الباحث القرآني
القول في تأويل قوله: ﴿قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (١٥) ﴾
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه: قل، يا محمد، للناس الذين زُيِّن لهم حب الشهوات من النساء والبنين، وسائر ما ذكر ربنا جل ثناؤه:"أؤنبئكم"، أأخبركم وأعلمكم [[انظر تفسير"أنبأ" فيما سلف ١: ٤٨٨، ٤٨٩.]] ="بخير من ذلكم"، يعني: بخير وأفضل لكم ="من ذلكم"، يعني: مما زُيِّن لكم في الدنيا حبُّ شهوته من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة، وأنواع الأموال التي هي متاع الدنيا.
* * *
ثم اختلف أهل العربية في الموضع الذي تناهى إليه الاستفهام من هذا الكلام.
فقال بعضهم: تناهى ذلك عند قوله:"من ذلكم"، ثم ابتدأ الخبر عما للذين اتقوا عند ربهم، فقيل:"للذين اتقوا عند ربهم جناتٌ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها"، فلذلك رفع"الجنات".
* * *
ومن قال هذا القول لم يجز في قوله:"جنات تجري من تحتها الأنهار" إلا الرفع، وذلك أنه خبر مبتدأ غيرُ مردود على قوله:"بخير"، فيكون الخفض فيه جائزا. وهو وإن كان خبرًا مبتدأ عندهم، ففيه إبانة عن معنى"الخير" الذي أمر الله عز وجل نبيه ﷺ أن يقول: للناس: أؤنبئكم به؟ "والجنات" على هذا القول مرفوعة باللام التي في قوله:"للذين اتقوا عند ربهم".
* * *
وقال آخرون منهم بنحو من هذا القول، إلا أنهم قالوا: إن جعلت اللام التي في قوله:"للذين" من صلة"الإنباء"، جاز في"الجنات" الخفض والرفع: الخفضُ على الرد على"الخير"، والرفع على أن يكون قوله:"للذين اتقوا" خبرَ مبتدأ، على ما قد بيَّناه قبلُ.
* * *
وقال آخرون: بل منتهى الاستفهام قوله:"عند ربهم"، ثم ابتدأ:"جناتٌ تجري من تحتها الأنهار". وقالوا: تأويل الكلام:"قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم"، ثم كأنه قيل:"ماذا لهم". أو:"ما ذاك"؟ [[في المطبوعة والمخطوطة بعد هذا، وقيل قوله: "فقال: هو جنات ... " ما نصه: "أو على أنه يقال: ماذا لهم؟ أو ما ذاك؟ " ومن البين أن هذا تكرار لا معنى له، وأنه من سهو الناسخ الكثير السهو. فمن أجل ذلك طرحته من المتن.]] فقال: هو"جناتٌ تجري من تحتها الأنهار"، الآية.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قولُ من جعل الاستفهام متناهيًا عند قوله:"بخير من ذلكم"، والخبر بعده مبتدأ عمن له الجنات بقوله:"للذين اتقوا عند ربهم جنات"، فيكون مخرج ذلك مخرج الخبر، وهو إبانة عن معنى"الخير" الذي قال: أؤنبئكم به؟ [[في المخطوطة والمطبوعة: "أنبئكم به"، والصواب ما أثبت، وانظر تفصيل ذلك في معاني القرآن للفراء ١: ١٩٥-١٩٨.]] فلا يكون بالكلام حينئذ حاجة إلى ضمير. قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: وأما قوله:"خالدين فيها"، فمنصوب على القطع [[عند هذا انتهى آخر جزء من التقسيم القديم الذي نقلت عنه نسختنا، وفيها ما نصه:
"يتلوه: وأما قوله: ﴿خالدين فيها﴾ فمنصوب على القطع.
وصلى الله على سيدنا محمد النبيّ وعلى آله الطاهرين وسَلّم كثيرًا"
ويتلوه ما نصه:
"بسم الله الرحمن الرحيم".
"القطع"، يعني: الحال، كما بينت في ٢: ٣٩٢، والمراجع هناك، وانظر فهرس المصطلحات في الأجزاء السالفة. ثم انظر ما سيأتي: ص ٢٧٠، تعليق: ٣.]]
* * *
ومعنى قوله:"للذين اتقوا"، للذين خافوا الله فأطاعوه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه. [[انظر تفسير"اتقى" في فهارس اللغة مادة"وقى".]] ="عند ربهم"، يعني بذلك: لهم جنات تجري من تحتها الأنهار عند ربهم.
* * *
"والجنات"، البساتين، وقد بينا ذلك بالشواهد فيما مضى = وأنّ قوله:"تجري من تحتها الأنهار"، يعني به: من تحت الأشجار، وأن"الخلود" فيها دوام البقاء فيها، وأن"الأزواج المطهرة"، هن نساء الجنة اللواتي طُهِّرن من كل أذًى يكون بنساء أهل الدنيا، من الحيض والمنىّ والبوْل والنفاس وما أشبه ذَلك من الأذى = بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. [[انظر تفسير"الجنة" فيما سلف ١: ٣٨٤ / ثم ٥: ٥٣٥، ٥٤٢ = وتفسير"الخلود" فيما سلف ١: ٣٩٧، ٣٩٨ / ٢: ٢٨٦ / ٤: ٣١٧ / ٥: ٤٢٩ = وتفسير"الأزواج المطهرة" فيما سلف ١: ٣٩٥-٣٩٧.]]
* * *
وقوله:"ورِضْوَانٌ من الله"، يعني: ورضى الله، وهو مصدر من قول القائل:"رَضي الله عن فلان فهو يَرْضى عنه رضًى" منقوص"ورِضْوانًا ورُضْوانًا ومَرْضاةً". فأما"الرُّضوان" بضم الراء، فهو لغة قيس، وبه كان عاصم يقرأ.
* * *
قال أبو جعفر: وإنما ذكر الله جل ثناؤه فيما ذكر للذين اتقوا عنده من الخير = رضْوانَه، لأن رضوانه أعلى منازل كرامة أهل الجنة، كما:-
٦٧٥١ - حدثنا ابن بشار قال، حدثني أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا سفيان، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله قال: إذا دخل أهلُ الجنة الجنة، قال الله تبارك وتعالى: أعطيكم أفضلَ من هذا! فيقولون: أيْ ربنا، أيّ شيء أفضل من هذا؟ قال: رِضْواني. [[الأثر: ٦٧٥١- هذا خبر غير مرفوع، ولكن شاهده من المرفوع ما رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري قال: "قال رسول الله ﷺ: إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة! يقولون: لبيك ربنا وسعديك! فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من خلقك! فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك! قالوا: يا رب، وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم أبدًا".
وقد أشار الحافظ ابن حجر إلى حديث جابر في الفتح ١١: ٣٦٤، وقال: عند البزار وصححه ابن حبان". ولم أجد لفظه.]]
* * *
وقوله:"والله بصير بالعباد"، يعني بذلك: واللهُ ذو بصر بالذي يتقيه من عباده فيخافه، [[انظر تفسير"بصير" فيما سلف ٢: ١٤٠، ٣٧٦، ٥٠٦ / ثم ٥: ٧٦، ١٦٧.]] فيطيعه، ويؤثر ما عنده مما ذكر أنه أعدّه للذين اتقوه على حُبّ ما زُيِّنَ له في عاجل الدنيا من شهوات النساء والبنين وسائر ما عدّد منها تعالى ذكره = وبالذي لا يتقيه فيخافه، ولكنه يعصيه ويطيع الشيطان ويؤثر ما زيِّن له في الدنيا من حب شهوة النساء والبنين والأموال، على ما عنده من النعيم المقيم = عالمٌ تعالى ذكره بكلّ فريق منهم، حتى يجازي كلَّهم عند معادهم إليه جزاءَهم، المحسنَ بإحسانه، والمسيءَ بإساءته.
{"ayah":"۞ قُلۡ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَیۡرࣲ مِّن ذَ ٰلِكُمۡۖ لِلَّذِینَ ٱتَّقَوۡا۟ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّـٰتࣱ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَا وَأَزۡوَ ٰجࣱ مُّطَهَّرَةࣱ وَرِضۡوَ ٰنࣱ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ بَصِیرُۢ بِٱلۡعِبَادِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق