الباحث القرآني

﴿قُلْ أأُنَبِّئُكم بِخَيْرٍ مِن ذَلِكُمْ﴾ إثْرَ ما بَيَّنَ شَأْنَ مُزَخْرِفاتِ الدُّنْيا، وذِكْرِ ما عِنْدَهُ تَعالى مِن حُسْنِ المَآبِ إجْمالًَا أمَرَ النَّبِيِّ ﷺ بِتَفْصِيلِ ذَلِكَ المُجْمَلِ لِلنّاسِ مُبالَغَةً في التَّرْغِيبِ والخِطابُ لِلْجَمِيعِ، والهَمْزَةُ لِلتَّقْرِيرِ أيْ: أأُخْبِرُكم بِما هو خَيْرٌ مِمّا فُصِّلَ مِن تِلْكَ المُسْتَلَذّاتِ المُزَيَّنَةِ لَكُمْ، وإبْهامُ "الخَيْرِ" لِتَفْخِيمِ شَأْنِهِ والتَّشْوِيقِ إلَيْهِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنّاتٌ﴾ اسْتِئْنافٌ مُبَيِّنٌ لِذَلِكَ المُبْهَمِ، عَلى أنَّ ﴿جَنّاتٌ﴾ مُبْتَدَأٌ والجارُّ والمَجْرُورُ خَبَرٌ، أوْ عَلى أنَّ ﴿جَنّاتٌ﴾ مُرْتَفِعٌ بِهِ عَلى الفاعِلِيَّةِ عِنْدَ مَن لا يَشْتَرِطُ في ذَلِكَ اعْتِمادَ الجارِّ عَلى ما فَصَلَ في مَحَلِّهِ، والمُرادُ بِالتَّقْوى: هو التَّبَتُّلُ إلى اللَّهِ تَعالى والإعْراضُ عَمّا سِواهُ، عَلى ما تُنْبِئُ عَنْهُ النُّعُوتُ الآتِيَةُ وتَعْلِيقُ حُصُولِ الجَنّاتِ وما بَعْدَها مِن فُنُونِ الخَيْراتِ بِهِ لِلتَّرْغِيبِ في تَحْصِيلِهِ والثَّباتِ عَلَيْهِ، و "عِنْدَ" نُصِبَ عَلى الحالِيَّةِ مِن "جَنّاتٌ" أوْ مُتَعَلِّقٌ بِما تَعَلَّقَ بِهِ الجارُّ مِن مَعْنى الِاسْتِقْرارِ مُفِيدٌ لِكَمالِ عُلُوِّ رُتْبَةِ الجَنّاتِ وسُمُوِّ طَبَقَتِها، والتَّعَرُّضُ لِعُنْوانِ الربوبية مَعَ الإضافَةِ إلى ضَمِيرِ المُتَّقِينَ لِإظْهارِ مَزِيدِ اللُّطْفِ بِهِمْ. وقِيلَ: اللّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِـ "خَيْرٍ" وكَذا الظَّرْفُ و ﴿جَنّاتٌ﴾ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ و الجُمْلَةُ مُبَيِّنَةٌ لِـ "خَيْرٍ"، ويُؤَيِّدُهُ قِراءَةُ "جَنّاتٍ" بِالجَرِّ عَلى البَدَلِيَّةِ مِن "خَيْرٍ" ولا يَخْفى أنَّ تَعْلِيقَ الإخْبارِ و البَيانَ بِما هو خَيْرٌ لِطائِفَةٍ رُبَّما يُوهِمُ أنَّ هُناكَ خَيْرًَا آخَرَ لِآخَرِينَ. ﴿تَجْرِي﴾ في مَحَلِّ الرَّفْعِ والجَرِّ صِفَةً لِجَنّاتٍ عَلى حَسَبِ القِراءَتَيْنِ. ﴿مِن تَحْتِها الأنْهارُ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِـ "تَجْرِي"، فَإنْ أُرِيدَ بِالجَنّاتِ نَفْسُ الأشْجارِ كَما هو الظّاهِرُ فَجَرَيانُها مِن تَحْتِها ظاهِرٌ، وإنْ أُرِيدَ بِها مَجْمُوعُ الأرْضِ والأشْجارِ فَهو بِاعْتِبارِ جُزْئِها الظّاهِرِ كَما مَرَّ تَفْصِيلُهُ مِرارًَا. ﴿خالِدِينَ فِيها﴾ حالٌ مُقَدَّرَةٌ مِنَ المُسْتَكِنِّ في "لِلَّذِينَ" والعامِلُ ما فِيهِ مِن مَعْنى الِاسْتِقْرارِ. ﴿وَأزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ﴾ عَطْفٌ عَلى "جَنّاتٍ"، أيْ: مُبَرَّأةٌ مِمّا يُسْتَقْذَرُ مِنَ النِّساءِ مِنَ (p-16)الأحْوالِ البَدَنِيَّةِ والطَّبِيعِيَّةِ. ﴿وَرِضْوانٌ﴾ التَّنْوِينُ لِلتَّفْخِيمِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿مِنَ اللَّهِ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وقَعَ صِفَةً لَهُ مُؤَكِّدَةً لِما أفادَهُ التَّنْوِينُ مِنَ الفَخامَةِ، أيْ: رِضْوانٌ، و أيُّ رِضْوانٍ يُقادِرُ قَدْرَهُ كائِنٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، وقُرِئَ بِضَمِّ الرّاءِ. ﴿واللَّهُ بَصِيرٌ بِالعِبادِ﴾ وبِأعْمالِهِمْ فَيُثِيبُ ويُعاقِبُ حَسْبَما يَلِيقُ بِها، أوْ بَصِيرٌ بِأحْوالِ الَّذِينَ اتَّقَوْا، و لِذَلِكَ أعَدَّ لَهم ما ذُكِرَ وفِيهِ إشْعارٌ بِأنَّهُمُ المُسْتَحِقُّونَ لِلتَّسْمِيَةِ بِاسْمِ العَبْدِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب