الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وهَلْ أتاكَ نَبَأُ الخَصْمِ﴾ الآياتِ.
أخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ في ”المُصَنَّفِ“، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، أنَّ داوُدَ حَدَّثَ نَفْسَهُ إنِ ابْتُلِيَ أنْ يَعْتَصِمَ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّكَ سَتُبْتَلى وسَتَعْلَمُ اليَوْمَ الَّذِي تُبْتَلى فِيهِ، فَخُذْ حِذْرَكَ. فَقِيلَ لَهُ: هَذا اليَوْمُ الَّذِي تُبْتَلى فِيهِ فَأخَذَ الزَّبُورَ ودَخَلَ المِحْرابَ وأغْلَقَ بابَ المِحْرابِ وأخَذَ الزَّبُورَ في حِجْرِهِ وأقْعَدَ مِنصَفًا عَلى البابِ، وقالَ: لا تَأْذَنْ لِأحَدٍ عَلَيَّ اليَوْمَ، فَبَيْنَما هو يَقْرَأُ الزَّبُورَ إذْ جاءَ طائِرٌ مُذَهَّبٌ كَأحْسَنِ ما يَكُونُ الطَّيْرُ، فِيهِ مِن كُلِّ لَوْنٍ فَجَعَلَ يَدْرُجُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَدَنا مِنهُ فَأمْكَنَ أنْ يَأْخُذَهُ فَتَناوَلَهُ بِيَدِهِ لِيَأْخُذَهُ، فاسْتَوْفَزَهُ مِن خَلْفِهِ فَأطْبَقَ الزَّبُورَ وقامَ إلَيْهِ لِيَأْخُذَهُ، فَطارَ فَوَقَعَ عَلى كَوَّةِ المِحْرابِ، فَدَنا (p-٥٢٥)مِنهُ لِيَأْخُذَهُ فَأقَضَّ فَوَقَعَ عَلى حِصْنٍ فَأشْرَفَ عَلَيْهِ لِيَنْظُرَ أيْنَ وقَعَ، فَإذا هو بِامْرَأةٍ عِنْدَ بِرْكَتِها تَغْتَسِلُ مِنَ الحَيْضِ، فَلَمّا رَأتْ ظِلَّهُ حَرَّكَتْ رَأْسَها، فَغَطَّتْ جَسَدَها أجْمَعَ بِشَعْرِها، وكانَ زَوْجُها غازِيًا في سَبِيلِ اللَّهِ، فَكَتَبَ داوُدُ إلى رَأْسِ الغُزاةِ، انْظُرْ أُورِيّا فاجْعَلْهُ في حَمَلَةِ التّابُوتِ. وكانَ حَمَلَةُ التّابُوتِ إمّا أنْ يُفْتَحَ عَلَيْهِمْ، وإمّا أنْ يُقْتَلُوا، فَقَدَّمَهُ في حَمَلَةِ التّابُوتِ فَقُتِلَ.
فَلَمّا انْقَضَتْ عِدَّتُها خَطَبَها داوُدُ، فاشْتَرَطَتْ عَلَيْهِ إنْ ولَدَتْ غُلامًا أنْ يَكُونَ الخَلِيفَةَ مِن بَعْدِهِ، وأشْهَدَتْ عَلَيْهِ خَمْسِينَ مِن بَنِي إسْرائِيلَ، وكَتَبَتْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ كِتابًا فَما شَعَرَ بِفِتْنَتِهِ أنَّهُ فُتِنَ حَتّى ولَدَتْ سُلَيْمانَ، وشَبَّ فَتَسَوَّرَ عَلَيْهِ المَلِكانِ المِحْرابَ، فَكانَ شَأْنُهُما ما قَصَّ اللَّهُ في كِتابِهِ وخَرَّ داوُدُ ساجِدًا، فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ وتابَ عَلَيْهِ.
وأخْرَجَ الحاكِمُ وصَحَّحَهُ والبَيْهَقِيُّ في ”شُعَبِ الإيمانِ“ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ (p-٥٢٦)قالَ: ما أصابَ داوُدُ ما أصابَهُ بَعْدَ القَدَرِ إلّا مِن عُجْبٍ عَجِبَ بِنَفْسِهِ، وذَلِكَ أنَّهُ قالَ: يا رَبِّ، ما مِن ساعَةٍ مِن لَيْلٍ ولا نَهارٍ إلّا وعابِدٌ مِن آلِ داوُدَ يَعْبُدُكَ يُصَلِّي لَكَ أوْ يُسَبِّحُ أوْ يُكَبِّرُ، وذَكَرَ أشْياءَ فَكَرِهَ اللَّهُ ذَلِكَ فَقالَ: يا داوُدُ إنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ إلّا بِي فَلَوْلا عَوْنِي ما قَوِيتَ عَلَيْهِ، وجَلالِي لَأكِلَنَّكَ إلى نَفْسِكَ يَوْمًا، قالَ: يا رَبِّ فَأخْبِرْنِي بِهِ، فَأصابَتْهُ الفِتْنَةُ ذَلِكَ اليَوْمَ.
وأخْرَجَ الحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ في ”نَوادِرِ الأُصُولِ“، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ أنَسٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «إنَّ داوُدَ حِينَ نَظَرَ إلى المَرْأةِ قَطَعَ عَلى بَنِي إسْرائِيلَ بَعْثًا وأوْصى صاحِبَ الجَيْشِ فَقالَ: إذا حَضَرَ العَدُوُّ فَقَرِّبْ فُلانًا بَيْنَ يَدَيِ التّابُوتِ، وكانَ التّابُوتُ في ذَلِكَ الزَّمانِ يُسْتَنْصَرُ بِهِ، مَن قُدِّمَ بَيْنَ يَدَيِ التّابُوتِ لَمْ يَرْجِعْ حَتّى يُقْتَلَ أوْ يَنْهَزِمَ مِنهُ الجَيْشُ، فَقُتِلَ وتَزَوَّجَ المَرْأةَ، ونَزَلَ المَلَكانِ عَلى داوُدَ يَقُصّانِ عَلَيْهِ قِصَّتَهُ فَفَطِنَ داوُدُ فَسَجَدَ فَمَكَثَ أرْبَعِينَ لَيْلَةً ساجِدًا حَتّى نَبَتَ الزَّرْعُ مِن دُمُوعِهِ عَلى رَأْسِهِ، وأكَلَتِ الأرْضُ جَبِينَهُ وهو يَقُولُ في سُجُودِهِ: رَبِّ زَلَّ داوُدُ زَلَّةً (p-٥٢٧)أبْعَدَ مِمّا بَيْنَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ، رَبِّ إنْ لَمْ تَرْحَمْ ضَعْفَ داوُدَ وتَغْفِرْ ذُنُوبَهُ جَعَلْتَ ذَنْبَهُ حَدِيثًا في الخُلُوفِ مِن بَعْدِهِ، فَجاءَ جِبْرِيلُ مِن بَعْدِ أرْبَعِينَ لَيْلَةً فَقالَ: يا داوُدُ إنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ، وقَدْ عَرَفْتَ أنَّ اللَّهَ عَدْلٌ لا يَمِيلُ. قالَ داوُدُ: فَكَيْفَ بِفُلانٍ إذا جاءَ يَوْمَ القِيامَةِ فَقالَ: يا رَبِّ دَمِي الَّذِي عِنْدَ داوُدَ؟ قالَ جِبْرِيلُ: ما سَألْتُ رَبَّكَ عَنْ ذَلِكَ، فَإنْ شِئْتَ لَأفْعَلَنَّ. فَقالَ: نَعَمْ، فَفَرِحَ جِبْرِيلُ: وسَجَدَ داوُدُ فَمَكَثَ ما شاءَ اللَّهُ ثُمَّ نَزَلَ فَقالَ: قَدْ سَألْتُ اللَّهَ يا داوُدُ عَنِ الَّذِي أرْسَلْتَنِي فِيهِ، فَقالَ: قُلْ لِداوُدَ إنَّ اللَّهَ يَجْمَعُكُما يَوْمَ القِيامَةِ فَيَقُولُ: هَبْ لِي دَمَكَ الَّذِي عِنْدَ داوُدَ فَيَقُولُ: هو لَكَ يا رَبِّ. فَيَقُولُ: فَإنَّ لَكَ في الجَنَّةِ ما شِئْتَ وما اشْتَهَيْتَ عِوَضًا» .
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وهَنّادٌ، وابْنُ المُنْذِرِ عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: لَمّا أصابَ داوُدُ الخَطِيئَةَ، وإنَّما كانَتْ خَطِيئَتُهُ أنَّهُ لَمّا أبْصَرَها أمَرَ بِها فَعَزَلَها فَلَمْ يَقْرَبْها، فَأتاهُ الخَصْمانِ فَتَسَوَّرا في المِحْرابِ، فَلَمّا أبْصَرَهُما قامَ إلَيْهِما فَقالَ: اخْرُجا عَنِّي، ما جاءَ بِكُما إلَيَّ؟ فَقالا: إنَّما نُكَلِّمُكَ بِكَلامٍ يَسِيرٍ، إنَّ هَذا أخِي لَهُ تِسْعٌ وتِسْعُونَ نَعْجَةً، وأنا لِي نَعْجَةٌ واحِدَةٌ، وهو يُرِيدُ أنْ يَأْخُذَها مِنِّي. فَقالَ داوُدُ: واللَّهِ أنا أُحِقُّ أنْ يُنْشَرَ مِنهُ مِن لَدُنْ هَذِهِ إلى هَذِهِ، يَعْنِي مِن أنْفِهِ إلى صَدْرِهِ، فَقالَ (p-٥٢٨)رَجُلٌ: هَذا داوُدُ فَعَلَهُ فَعَرَفَ داوُدُ أنَّما عُنِيَ بِذَلِكَ، وعَرَفَ ذَنْبَهُ فَخَرَّ ساجِدًا أرْبَعِينَ لَيْلَةً وكانَتْ خَطِيئَتُهُ مَكْتُوبَةً في يَدِهِ يَنْظُرُ إلَيْها لِكَيْ لا يَغْفَلَ حَتّى نَبَتَ البَقْلُ حَوْلَهُ مِن دُمُوعِهِ ما غَطّى رَأْسَهُ فَنُودِيَ: أجائِعٌ فَتُطْعَمَ؟ أمْ عُرْيانٌ فَتُكْسى؟ أمْ مَظْلُومٌ فَتُنْصَرَ؟ قالَ: فَنَحَبَ نَحْبَةً هاجَ ما يَلِيهِ مِنَ البَقْلِ حِينَ لَمْ يَذْكُرْ ذَنْبَهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ غُفِرَ لَهُ، فَإذا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ قالَ لَهُ رَبُّهُ: كُنْ أمامِي فَيَقُولُ: أيْ رَبِّ ذَنْبِي ذَنْبِي، فَيَقُولُ اللَّهُ: كُنْ مِن خَلْفِي. فَيَقُولُ: أيْ رَبِّ ذَنْبِي ذَنْبِي. فَيَقُولُ لَهُ: خُذْ بِقَدَمِي. فَيَأْخُذُ بِقَدَمِهِ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿وهَلْ أتاكَ نَبَأُ الخَصْمِ إذْ تَسَوَّرُوا المِحْرابَ﴾ قالَ: إنَّ داوُدَ قالَ: يا رَبِّ قَدْ أعْطَيْتَ إبْراهِيمَ وإسْحاقَ ويَعْقُوبَ مِنَ الذِّكْرِ ما لَوَدِدْتُ أنَّكَ أعْطَيْتَنِي مِثْلَهُ، قالَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: إنِّي ابْتَلَيْتُهم بِما لَمْ أبْتَلِكَ بِهِ فَإنْ شِئْتَ ابْتَلَيْتُكَ بِمِثْلِ ما ابْتَلَيْتُهم بِهِ وأعْطَيْتُكَ كَما أعْطَيْتُهم. قالَ: نَعَمْ، قالَ لَهُ: فاعْمَلْ حَتّى أرى بَلاءَكَ، فَكانَ ما شاءَ اللَّهُ أنْ يَكُونَ وطالَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَكادَ أنْ يَنْساهُ، فَبَيْنَما هو في مِحْرابِهِ إذْ وقَعَتْ عَلَيْهِ حَمامَةٌ، فَأرادَ أنْ يَأْخُذَها فَطارَتْ عَلى كَوَّةِ المِحْرابِ، فَذَهَبَ لِيَأْخُذَها، فَطارَتْ، فاطَّلَعَ مِنَ الكَوَّةِ، فَرَأى امْرَأةً تَغْتَسِلُ، فَنَزَلَ مِنَ المِحْرابِ فَأرْسَلَ إلَيْها (p-٥٢٩)فَجاءَتْهُ فَسَألَها عَنْ زَوْجِها وعَنْ شَأْنِها فَأخْبَرَتْهُ أنَّ زَوْجَها غائِبٌ، فَكَتَبَ إلى أمِيرِ تِلْكَ السَّرِيَّةِ أنْ يُؤَمِّرَهُ عَلى السَّرايا لِيَهْلِكَ زَوْجُها فَفَعَلَ، فَكانَ يُصابُ أصْحابُهُ ويَنْجُو، ورُبَّما نُصِرُوا، وإنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ لَمّا رَأى الَّذِي وقَعَ فِيهِ داوُدُ أرادَ أنْ يَسْتَنْقِذَهُ فَبَيْنَما داوُدُ ذاتَ يَوْمٍ في مِحْرابِهِ إذْ تَسَوَّرَ عَلَيْهِ الخَصْمانِ مِن قِبَلِ وجْهِهِ، فَلَمّا رَآهُما وهو يَقْرَأُ فَزِعَ وسَكَتَ، وقالَ: لَقَدِ اسْتُضْعِفْتُ في مُلْكِي حَتّى إنَّ النّاسَ يَتَسَوَّرُونَ عَلَيَّ مِحْرابِي فَقالا لَهُ: ﴿لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ﴾ ولَمْ يَكُنْ لَنا بُدٌّ مِن أنْ نَأْتِيَكَ فاسْمَعْ مِنّا. فَقالَ أحَدُهُما: (إنَّ هَذا أخِي لَهُ تِسْعٌ وتِسْعُونَ نَعْجَةً أُنْثى ولِي نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أكْفِلْنِيها)، يُرِيدُ أنْ يُتَمِّمَ بِها مِائَةً، ويَتْرُكَنِي لَيْسَ لِي شَيْءٌ، ﴿وعَزَّنِي في الخِطابِ﴾ قالَ: إنْ دَعَوْتُ ودَعا كانَ أكْثَرَ مِنِّي، وإنْ بَطَشْتُ وبَطَشَ كانَ أشَدَّ مِنِّي، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وعَزَّنِي في الخِطابِ﴾ قالَ لَهُ داوُدُ: أنْتَ كُنْتَ أحْوَجَ إلى نَعْجَتِكَ مِنهُ، ﴿لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إلى نِعاجِهِ﴾ [ص: ٢٤] إلى قَوْلِهِ: ﴿وقَلِيلٌ ما هُمْ﴾ [ص: ٢٤] ونَسِيَ نَفْسَهُ ﷺ فَنَظَرَ المَلَكانِ أحَدُهُما إلى الآخَرِ حِينَ قالَ ذَلِكَ فَتَبَسَّمَ أحَدُهُما إلى الآخَرِ، فَرَآهُ داوُدُ، فَظَنَّ أنَّما فُتِنَ، ﴿فاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وخَرَّ راكِعًا وأنابَ﴾ [ص: ٢٤] أرْبَعِينَ لَيْلَةً حَتّى نَبَتَتِ الخُضْرَةُ مِن دُمُوعِ عَيْنَيْهِ ثُمَّ شَدَّدَ اللَّهُ مُلْكَهُ.
(p-٥٣٠)وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنِ الحَسَنِ أنَّ داوُدَ جَزَّأ الدَّهْرَ أرْبَعَةَ أجْزاءٍ، يَوْمًا لِنِسائِهِ، ويَوْمًا لِلْعِبادَةِ، ويَوْمًا لِلْقَضاءِ بَيْنَ بَنِي إسْرائِيلَ، ويَوْمًا لِبَنِي إسْرائِيلَ، يُذاكِرُهم ويُذاكِرُونَهُ ويُبْكِيهِمْ ويُبْكُونَهُ، فَلَمّا كانَ يَوْمُ بَنِي إسْرائِيلَ ذَكَرُوا فَقالُوا: هَلْ يَأْتِي عَلى الإنْسانِ يَوْمٌ لا يُصِيبُ فِيهِ ذَنْبًا؟ فَأضْمَرَ داوُدُ في نَفْسِهِ أنَّهُ سَيُطِيقُ ذَلِكَ، فَلَمّا كانَ يَوْمُ عِبادَتِهِ غَلَّقَ أبْوابَهُ وأمَرَ أنْ لا يَدْخُلَ عَلَيْهِ أحَدٌ، وأكَبَّ عَلى التَّوْراةِ، فَبَيْنَما هو يَقْرَأُها إذا حَمامَةٌ مِن ذَهَبٍ فِيها مِن كُلِّ لَوْنٍ حَسَنٍ قَدْ وقَعَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأهْوى إلَيْها لِيَأْخُذَها فَطارَتْ فَوَقَعَتْ غَيْرَ بَعِيدٍ مِن غَيْرِ أنْ تُؤْيِسَهُ مِن نَفْسِها، فَما زالَ يَتْبَعُها حَتّى أشْرَفَ عَلى امْرَأةٍ تَغْتَسِلُ، فَأعْجَبَهُ حُسْنُها وخَلْقُها، فَلَمّا رَأتْ ظِلَّهُ في الأرْضِ جَلَّلَتْ نَفْسَها بِشَعْرِها، فَزادَهُ ذَلِكَ أيْضًا بِها إعْجابًا، وكانَ قَدْ بَعَثَ زَوْجَها عَلى بَعْضِ جُيُوشِهِ فَكَتَبَ إلَيْهِ أنْ يَسِيرَ إلى مَكانِ كَذا وكَذا، مَكانٍ إذا سارَ إلَيْهِ قُتِلَ ولَمْ يَرْجِعْ فَفَعَلَ، فَأُصِيبَ، فَخَطَبَها داوُدُ فَتَزَوَّجَها، فَبَيْنَما هو في المِحْرابِ إذْ تَسَوَّرَ المَلَكانِ عَلَيْهِ، وكانَ الخَصْمانِ إنَّما يَأْتُونَهُ مِن بابِ المِحْرابِ، فَفَزِعَ مِنهم حِينَ تَسَوَّرُوا المِحْرابَ، فَقالُوا: ﴿لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فاحْكم بَيْنَنا بِالحَقِّ ولا تُشْطِطْ﴾ أيْ: لا تُمِلْ، ﴿واهْدِنا إلى سَواءِ الصِّراطِ﴾ أيْ أعْدَلِهِ وخَيْرِهِ، ﴿إنَّ هَذا أخِي لَهُ تِسْعٌ وتِسْعُونَ نَعْجَةً ولِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ﴾ يَعْنِي تِسْعًا وتِسْعِينَ امْرَأةً لِداوُدَ ولِلرَّجُلِ امْرَأةٌ واحِدَةٌ فَقالَ: ﴿أكْفِلْنِيها وعَزَّنِي في الخِطابِ﴾ أيْ: قَهَرَنِي وظَلَمَنِي، ﴿قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إلى نِعاجِهِ وإنَّ كَثِيرًا مِنَ الخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ إلا الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ وقَلِيلٌ ما هم وظَنَّ داوُدُ﴾ [ص: ٢٤]: عَلِمَ داوُدُ ﴿أنَّما فَتَنّاهُ﴾ [ص: ٢٤]: أنَّما عُنِيَ بِذَلِكَ ﴿فاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وخَرَّ راكِعًا وأنابَ﴾ [ص: ٢٤] قالَ: سَجَدَ أرْبَعِينَ لَيْلَةً حَتّى أوْحى اللَّهُ إلَيْهِ: إنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَكَ، قالَ: رَبِّ كَيْفَ تَغْفِرُ لِي وأنْتَ حَكَمٌ عَدْلٌ لا تَظْلِمُ أحَدًا؟ قالَ: إنِّي أقْضِيكَ لَهُ، ثُمَّ أسْتَوْهِبُهُ دَمَكَ ثُمَّ أُثِيبُهُ مِنَ الجَنَّةِ حَتّى يَرْضى. قالَ: الآنَ طابَتْ نَفْسِي وعَلِمْتُ أنْ قَدْ غَفَرْتَ لِي، قالَ اللَّهُ: ﴿فَغَفَرْنا لَهُ ذَلِكَ وإنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وحُسْنَ مَآبٍ﴾ [ص: ٢٥] .
وأخْرَجَ أحْمَدُ في ”الزُّهْدِ“ عَنْ أبِي عِمْرانَ الجَوْنِيِّ في قَوْلِهِ: ﴿وهَلْ أتاكَ نَبَأُ الخَصْمِ﴾ قالَ: قالَ لَهُما: اجْلِسا مَجْلِسَ الخَصْمِ، فَجَلَسا، فَقالَ لَهُما: قُصّا فَقالَ أحَدُهُما: ﴿أخِي لَهُ تِسْعٌ وتِسْعُونَ نَعْجَةً ولِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أكْفِلْنِيها وعَزَّنِي في الخِطابِ﴾، فَعَجِبَ داوُدُ وقالَ: ﴿لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إلى نِعاجِهِ﴾ [ص: ٢٤] فَأغْلَظَ لَهُ أحَدُهُما وارْتَفَعا، فَعَرَفَ داوُدُ أنَّما وُبِّخَ بِذَنْبِهِ، فَسَجَدَ مَكانَهُ أرْبَعِينَ يَوْمًا ولَيْلَةً لا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إلّا إلى صَلاةِ الفَرِيضَةِ، حَتّى يَبِسَتْ وقَرِحَتْ جَبْهَتُهُ، وقَرِحَتْ كَفّاهُ ورُكْبَتاهُ، فَأتاهُ مَلَكٌ فَقالَ: يا داوُدُ، إنِّي رَسُولُ رَبِّكَ إلَيْكَ، وإنَّهُ يَقُولُ لَكَ: ارْفَعْ رَأْسَكَ فَقَدْ غَفَرْتُ (p-٥٣٢)لَكَ فَقالَ: كَيْفَ يا رَبِّ وأنْتَ حَكَمٌ عَدْلٌ وأنْتَ دَيّانُ الدَّيْنِ لا يَجُوزُ عَنْكَ ظُلْمٌ؟ كَيْفَ تَغْفِرُ لِي ظُلامَةَ الرَّجُلِ؟ فَتُرِكَ ما شاءَ اللَّهُ ثُمَّ أتاهُ مَلَكٌ آخَرُ فَقالَ: يا داوُدُ، إنِّي رَسُولُ رَبِّكَ إلَيْكَ، وإنَّهُ يَقُولُ لَكَ: إنَّكَ تَأْتِينِي يَوْمَ القِيامَةِ، أنْتَ وابْنُ صُورِيّا تَخْتَصِمانِ إلَيَّ، فَأقْضِي لَهُ عَلَيْكَ، ثُمَّ أسْألُها إيّاهُ فَيَهَبُها لِي، ثُمَّ أُعْطِيهِ مِنَ الجَنَّةِ حَتّى يَرْضى.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، والحاكِمُ عَنِ السُّدِّيِّ قالَ: كانَ داوُدُ قَدْ قَسَّمَ الدَّهْرَ ثَلاثَةَ أيّامٍ، يَوْمًا يَقْضِي فِيهِ بَيْنَ النّاسِ، ويَوْمًا يَخْلُو فِيهِ لِعِبادَةِ رَبِّهِ، ويَوْمًا يَخْلُو فِيهِ بِنِسائِهِ، وكانَ لَهُ تِسْعٌ وتِسْعُونَ امْرَأةً، وكانَ فِيما يَقْرَأُ مِنَ الكُتُبِ، أنَّهُ كانَ يَجِدُ فِيهِ فَضْلَ إبْراهِيمَ وإسْحاقَ ويَعْقُوبَ، فَلَمّا وجَدَ ذَلِكَ فِيما يَقْرَأُ مِنَ الكُتُبِ قالَ: يا رَبِّ، أرى أنَّ الخَيْرَ كُلَّهُ قَدْ ذَهَبَ بِهِ آبائِي الَّذِينَ كانُوا قَبْلِي، فَأعْطِنِي مِثْلَ ما أعْطَيْتَهم وافْعَلْ بِي مِثْلَ ما فَعَلْتَ بِهِمْ، فَأوْحى اللَّهُ إلَيْهِ: إنَّ آباءَكَ ابْتُلُوا بِبَلايا لَمْ تُبْتَلَ بِها، ابْتُلِيَ إبْراهِيمُ بِذَبْحِ ابْنِهِ، وابْتُلِيَ إسْحاقُ بِذَهابِ بَصَرِهِ، وابْتُلِيَ يَعْقُوبُ بِحُزْنِهِ عَلى يُوسُفَ. وإنَّكَ لَمْ تُبْتَلَ بِشَيْءٍ مِن ذَلِكَ، قالَ: يا رَبِّ ابْتَلِنِي بِمِثْلِ ما ابْتَلَيْتَهم بِهِ، وأعْطِنِي مِثْلَ ما أعْطَيْتَهُمْ، فَأوْحى اللَّهُ إلَيْهِ: إنَّكَ مُبْتَلًى فاحْتَرِسْ، فَمَكَثَ بَعْدَ ذَلِكَ ما شاءَ اللَّهُ أنْ يَمْكُثَ إذْ جاءَهُ الشَّيْطانُ قَدْ تَمَثَّلَ في صُورَةِ حَمامَةٍ مِن ذَهَبٍ حَتّى وقَعَ عِنْدَ رِجْلَيْهِ وهو (p-٥٣٣)قائِمٌ يُصَلِّي، فَمَدَّ يَدَهُ لِيَأْخُذَهُ فَتَنَحّى، فَتَبِعَهُ فَتَباعَدَ حَتّى وقَعَ في كَوَّةٍ، فَذَهَبَ لِيَأْخُذَهُ فَطارَ مِنَ الكَوَّةِ فَنَظَرَ أيْنَ يَقَعُ فَيَبْعَثُ في أثَرِهِ، فَأبْصَرَ امْرَأةً تَغْتَسِلُ عَلى سَطْحٍ لَها، فَرَأى امْرَأةً مِن أجْمَلِ النّاسِ خَلْقًا، فَحانَتْ مِنها التِفاتَةٌ فَأبْصَرَتْهُ فَألْقَتَ شَعْرَها فاسْتَتَرَتْ بِهِ، فَزادَهُ ذَلِكَ فِيها رَغْبَةً فَسَألَ عَنْها، فَأُخْبِرَ أنَّ لَها زَوْجًا، وأنَّ زَوْجَها غائِبٌ بِمَسْلَحَةِ كَذا وكَذا، فَبَعَثَ إلى صاحِبِ المَسْلَحَةِ يَأْمُرُهُ، أنْ يَبْعَثَ أُهْرِيّا إلى عَدُوِّ كَذا وكَذا، فَبَعَثَهُ فَفُتِحَ لَهُ، وكَتَبَ إلَيْهِ بِذَلِكَ، فَكَتَبَ إلَيْهِ أيْضًا: أنِ ابْعَثْهُ إلى عَدُوِّ كَذا وكَذا، أشَدَّ مِنهُ بَأْسًا، فَبَعَثَهُ فَفُتِحَ لَهُ أيْضًا، فَكَتَبَ إلى داوُدَ بِذَلِكَ فَكَتَبَ إلَيْهِ أنِ ابْعَثْهُ إلى عَدُوِّ كَذا وكَذا. أشَدَّ مِنهُ بَأْسًا، فَبَعَثَهُ فَقُتِلَ في المَرَّةِ الثّالِثَةِ، وتَزَوَّجَ امْرَأتَهُ، فَلَمّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ لَمْ تَلْبَثْ عِنْدَهُ إلّا يَسِيرًا حَتّى بَعَثَ اللَّهُ مَلَكَيْنِ في صُورَةِ إنْسِيَّيْنِ، فَطَلَبا أنْ يَدْخُلا عَلَيْهِ، فَوَجَداهُ في يَوْمِ عِبادَتِهِ، فَمَنَعَهُما الحَرَسُ أنْ يَدْخُلا عَلَيْهِ، فَتَسَوَّرا عَلَيْهِ المِحْرابَ فَما شَعَرَ وهو يُصَلِّي إذْ هُما بَيْنَ يَدَيْهِ جالِسَيْنِ، فَفَزِعَ (p-٥٣٤)مِنهُما فَقالا: ﴿لا تَخَفْ﴾ إنَّما نَحْنُ ﴿خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فاحْكم بَيْنَنا بِالحَقِّ ولا تُشْطِطْ﴾ يَقُولُ: لا تَحِفْ ﴿واهْدِنا إلى سَواءِ الصِّراطِ﴾ إلى عَدْلِ القَضاءِ. فَقالَ: قُصّا عَلَيَّ قِصَّتَكُما. فَقالَ أحَدُهُما: ﴿إنَّ هَذا أخِي لَهُ تِسْعٌ وتِسْعُونَ نَعْجَةً ولِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ﴾ فَهو يُرِيدُ أنْ يَأْخُذَ نَعْجَتِي فَيُكْمِلَ بِها نِعاجَهُ مِائَةً، فَقالَ لِلْآخَرِ: ما تَقُولُ؟ فَقالَ: إنَّ لِي تِسْعًا وتِسْعِينَ نَعْجَةً ولِأخِي هَذا نَعْجَةٌ واحِدَةٌ، فَأنا أُرِيدُ أنْ آخُذَها مِنهُ فَأُكْمِلَ بِها نِعاجِي مِائَةً. قالَ وهو كارِهٌ؟ قالَ: وهو كارِهٌ. قالَ: إذَنْ لا نَدَعُكَ وذاكَ. قالَ: ما أنْتَ عَلى ذَلِكَ بِقادِرٍ. قالَ: فَإنْ ذَهَبْتَ تَرُومُ ذَلِكَ ضَرَبْنا مِنكَ هَذا وهَذا وهَذا، يَعْنِي: طَرَفَ الأنْفِ وأصْلَ الأنْفِ والجَبْهَةَ، قالَ: يا داوُدُ أنْتَ أحَقُّ أنْ يُضْرَبَ مِنكَ هَذا وهَذا، حَيْثُ لَكَ تِسْعٌ وتِسْعُونَ امْرَأةً، ولَمْ يَكُنْ لَأُهْرِيّا إلّا امْرَأةٌ واحِدَةٌ، فَلَمْ تَزَلْ تُعَرِّضُهُ لِلْقَتْلِ حَتّى قَتَلْتَهُ، وتَزَوَّجْتَ امْرَأتَهُ. فَنَظَرَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، فَعَرَفَ ما قَدْ وقَعَ فِيهِ، وما قَدِ ابْتُلِيَ بِهِ فَخَرَّ ساجِدًا، فَبَكى فَمَكَثَ يَبْكِي ساجِدًا أرْبَعِينَ يَوْمًا، لا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إلّا لِحاجَةٍ، ثُمَّ يَقَعُ ساجِدًا يَبْكِي، ثُمَّ يَدْعُو حَتّى نَبَتَ العُشْبُ مِن دُمُوعِ عَيْنَيْهِ، فَأوْحى اللَّهُ إلَيْهِ بَعْدَ أرْبَعِينَ يَوْمًا: يا داوُدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ. قالَ: يا رَبِّ كَيْفَ أعْلَمُ أنَّكَ قَدْ غَفَرْتَ لِي وأنْتَ (p-٥٣٥)حَكَمٌ عَدْلٌ لا تَحِيفُ في القَضاءِ؟ إذا جاءَ أُهْرِيّا يَوْمَ القِيامَةِ آخِذًا رَأْسَهُ بِيَمِينِهِ أوْ بِشَمالِهِ، تَشْخُبُ أوْداجُهُ دَمًا في قِبَلِ عَرْشِكَ يَقُولُ: يا رَبِّ سَلْ هَذا فِيمَ قَتَلَنِي؟ فَأوْحى اللَّهُ إلَيْهِ: إذا كانَ ذَلِكَ دَعَوْتُ أُهْرِيّا فَأسْتَوْهِبُكَ مِنهُ، فَيَهَبُكَ لِي، فَأُثِيبُهُ بِذَلِكَ الجَنَّةَ قالَ: رَبِّ الآنَ عَلِمْتُ أنَّكَ غَفَرْتَ لِي. فَما اسْتَطاعَ أنْ يَمْلَأ عَيْنَيْهِ مِنَ السَّماءِ حَياءً مِن رَبِّهِ حَتّى قُبِضَ ﷺ .
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ، نَحْوَهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿إذْ تَسَوَّرُوا المِحْرابَ﴾ قالَ: المَسْجِدَ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ عَنْ أبِي الأحْوَصِ قالَ: دَخَلَ الخَصْمانِ عَلى داوُدَ وكُلُّ واحِدٍ مِنهُما آخِذٌ بِرَأْسِ صاحِبِهِ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ في قَوْلِهِ: ﴿فَفَزِعَ مِنهُمْ﴾ قالَ: كانَ الخُصُومُ يَدْخُلُونَ مِنَ البابِ فَفَزِعَ مِن تَسَوُّرِهِما.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتادَةَ: ﴿ولا تُشْطِطْ﴾ أيْ: لا تَمِلْ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ في قَوْلِهِ: ﴿إنَّ هَذا أخِي﴾ قالَ: عَلى دِينِي.
(p-٥٣٦)وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، والفِرْيابِيُّ وأحْمَدُ في ”الزُّهْدِ“، وابْنُ جَرِيرٍ والطَّبَرانِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قالَ: ما زادَ داوُدُ عَلى أنْ قالَ: أكْفِلْنِيها.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿فَقالَ أكْفِلْنِيها﴾ قالَ: ما زادَ داوُدُ عَلى أنْ قالَ: تَحَوَّلْ لِي عَنْها.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قالَ: ما زادَ داوُدُ عَلى أنْ قالَ: انْزِلْ لِي عَنْها.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ في قَوْلِهِ: ﴿أكْفِلْنِيها﴾ قالَ: أعْطِنِيها طَلِّقْها لِي أنْكِحْها وخَلِّ سَبِيلَها، ﴿وعَزَّنِي في الخِطابِ﴾ قالَ: قَهَرَنِي ذَلِكَ العَزُّ. والخِطابُ الكَلامُ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ في قَوْلِهِ: ﴿أكْفِلْنِيها﴾ قالَ: أعْطِنِيها، ﴿وعَزَّنِي في الخِطابِ﴾ قالَ: إنْ تَكَلَّمَ كانَ أبْلَغَ مِنِّي، وإنْ بَطَشَ كانَ أشَدَّ مِنِّي، وإذا دَعا كانَ أكْثَرَ مِنِّي. قالَ أحَدُ المَلَكَيْنِ: ما جَزاؤُهُ؟ قالَ: يُضْرَبُ (p-٥٣٧)هَهُنا وهَهُنا وهَهُنا، ووَضَعَ يَدَهُ عَلى جَبْهَتِهِ، ثُمَّ عَلى أنْفِهِ، ثُمَّ تَحْتَ الأنْفِ، قالَ: تَرى ذَلِكَ جَزاؤُهُ؟ فَلَمْ يَزَلْ يُرَدِّدُ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتّى عَلِمَ أنَّهُ مَلَكٌ وخَرَجَ المَلَكُ، فَخَرَّ داوُدُ ساجِدًا. قالَ: ذُكِرَ أنَّهُ لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ أرْبَعِينَ لَيْلَةً يَبْكِي، حَتّى أعْشَبَ الدُّمُوعُ ما حَوْلَ رَأْسِهِ، حَتّى إذا مَضّى أرْبَعِينَ صَباحًا، زَفَرَ زَفْرَةً هاجَ ما حَوْلَ رَأْسِهِ مِن ذَلِكَ العُشْبِ ونَبَتَ عَلَيْهِ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿وقَلِيلٌ ما هُمْ﴾ [ص: ٢٤] يَقُولُ: قَلِيلٌ الَّذِينَ هم فِيهِ. وفي قَوْلِهِ: ﴿وظَنَّ داوُدُ أنَّما فَتَنّاهُ﴾ [ص: ٢٤] قالَ: اخْتَبَرْناهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتادَةَ: ﴿وظَنَّ داوُدُ﴾ [ص: ٢٤] قالَ: عَلِمَ داوُدُ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الحَسَنِ: ﴿وظَنَّ داوُدُ أنَّما فَتَنّاهُ﴾ [ص: ٢٤] قالَ: ظَنَّ أنَّما ابْتُغِيَ بِذَلِكَ.
وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وابْنُ أبِي شَيْبَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قالَ: إنَّما كانَ فِتْنَةُ داوُدَ النَّظَرُ.
(p-٥٣٨)وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ في قَوْلِهِ: ﴿وخَرَّ راكِعًا﴾ [ص: ٢٤] قالَ: ساجِدًا.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ كَعْبٍ قالَ: سَجَدَ داوُدُ نَبِيُّ اللَّهِ أرْبَعِينَ يَوْمًا وأرْبَعِينَ لَيْلَةً لا يَرْفَعُ رَأْسَهُ حَتّى رَقَأ دَمْعُهُ ويَبِسَ، وكانَ مِن آخِرِ دُعائِهِ وهو ساجِدٌ أنْ قالَ: يا رَبِّ رَزَقْتَنِي العافِيَةَ فَسَألْتُكَ البَلاءَ، فَلَمّا ابْتَلَيْتَنِي لَمْ أصْبِرْ، فَإنْ تُعَذِّبْنِي فَأنا أهْلٌ لِذَلِكَ، وإنْ تَغْفِرْ لِي فَأنْتَ أهْلُ ذاكَ، قالَ: وإذا جِبْرِيلُ قائِمٌ عَلى رَأْسِهِ قالَ: يا داوُدُ إنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ فارْفَعْ رَأْسَكَ. فَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ وناجى رَبَّهُ وهو ساجِدٌ فَقالَ: يا رَبِّ كَيْفَ تَغْفِرُ لِي وأنْتَ الحَكَمُ العَدْلُ وقَدْ فَعَلْتُ بِالرَّجُلِ ما فَعَلْتُ؟ فَنَزَلَ الوَحْيُ عَلَيْهِ، قالَ: صَدَقْتَ يا داوُدُ وأنا الحَكَمُ العَدْلُ؛ ولَكِنْ إذا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ دَفَعْتُكَ إلى أُورِيّا سَلَمًا، ثُمَّ أسْتَوْهِبُكَ مِنهُ فَيَهَبُكَ لِي وأُثِيبُهُ الجَنَّةَ قالَ: يا رَبِّ الآنَ عَلِمْتُ أنَّكَ قَدْ غَفَرْتَ لِي فَذَهَبَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، فَإذا هو يابِسٌ لا يَسْتَطِيعُ، فَمَسَحَهُ جِبْرِيلُ بِبَعْضِ رِيشِهِ فانْبَسَطَ، فَأوْحى اللَّهُ إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ: يا داوُدُ قَدْ أحْلَلْتُ لَكَ امْرَأةَ أُورِيّا فَتَزَوَّجْها فَتَزَوَّجَها فَوَلَدَتْ لَهُ سُلَيْمانَ لَمْ تَلِدْ قَبْلَهُ شَيْئًا ولا بَعْدَهُ. قالَ كَعْبٌ: فَواللَّهِ لَقَدْ كانَ داوُدُ بَعْدَ ذَلِكَ يَظَلُّ صائِمًا اليَوْمَ (p-٥٣٩)الحارَّ فَيُقَرِّبُ الشَّرابَ إلى فِيهِ فَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ فَيَبْكِي في الشَّرابِ حَتّى يُفِيضَهُ، ثُمَّ يَرُدُّهُ ولا يَشْرَبُهُ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ خَبّابٍ، أنَّ داوُدَ بَكى أرْبَعِينَ لَيْلَةً حَتّى نَبَتَ العُشْبُ حَوْلَهُ مِن دُمُوعِهِ، ثُمَّ قالَ: يا رَبِّ قَرِحَ الجَبِينُ ورَقَأ الدَّمْعُ، وخَطِيئَتِي عَلَيَّ كَما هِيَ، فَنُودِيَ: أنْ يا داوُدُ أجائِعٌ فَتُطْعَمَ أمْ ظَمْآنُ فَتُسْقى أمْ مَظْلُومٌ فَيُنْتَصَرَ لَكَ؟ فَنَحَبَ نَحْبَةً هاجَ ما هُنالِكَ مِنَ الخُضْرَةِ، فَغُفِرَ لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عَبِيدِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ، أنَّ داوُدَ سَجَدَ حَتّى نَبَتَ ما حَوْلَهُ خَضِرًا مِن دُمُوعِهِ، فَأوْحى اللَّهُ إلَيْهِ أنْ يا داوُدُ أتُرِيدُ أنْ أزِيدَ في مالِكَ ووَلَدِكَ وعُمْرِكَ؟ فَقالَ: يا رَبِّ أهَذا تَرُدُّ عَلَيَّ؟ أُرِيدُ أنْ تَغْفِرَ لِي.
وأخْرَجَ أحْمَدُ في ”الزُّهْدِ“، والحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ الأوْزاعِيِّ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَثَلُ عَيْنَيْ داوُدَ كالقِرْبَتَيْنِ يَنْطُفانِ ماءً ولَقَدْ خَدَّدَتِ الدُّمُوعُ في وجْهِهِ خَدِيدَ الماءِ في الأرْضِ» .
(p-٥٤٠)وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وأحْمَدُ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، مِن طَرِيقِ عَطاءِ بْنِ السّائِبِ عَنْ أبِي عَبْدِ اللَّهِ الجَدَلِيِّ قالَ: ما رَفَعَ داوُدُ رَأْسَهُ إلى السَّماءِ بَعْدَ الخَطِيئَةِ حَتّى ماتَ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وأحْمَدُ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ ثابِتٍ قالَ: كانَ داوُدُ إذا ذَكَرَ عِقابَ اللَّهِ تَخَلَّعَتْ أوْصالُهُ، لا يَشُدُّها إلّا الأسْرُ، فَإذا ذَكَرَ رَحْمَةَ اللَّهِ تَراجَعَتْ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وأحْمَدُ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ صَفْوانَ بْنِ مُحْرِزٍ قالَ: كانَ لِداوُدَ يَوْمٌ يَتَأوَّهُ فِيهِ يَقُولُ: أوْهِ مِن عَذابِ اللَّهِ أوْهِ مِن عَذابِ اللَّهِ، أوْهِ مِن عَذابِ اللَّهِ قَبْلَ لا أوْهِ.
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدُويَهْ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَمّا أوْحى اللَّهُ إلى داوُدَ: ارْفَعْ رَأْسَكَ قَدْ غَفَرْتُ لَكَ. قالَ: يا رَبِّ وكَيْفَ تَكُونُ هَذِهِ المَغْفِرَةُ وأنْتَ قَضاؤُكَ بِالحَقِّ، ولَسْتَ ظَلّامًا لِلْعَبِيدِ، ورَجُلٌ ظَلَمْتُهُ غَصَبْتُهُ قَتَلْتُهُ؟ فَأوْحى اللَّهُ إلَيْهِ: بَلى يا داوُدُ تَجْتَمِعانِ عِنْدِي فَأقْضِي لَهُ عَلَيْكَ، فَإذا بَرَزَ (p-٥٤١)الحَقُّ عَلَيْكَ أسْتَوْهِبُكَ مِنهُ، فَوَهَبَكَ لِي وأرْضَيْتُهُ مِن قِبَلِي، وأدْخَلْتُهُ الجَنَّةَ. فَرَفَعَ داوُدُ رَأسَهُ، وطابَتْ نَفْسُهُ، وقالَ: نَعَمْ، يا رَبِّ هَكَذا تَكُونُ المَغْفِرَةُ» .
وأخْرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أحْمَدَ في زَوائِدِ ”الزُّهْدِ“، وابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: لَمّا أصابَ داوُدُ الخَطِيئَةَ خَرَّ لِلَّهِ ساجِدًا أرْبَعِينَ يَوْمًا حَتّى نَبَتَ مِن دُمُوعِ عَيْنَيْهِ مِنَ البَقْلِ ما غَطّى رَأْسَهُ، ثُمَّ نادى: رَبِّ قَرِحَ الجَبِينُ وجَمَدَتِ العَيْنُ، وداوُدُ لَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ في خَطِيئَتِهِ شَيْءٌ، فَنُودِيَ أجائِعٌ فَتُطْعَمَ؟ أمْ مَرِيضٌ فَتُشْفى؟ أمْ مَظْلُومٌ فَنَنْتَصِرَ لَكَ؟ فَنَحَبَ نَحْبًا هاجَ كُلُّ شَيْءٍ نَبَتَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ غُفِرَ لَهُ، وكانَ يُؤْتى بِالإناءِ فَيَشْرَبُ، فَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ فَيَنْتَحِبُ، فَتَكادُ مَفاصِلُهُ تَزُولُ بَعْضُها مِن بَعْضٍ فَما يَشْرَبُ بَعْضَ الإناءِ حَتّى يَمْلَأهُ مِن دُمُوعِهِ، وكانَ يُقالُ دَمْعَةُ داوُدَ تَعْدِلُ دَمْعَةَ الخَلائِقِ، ودَمْعَةُ آدَمَ تَعْدِلُ دَمْعَةَ داوُدَ ودَمْعَةَ الخَلائِقِ، فَيَجِيءُ يَوْمَ القِيامَةِ مَكْتُوبٌ بِكَفِّهِ يَقْرَأُها يَقُولُ: رَبِّ ذَنْبِي ذَنْبِي، فَيَقُولُ: رَبِّ قَدِّمْنِي. فَيَتَقَدَّمُ فَلا يَأْمَنُ ويَتَأخَّرُ فَلا يَأْمَنُ، حَتّى يَقُولَ تَبارَكَ وتَعالى: خُذْ بِقَدَمِي.
(p-٥٤٢)وأخْرَجَ أحْمَدُ في ”الزُّهْدِ“ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ قالَ: لَوْ جُمِعَ دُمُوعُ أهْلِ الأرْضِ جَمِيعًا ما عَدَلَ دُمُوعَ داوُدَ حِينَ أصابَ الخَطِيئَةَ، ولَوْ أنَّ دُمُوعَ أهْلِ الأرْضِ ودُمُوعَ داوُدَ جُمِعَ ما عَدَلَ دُمُوعَ آدَمَ حِينَ أُهْبِطَ مِنَ الجَنَّةِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وأحْمَدُ في الزُّهْدِ مِن طَرِيقِ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ قالَ: لَوْ عُدِلَ بُكاءُ أهْلِ الأرْضِ بِبُكاءِ داوُدَ ما عَدَلَهُ، ولَوْ عُدِلَ بُكاءُ داوُدَ وبُكاءُ أهْلِ الأرْضِ بِبُكاءِ آدَمَ حِينَ أُهْبِطَ إلى الأرْضِ ما عَدَلَهُ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ إسْماعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي المُهاجِرِ، أنَّ داوُدَ كانَ يُعاتَبُ في كَثْرَةِ البُكاءِ، فَيَقُولُ: ذَرُونِي أبْكِي قَبْلَ يَوْمِ البُكاءِ، قَبْلَ تَحْرِيقِ العِظامِ، واشْتِعالِ اللِّحى، وقَبْلَ أنْ يُؤْمَرَ بِي مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ، لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أمَرَهُمْ، ويَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ والحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ، وابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَطاءٍ الخُراسانِيِّ أنَّ داوُدَ نَقَشَ خَطِيئَتَهُ في كَفِّهِ؛ لِكَيْلا يَنْساها، وكانَ إذا رَآها اضْطَرَبَتْ يَداهُ.
(p-٥٤٣)وأخْرَجَ عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: يُحْشَرُ داوُدُ وخَطِيئَتُهُ مَنقُوشَةٌ في كَفِّهِ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ عُثْمانَ بْنِ أبِي العاتِكَةِ قالَ: كانَ مِن دُعاءِ داوُدَ: سُبْحانَكَ إلَهِي إذا ذَكَرْتُ خَطِيئَتِي ضاقَتْ عَلَيَّ الأرْضُ بِرَحْبِها، وإذا ذَكَرْتُ رَحْمَتَكَ ارْتَدَّتْ إلَيَّ رُوحِي، سُبْحانَكَ إلَهِي، أتَيْتُ أطِبّاءَ عِبادِكَ لِيُداوُوا لِي خَطِيئَتِي فَكُلُّهم عَلَيْكَ يَدُلُّنِي.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ ثابِتٍ قالَ: اتَّخَذَ داوُدُ سَبْعَ حَشايا مِن شَعَرٍ، وحَشاهُنَّ مِنَ الرَّمادِ، ثُمَّ بَكى حَتّى أنْفَذَها دُمُوعًا، ولَمْ يَشْرَبْ داوُدُ شَرابًا إلّا مَمْزُوجًا بِدُمُوعِ عَيْنَيْهِ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ وهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قالَ: إنَّ داوُدَ لَمّا أصابَ الذَّنْبَ لَمْ يَطْعَمْ طَعامًا قَطُّ إلّا مَزَجَهُ بِدُمُوعِ عَيْنَيْهِ، ولَمْ يَشْرَبْ شَرابًا إلّا مَزَجَهُ بِدُمُوعِ عَيْنَيْهِ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ وهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قالَ: قالَ داوُدُ: رَبِّ لا صَبْرَ لِي عَلى حَرِّ شَمْسِكَ، فَكَيْفَ صَبْرِي عَلى حَرِّ نارِكَ؟ رَبِّ لا صَبْرَ لِي عَلى صَوْتِ رَحْمَتِكَ يَعْنِي الرَّعْدَ- فَكَيْفَ صَبْرِي عَلى صَوْتِ عَذابِكَ؟ (p-٥٤٤)وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ وهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قالَ: بَكى داوُدُ عَلى خَطِيئَتِهِ حَتّى خَدَّتِ الدُّمُوعُ في وجْهِهِ واعْتَزَلَ النِّساءَ وبَكى حَتّى رَعَشَ.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ مالِكِ بْنِ دِينارٍ قالَ: إذا خَرَجَ داوُدُ مِن قَبْرِهِ فَرَأى الأرْضَ نارًا، وضَعَ يَدَهُ عَلى رَأْسِهِ وقالَ: خَطِيئَتِي اليَوْمَ مُوبِقَتِي.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ، أنَّ داوُدَ كانَ يَقُولُ بَعْدَ فِتْنَتِهِ: اللَّهُمَّ ما كَتَبْتَ في هَذا اليَوْمِ مِن مُصِيبَةٍ فَخَلِّصْنِي مِنها ثَلاثَ مَرّاتٍ- وما أنْزَلْتَ في هَذا اليَوْمِ مِن خَيْرٍ فَآتِنِي مِنهُ نَصِيبًا -ثَلاثَ مَرّاتٍ- وإذا أمْسى قالَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمْ يَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مَكْرُوهًا.
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ مَعْمَرٍ، أنَّ داوُدَ لَمّا أصابَ الذَّنْبَ قالَ: رَبِّ كُنْتُ أُبْغِضُ الخَطّائِينَ، فَأنا اليَوْمَ أُحِبُّ أنْ تَغْفِرَ لَهم.
وأخْرَجَ عَبْدُ اللَّهِ ابْنَهُ والحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ في ”نَوادِرِ الأُصُولِ“ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أبِي هِلالٍ، أنَّ داوُدَ النَّبِيُّ كانَ يَعُودُهُ النّاسُ، وما يَظُنُّونَ إلّا أنَّهُ مَرِيضٌ، وما بِهِ إلّا شِدَّةُ الفَرَقِ مِنَ اللَّهِ تَعالى.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ عَنْ كَعْبٍ قالَ: كانَ داوُدُ إذا أفْطَرَ اسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، وقالَ: اللَّهُمَّ خَلِّصْنِي مِن كُلِّ مُصِيبَةٍ نَزَلَتِ اللَّيْلَةَ مِنَ السَّماءِ إلى الأرْضِ ثَلاثًا (p-٥٤٥)وإذا طَلَعَ حاجِبُ الشَّمْسِ قالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي سَهْمًا في كُلِّ حَسَنَةٍ نَزَلَتِ اللَّيْلَةَ مِنَ السَّماءِ إلى الأرْضِ ثَلاثًا.
{"ayahs_start":21,"ayahs":["۞ وَهَلۡ أَتَىٰكَ نَبَؤُا۟ ٱلۡخَصۡمِ إِذۡ تَسَوَّرُوا۟ ٱلۡمِحۡرَابَ","إِذۡ دَخَلُوا۟ عَلَىٰ دَاوُۥدَ فَفَزِعَ مِنۡهُمۡۖ قَالُوا۟ لَا تَخَفۡۖ خَصۡمَانِ بَغَىٰ بَعۡضُنَا عَلَىٰ بَعۡضࣲ فَٱحۡكُم بَیۡنَنَا بِٱلۡحَقِّ وَلَا تُشۡطِطۡ وَٱهۡدِنَاۤ إِلَىٰ سَوَاۤءِ ٱلصِّرَ ٰطِ","إِنَّ هَـٰذَاۤ أَخِی لَهُۥ تِسۡعࣱ وَتِسۡعُونَ نَعۡجَةࣰ وَلِیَ نَعۡجَةࣱ وَ ٰحِدَةࣱ فَقَالَ أَكۡفِلۡنِیهَا وَعَزَّنِی فِی ٱلۡخِطَابِ"],"ayah":"إِذۡ دَخَلُوا۟ عَلَىٰ دَاوُۥدَ فَفَزِعَ مِنۡهُمۡۖ قَالُوا۟ لَا تَخَفۡۖ خَصۡمَانِ بَغَىٰ بَعۡضُنَا عَلَىٰ بَعۡضࣲ فَٱحۡكُم بَیۡنَنَا بِٱلۡحَقِّ وَلَا تُشۡطِطۡ وَٱهۡدِنَاۤ إِلَىٰ سَوَاۤءِ ٱلصِّرَ ٰطِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق