الباحث القرآني
دخَلَ الخَصْمانِ على داود لِيَفْصِلَ بينهما، ولشِدَّةِ تقاطُعِ الحقِّ بينهما قالا: ﴿فاحْكُمْ بَيْنَنا بِالحَقِّ ولا تُشْطِطْ﴾ يعني: لا تَظلِمْ ولا تَحِدْ ولا تَحِفْ عن الحق.
وذكَرَ اللهُ ذلك في سياقِ الحكاية لا في مَساقِ الذَّمِّ، ولم يَغضَبْ داودُ مع كونِه نبيًّا.
عنوان:
قولُ الخُصومِ للقاضي: ((اعدِلْ ولا تَظلِمْ)):
وفي هذا: أنّ قولَ الخصومِ للقاضي: ((اعْدِلْ ولا تَظلِمْ))، ليس مِن سُوءِ الأَدَبِ معه، ولو كان يَقضِي بالشَّرْع، لأنّ الإيمانَ بحُكمِ الشرعِ شيءٌ، والإيمانَ بصواب تطبيقِه وتنزيله شيءٌ آخَر، فرُبَّما كان النصُّ صحيحًا قَطْعيًّا وتنزيلُه اجتهادًا ظَنِّيًّا.
وما قِيلَ لداود فيه شَبَهٌ بقولِ الخَصْمينِ للنبيِّ محمد ﷺ: ((اقْضِ بَيْننا بِكتابِ اللهِ))[[البخاري (٢٦٩٥، ٢٦٩٦)، ومسلم (١٦٩٧/٢٥).]]، ومعلومٌ أنّ النبيَّ ﷺ لا يَقضي إلا بكتاب الله، ولكنَّ طلَبَهما تضمَّنَ طلبَ العدلِ بأدب.
وليس للقاضي والحاكمِ الغضبُ إنْ قِيلَ له: اعدِلْ ولا تَظلِم، فضلًا عن عقاِب مَن قال له ذلك، بل لِيَحْمِلْه ذلك على التحرِّي والخَشْية، وقد استدَلَّ الإمامُ أبو أحمدَ الكَرْجيُّ القَصّابُ بهذه الآية على ذلك في كتابِه «النكت الدالة على البيان»[[(٣/٧٢٥)]]، وحمَلَ ذَمَّ النبيِّ ﷺ لذي الخُوَيْصِرةِ حينما قال له: ((اعْدِلْ يا محمدُ، فإنكَ لم تَعدِلْ!))[[أصلُه في البخاري (٣٦١٠)، ومسلم (١٠٦٣/١٤٢)، ولكن لفظة: ((فإنك لم تعدل)) في «الإيمان» للعَدَني (ص١٣٧)، وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (١٢/٢٩٢-٢٩٣)]]: على أنّ غضَبَه إنما هو على قولِه: ((فإنكَ لم تَعدِلْ))، لا على قولِه: ((اعدل)).
ويضافُ إلى ذلك أيضًا: أن ذا الخُوَيصِرةِ قال ذلك للنبيِّ ﷺ بعدما قسَمَ غنيمةَ هوازِنَ بالجِعرانة لا قبلَ قِسمتِها، وإن كانَ النبيُّ ﷺ يجتهِدُ على قولِ بعضهم، فاللهُ لا يُقِرُّه على خطأٍ بعد اجتهادِه، فالقولُ له قبلَ حُكمِه غيرُ القولِ له بعدَ حُكمِه، وهذا عندَ مَن يقولُ بجوازِ اجتهاد النبيِّ ﷺ برأيِه.
عنوان:
قولُ الخصومِ لمَن يحكُمُ بالشريعة: ((اعدِلْ)):
ومَن قال لحاكمٍ أو قاضٍ: ((اعدِلْ أو لا تَظلِمْ)) وهو يحكُمُ بشرعِ الله، فلا يخلو مِن حالَيْن:
الأُولى: إن كان قولُه قبلَ حُكمِه فليس لحاكمٍ أو قاضٍ أن يَغضَبَ لذلك، لأنّ هذا مِن جُملةِ طلَبِ الحق والأمرِ بالمعروف والنهيِ عن المنكَر.
الثانية: إن كان قولُه بعدَ حُكمِه، فهذا اعتراضٌ على الحُكم، ولا يخلو هذا مِن حالتينِ أيضًا:
أولًا: إن كان يَقصِدُ أصلَ الحُكمِ والتشريعِ، لا الاجتهادَ في تنزيلِه، كمَن يعترِضُ على حُكمِ القتل للقاتلِ والقطعِ للسارق والحَدِّ للزاني، فهذا اعتراضٌ على حُكمِ الله، ولا يقولُ ذلك مَن صَحَّ إيمانُه، ما لم يكن ذلك في لَحْظةِ غَضَبٍ وحَمِيَّةٍ تُفقِدُ الإنسانَ صوابَه مما يعتري بعضَ الصالِحِين مِن شِدَّةِ الغَيْرةِ والحَمِيَّةِ التي تَحمِلُهم على قولٍ في لحظةِ فَوَرانِ قلبٍ وغَلَيانِ دَمٍ، ولو تَمكَّنوا مِن ردِّ الحق لم يَحمِلْهم إيمانُهم على ذلك، كقولِ سعدِ بنِ عُبادةَ: ((لو رأَيتُ رجُلًا مع امرأتي لَضرَبْتُه بالسيفِ غيرَ مُصفَح))[[البخاري (٦٨٤٦)، ومسلم (١٤٩٩/١٧)]]. مع عِلمِه بأنّ حُكمَ النبيِّ ﷺ: الإشهادُ على ذلك، ومع ذلك فلم يعنِّفْه النبيُّ ﷺ، وحمَلَ قولَهُ ذلك على الغَيْرةِ، فقال ﷺ: (إنَّهُ لَغَيُورٌ، وأَنا أغْيَرُ مِنهُ، واللهُ أغْيَرُ مِنِّي)[[البخاري (٦٨٤٦)، ومسلم (١٤٩٨/١٦)]].
ونَظِيرُ هذا: لمّا كسَرَت الرُّبَيِّعُ عَمَّةُ أنَسِ بنِ النَّضْرِ ثَنِيَّةَ جارِيةٍ، فلم تَعفُ الجاريةُ وطلَبَت القِصاصَ فأمَرَ النبيُّ ﷺ بالقِصاص، فقال أنسُ بن النَّضر: والذي بعَثَك بالحقِّ، لا تُكسَرُ ثَنِيَّتُها[[البخاري (٢٧٠٣)، ومسلم (١٦٧٥/٢٤)]].
والنبيُّ ﷺ لم يعنِّفْ عليهم، لعِلمِه بصِدقِ إيمانِهم وحَمِيَّتِهم وغَيْرتِهم على أهلِهم، وإنّ تلك الغَيْرةَ والحَمِيَّةَ تَدفَعُ الإنسانَ إلى قولٍ لا إلى العملِ ولا تنافي التسليمَ.
ثانيًا: إن كان يَقصِدُ اجتهادَ الحاكم في تنزيلِ الحُكمِ على شخصٍ أو حالٍ بعَينِها لانتفاءِ دليلٍ أو قرينةٍ أو قِيامِ شُبْهة معارِضة، فهذا ليس مِن الاعتراضِ على حُكمِ الله، وإنما على حُكم القاضي والحاكم.
والفَرقُ بين قولِ المؤمِنِ الصادق واعتراضِ المنافِقِ والزِّنْديق: سابِقةُ كلِّ واحدٍ منهما في الإسلامِ والعملِ له، فلا يُظَنُّ بسعدِ بن عُبادة ولا أنَسِ بن النَّضْرِ ظَنُّ سَوْءٍ، لعظيم سابقَتِهم وفَضلِهم وقُربِهم مِن النبيِّ ﷺ، كما يُظَنُّ بذي الخُوَيْصِرةِ وعبدِ الله بنِ أُبَي.
{"ayah":"إِذۡ دَخَلُوا۟ عَلَىٰ دَاوُۥدَ فَفَزِعَ مِنۡهُمۡۖ قَالُوا۟ لَا تَخَفۡۖ خَصۡمَانِ بَغَىٰ بَعۡضُنَا عَلَىٰ بَعۡضࣲ فَٱحۡكُم بَیۡنَنَا بِٱلۡحَقِّ وَلَا تُشۡطِطۡ وَٱهۡدِنَاۤ إِلَىٰ سَوَاۤءِ ٱلصِّرَ ٰطِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق