الباحث القرآني
﴿إِذۡ دَخَلُوا۟ عَلَىٰ دَاوُۥدَ فَفَزِعَ مِنۡهُمۡۖ﴾ - تفسير
٦٦٤٨٩- عن عبد الله بن عباس -من طريق عطية العوفي-: ... تسوَّر عليه الخصمان مِن قِبَل وجهه، فلمّا رآهما وهو يقرأ فزِع وسكت، وقال: لقد استُضْعِفْتُ في مُلكي، حتى إنّ الناس يَتَسَوَّرون عَلَيَّ محرابي![[أخرجه ابن جرير ٢٠/٦٥.]]. (١٢/٥٢٨)
٦٦٤٩٠- عن الحسن البصري -من طريق مطر- قال: بينما هو في المحراب إذ تسوَّر الملَكان عليه، وكان الخصمان إنما يأتونه مِن باب المحراب، ففزع منهم حين تسوَّروا المحراب[[أخرجه ابن جرير ٢٠/٧٠. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.]]. (١٢/٥٣٠)
٦٦٤٩١- قال مقاتل بن سليمان: ﴿إذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنهُمْ﴾، لَمّا رآهما داودُ قد تسوَّروا المحراب فزع داود، وقال في نفسه: لقد ضاع مُلكي حين يُدخَل عَلَيَّ بغير إذْن[[تفسير مقاتل بن سليمان ٣/٦٣٩-٦٤٠.]]٥٥٥٠. (ز)
٦٦٤٩٢- عن عبد الملك ابن جريج، في قوله: ﴿فَفَزِعَ مِنهُمْ﴾، قال: كان الخصوم يدخلون من الباب، ففزع مِن تَسَوُّرهما[[عزاه السيوطي إلى ابن المنذر.]]. (١٢/٥٣٥)
﴿قَالُوا۟ لَا تَخَفۡۖ خَصۡمَانِ بَغَىٰ بَعۡضُنَا عَلَىٰ بَعۡضࣲ﴾ - تفسير
٦٦٤٩٣- عن عبد الله بن عباس -من طريق عطية العوفي-: ... قالا له: ﴿لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ﴾، ولم يكن لنا بُدٌّ مِن أن نأتيك، فاسمع مِنّا[[أخرجه ابن جرير ٢٠/٦٥.]]. (١٢/٥٢٨)
﴿فَٱحۡكُم بَیۡنَنَا بِٱلۡحَقِّ وَلَا تُشۡطِطۡ﴾ - تفسير
٦٦٤٩٤- عن عبد الله بن عباس= (ز)
٦٦٤٩٥- والضحاك بن مزاحم: ﴿ولا تُشْطِطْ﴾: ولا تَجُرْ[[تفسير الثعلبي ٨/١٨٨.]]. (ز)
٦٦٤٩٦- عن الحسن البصري -من طريق مطر- قال: ﴿ولا تُشْطِطْ﴾، أي: لا تَمِل[[أخرجه ابن جرير ٢٠/٧٠. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.]]. (١٢/٥٣٠)
٦٦٤٩٧- عن قتادة بن دعامة -من طريق سعيد-: ﴿ولا تُشْطِطْ﴾، أي: لا تَمِل[[أخرجه ابن جرير ٢٠/٥٦.]]. (١٢/٥٣٥)
٦٦٤٩٨- عن إسماعيل السُّدِّيّ -من طريق أسباط-: ﴿ولا تُشْطِطْ﴾، يقول: لا تَحِف[[أخرجه ابن جرير ٢٠/٥٦-٥٧.]]. (١٢/٥٣٢)
٦٦٤٩٩- قال إسماعيل السُّدِّيّ: ﴿ولا تُشْطِطْ﴾ لا تُسرِف[[تفسير الثعلبي ٨/١٨٨.]]. (ز)
٦٦٥٠٠- قال مقاتل بن سليمان: ﴿فاحْكُمْ بَيْنَنا بِالحَقِّ﴾ يعني: بالعدل، ﴿ولا تُشْطِطْ﴾ يعني: ولا تَجُر في القضاء[[تفسير مقاتل بن سليمان ٣/٦٤٠.]]. (ز)
٦٦٥٠١- قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهب- في قوله: ﴿ولا تُشْطِطْ﴾: تُخالِف عن الحق[[أخرجه ابن جرير ٢٠/٥٧.]]. (ز)
٦٦٥٠٢- قال يحيى بن سلّام: ﴿فاحْكُمْ بَيْنَنا بِالحَقِّ ولا تُشْطِطْ﴾، أي: لا تَجُر[[تفسير ابن أبي زمنين ٤/٨٦.]]. (ز)
﴿وَٱهۡدِنَاۤ إِلَىٰ سَوَاۤءِ ٱلصِّرَ ٰطِ ٢٢﴾ - تفسير
٦٦٥٠٣- عن الحسن البصري -من طريق مطر- قال: ﴿واهْدِنا إلى سَواءِ الصِّراطِ﴾، أي: أعدله وخيره[[أخرجه ابن جرير ٢٠/٧٠. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.]]. (١٢/٥٣٠)
٦٦٥٠٤- عن وهب بن مُنَبِّه -من طريق بعض أهل العلم- ﴿واهْدِنا إلى سَواءِ الصِّراطِ﴾: أي: احملنا على الحق، ولا تُخالِف بنا إلى غيره[[أخرجه ابن جرير ٢٠/٥٧.]]. (ز)
٦٦٥٠٥- عن قتادة بن دعامة -من طريق سعيد- ﴿واهْدِنا إلى سَواءِ الصِّراطِ﴾: إلى عدله وخيرِه[[أخرجه ابن جرير ٢٠/٥٧.]]. (ز)
٦٦٥٠٦- عن إسماعيل السُّدِّيّ -من طريق أسباط- ﴿واهْدِنا إلى سَواءِ الصِّراطِ﴾: إلى عدل القضاء[[أخرجه ابن جرير ٢٠/٥٧.]]. (١٢/٥٣٢)
٦٦٥٠٧- قال مقاتل بن سليمان: ﴿واهْدِنا إلى سَواءِ الصِّراطِ﴾، يقول: أرْشِدنا إلى قصد الطريق[[تفسير مقاتل بن سليمان ٣/٦٤٠.]]. (ز)
٦٦٥٠٨- قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهب- ﴿واهْدِنا إلى سَواءِ الصِّراطِ﴾ قال: إلى الحق الذي هو الحق؛ الطريق المستقيم، ﴿ولا تُشْطِطْ﴾: تذهب إلى غيرها[[أخرجه ابن جرير ٢٠/٥٧.]]. (ز)
٦٦٥٠٩- قال يحيى بن سلّام: ﴿واهْدِنا﴾ أرشِدنا ﴿إلى سَواءِ الصِّراطِ﴾ أي: إلى قصد الطريق[[تفسير ابن أبي زمنين ٤/٨٦.]]. (ز)
﴿وَٱهۡدِنَاۤ إِلَىٰ سَوَاۤءِ ٱلصِّرَ ٰطِ ٢٢﴾ - آثار في قصة الآيات
٦٦٥١٠- عن أنس بن مالك، قال: سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول: «إنّ داود حين نظر إلى المرأة قطع على بني إسرائيل بعْثًا[[قطع بعثًا: أفرد قومًا يبعثهم في الغزو، ويُعَيِّنهم من غيرهم. النهاية (قطع).]]، وأوصى صاحبَ الجيش، فقال: إذا حضر العدوُّ فقرِّب فلانًا بين يدي التابوت. وكان التابوتُ في ذلك الزمان يُسْتَنصَر به، مَن قُدِّم بين يدي التابوت لم يرجع حتى يُقتل، أو ينهزم منه الجيش، فقُتل، وتزوَّج المرأة، ونزل الملَكان على داود يقصّان عليه قصته، ففطن داود، فسجد، فمكث أربعين ليلة ساجدًا، حتى نبت الزرع مِن دموعه على رأسه، وأكلتِ الأرضُ جبينه، وهو يقول في سجوده: ربِّ، زلَّ داودُ زَلَّةً أبعدَ مِمّا بين المشرق والمغرب، ربِّ، إن لم ترحم ضعف داود وتغفر ذنوبه جعلتَ ذنبه حديثًا في الخُلُوف من بعده. فجاء جبريل مِن بعد أربعين ليلة، فقال: يا داود، إنّ الله قد غفر لك، وقد عرفتَ أنّ الله عدلٌ لا يميل. قال داود: فكيف بفلانٍ إذا جاء يوم القيامة، فقال: يا ربِّ، دمي الذي عند داود! قال جبريل: ما سألتُ ربَّك عن ذلك، فإن شئتَ لأفعلنَّ. فقال: نعم. ففرح جبريل، وسجد داود، فمكث ما شاء الله، ثم نزل، فقال: قد سألتُ اللهَ -يا داود- عن الذي أرسلتني فيه، فقال: قل لداود: إنّ الله يجمعكما يوم القيامة، فيقول: هبْ لي دمَك الذي عند داود. فيقول: هو لكَ، يا ربِّ. فيقول: فإن لك في الجنة ما شئتَ وما اشتهيت عِوَضًا»[[أخرجه ابن جرير في تاريخ الرسل والملوك ١/٤٨٣-٤٨٤، وفي تفسيره ٢٠/٧٤-٧٥، والثعلبي ٨/١٩٠-١٩١. وأورده الحكيم الترمذي في نوادر لأصول ٢/١٧٨-١٧٩. قال السيوطي: «بسند ضعيف». وقال الألباني في الضعيفة ١/٤٨٥ (٣١٤): «باطل».]]٥٥٥١. (١٢/٥٢٦)
٦٦٥١١- عن عبد الله بن عباس -من طريق خليفة-: أنّ داود حدَّث نفسه: إن ابتُلي أن يعتصم. فقيل له: إنك ستُبتلى، وستعلم اليومَ الذي تُبتَلى فيه، فخذ حِذْرَك. فقيل له: هذا اليوم الذي تُبتَلى فيه. فأخذ الزبور، ودخل المحراب، وأغلق باب المحراب، وأخذ الزبور في حِجره، وأقعد مِنصَفًا[[المِنصف -بكسر الميم، وقد تفتح-: الخادم. النهاية (نصف).]] على الباب، وقال: لا تأذن لأحد عَلَيَّ اليومَ. فبينما هو يقرأ الزبور إذ جاء طائر مُذهَّب كأحسن ما يكون الطير، فيه مِن كل لون، فجعل يَدرُج بين يديه، فدنا منه، فأمكن أن يأخذه، فتناوله بيده ليأخذه، فاستوفزه[[استوفز الرجل في قعدته: انتصب غير مطمئن، أو استقل على رجليه ولما يستو قائمًا، وقد تهيأ للوثوب. التاج (وفز).]] من خلفه، فأطبق الزبور، وقام ليأخذه، فطار فوقع على كُوَّة المحراب، فدنا منه ليأخذه، فأقض[[انقض الطائر وتقضَّض وتقضّى: هوى في طيرانه يريد الوقوع. اللسان (قضض).]]، فوقع على حصن، فأشرف عليه لينظر أين وقع، فإذا هو بامرأةٍ عند بِرْكتها تغتسل من الحيض، فلمّا رأت ظِلَّه حرَّكت رأسها، فغطَّت جسدها أجمعَ بشعرها، وكان زوجُها غازيًا في سبيل الله، فكتب داودُ إلى رأس الغزاة: انظر أوريا، فاجعله في حَمَلة التابوت. وكان حَمَلةُ التابوت إما أن يُفتح عليهم، وإما أن يُقتلوا، فقدَّمه في حملة التابوت، فقُتل، فلما انقضت عِدُّتها خطبها داود، فاشترطت عليه إن ولدت غلامًا أن يكون الخليفة من بعده، وأشهدت عليه خمسين من بني إسرائيل، وكتبتْ عليه بذلك كتابًا، فما شعر بفتنته أنه فُتن حتى ولدت سليمان وشبَّ، فتسوَّر عليه الملكان المحراب، فكان شأنهما ما قصَّ الله في كتابه، وخرَّ داود ساجدًا، فغفر الله له، وتاب عليه[[أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ١١/٥٤٤-٥٥٦. وعزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم.]]. (١٢/٥٢٤)
٦٦٥١٢- عن عبد الله بن عباس -من طريق عطية العوفي- في قوله: ﴿وهَلْ أتاكَ نَبَأُ الخَصْمِ إذْ تَسَوَّرُوا المِحْرابَ﴾، قال: إنّ داود قال: يا رب، قد أعطيتَ إبراهيم وإسحاق ويعقوب مِن الذِّكر ما لو وددتُ أنك أعطيتني مثله. قال الله ﷿: إنِّي ابتليتُهم بما لم أبتلِك به، فإن شئتَ ابتليتُك بمثل ما ابتليتُهم به، وأعطيتُك كما أعطيتُهم. قال: نعم. قال له: فاعمل حتى أرى بلاءَك. فكان ما شاء الله أن يكون، وطال ذلك عليه، فكاد أن ينساه، فبينما هو في محرابه إذ وقعت عليه حمامة، فأراد أن يأخذها، فطارت على كُوَّة المحراب، فذهب ليأخذها، فطارت، فاطلع مِن الكوَّة، فرأى امرأة تغتسل، فنزل من المحراب، فأرسل إليها، فجاءته، فسألها عن زوجها وعن شأنها، فأخبرته أنّ زوجها غائب، فكتب إلى أمير تلك السرية أن يُؤَمِّره على السرايا؛ ليهلك زوجها، ففعل، فكان يصاب أصحابه وينجو، وربما نُصروا، وإنّ الله ﷿ لما رأى الذي وقع فيه داود أراد أن يستنقذه، فبينما داود ذات يوم في محرابه إذ تسور عليه الخصمان مِن قِبل وجهه، فلما رآهما وهو يقرأ فزع وسكت، وقال: لقد استُضعفتُ في مُلكي، حتى إنّ الناس يتسوّرون عَلَيَّ محرابي! فقالا له: ﴿لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ﴾، ولم يكن لنا بُدّ من أن نأتيك، فاسمع منا. فقال أحدهما: إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة أنثى، ولي نعجة واحدة، فقال: أكفلنيها، يريد أن يتمّم بها مائة، ويتركني ليس لي شيء، ﴿وعَزَّنِي فِي الخِطابِ﴾. قال: إن دعوتُ ودعا كان أكثر مني، وإن بطشتُ وبطش كان أشد مني. فذلك قوله: ﴿وعَزَّنِي فِي الخِطابِ﴾. قال له داود: أنت كنتَ أحوج إلى نعجتك منه، ﴿لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إلى نِعاجِهِ﴾ إلى قوله: ﴿وقَلِيلٌ ما هُمْ﴾، ونسي نفسَه ﷺ، فنظر الملَكان أحدهما إلى الآخر حين قال ذلك، فتبسّم أحدهما إلى الآخر، فرآه داود، فظن أنما فُتن، ﴿فاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وخَرَّ راكِعًا وأَنابَ﴾ أربعين ليلة، حتى نبتت الخضرة مِن دموع عينيه، ثم شدَّد الله مُلكَه[[أخرجه ابن جرير ٢٠/٦٤-٦٦.]]. (١٢/٥٢٨)
٦٦٥١٣- عن الحسن البصري -من طريق مطر-: أنّ داود جزَّأ الدهر أربعة أجزاء؛ يومًا لنسائه، ويومًا للعبادة، ويومًا للقضاء بين بني إسرائيل، ويومًا لبني إسرائيل يُذاكِرهم ويذاكرونه، ويبكيهم ويُبكونه. فلما كان يوم بني إسرائيل ذكروا، فقالوا: هل يأتي على الإنسان يوم لا يصيب فيه ذنبًا؟ فأضمر داود في نفسه أنّه سيطيق ذلك، فلما كان في يوم عبادته غلَّق أبوابه، وأمر أن لا يدخل عليه أحد، وأكبَّ على التوراة، فبينما هو يقرؤها إذ حمامة مِن ذهب فيها مِن كل لون حسن قد وقعت بين يديه، فأهوى إليها ليأخذها، فطارت، فوقعت غير بعيد مِن غير أن تؤيِّسه مِن نفسها، فما زال يتبعها حتى أشرف على امرأة تغتسل، فأعجبه حُسنها وخَلْقها، فلما رأت ظِلَّه في الأرض جلَّلت نفسها بشعرها، فزاده ذلك أيضًا بها إعجابًا، وكان قد بعث زوجها على بعض جيوشه، فكتب إليه أن يسير إلى مكان كذا وكذا؛ مكان إذا سار إليه قُتل ولم يرجع، ففعل، فأصيب، فخطبها داود فتزوَّجها، فبينما هو في المحراب إذ تسوَّر الملَكان عليه، وكان الخصمان إنما يأتونه من باب المحراب، ففزع منهم حين تسوَّروا المحراب، فقالوا: ﴿لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فاحْكُمْ بَيْنَنا بِالحَقِّ ولا تُشْطِطْ﴾ الآيات[[أخرجه ابن جرير ٢٠/٦٩-٧٠. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد، وابن المنذر. وذكر يحيى بن سلام نحوه -كما في تفسير ابن أبي زمنين ٤/٨٦-.]]. (١٢/٥٣٠)
٦٦٥١٤- عن وهب بن مُنَبِّه -من طريق بعض أهل العلم-: أن داود حين دخل محرابه ذلك اليوم قال: لا يَدْخُلَنَّ عَلَيَّ محرابي اليومَ أحدٌ حتى الليل، ولا يشغلني شيء عما خلوتُ له حتى أمسي. ودخل محرابه، ونشر زبوره يقرؤه، وفي المحراب كُوَّة تُطْلِعه على تلك الجُنينة، فبينا هو جالس يقرأ زبوره إذ أقبلت حمامة من ذهب، حتى وقعت في الكُوَّة، فرفع رأسه، فرآها، فأعجبته، ثم ذكر ما كان قال: لا يشغله شيء عما دخل له، فنكَّس رأسه، وأقبل على زبوره، فتصوَّبت الحمامة للبلاء والاختبار مِن الكُوَّة، فوقعت بين يديه، فتناولها بيده، فاستأخرت غير بعيد، فاتبعها، فنهضت إلى الكُوَّة، فتناولها في الكُوَّة، فتصوّبت إلى الجنينة، فأتبعها بصرَه أين تقع، فإذا المرأة جالسة تغتسل بهيئة اللهُ أعلم بها في الجمال والحُسن والخلْق، فيزعمون أنها لما رأته نقضت رأسها، فوارتْ به جسدها منه، واختطفت قلبه، ورجع إلى زبوره ومجلسه، وهي مِن شأنه، لا يفارق قلبُه ذِكرها، وتمادى به البلاء حتى أغزى زوجَها، ثم أمر صاحب جيشه -فيما يزعم أهلُ الكتاب- أن يُقدِّم زوجها للمهالك، حتى أصابه بعضُ ما أراد به مِن الهلاك، ولداود تسع وتسعون امرأة، فلما أصيب زوجُها خطبها داود، فنكحها، فبعث اللهُ إليه وهو في محرابه مَلَكين يختصمان إليه، مثلًا يضربه له ولصاحبه، فلم يُرَعْ[[لم يُرَع: لم يشعر. اللسان (روع).]] داود إلا بهما واقفين على رأسه في محرابه، فقال: ما أدخلكما عَلَيَّ؟ قالا: لا تخف، لم ندخل لبأس ولا لريبة، ﴿خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ﴾ فجئناك لتقضي بيننا، ﴿فاحْكُمْ بَيْنَنا بِالحَقِّ ولا تُشْطِطْ واهْدِنا إلى سَواءِ الصِّراطِ﴾ أي: احملنا على الحق، ولا تخالف بنا إلى غيره. قال الملَك الذي يتكلم عن أوريا بن حنانيا زوج المرأة: ﴿إنَّ هَذا أخِي﴾ أي: على ديني، ﴿لَهُ تِسْعٌ وتِسْعُونَ نَعْجَةً ولِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أكْفِلْنِيها﴾ أي: احملني عليها، ثم ﴿وعَزَّنِي فِي الخِطابِ﴾ أي: قهرني في الخطاب، وكان أقوى مِنِّي هو وأَعَزّ، فحاز نعجتي إلى نعاجه، وتركني لا شيء لي. فغضب داود، فنظر إلى خصمه الذي لم يتكلم، فقال: لئن كان صدقني ما يقول لأضربنَّ بين عينيك بالفأس. ثم ارعوى داود، فعرف أنه هو الذي يُراد بما صنع في امرأة أوريا، فوقع ساجدًا تائبًا مُنيبًا باكيًا، فسجد أربعين صباحًا صائمًا لا يأكل فيها ولا يشرب، حتى أنبت دمعُه الخَضِر تحت وجهه، وحتى أندب السجودُ في لحم وجهه، فتاب الله عليه، وقَبِل منه. ويزعمون أنّه قال: أي رب، هذا غفرتَ ما جنيتُ في شأن المرأة، فكيف بدم القتيل المظلوم؟ قيل له: يا داود -فيما زعم أهل الكتاب-، أما إنّ ربك لم يظلمه بدمه، ولكنه سيسأله إيّاك فيعطيه، فيضعه عنك. فلما فُرِّج عن داود ما كان فيه رسم خطيئته في كفه اليمنى؛ بطن راحته، فما رفع إلى فيه طعامًا ولا شرابًا قطُّ إلا بكى إذا رآها، وما قام خطيبًا في الناس قطُّ إلا نشر راحته، فاستقبل بها الناسَ ليروا رسم خطيئته في يده[[أخرجه ابن جرير ٢٠/٧١-٧٣.]]. (ز)
٦٦٥١٥- عن إسماعيل السُّدِّيّ -من طريق أسباط- قال: إنّ داود قد قسَّم الدهر ثلاثة أيام؛ يومًا يقضي فيه بين الناس، ويومًا يخلو فيه لعبادة ربه، ويومًا يخلو فيه بنسائه، وكان له تسع وتسعون امرأة، وكان فيما يقرأ من الكتب أنّه كان يجد فيه فضلَ إبراهيم وإسحاق ويعقوب، فلمّا وجد ذلك فيما يقرأ من الكتب، قال: يا رب، أرى أنّ الخير كلَّه قد ذهب به آبائي الذين كانوا قبلي، فأعطِني مثلَ ما أعطيتَهم، وافعل بي مثلَ ما فعلتَ بهم. فأوحى الله إليه: إنّ آباءك ابتُلوا ببلايا لم تُبتلى بها؛ ابتُلي إبراهيم بذبْح ابنه، وابتُلي إسحاق بذهاب بصره، وابتُلي يعقوب بحزنه على يوسف، وإنك لم تُبتلى بشيء مِن ذلك. قال: يا ربِّ، ابْتلني بمثل ما ابْتليتَهم به، وأعطِني مثل ما أعطيتَهم. فأوحى الله إليه: إنك مُبتلًى، فاحتَرِس. فمكث بعد ذلك ما شاء الله أن يمكث، إذ جاءه الشيطان قد تمثّل في صورة حمامة من ذهب، حتى وقع عند رجليه وهو قائم يصلي، فمد يده ليأخذه، فتنحّى، فتبعه، فتباعد، حتى وقع في كُوَّة، فذهب ليأخذه فطار مِن الكُوَّة، فنظر أين يقع؛ فيَبعث في أثره، فأبصر امرأةً تغتسل على سطح لها، فرأى امرأةً مِن أجمل الناس خَلْقًا، فحانت منها التفاتةٌ، فأبصرتْه، فألقتْ شعرها، فاستترت به، فزاده ذلك فيها رغبة، فسأل عنها، فأُخبِر أنّ لها زوجًا، وأنّ زوجها غائب بمسْلَحَة[[المسْلَحة: القوم الذين يحفظون الثغور من العدوّ. النهاية (سلح).]] كذا وكذا. فبعث إلى صاحب المسْلَحة يأمره: أن يبعث أُهْريّا إلى عدو كذا وكذا. فبعثه، ففُتح له، وكتب إليه بذلك، فكتب إليه أيضًا: أنِ ابعثه إلى عدو كذا وكذا. أشد منه بأسًا، فبعثه، ففتح له أيضًا، فكتب إلى داود بذلك، فكتب إليه: أن ابعثه إلى عدو كذا وكذا. أشد منه بأسًا، فبعثه، فقُتل في المرة الثالثة، وتزوج امرأته، فلما دخلت عليه لم تلبث عنده إلا يسيرًا حتى بعث الله ملَكين في صورة إنسيين، فطلبا أن يدخلا عليه، فوجداه في يوم عبادته، فمنعهما الحرس أن يدخلا عليه، فتسوَّرا عليه المحراب، فما شعر وهو يصلي إذ هما بين يديه جالسين، ففزع منهما، فقالا: ﴿لا تَخَفْ﴾ إنما نحن ﴿خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فاحْكُمْ بَيْنَنا بِالحَقِّ ولا تُشْطِطْ﴾ يقول: لا تَحِف، ﴿واهْدِنا إلى سَواءِ الصِّراطِ﴾ إلى عدل القضاء. فقال: قُصّا عَلَيَّ قصتكما. فقال أحدهما: ﴿إنَّ هَذا أخِي لَهُ تِسْعٌ وتِسْعُونَ نَعْجَةً ولِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ﴾، فهو يريد أن يأخذ نعجتي فيكمل بها نعاجه مائة. فقال للآخر: ماتقول؟ فقال: إنّ لي تسعًا وتسعين نعجة، ولأخي هذا نعجة واحدة، فأنا أريد أن آخذها منه فأُكمل بها نعاجي مائة. قال: وهو كارِهٌ؟! قال: وهو كارِه. قال: إذًا، لا ندعك وذاك. قال: ما أنتَ على ذلك بقادر. قال: فإن ذهبتَ ترومُ ذلك ضربنا منك هذا وهذا وهذا. يعني: طرف الأنف، وأصل الأنف، والجبهة. قال: يا داود، أنت أحقُّ أن يُضرَب منك هذا وهذا؛ حيث لك تسع وتسعون امرأة، ولم يكن لأُهْريّا إلا امرأة واحدة، فلم تزل تُعرِّضه للقتل حتى قتلته وتزوَّجتَ امرأته. فنظر فلم يرَ شيئًا، فعرف ما قد وقع فيه، وما قد ابتُلي به، فخرَّ ساجدًا، فبكى، فمكث يبكي ساجدًا أربعين يومًا، لا يرفع رأسه إلا لحاجة، ثم يقع ساجدًا يبكي، ثم يدعو، حتى نبت العشب مِن دموع عينيه، فأوحى الله إليه بعد أربعين يومًا: يا داود، ارفع رأسك، قد غفرتُ لك. قال: يا رب، كيف أعلم أنك قد غفرتَ لي، وأنت حَكَمٌ عدل لا تحيف في القضاء؟ إذا جاء أُهريّا يوم القيامة آخذًا رأسه بيمينه أو بشماله، تشْخُب[[تشخب: تسيل. النهاية (شخب).]] أوداجُه دمًا في قِبل عرشك، يقول: يا رب، سلْ هذا فيمَ قتلني؟ فأوحى الله إليه: إذا كان ذلك دعوتُ أُهريّا، فأستوهبك منه، فيهبك لي، فأثيبه بذلك الجنة. قال: ربِّ، الآن علمتُ أنك غفرتَ لي. فما استطاع أن يملأ عينيه مِن السماء حياءً مِن ربه، حتى قُبض ﷺ[[أخرجه ابن جرير ٢٠/٦٦-٦٨، وفي تاريخه ١/٤٧٩-٤٨١، والحاكم ٢/٥٨٦-٥٨٧.]]. (١٢/٥٣٢)
٦٦٥١٦- عن محمد بن كعب القرظي، نحوه[[عزاه السيوطي إلى ابن المنذر.]]. (١٢/٥٣٥)
٦٦٥١٧- قال مقاتل بن سليمان: ﴿وهَلْ أتاكَ نَبَأُ﴾ يعني: حديث ﴿الخَصْمِ إذْ تَسَوَّرُوا المِحْرابَ﴾، وذلك أنّ داود قال: ربِّ، اتخذتَ إبراهيم خليلًا، وكلّمتَ موسى تكليمًا، فوددتُ أنّك أعطيتني مِن الذكر مثلَ ما أعطيتهما. فقال له: إني ابتليتُهما بما لم أبتلِك به، فإن شئتَ ابتليتُك بمثل الذي ابتليتُهما، وأعطيتُك مثلَ ما أعطيتُهما مِن الذِّكْر. قال: نعم. قال: اعمل عملك. فمكث داود ﵇ ما شاء الله ﷿ يصوم نصف الدهر، ويقوم نصف الليل، إذ صلى في المحراب فجاء طيرٌ حسن مُلوّن فوقع إليه، فتناوله، فصار إلى الكُوَّة، فقام ليأخذه، فوقع الطير في بستان، فأشرف داودُ، فرأى امرأةً تغتسل، فتعجَّب مِن حُسنها، وأبصرت المرأةُ ظِلَّه، فنفضت شعرها، فغطَّت جسمها، فزاده ذلك بها عجبًا، ودخلت المرأةُ منزلها، وبعث داودُ غلامًا في إثرها، إذا هي بتسامح امرأة أدريا بن حنان، وزوجها في الغزو في بعْث البلقاء الذي بالشام مع نواب بن صوريا ابن أخت داود ﵇، فكتب داود إلى ابن أخته بِعَزِيمَةٍ: أن يُقدِّم أدريا فيقاتل أهل البلقاء، ولا يرجع حتى يفتحها أو يُقتل. فقدَّمه، فقُتِل -رحمة الله عليه-، فلمّا انقضت عِدَّةُ المرأة تزوجها داود، فولدت له سليمان بن داود، فبعث الله ﷿ إلى داود ﵇ مَلَكين ليستنقذه بالتوبة، فأتوه يومَ رأس المائة في المحراب، وكان يومَ عبادته الحرس حوله، ﴿إذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنهُمْ﴾ فلمّا رآهما داود قد تسوروا المحراب فزِع داود، وقال في نفسه: لقد ضاع مُلكي حين يُدْخَل عَلَيَّ بغير إذن. ﴿قالُوا﴾ فقال أحدهما لداود: ﴿لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ﴾[[تفسير مقاتل بن سليمان ٣/٦٣٩-٦٤٠.]]. (ز)
٦٦٥١٨- عن محمد بن السائب الكلبي، نحو ذلك[[تفسير الثعلبي ٨/١٨٥-١٨٦.]]. (ز)
﴿وَٱهۡدِنَاۤ إِلَىٰ سَوَاۤءِ ٱلصِّرَ ٰطِ ٢٢﴾ - آثار متعلقة بالقصة
٦٦٥١٩- عن علي بن أبي طالب -من طريق الحارث الأعور- أنّه قال: مَن حدَّث بحديث داود على ما رَوتْه القُصّاص مُعْتَقِدًا صحته جلدّتُه حدَّين؛ لعظيم ما ارتكب، وجليل ما احْتَقَبَ[[احتقب: تحمّل. اللسان (حقب).]] من الوزر والإثم، برمي مَن قد رفع الله ﷾ محلّه، وأبانه رحمة للعالمين، وحُجَّة للمهتدين[[تفسير الثعلبي ٨/١٩٠.]]٥٥٥٢. (ز)
٦٦٥٢٠- عن عبد الله بن عباس -من طريق كريب- قال: ما أصاب داودَ ما أصابه بعد القَدَر إلا مِن عُجْبٍ عَجِب بنفسه، وذلك أنه قال: يا رب، ما من ساعة مِن ليل ونهار إلا وعابد مِن آل داود يعبدك؛ يصلي لك، أو يسبِّح، أو يكبِّر. وذكر أشياء، فكره الله ذلك، فقال: يا داود، إنّ ذلك لم يكن إلا بي، فلولا عوني ما قويتَ عليه، وجلالي؛ لأكِلَنَّكَ إلى نفسِك يومًا. قال: يا ربِّ، فأخبرني به. فأصابته الفتنةُ ذلك اليوم[[أخرجه الحاكم ٢/٤٣٣، والبيهقي في شعب الإيمان (٧٢٥٣).]]. (١٢/٥٢٥)
٦٦٥٢١- عن سعيد بن جبير -من طريق أبي هاشم- قال: إنما كانت فتنة داود النظر[[أخرجه ابن أبي شيبة ١١/٥٥٤، ١٣/٢٠٠. وعزاه السيوطي إلى سعيد بن منصور.]]. (١٢/٥٣٧)
٦٦٥٢٢- عن عطاء الخراساني -من طريق ابن جابر-: أنّ كتاب صاحب البعث جاء ينعي مَن قُتل، فلمّا قرأ داود نعي رجل منهم رجَّع، فلما انتهى إلى اسم الرجل، قال: كتب الله على كل نفس الموت. قال: فلما انقضت عِدَّتُها خطبها[[أخرجه ابن جرير ٢٠/٧٥.]]. (ز)
٦٦٥٢٣- عن عطاء الخراساني -من طريق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر-: أنّ داود نقش خطيئته في كفِّه لكيلا ينساها، وكان إذا رآها اضطربت يداه[[أخرجه ابن جرير ٢٠/٦٩ بلفظ: قال: فكان إذا رآها خفقت يده واضطربت، والحكيم الترمذي ٢/١٨٣. وعزاه السيوطي إلى أحمد.]]. (١٢/٥٤٢)
٦٦٥٢٤- عن معمر بن راشد: أنّ داود لَمّا أصاب الذنبَ قال: ربِّ، كُنتُ أُبْغِض الخطّائين، فأنا اليوم أُحِبُّ أن تغفر لهم[[عزاه السيوطي إلى أحمد.]]. (١٢/٥٤٤)
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.