الباحث القرآني
(p-١٥٥)﴿إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهم مِنّا الحُسْنى أُولَئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ﴾ ﴿لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وهم في ما اشْتَهَتْ أنْفُسُهم خالِدُونَ﴾ ﴿لا يَحْزُنُهُمُ الفَزَعُ الأكْبَرُ وتَتَلَقّاهُمُ المَلائِكَةُ هَذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾
جُمْلَةُ ﴿إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهم مِنّا الحُسْنى﴾ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنافًا ابْتِدائِيًّا دَعا إلَيْهِ مُقابَلَةُ حِكايَةِ حالِ الكافِرِينَ وما يُقالُ لَهم يَوْمَ القِيامَةِ بِحِكايَةِ ما يَلْقاهُ الَّذِينَ آمَنُوا يَوْمَ القِيامَةِ وما يُقالُ لَهم. فالَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمُ الحُسْنى هُمُ الفَرِيقُ المُقابِلُ لِفَرِيقِ القَرْيَةِ الَّتِي سَبَقَ في عِلْمِ اللَّهِ إهْلاكُها، ولَمّا كانَ فَرِيقُ القَرْيَةِ هُمُ المُشْرِكِينَ فالفَرِيقُ المُقابِلُ لَهُ هُمُ المُؤْمِنُونَ. ولا عَلاقَةَ لِهَذِهِ الجُمْلَةِ بِجُمْلَةِ ﴿إنَّكم وما تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ [الأنبياء: ٩٨] ولا هي مُخَصِّصَةٌ لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعالى ﴿وما تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ [الأنبياء: ٩٨] بَلْ قَوْلُهُ تَعالى ﴿الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهم مِنّا الحُسْنى﴾ عامٌّ يَعُمُّ كُلَّ مُؤْمِنٍ ماتَ عَلى الإيمانِ والعَمَلِ الصّالِحِ.
والسَّبْقُ، حَقِيقَتُهُ: تَجاوُزُ الغَيْرِ في السَّيْرِ إلى مَكانٍ مُعَيَّنٍ. ومِنهُ سِباقُ الخَيْلِ. واسْتُعْمِلَ هُنا مَجازًا في ثُبُوتِ الأمْنِ في الماضِي، يُقالُ كانَ هَذا في العُصُورِ السّابِقَةِ، أيِ الَّتِي مَضَتْ أزْمانُها لِما بَيْنَ السَّبْقِ وبَيْنَ التَقَدُّمِ في المُلازَمَةِ، أيِ الَّذِينَ حَصَلَتْ لَهُمُ الحُسْنى في الدُّنْيا، أيْ حَصَلَ لَهُمُ الإيمانُ والعَمَلُ الصّالِحُ مِنَ اللَّهِ، أيْ بِتَوْفِيقِهِ وتَقْدِيرِهِ، كَما حَصَلَ الإهْلاكُ لِأضْدادِهِمْ بِما قُدِّرَ لَهم مِنَ الخِذْلانِ.
والحُسْنى: الحالَةُ الحَسَنَةُ في الدِّينِ، قالَ تَعالى ﴿لِلَّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنى وزِيادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦] أوِ المَوْعِدَةُ الحُسْنى، أيْ تَقَرَّرَ وعْدُ اللَّهِ إيّاهم بِالمُعامَلَةِ الحُسْنى. وتَقَدَّمَ في سُورَةِ يُونُسَ. (p-١٥٦)وذُكِرَ المَوْصُولُ في تَعْرِيفِهِمْ لِأنَّ المَوْصُولَ لِلْإيماءِ إلى أنَّ سَبَبَ فَوْزِهِمْ هو سَبْقُ تَقْدِيرِ الهِدايَةِ لَهم. وذُكِرَ اسْمُ الإشارَةِ بَعْدَ ذَلِكَ لِتَمْيِيزِهِمْ بِتِلْكَ الحالَةِ الحَسَنَةِ، ولِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّهم أحْرِياءُ بِما يُذْكَرُ بَعْدَ اسْمِ الإشارَةِ مِن أجْلِ ما تَقَدَّمَ عَلى اسْمِ الإشارَةِ مِنَ الأوْصافِ، وهو سَبْقُ الحُسْنى مِنَ اللَّهِ.
واخْتِيرَ اسْمُ إشارَةِ البَعِيدِ لِلْإيماءِ إلى رِفْعَةِ مَنزِلَتِهِمْ، والرِّفْعَةُ تُشَبَّهُ بِالبُعْدِ. وجُمْلَةُ ﴿لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها﴾ بَيانٌ لِمَعْنى مُبْعَدُونَ، أيْ مُبْعَدُونَ عَنْها بُعْدًا شَدِيدًا بِحَيْثُ لا يَلْفَحُهم حَرُّها ولا يَرُوعُهم مَنظَرُها ولا يَسْمَعُونَ صَوْتَها، والصَّوْتُ يَبْلُغُ إلى السَّمْعِ مِن أبْعَدِ ما يَبْلُغُ مِنهُ المَرْئِيُّ.
والحَسِيسُ: الصَّوْتُ الَّذِي يَبْلُغُ الحِسَّ، أيِ الصَّوْتُ الَّذِي يُسْمَعُ مِن بَعِيدٍ، أيْ لا يَقْرُبُونَ مِنَ النّارِ ولا تَبْلُغُ أسْماعَهم أصْواتُها، فَهم سالِمُونَ مِنَ الفَزَعِ مِن أصْواتِها فَلا يَقْرَعُ أسْماعَهم ما يُؤْلِمُها. وعَقَّبَ ذَلِكَ بِما هو أخَصُّ مِنَ السَّلامَةِ وهو النَّعِيمُ المُلائِمُ. وجِيءَ فِيهِ بِما يَدُلُّ عَلى العُمُومِ وهو ﴿فِي ما اشْتَهَتْ أنْفُسُهُمْ﴾ وما يَدُلُّ عَلى الدَّوامِ وهو (خالِدُونَ) .
والشَّهْوَةُ: تَشَوُّقُ النَّفْسِ إلى ما يَلَذُّ لَها.
وجُمْلَةُ ﴿لا يَحْزُنُهُمُ الفَزَعُ﴾ خَبَرٌ ثانٍ عَنِ المَوْصُولِ.
والفَزَعُ: نَفْرَةُ النَّفْسِ وانْقِباضُها مِمّا تَتَوَقَّعُ أنْ يَحْصُلَ لَها مِنَ الألَمِ وهو قَرِيبٌ مِنَ الجَزَعِ، والمُرادُ بِهِ هُنا فَزَعُ الحَشْرِ حِينَ لا يَعْرِفُ أحَدٌ ما سَيَؤُولُ إلَيْهِ أمْرُهُ، فَيَكُونُونَ في أمْنٍ مِن ذَلِكَ بِطَمْأنَةِ المَلائِكَةِ إيّاهم. (p-١٥٧)وذَلِكَ مُفادُ قَوْلِهِ تَعالى ﴿وتَتَلَقّاهُمُ المَلائِكَةُ هَذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ فَهَؤُلاءِ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمُ الحُسْنى هُمُ المُرادُ مِنَ الِاسْتِثْناءِ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿ويَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّورِ فَفَزِعَ مَن في السَّماواتِ ومَن في الأرْضِ إلّا مَن شاءَ اللَّهُ﴾ [النمل: ٨٧] .
والتَّلَقِّي: التَّعَرُّضُ لِلشَّيْءِ عِنْدَ حُلُولِهِ تَعَرُّضَ كَرامَةٍ. والصِّيغَةُ تُشْعِرُ بِتَكَلُّفِ لِقائِهِ وهو تَكَلُّفُ تَهَيُّؤٍ واسْتِعْدادٍ. وجُمْلَةُ ﴿هَذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ مَقُولٌ لِقَوْلٍ مَحْذُوفٍ، أيْ يَقُولُونَ لَهم: هَذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ، تَذْكِيرًا لَهم بِما وُعِدُوا في الدُّنْيا مِنَ الثَّوابِ، لِئَلّا يَحْسَبُوا أنَّ المَوْعُودَ بِهِ يَقَعُ في يَوْمٍ آخَرَ. أيْ هَذا يَوْمُ تَعْجِيلِ وعْدِكم. والإشارَةُ بِاسْمِ إشارَةِ القَرِيبِ لِتَعْيِينِ اليَوْمِ وتَمْيِيزِهِ بِأنَّهُ اليَوْمُ الحاضِرُ. وإضافَةُ (يَوْمٍ) إلى ضَمِيرِ المُخاطَبِينَ لِإفادَةِ اخْتِصاصِهِ بِهِمْ وكَوْنِ فائِدَتِهِمْ حاصِلَةً فِيهِ كَقَوْلِ جَرِيرٍ:
؎يا أيُّها الرّاكِبُ المُزْجِي مَطِيَّتَهُ هَذا زَمانُكَ إنِّي قَدْ خَلا زَمَنِي
أيْ هَذا الزَّمَنُ المُخْتَصُّ بِكَ، أيْ لِتَتَصَرَّفَ فِيهِ.
{"ayahs_start":101,"ayahs":["إِنَّ ٱلَّذِینَ سَبَقَتۡ لَهُم مِّنَّا ٱلۡحُسۡنَىٰۤ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ عَنۡهَا مُبۡعَدُونَ","لَا یَسۡمَعُونَ حَسِیسَهَاۖ وَهُمۡ فِی مَا ٱشۡتَهَتۡ أَنفُسُهُمۡ خَـٰلِدُونَ","لَا یَحۡزُنُهُمُ ٱلۡفَزَعُ ٱلۡأَكۡبَرُ وَتَتَلَقَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ هَـٰذَا یَوۡمُكُمُ ٱلَّذِی كُنتُمۡ تُوعَدُونَ"],"ayah":"إِنَّ ٱلَّذِینَ سَبَقَتۡ لَهُم مِّنَّا ٱلۡحُسۡنَىٰۤ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ عَنۡهَا مُبۡعَدُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق