الباحث القرآني
كان أهل زمان داود عليه السلام يسأل بعضهم بعضا أن ينزل له عن امرأته، فيتزوّجها إذا أعجبته وكانت لهم عادة في المواساة بذلك قد اعتادوها. وقد روينا أن الأنصار كانوا يواسون المهاجرين بمثل ذلك، فاتفق أن عين داود وقعت على امرأة رجل يقال له أوريا، فأحبها، فسأله النزول له عنها، فاستحيا أن يردّه، ففعل، فتزوّجها وهي أمّ سليمان، فقيل له: إنك مع عظم منزلتك وارتفاع مرتبتك وكبر شأنك وكثرة نسائك: لم يكن ينبغي لك أن تسأل رجلا ليس له إلا امرأة واحدة النزول، بل كان الواجب عليك مغالبة هواك وقهر نفسك والصبر على ما امتحنت به. وقيل: خطبها أوريا ثم خطبها داود، فآثره أهلها، فكان ذنبه أن خطب على خطبة أخيه المؤمن، مع كثرة نسائه. وأمّا ما يذكر أنّ داود عليه السلام تمنى منزلة آبائه إبراهيم وإسحاق ويعقوب فقال: يا رب إنّ آبائي قد ذهبوا بالخير كله، فأوحى إليه: إنهم ابتلوا ببلايا فصبروا عليها: قد ابتلى ابراهيم بنمروذ وذبح ولده، وإسحاق بذبحه وذهاب بصره، ويعقوب بالحزن على يوسف. فسأل الابتلاء فأوحى الله إليه: إنك لمبتلى في يوم كذا وكذا، فاحترس، فلما حان ذلك اليوم دخل محرابه وأغلق بابه وجعل يصلى ويقرأ الزبور، فجاءه الشيطان في صورة حمامة من ذهب، فمدّ يده ليأخذها لابن له صغير، فطارت، فامتدّ إليها، فطارت فوقعت في كوّة، فتبعها، فأبصر امرأة جميلة قد نقضت شعرها فغطى بدنها، وهي امرأة أوريا وهو من غزاة البلقاء، [[قوله «من غزاة البلقاء» في الصحاح: مدينة بالشام. (ع)]] فكتب إلى أيوب بن صوريا وهو صاحب بعث البلقاء. أن ابعث أوريا وقدمه على التابوت، وكان من يتقدم على التابوت لا يحل له أن يرجع حتى يفتح الله على يده أو يستشهد، ففتح الله على يده وسلم، فأمر بردّه مرة أخرى، وثالثة، حتى قتل، فأتاه خبر قتله فلم يحزن كما كان يحزن على الشهداء، وتزوج امرأته. فهذا ونحوه مما يقبح أن يحدث به عن بعض المتسمين بالصلاح من أفناء المسلمين، [[قوله «من أفناء المسلمين» في الصحاح: يقال: هو من أفناء الناس إذا لم يعلم ممن هو. وعبارة النسفي بدل قوله: فهذا ونحوه ... الخ: فلا يليق من المتسمين ... الخ. (ع)]] فضلا عن بعض أعلام الأنبياء. وعن سعيد ابن المسيب والحرث الأعور: أنّ علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه قال: من حدثكم بحديث داود على ما يرويه القصاص جلدته مائة وستين وهو حد الفرية على الأنبياء [[لم أجده]] . وروى أنه حدث بذلك عمر بن عبد العزيز وعنده رجل من أهل الحق، فكذب المحدث به وقال: إن كانت القصة على ما في كتاب الله فما ينبغي أن يلتمس خلافها، وأعظم بأن يقال غير ذلك.
وإن كانت على ما ذكرت وكف الله عنها سترا على نبيه فما ينبغي إظهارها عليه. فقال عمر:
لسماعى هذا الكلام أحب إلىّ مما طلعت عليه الشمس. والذي يدل عليه المثل الذي ضربه الله لقصته عليه السلام ليس إلا طلبه إلى زوج المرأة أن ينزل له عنها فحسب. فإن قلت: لم جاءت على طريقة التمثيل والتعريض دون التصريح؟ قلت: لكونها أبلغ في التوبيخ، من قبل أن التأمل إذا أدّاه إلى الشعور بالمعرض به، كان أوقع في نفسه، أشد تمكنا من قلبه، وأعظم أثرا فيه، وأجلب لاحتشامه وحيائه، وأدعى إلى التنبه على الخطإ فيه من أن يبادره به صريحا، مع مراعاة حسن الأدب بترك المجاهرة. ألا ترى إلى الحكماء كيف أوصوا في سياسة الولد إذا وجدت منه هنة منكرة أن يعرض له بإنكارها عليه ولا يصرح. وأن تحكى له حكاية ملاحظة لحاله إذا تأملها استسمج حال صاحب الحكاية فاستسمج حال نفسه، وذلك أزجر له لأنه ينصب ذلك مثالا لحاله ومقياسا لشأنه، فيتصور قبح ما وجد منه بصورة مكشوفة، مع أنه أصون لما بين الوالد والولد من حجاب الحشمة. فإن قلت: فلم كان ذلك على وجه التحاكم إليه؟
قلت: ليحكم بما حكم به من قوله لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ حتى يكون محجوجا بحكمه ومعترفا على نفسه بظلمه وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ ظاهره الاستفهام. ومعناه الدلالة على أنه من الأنباء العجيبة التي حقها أن تشيع ولا تخفى على أحد، والتشويق إلى استماعه. والخصم:
الخصماء، وهو يقع على الواحد والجمع، كالضيف. قال الله تعالى حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ لأنه مصدر في أصله، تقول: خصمه خصما، كما تقول: ضافه ضيفا. فإن قلت:
هذا جمع. وقوله خَصْمانِ تثنية فكيف استقام ذلك؟ قلت: معنى خصمان: فريقان خصمان، والدليل عليه قراءة من قرأ: خصمان بغى بعضهم على بعض: ونحوه قوله تعالى هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ. فإن قلت: فما تصنع بقوله إِنَّ هذا أَخِي وهو دليل على اثنين؟
قلت: هذا قول البعض المراد بقوله بعضنا على بعض. فإن قلت: فقد جاء في الرواية أنه بعث إليه ملكان. قلت: معناه أن التحاكم كان بين ملكين، ولا يمنع ذلك أن يصحبهما آخرون. فإن قلت: فإذا كان التحاكم بين اثنين كيف سماهم جميعا خصما في قوله نَبَأُ الْخَصْمِ وخَصْمانِ؟ قلت: لما كان صحب كل واحد من المتحاكمين في صورة الخصم صحت التسمية به. فإن قلت: بم انتصب إِذْ؟ قلت: لا يخلو إما أن ينتصب بأتاك، أو بالنبإ، أو بمحذوف فلا يسوغ انتصابه بأتاك، لأن إتيان النبأ رسول الله ﷺ لا يقع إلا في عهده لا في عهد داود، ولا بالنبإ، لأن النبأ الواقع في عهد داود لا يصح إتيانه رسول الله ﷺ. وإن أردت بالنبإ: القصة في نفسها لم يكن ناصبا، فبقى أن ينتصب بمحذوف، وتقديره:
وهل أتاك نبأ تحاكم الخصم. ويجوز أن ينتصب بالخصم لما فيه من معنى الفعل. وأما إذ الثانية فبدل من الأولى تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ تصعدوا سوره ونزلوا إليه. والسور: الحائط المرتفع ونظيره في الأبنية: تسنمه، إذ علا سنامه، وتذرّاه: إذا علا ذروته. روى أنّ الله تعالى بعث إليه ملكين في صورة إنسانين، فطلبا أن يدخلا عليه، فوجداه في يوم عبادته، فمنعهما الحرس فتسوّرا عليه المحراب، فلم يشعر إلا وهما بين يديه جالسان فَفَزِعَ مِنْهُمْ قال ابن عباس: إنّ داود عليه السلام جزأ زمانه أربعة أجزاء: يوما للعبادة، ويوما للقضاء، ويوما للاشتغال بخواص أموره، ويوما يجمع بنى إسرائيل فيعظهم ويبكيهم، فجاءوه في غير يوم القضاء ففزع منهم، ولأنهم نزلوا عليه من فوق، وفي يوم الاحتجاب، والحرس حوله لا يتركون من يدخل عليه خَصْمانِ خبر مبتدإ محذوف، أى: نحن خصمان وَلا تُشْطِطْ ولا تجر. وقرئ: ولا تشطط، أى:
ولا تبعد عن الحق. وقرئ: ولا تشطط. ولا تشاطط، وكلها من معنى الشطط: وهو مجاوزة الحدّ وتخطى الحق. وسَواءِ الصِّراطِ وسطه ومحجته: ضربه مثلا لعين الحق ومحضه.
{"ayahs_start":21,"ayahs":["۞ وَهَلۡ أَتَىٰكَ نَبَؤُا۟ ٱلۡخَصۡمِ إِذۡ تَسَوَّرُوا۟ ٱلۡمِحۡرَابَ","إِذۡ دَخَلُوا۟ عَلَىٰ دَاوُۥدَ فَفَزِعَ مِنۡهُمۡۖ قَالُوا۟ لَا تَخَفۡۖ خَصۡمَانِ بَغَىٰ بَعۡضُنَا عَلَىٰ بَعۡضࣲ فَٱحۡكُم بَیۡنَنَا بِٱلۡحَقِّ وَلَا تُشۡطِطۡ وَٱهۡدِنَاۤ إِلَىٰ سَوَاۤءِ ٱلصِّرَ ٰطِ"],"ayah":"إِذۡ دَخَلُوا۟ عَلَىٰ دَاوُۥدَ فَفَزِعَ مِنۡهُمۡۖ قَالُوا۟ لَا تَخَفۡۖ خَصۡمَانِ بَغَىٰ بَعۡضُنَا عَلَىٰ بَعۡضࣲ فَٱحۡكُم بَیۡنَنَا بِٱلۡحَقِّ وَلَا تُشۡطِطۡ وَٱهۡدِنَاۤ إِلَىٰ سَوَاۤءِ ٱلصِّرَ ٰطِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق