِعَ مِنْهُمْ﴾
يقول القائل: وما كان وجه فزعه منهما وهما خصمان، فإن فزعه منهما كان لدخولهما عليه من غير الباب الذي كان المدخل عليه، فراعه دخولهما كذلك عليه. وقيل: إن فزعه كان منهما، لأنهما دخلا عليه ليلا في غير وقت نظره بين الناس؛ قالوا: ﴿لا تَخَفْ﴾ يقول تعالى ذكره: قال له الخصم: لا تخف يا داود، وذلك لمَّا رأياه قد ارتاع من دخولهما عليه من غير الباب. وفي الكلام محذوف استغني بدلالة ما ظهر من الكلام منه، وهو مرافع خصمان، وذلك نحن. وإنما جاز ترك إظهار ذلك مع حاجة الخصمين إلى المرافع، لأن قوله ﴿خَصْمَانِ﴾ فعل للمتكلم، والعرب تضمر للمتكلم والمكلم والمخاطب ما يرفع أفعالهما، ولا يكادون أن يفعلوا ذلك بغيرهما، فيقولون للرجل يخاطبونه: أمنطلق يا فلان ويقول المتكلم لصاحبه: أحسن إليك وتجمل، وإنما يفعلون ذلك كذلك في المتكلم والمكَّلم، لأنهما حاضران يعرف السامع مراد المتكلم إذا حُذف الاسم، وأكثر ما يجيءُ ذلك في الاستفهام، وإن كان جائزا في غير الاستفهام، فيقال: أجالس راكب؟ فمن ذلك قوله خَصْمان؛ ومنه قول الشاعر:
وَقُولا إذا جاوَزْتُمَا أرْضَ عامِرٍ ... وَجَاوَزْتُمَا الحَيْين نَهْدًا وَخَشْعَما نزيعانِ مِنْ جَرْمِ بْنِ رَبَّانَ إنهمْ ... أبَوْا أنْ يُميرُوا في الهَزَاهِزِ مِحْجَما [[البيتان: من شواهد الفراء في معاني القرآن (الورقة ٢٧٨) على أن خصمان من قوله تعالى:" قالوا خصمان": رفع بإضمار نحن. قال: والعرب تضمر للمتكلم والمخاطب ما يرفع فعله، ولا يكادون يفعلون ذلك بغير المخاطب أو المتكلم. من ذلك أن تقول للرجل: أذاهب؟ أو أن يقول المتكلم: واصلكم إن شاء الله، ومحسن إليكم. من ذلك أن تقول للرجل: أذاهب؟ أو أن يقول المتكلم: واصلكم إن شاء الله، ومحسن إليكم. وذلك أن المتكلم والمكلم حاضران فتعرف معنى أسمائها إذ تركت. وأكثره في الاستفهام، يقولون: أجاد؟ أمنطق وقد يكون في غير الاستفهام. فقوله" خصمان" من ذلك. وقال الشاعر:" وقولا إذا ... " البيتين. وقد جاء في آثار للراجع من سفر:" تائبون آيبون، لربنا حامدون"..... الخ. قلت: والشاهد في البيتين قوله" نزيعان": أي نحن نزيعان. فهو مرفوع على تقدير مضمر قبله، وإن لم يكن معه استفهام]]
وقول الآخر:
تَقُولُ ابْنَةُ الكَعْبِيّ يوْمَ لَقِيتُها ... أمُنْطَلِقٌ فِي الجَيشِ أمْ مُتَثَاقِلُ [[وهذا البيت أيضاً من شواهد الفراء في معاني القرآن، على أنه قد يكون المبتدأ محذوفاً ويكثر أن يكون ذلك مع وجود الاستفهام في الكلام، كقوله في البيت: أمنطلق في الجيش أم متثاقل؟ أي أأنت منطلق ... الخ.]]
ومنه قولهم:"مُحْسِنة فهيلى". وقول النبي ﷺ:"آئِبُونَ تَائِبُونَ". وقوله:"جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ الله" كلّ ذلك بضمير رَفَعه. وقوله عزّ وجلّ ﴿بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ﴾ يقول: تعدّى أحدنا على صاحبه بغير حقّ ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ﴾ يقول: فاقض بيننا بالعدل ﴿وَلا تُشْطِطْ﴾ : يقول: ولا تجُر، ولا تسرف في حكمك، بالميل منك مع أحدنا على صاحبه. وفيه لغتان: أشَطَّ، وشَطَّ. ومن الإشطاط قول الأحوص:
ألا يا لقَوْمٍ قدْ أشَطَّتْ عَوَاذِلِي ... وَيَزْعُمْنَ أنْ أودَى بحَقِّي باطِلي [[وهذا البيت للأحوص، وهو كسابقه مروي في اللسان:" شطط" وفي مجاز القرآن لأبي عبيدة، شاهداً على أن معنى أشطت، بالهمز في أوله: أبعدت. وأودى بحقه: ذهب به وأهلكه.]]
ومسموع من بعضهم: شَطَطْتَ عليّ في السَّوم. فأما في البعد فإن أكثر كلامهم: شَطَّتْ الدار، فهي تَشِطّ، كما قال الشاعر:
تَشِطُّ غَدًا دَارُ جِيرَانِنَا ... وللدَّارُ بَعْدَ غَدٍ أبْعَدُ [[البيت من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن (الورقة ٢١٣) عند قوله تعالى:" ولا تشطط" أي: لا تسرف. وأنشد" تشطط غدا دار جيراننا ... " البيت. ويقال: كلفتني شططا: منه وشطت الدار: بعدت. أهـ. وفي اللسان: (شطط) : وفي التنزيل" ولا تشطط". وقريء" ولا تشطط" بضم الطاء الأولى، وفتح التاء، ومعناها: لا تبعد عن الحق. أهـ.]]
* * *
وقوله ﴿وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ﴾
يقول: وأرشدنا إلى قصد الطريق المستقيم.
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله ﴿وَلا تُشْطِطْ﴾ قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ﴿وَلا تُشْطِطْ﴾ : أي لا تمل.
⁕ حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ ﴿وَلا تُشْطِطْ﴾ يقول: لا تُحِف.
⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ﴿وَلا تُشْطِطْ﴾ تخالف عن الحقّ، وكالذي قلنا أيضا في قوله ﴿وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ﴾ قالوا.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ﴿وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ﴾ إلى عدله وخيره.
⁕ حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ ﴿وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ﴾ إلى عدل القضاء.
⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ﴿وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ﴾ قال: إلى الحق الذي هو الحق: الطريق المستقيم ﴿وَلا تُشْطِطْ﴾ تذهب إلى غيرها.
⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن بعض أهل العلم، عن وهب بن منبه: ﴿وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ﴾ : أي احملنا على الحق، ولا تخالف بنا إلى غيره.
{"ayahs_start":21,"ayahs":["۞ وَهَلۡ أَتَىٰكَ نَبَؤُا۟ ٱلۡخَصۡمِ إِذۡ تَسَوَّرُوا۟ ٱلۡمِحۡرَابَ","إِذۡ دَخَلُوا۟ عَلَىٰ دَاوُۥدَ فَفَزِعَ مِنۡهُمۡۖ قَالُوا۟ لَا تَخَفۡۖ خَصۡمَانِ بَغَىٰ بَعۡضُنَا عَلَىٰ بَعۡضࣲ فَٱحۡكُم بَیۡنَنَا بِٱلۡحَقِّ وَلَا تُشۡطِطۡ وَٱهۡدِنَاۤ إِلَىٰ سَوَاۤءِ ٱلصِّرَ ٰطِ"],"ayah":"إِذۡ دَخَلُوا۟ عَلَىٰ دَاوُۥدَ فَفَزِعَ مِنۡهُمۡۖ قَالُوا۟ لَا تَخَفۡۖ خَصۡمَانِ بَغَىٰ بَعۡضُنَا عَلَىٰ بَعۡضࣲ فَٱحۡكُم بَیۡنَنَا بِٱلۡحَقِّ وَلَا تُشۡطِطۡ وَٱهۡدِنَاۤ إِلَىٰ سَوَاۤءِ ٱلصِّرَ ٰطِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق