الباحث القرآني
ولَمّا ذَكَرَ سُبْحانَهُ وتَعالى ما أوْجَبَ الإعْراضَ عَنْ هَذا العَرَضِ فَكانَ السّامِعُ جَدِيرًا بِأنْ يَقُولَ فَعَلامَ أُقْبِلُ؟ أمَرَ سُبْحانَهُ وتَعالى أقْرَبَ الخَلْقِ إلَيْهِ وأعَزَّهم لَدَيْهِ بِجَوابِهِ لِتَكُونَ البِشارَةُ داعِيَةً إلى حُبِّهِ فَقالَ: ﴿قُلْ﴾ أيْ لِمَن فِيهِ قابِلِيَّةُ الإقْبالِ إلَيْنا، ولَمّا أجْرى سُبْحانَهُ وتَعالى هَذِهِ البِشارَةَ عَلى لِسانِ نَبِيِّهِ ﷺ لِتَقُومَ الحُجَّةُ عَلى العِبادِ بِحالِهِ كَما تَقُومُ بِمَقالِهِ مِن حَيْثُ إنَّهُ لا يَدْعُو إلى شَيْءٍ إلّا كانَ أوَّلَ فاعِلٍ لَهُ، ولا يَنْهى عَنْ شَيْءٍ إلّا كانَ أوَّلَ تارِكٍ لَهُ، لِإيثارِهِ الغائِبَ المَسْمُوعَ مِن بِناءِ الآخِرَةِ عَلى العاجِلِ المَشْهُودِ مِن أثَرِ الدُّنْيا كَما «قالَ ﷺ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ حِينَ أشْفَقَ عَلَيْهِ مِن تَأْثِيرِ رِمالِ السَّرِيرِ في جَنْبِهِ فَذَكَرَ ما فِيهِ فارِسُ والرُّومُ مِنَ النَّعِيمِ: ”أوَ في شَكٍّ أنْتَ يا ابْنَ الخَطّابِ ؟ (p-٢٧٦)أما تَرْضى أنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيا ولَنا الآخِرَةُ؟“» شَوَّقَ إلَيْها بِالِاسْتِفْهامِ في قَوْلِهِ: ﴿أأُنَبِّئُكم بِخَيْرٍ مِن ذَلِكُمْ﴾ أيِ الَّذِي ذَكَرَ مِنَ الشَّهَواتِ، وعَظَّمَهُ بِأداةِ البُعْدِ ومِيمِ الجَمْعِ لِعَظَمَتِهِ عِنْدَهم والزِّيادَةِ في التَّعْظِيمِ ما يُرْشِدُ إلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ بَيانَ هَذا الخَيْرِ بِقَوْلِهِ: ﴿لِلَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ أيِ اتَّصَفُوا بِالتَّقْوى فَكانَ مِمّا أثْمَرَ لَهُمُ اتِّصافُهم بِها أنْ أعْرَضُوا عَنْ هَذِهِ الشَّهَواتِ مِن حَيْثُ إنَّها شَهَواتٌ وجَعَلُوها عِباداتٍ واقِيَةً لَهم مِن عَذابِ رَبِّهِمْ، فَتَلَذَّذُوا بِالنِّساءِ لا لِمُجَرَّدِ الشَّهْوَةِ بَلْ لِغَضِّ البَصَرِ مِنَ الجانِبَيْنِ وابْتِغاءَ ما كُتِبَ لَهم مِنَ الوَلَدِ إنْفاذًا لِمُرادِ رَبِّهِمْ مِن تَكْثِيرِ خَلائِفِهِمْ في الأرْضِ لِلْإصْلاحِ، ولِقَوْلِهِ ﷺ:
«تَناكَحُوا تَناسَلُوا فَإنِّي مُكاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ يَوْمَ القِيامَةِ» ونَحْوِ ذَلِكَ وفَرِحُوا بِالبَنِينَ لا لِمُجَرَّدِ المُكاثَرَةِ بَلْ لِتَعْلِيمِهِمُ العِلْمَ وحَمْلِهِمْ عَلى الذِّكْرِ والجِهادِ والشُّكْرِ وأنْواعِ السَّعْيِ في رِضى السَّيِّدِ، وحازُوا النَّقْدَيْنِ لا لِلْكَنْزِ، بَلْ لِلْإنْفاقِ في سَبِيلِ الخَيْراتِ، ورَبَطُوا (p-٢٧٧)لِلْجِهادِ، لا لِلْفَخْرِ والرِّئاسَةِ عَلى العِبادِ بَلْ لِقَمْعِ أوْلِياءِ الشَّيْطانِ ورَفْعِ أوْلِياءِ الرَّحْمَنِ المُسْتَلْزَمِ لِظُهُورِ الإيمانِ، كَما بَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ مُتَشابِهَ اقْتِنائِها فَقالَ: «”وهِيَ لِرَجُلٍ أجْرٌ ولِرَجُلٍ سَتْرٌ وعَلى رَجُلٍ وِزْرٌ»“ ثُمَّ عَظَّمَ سُبْحانَهُ وتَعالى ما لَهم بِقَوْلِهِ مُرَغِّبًا بِلَفْتِ القَوْلِ إلى وصْفِ الإحْسانِ المُقْتَضِي لِتَرْبِيَةِ الصَّدَقاتِ وغَيْرِها مِنَ الأعْمالِ الصّالِحاتِ: ﴿عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ أيِ المُحْسِنِ إلَيْهِمْ بِلِباسِ التَّقْوى المُوجِبِ لِإيثارِهِمُ الآخِرَةَ عَلى الدُّنْيا، وقَوْلُهُ: ﴿جَنّاتٌ﴾ مَرْفُوعٌ بِالِابْتِداءِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ إذا كانَ (لِلَّذِينَ)، مُتَعَلِّقًا بِـ (خَيْرٌ)، ثُمَّ وصَفَها بِقَوْلِهِ: ﴿تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ﴾ أيْ أنَّ ماءَها غَيْرُ مَجْلُوبٍ، بَلْ كُلُّ مَكانٍ مِنها مُتَهَيِّئٌ لِأنْ يَنْبُعَ مِنهُ ماءٌ يَجْرِي لِتَثْبُتَ بَهْجَتُها وتَدُومَ زَهْرَتُها ونَضْرَتُها، ثُمَّ أشارَ بِقَوْلِهِ: ﴿خالِدِينَ فِيها﴾ إلى أنَّها هي المُشْتَمِلَةُ عَلى جَمِيعِ الإحْسانِ المُغْنِيَةُ عَنِ الحَرْثِ والأنْعامِ، (p-٢٧٨)وأنَّ ذَلِكَ عَلى وجْهٍ لا انْقِطاعَ لَهُ. قالَ الحَرالِّيُّ: وفي مَعْنى لَفْظِ الخُلُودِ إعْلامٌ بِسُكُونِ الأنْفُسِ إلَيْها لِما فِيها مِن مُوافَقَتِها انْتَهى. ولَعَلَّهُ إنَّما خَصَّ مِن بَيْنِ ما تَقَدَّمَ مِنَ الشَّهَواتِ ذِكْرَ النِّسْوانِ في قَوْلِهِ: ﴿وأزْواجٌ﴾ لِأنَّها أعْظَمُ المُشْتَهَياتِ، ولا يَكْمُلُ التَّلَذُّذُ بِها إلّا بِحُصُولِ جَمِيعِ ما يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَصارَ ذِكْرُهُنَّ عَلى سَبِيلِ الِامْتِنانِ مِنَ القادِرِ كِنايَةً عَنْ جَمِيعِ ما تَشْتَهِي الأنْفُسُ وتَلَذُّ الأعْيُنُ.
ولَمّا كانَتِ التَّقْوى حامِلَةً عَلى تَطْهِيرِ الأنْفُسِ مِن أوْضارِ الأدْناسِ مِنَ الأوْصافِ السَّيِّئَةِ وكانَ الوَصْفُ بِالمُفْرَدِ أدَلَّ عَلى أنَّهُنَّ في أصْلِ الطَّهارَةِ كَأنَّهُنَّ نَفْسٌ واحِدَةٌ قالَ عادِلًا عَمّا هو الأوْلى مِنَ الوَصْفِ بِالجَمْعِ لِجَمْعِ مَن يَعْقِلُ: ﴿مُطَهَّرَةٌ﴾ لِأنَّهُنَّ مُقْتَبَساتٌ مِن أنْفُسِهِمْ ﴿خَلَقَ لَكم مِن أنْفُسِكم أزْواجًا﴾ [الروم: ٢١]
ولَمّا ذَكَرَ حَظَّ البَدَنِ قَرَّرَ لَذَّةَ هَذا النَّعِيمِ بِما لِلرُّوحِ، وزادَهُ مِنَ الأضْعافِ المُضاعَفَةِ ما لا حَدَّ لَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿ورِضْوانٌ﴾ قالَ الحَرالِّيُّ: بِكَسْرِ الرّاءِ وضَمِّها، اسْمُ مُبالَغَةٍ في مَعْنى الرِّضى، وهو عَلى عِبْرَةِ امْتِلاءٍ بِما تُعْرِبُ عَنْهُ الألِفُ والنُّونُ وتُشْعِرُ ضَمَّةُ رائِهِ بِظاهِرِ إشْباعِهِ، وكَسْرَتُها بِباطِنِ إحاطَتِهِ - انْتَهى. (p-٢٧٩)ولَمّا جَرى وعْدُ الجَنّاتِ عَلى اسْمِ الرُّبُوبِيَّةِ النّاظِرِ إلى الإحْسانِ بِالتَّرْبِيَةِ فَخَّمَ أمْرَ هَذا الجَزاءِ وأعْلاهُ عَلى ذَلِكَ بِنَوْطِهِ بِالِاسْمِ الأعْظَمِ فَقالَ: ﴿مِنَ اللَّهِ﴾ أيِ المُحِيطِ بِصِفاتِ الكَمالِ. ولَمّا كانَ شامِلًا لِجَمِيعِهِمْ وكانَ رُبَّما ظُنَّ أنَّهم فِيهِ مُتَساوُونَ أشارَ إلى التَّفاوُتِ بِقَوْلِهِ مُظْهِرًا في مَوْضِعِ الإضْمارِ إشارَةً إلى الإطْلاقِ عَنِ التَّقْيِيدِ بِحَيْثِيَّةٍ ما: ﴿واللَّهُ﴾ أيِ الَّذِي لَهُ الحِكْمَةُ البالِغَةُ ﴿بَصِيرٌ بِالعِبادِ﴾ أيْ بِنِيّاتِهِمْ ومَقادِيرِ ما يَسْتَحِقُّونَهُ بِها عَلى حَسَبِ إخْلاصِها، وبِغَيْرِ ذَلِكَ مِن أعْمالِهِمْ وأقْوالِهِمْ وسائِرِ أحْوالِهِمْ.
{"ayah":"۞ قُلۡ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَیۡرࣲ مِّن ذَ ٰلِكُمۡۖ لِلَّذِینَ ٱتَّقَوۡا۟ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّـٰتࣱ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَا وَأَزۡوَ ٰجࣱ مُّطَهَّرَةࣱ وَرِضۡوَ ٰنࣱ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ بَصِیرُۢ بِٱلۡعِبَادِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











