الباحث القرآني
﴿إذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ﴾ إذْ هَذِهِ بَدَلٌ مِن إذِ الأُولى بَدَلُ كُلٍّ مِن كُلٍّ، بِأنْ يُجْعَلَ زَمانُ التَّسَوُّرِ وزَمانُ الدُّخُولِ لِقُرْبِهِما بِمَنزِلَةِ المُتَحِدَيْنِ، أوْ بَدَلُ اشْتِمالٍ بِأنْ يُعْتَبَرَ الِامْتِدادَ، أوْ ظَرْفٌ لِتَسَوَّرُوا، ويُعْتَبَرُ امْتِدادَ وقَتِهِ، وإلّا فالتَّسَوُّرُ لَيْسَ في وقْتِ الدُّخُولِ، ويَجُوزُ أنْ يُرادَ بِالدُّخُولِ إرادَتُهُ، وفِيهِ تَكَلُّفٌ، لِأنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ مَجازًا لا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَفَزِعَ مِنهُمْ﴾ فَيَحْتاجُ إلى تَفْرِيعِهِ عَلى التَّسَوُّرِ، وهو أيْضًا كَما تَرى، وجُوِّزَ تَعَلُّقُهُ بِاذْكُرْ مُقَدَّرًا، والفَزَعُ انْقِباضٌ ونِفارٌ يَعْتَرِي الإنْسانَ مِنَ الشَّيْءِ المُخِيفِ.
رُوِيَ أنَّ اللَّهَ تَعالى بَعَثَ إلَيْهِ مَلَكَيْنِ في صُورَةِ إنْسانَيْنِ قِيلَ: هُما جِبْرِيلُ ومِيكائِيلُ عَلَيْهِما السَّلامُ، فَطَلَبا أنْ يَدْخُلا عَلَيْهِ فَوَجَداهُ في يَوْمِ عِبادَتِهِ، فَمَنَعَهُما الحَرَسُ فَتَسَوَّرا عَلَيْهِ المِحْرابَ فَلَمْ يَشْعُرْ إلّا وهُما بَيْنَ يَدَيْهِ جالِسانِ.
وكانَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - كَما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ جَزَّأ زَمانَهُ أرْبَعَةَ أجْزاءٍ، يَوْمًا لِلْعِبادَةِ، ويَوْمًا لِلْقَضاءِ، ويَوْمًا لِلِاشْتِغالِ بِخاصَّةِ نَفْسِهِ، ويَوْمًا لِجَمِيعِ بَنِي إسْرائِيلَ، فَيَعِظُهم ويُبْكِيهِمْ، وسَبَبُ الفَزَعِ قِيلَ: إنَّهم نَزَلُوا مِن فَوْقِ الحائِطِ، وفي يَوْمِ الِاحْتِجابِ والحَرَسُ حَوْلَهُ، لا يَتْرُكُونَ مَن يُرِيدُ الدُّخُولَ عَلَيْهِ، فَخافَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - أنْ يُؤْذُوهُ لا سِيَّما عَلى ما حُكِيَ أنَّهُ كانَ لَيْلًا، وقِيلَ: إنَّ الفَزَعَ مِن أجْلِ أنَّهُ ظَنَّ أنَّ أهْلَ مَمْلَكَتِهِ قَدِ اسْتَهانُوهُ (p-179)حَتّى تَرَكَ بَعْضُهُمُ الِاسْتِئْذانَ، فَيَكُونُ في الحَقِيقَةِ فَزَعًا مِن فَسادِ السِّيرَةِ لا مِنَ الدّاخِلِينَ، وقالَ أبُو الأحْوَصِ: فَزِعَ مِنهم لِأنَّهُما دَخَلا عَلَيْهِ، وكُلٌّ مِنهُما آخِذٌ بِرَأْسِ صاحِبِهِ، وقِيلَ: فَزِعَ مِنهم لَمّا رَأى مِن تَسَوُّرِهِمْ مَوْضِعًا مُرْتَفِعًا جِدًّا، لا يُمْكِنُ أنْ يُرْتَقى إلَيْهِ بَعْدَ أشْهُرٍ مَعَ أعْوانٍ وكَثْرَةِ عَدَدٍ، والظّاهِرُ أنَّ فَزَعَهُ لَيْسَ إلّا لِتَوَقُّعِ الأذى لِمُخالَفَةِ المُعْتادِ، فَلَمّا رَأوْهُ وقَدْ فَزِعَ ﴿قالُوا لا تَخَفْ﴾ وهو اسْتِئْنافٌ وقَعَ جَوابًا عَنْ سُؤالٍ نَشَأ مِن حِكايَةِ فَزَعِهِ - عَلَيْهِ السَّلامُ - كَأنَّهُ قِيلَ: فَماذا قالُوا عِنْدَ مُشاهَدَتِهِمْ فَزَعَهُ؟ فَقِيلَ: قالُوا لَهُ إزالَةً لِفَزَعِهِ: لا تَخَفْ، ﴿خَصْمانِ﴾ خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ أيْ نَحْنُ خَصْمانِ، والمُرادُ هُنا فَوْجانِ لا شَخْصانِ مُتَخاصِمانِ، وقَدْ تَقَدَّمَ أنَّ الخَصْمَ يَشْمَلُ الكَثِيرَ فَيُطابِقُ ما مَرَّ مِن جَمِيعِ الضَّمائِرِ، ويُؤَيِّدُهُ عَلى ما قِيلَ قَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ﴾ فَإنَّ نَحْوَ هَذا أكْثَرُ اسْتِعْمالًا في قَوْلِ الجَماعَةِ، وقِراءَةُ بَعْضِهِمْ (بَغى بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ) أظْهَرُ في التَّأْيِيدِ، ولا يَمْنَعُ ذَلِكَ كَوْنُ التَّحاكُمِ إنَّما وقَعَ بَيْنَ اثْنَيْنِ لِجَوازِ أنْ يَصْحَبَ كُلًّا مِنهُما مَن يُعاضِدُهُ، والعُرْفُ يُطْلَقُ الخَصْمُ عَلى المُخاصِمِ ومُعاضِدِهِ، وإنْ لَمْ يُخاصِمْ بِالفِعْلِ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ المُرادُ اثْنَيْنِ، والضَّمائِرُ المَجْمُوعَةُ مُرادٌ بِها التَّثْنِيَةُ، فَيَتَوافَقانِ، وأُيِّدَ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿إنَّ هَذا أخِي﴾ وقِيلَ: يَجُوزُ أنْ يُقَدَّرَ خَصْمانِ مُبْتَدَأً خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، أيْ فِينا خَصْمانِ، وهو كَما تَرى، والظّاهِرُ أنَّ جُمْلَةَ ﴿بَغى﴾ إلَخْ، في مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِخَصْمانِ، وأنَّ جُمْلَةَ: نَحْنُ خَصْمانِ إلَخِ، اسْتِئْنافٌ في مَوْضِعِ التَّعْلِيلِ لِلنَّهْيِ، فَهي مَوْصُولَةٌ بِلا تَخَفٍّ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونُوا قَدْ قالُوا: لا تَخَفْ وسَكَتُوا حَتّى سُئِلُوا ما أمْرُكُمْ؟ فَقالُوا: خَصْمانِ بَغى إلَخْ، أيْ جارَ بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ، واسْتَشْكَلَ قَوْلُهم هَذا عَلى القَوْلِ بِأنَّهم كانُوا مَلائِكَةً بِأنَّهُ إخْبارٌ عَنْ أنْفُسِهِمْ بِما لَمْ يَقَعْ مِنهُمْ، وهو كَذِبٌ، والمَلائِكَةُ مُنَزَّهُونَ عَنْهُ. وأُجِيبَ بِأنَّهُ إنَّما يَكُونُ كَذِبًا لَوْ كانُوا قَصَدُوا بِهِ الإخْبارَ حَقِيقَةً، أمّا لَوْ كانَ فَرْضًا لِأمْرٍ صَوَّرُوهُ في أنْفُسِهِمْ لَما أتَوْا عَلى صُورَةِ البَشَرِ كَما يَذْكُرُ العالِمُ إذا صَوَّرَ مَسْألَةً لِأحَدٍ، أوْ كانَ كِنايَةً وتَعْرِيضًا بِما وقَعَ مِن داوُدَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - فَلا، وقَرَأ أبُو يَزِيدَ الجَرّارُ عَنِ الكِسائِيِّ: ”خِصْمانِ“ بِكَسْرِ الخاءِ.
﴿فاحْكم بَيْنَنا بِالحَقِّ ولا تُشْطِطْ﴾ أيْ ولا تَتَجاوَزْهُ، وقَرَأ أبُو رَجاءٍ، وابْنُ أبِي عَبْلَةَ، وقَتادَةُ، والحَسَنُ، وأبُو حَيْوَةَ: ”ولا تَشْطِطْ“ مِن شَطَّ ثُلاثِيًّا، أيْ ولا تُبْعِدْ عَنِ الحَقِّ، وقَرَأ قَتادَةُ أيْضًا ”تُشِطَّ“ مُدْغَمًا مِن أشَطَّ رُباعِيًّا، وقَرَأ زِرٌّ ”تُشاطِطْ“ بِضَمِّ التّاءِ وبِألِفٍ عَلى وزْنِ تُفاعِلَ مَفْكُوكًا، وعَنْهُ أيْضًا ”تَشْطُطْ“ مِن شَطَطَ، والمُرادُ في الجَمِيعِ لا تَجُرْ في الحُكُومَةِ، وأرادُوا بِهَذا الأمْرِ والنَّهْيِ إظْهارَ الحِرْصِ عَلى ظُهُورِ الحَقِّ والرِّضا بِهِ مِن غَيْرِ ارْتِيابٍ بِأنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - يَحْكُمُ بِالحَقِّ، ولا يَجُورُ في الحُكْمِ، وأحَدُ الخَصْمَيْنِ قَدْ يَقُولُ نَحْوَ ذَلِكَ لِلْإيماءِ إلى أنَّهُ المُحِقُّ، وقَدْ يَقُولُهُ اتِّهامًا لِلْحاكِمِ، وفِيهِ حِينَئِذٍ مِنَ الفَظاظَةِ ما فِيهِ، وعَلى ما ذَكَرْنا أوَّلًا فِيهِ بَعْضُ فَظاظَةٍ، وفي تَحَمُّلِ داوُدَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - لِذَلِكَ مِنهم دِلالَةٌ عَلى أنَّهُ يَلِيقُ بِالحاكِمِ تَحَمُّلُ نَحْوِ ذَلِكَ مِنَ المُتَخاصِمِينَ لا سِيَّما إذا كانَ مِمَّنْ مَعَهُ الحَقُّ، فَحالُ المَرْءِ وقْتَ التَّخاصُمِ لا يَخْفى.
والعَجَبُ مِن حاكِمٍ أوْ مُحَكَّمٍ، أوْ مَن لِلْخُصُومِ نَوْعُ رُجُوعٍ إلَيْهِ كالمُفْتِي، كَيْفَ لا يَقْتَدِي بِهَذا النَّبِيِّ الأوّابِ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - في ذَلِكَ بَلْ يَغْضَبُ كُلَّ الغَضَبِ لِأدْنى كَلِمَةٍ تَصْدُرُ، ولَوْ فَلْتَةً مِن أحَدِ الخَصْمَيْنِ، يُتَوَهَّمُ مِنها الحَطُّ لِقَدْرِهِ، ولَوْ فَكَّرَ في نَفْسِهِ لَعَلِمَ أنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إلى هَذا النَّبِيِّ الأوّابِ لا يَعْدِلُ واللَّهِ العَظِيمِ مَتْكَ ذُبابٍ، اللَّهُمَّ وفِّقْنا لِأحْسَنِ الأخْلاقِ واعْصِمْنا مِنَ الأغْلاطِ، ﴿واهْدِنا إلى سَواءِ الصِّراطِ﴾ أيْ وسَطِ طَرِيقِ الحَقِّ بِزَجْرِ الباغِي عَمّا سَلَكَهُ مِن طَرِيقِ الجَوْرِ وإرْشادِهِ إلى مِنهاجِ العَدْلِ
{"ayah":"إِذۡ دَخَلُوا۟ عَلَىٰ دَاوُۥدَ فَفَزِعَ مِنۡهُمۡۖ قَالُوا۟ لَا تَخَفۡۖ خَصۡمَانِ بَغَىٰ بَعۡضُنَا عَلَىٰ بَعۡضࣲ فَٱحۡكُم بَیۡنَنَا بِٱلۡحَقِّ وَلَا تُشۡطِطۡ وَٱهۡدِنَاۤ إِلَىٰ سَوَاۤءِ ٱلصِّرَ ٰطِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق