الباحث القرآني
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ (١٠٠) إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (١٠١) ﴾
يعني تعالى ذكره بقوله ﴿لَهُمْ﴾ المشركين وآلهتهم، والهاء، والميم في قوله ﴿لَهُمْ﴾ من ذكر كل التي في قوله ﴿وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ ، يقول تعالى ذكره: لكلهم في جهنم زفير، ﴿وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ﴾ يقول: وهم في النار لا يسمعون.
وكان ابن مسعود يتأوّل في قوله ﴿وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ﴾ ما:-
⁕ حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن المسعودي، عن يونس بن خباب، قال: قرأ ابن مسعود هذه الآية ﴿لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ﴾ قال: إذا ألقي في النار من يخلد فيها جعلوا في توابيت من نار، ثم جعلت تلك التوابيت في توابيت أخرى، ثم جعلت التوابيت في توابيت أخرى فيها مسامير من نار، فلا يرى أحد منهم أن في النار أحدا يعذّب غيره، ثم قرأ ﴿لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ﴾ .
وأما قوله ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ فإن أهل التأويل اختلفوا في المعنيّ به، فقال بعضهم: عني به كل من سبقت له من الله السعادة من خلقه أنه عن النار مُبعد.
* ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن يوسف بن سعد وليس بابن ماهَك عن محمد بن حاطب، قال: سمعت عليا يخطب فقرأ هذه الآية ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ ، قال: عثمان رضي الله عنه منهم.
وقال آخرون: بل عني: منْ عبد مِن دون الله، وهو لله طائع ولعبادة من يَعبد كاره.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله ﴿أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ قال: عيسى، وعزير، والملائكة.
⁕ حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيح، عن مجاهد، مثله.
قال ابن جريج: قوله ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ ثم استثنى فقال ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى﴾ .
⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، عن الحسين، عن يزيد، عن عكرمة، والحسن البصري قالا قال في سورة الأنبياء ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ﴾ ثم استثنى فقال ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ فقد عُبدت الملائكة من دون الله، وعُزَيرٌ وعيسى من دون الله.
⁕ حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد ﴿أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ قال: عيسى.
⁕ حدثني إسماعيل بن سيف، قال: ثنا علي بن مسهر، قال: ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح في قوله ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى﴾ قال: عيسى، وأمه، وعُزَير، والملائكة.
⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: جلس رسول الله ﷺ فيما بلغني يوما مع الوليد بن المغيرة، فجاء النضر بن الحارث حتى جلس معهم وفي المجلس غير واحد من رجال قريش، فتكلم رسول الله ﷺ، فعرض له النضر بن الحارث، وكلمه رسول الله ﷺ حتى أفحمه، ثم تلا عليه وعليهم ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ . . . إلى قوله ﴿وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ﴾ ، ثم قام رسول الله ﷺ، وأقبل عبد الله بن الزّبَعْرى بن قيس بن عديّ السهمي حتى جلس، فقال الوليد بن المغيرة لعبد الله بن الزّبَعْرى: والله ما قام النضر بن الحارث لابن عبد المطلب آنفا وما قعد، وقد زعم أنا وما نعبد من آلهتنا هذه حصب جهنم، فقال عبد الله بن الزبعري: أما والله لو وجدته لخصمته، فسلوا محمدا: أكلّ من عبد من دون الله في جهنم مع من عبده؟ فنحن نعبد الملائكة، واليهود تعبد عُزَيرا، والنصارى تعبد المسيح عيسى ابن مريم، فعجب الوليد بن المغيرة ومن كان في المجلس من قول عبد الله بن الزّبَعْرى، ورأوا أنه قد احتج وخاصم، فذكر ذلك لرسول الله ﷺ من قول ابن الزّبَعْرى، فقال: رسول الله ﷺ: "نعم كل من أحب أن يعبد من دون الله فهو مع من عبد، إنما يعبدون الشياطين ومن أمرهم بعبادته"، فأنزل الله عليه ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ . . . . إلى ﴿خالِدُونَ﴾ " أي عيسى ابن مريم، وعُزير، ومن عبدوا من الأحبار والرهبان الذي مضوا على طاعة الله، فاتخذهم من بعدهم من أهل الضلالة أربابا من دون الله، فأنزل الله فيما ذكروا أنهم يعبدون الملائكة وأنها بنات الله ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ﴾ . . . إلى قوله ﴿نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾ .
⁕ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك، قال: يقول ناس من الناس ﴿إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون﴾ يعني من الناس أجمعين، فليس كذلك، إنما يعني من يعبد الآلهة وهو لله مطيع مثل عيسى وأمه وعُزَير والملائكة، واستثنى الله هؤلاء الآلهة المعبودة التي هي ومن يعبدها في النار.
⁕ حدثنا ابن سنان القزاز، قال: ثنا الحسن بن الحسين الأشقر، قال: ثنا أبو كدينة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لما نزلت ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾ قال المشركون: فإن عيسى يُعبد وعُزَير والشمس والقمر يُعبدون، فأنزل الله ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ لعيسى وغيره.
وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب قول من قال: عني بقوله ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ ما كان من معبود، كان المشركون يعبدونه والمعبود لله مطيع وعابدوه بعبادتهم إياه بالله كفّار، لأن قوله تعالى ذكره ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى﴾ ابتداء كلام محقق لأمر كان ينكره قوم، على نحو الذي ذكرنا في الخبر عن ابن عباس، فكأن المشركين قالوا لنبيّ الله ﷺ إذ قال لهم ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ : ما الأمر كما تقول، لأنا نعبد الملائكة، ويعبد آخرون المسيح وعُزَيرا، فقال عزّ وجلّ ردا عليهم قولهم: بل ذلك كذلك، وليس الذي سبقت لهم منا الحسنى هم عنها مبعدون، لأنهم غير معنيين بقولنا ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ ، فأما قول الذين قالوا ذلك استثناء من قوله ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ فقول لا معنى له، لأن الاستثناء إنما هو إخراج المستثنى من المستثنى منه، ولا شك أن الذين سبقت لهم منا الحسنى إنما هم إما ملائكة وإما إنس أو جانٌ، وكلّ هؤلاء إذا ذكرتها العرب فإن أكثر ما تذكرها بمن، لا بما، والله تعالى ذكره إنما ذكر المعبودين الذين أخبر أنهم حَصَب جهنم بما، قال ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ إنما أريد به ما كانوا يعبدونه من الأصنام والآلهة من الحجارة والخشب، لا من كان من الملائكة والإنس، فإذا كان ذلك كذلك لما وصفنا، فقوله ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى﴾ جواب من الله للقائلين ما ذكرنا من المشركين مبتدأ، وأما الحُسنى فإنها الفُعلى من الحسن، وإنما عني بها السعادة السابقة من الله لهم.
كما:-
⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى﴾ قال: الحسنى: السعادة، وقال: سبقت السعادة لأهلها من الله، وسبق الشقاء لأهله من الله.
{"ayahs_start":100,"ayahs":["لَهُمۡ فِیهَا زَفِیرࣱ وَهُمۡ فِیهَا لَا یَسۡمَعُونَ","إِنَّ ٱلَّذِینَ سَبَقَتۡ لَهُم مِّنَّا ٱلۡحُسۡنَىٰۤ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ عَنۡهَا مُبۡعَدُونَ"],"ayah":"إِنَّ ٱلَّذِینَ سَبَقَتۡ لَهُم مِّنَّا ٱلۡحُسۡنَىٰۤ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ عَنۡهَا مُبۡعَدُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق