الباحث القرآني
* (فصل: في قوله تعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهم مِنّا الحُسْنى أُولَئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ (١٠١)﴾
قد تقدمت الأحاديث بوقوع أهل السعادة في إحدى القبضتين وكتابتهم بأسمائهم وأسماء آبائهم في ديوان السعداء قبل خلقهم وفي صحيح الحاكم من حديث الحسين بن واقد عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس قال:
"لما نزلت: ﴿إنَّكم وما تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾
قال المشركون فالملائكة وعيسى وعزير يعبدون من دون الله.
قال فنزلت: ﴿إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهم مِنّا الحُسْنى أُولَئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ﴾ "
وهذا إسناد صحيح وقال علي بن المديني ثنا يحيى بن آدم ثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم قال أخبرني أبو رزين عن أبي يحيى عن ابن عباس أنه قال:
"آية لا يسأل الناس عنها لا أدري أعرفوها فلم يسألوا عنها أو جهلوها فلا يسألون عنها.
فقيل له وما هي؟
فقال: لما نزلت: ﴿إنَّكم وما تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أنْتُمْ لَها وارِدُونَ﴾
شق ذلك على قريش أو على أهل مكة وقالوا يشتم آلهتنا فجاء ابن الزبعري فقال: مالكم قالوا: يشتم آلهتنا قال: وما قال قالوا: قال: ﴿إنَّكم وما تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أنْتُمْ لَها وارِدُونَ﴾
قال: ادعوه لي فلما دعي النبي ﷺ قال: يا محمد هذا شيء لآلهتنا خاصة أم لكل من عبد من دون الله فقال: لا بل لكل من عبد من دون الله قال فقال ابن الزبعري: خصمت ورب هذه البنية يعني الكعبة ألست تزعم أن الملائكة عباد صالحون وأن عيسى عبد صالح وأن عزيرا عبد صالح وهذه بنو مليح تعبد الملائكة وهذه النصارى تعبد عيسى وهذه اليهود تعبد عزيرا قال فضج أهل مكة فأنزل الله عز وجل: ﴿إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهم مِنّا الحُسْنى أُولَئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها﴾
قال: ونزلت: ﴿وَلَمّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إذا قَوْمُكَ مِنهُ يَصِدُّونَ﴾ قال: هو الضجيج.
وهذا الإيراد الذي أورده ابن الزبعري لا يرد على الآية فإنه سبحانه قال إنكم وما تعبدون من دون الله ولم يقل ومن تعبدون وما لما لا يعقل فلا يدخل فيها الملائكة والمسيح وعزير وإنما ذلك للأحجار ونحوها التي لا تعقل وأيضا فإن السورة مكية والخطاب فيها لعباد الأصنام فإنه قال إنكم وما تعبدون فلفظة إنكم ولفظة ما تبطل سؤاله وهو رجل فصيح من العرب لا يخفى عليه ذلك ولكن إيراده إنما كان من جهة القياس والعموم المعنوي الذي يعم الحكم فيه بعموم علته أي إن كان كونه معبودا يوجب أن يكون حصب جهنم فهذا المعنى بعينه موجود في الملائكة وعزير والمسيح فأجيب بالفارق وذلك من وجوه.
أحدها: أن الملائكة والمسيح وعزيرا ممن سبقت لهم من الله الحسنى فهم سعداء لم يفعلوا ما يستوجبون به النار فلا يعذبون بعبادة غيرهم مع بعضهم ومعاداتهم لهم فالتسوية بينهم وبين الأصنام أقبح من التسوية بين البيع والربا والميتة والذكي وهذا شأن أهل الباطل وإنما يسوون بين ما فرق الشرع والعقل والفطرة بينه ويفرقون بين ما سوى الله ورسوله بينه.
الفرق الثاني: أن الأوثان حجارة غير مكلفة ولا ناطقة فإذا حصبت بها جهنم إهانة لها ولعابديها لم يكن في ذلك من لا يستحق العذاب بخلاف الملائكة والمسيح وعزير فإنهم أحياء ناطقون فلو حصبت بهم النار كان ذلك إيلاما وتعذيبا لهم.
الثالث: أن من عبد هؤلاء بزعمه فإنه لم يعبدهم في الحقيقة فإنهم لم يدعوا إلى عبادتهم وإنما عبد المشركون الشياطين وتوهموا أن العبادة لهؤلاء فإنهم عبدوا بزعمهم من ادعى أنه معبود مع الله وأنه معه إله وقد برأ الله سبحانه ملائكته والمسيح وعزيرا من ذلك وإنما ادعى ذلك الشياطين وهم بزعمهم يعتقدون أنهم يرضون بأن يكونوا معبودين مع الله ولا يرضى بذلك إلا الشياطين ولهذا قال سبحانه: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهم جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أهَؤُلاءِ إيّاكم كانُوا يَعْبُدُونَ قالُوا سُبْحانَكَ أنْتَ ولِيُّنا مِن دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الجِنَّ أكْثَرُهم بِهِمْ مُؤْمِنُونَ﴾ وقال تعالى: ﴿ألَمْ أعْهَدْ إلَيْكم يا بَنِي آدَمَ أنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ﴾ وقال تعالى: ﴿وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ ولَدًا سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالقَوْلِ وهم بِأمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أيْدِيهِمْ وما خَلْفَهم ولا يَشْفَعُونَ إلّا لِمَنِ ارْتَضى وهم مِن خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ومَن يَقُلْ مِنهم إنِّي إلَهٌ مِن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ﴾ فما عبد غير الله إلا الشيطان وهذه الأجوبة منتزعة من قوله: ﴿إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهم مِنّا الحُسْنى﴾
فتأمل الآية تجدها تلوح في صفحات ألفاظها وبالله التوفيق.
والمقصود ذكر الحسنى التي سبقت من الله لأهل السعادة قبل وجودهم.
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم ثنا أبو سعيد بن يحي بن سعيد ثنا أبو عامر العقدي ثنا عروة بن ثابت الأنصاري ثنا الزهري عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف: "أن عبد الرحمن بن عوف مرض مرضا شديدا أغمي عليه فأفاق فقال: أغمي علي قالوا: نعم قال: إنه أتاني رجلان غليظان فأخذا بيدي فقالا: انطلق نحاكمك إلى العزيز الأمين فانطلقا بي فتلقاهما رجل وقال: أين تريدان به قالا: نحاكمه إلى العزيز الأمين فقال: دعاه فإن هذا ممن سبقت له السعادة وهو في بطن أمه"
وقال عبد الله بن محمد البغوي ثنا داود بن رشيد ثنا ابن علية حدثني محمد بن محمد القرشي عن عامر بن سعد قال: "أقبل سعد من أرض له فإذا الناس عكوف على رجل فاطلع فإذا هو يسب طلحة والزبير وعليا فنهاه فكأنما زاده إغراء فقال: ويلك تريد أن تسب أقواما هم خير منك لتنتهين أو لأدعون عليك فقال: كأنما يخوفني نبي من الأنبياء فانطلق فدخل دارا فتوضأ ودخل المسجد ثم قال: اللهم إن كان هذا قد سب أقواما قد سبقت لهم منك حسنى أسخطك سبه إياهم فأرني اليوم آية تكون للمؤمنين آية.
وقال تخرج بختية من دار بني فلان لا يردها شيء حتى تنتهي إليه ويتفرق الناس وتجعله بين قوائمها وتطأه حتى طفى قال: فأنا رأيت سعدا يتبعه الناس يقولون استجاب الله لك يا أبا إسحاق استجاب الله لك يا أبا إسحاق.
وقال تعالى: ﴿وَجاهِدُوا في اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هو اجْتَباكم وما جَعَلَ عَلَيْكم في الدِّينِ مِن حَرَجٍ مِلَّةَ أبِيكم إبْراهِيمَ هو سَمّاكُمُ المُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وفي هَذا﴾
أي الله سماكم من قبل القرآن وفي القرآن فسبقت تسمية الحق سبحانه لهم مسلمين قبل إسلامهم وقبل وجودهم وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنا المُرْسَلِينَ إنَّهم لَهُمُ المَنصُورُونَ وإنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الغالِبُونَ﴾ وقال ابن عباس في رواية الوالبي عنه في قوله: ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أنَّ لَهم قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ قال سبقت لهم السعادة في الذكر الأول وهذا لا يخالف قول من قال إنه الأعمال الصالحة التي قدموها، ولا قول من قال إنه محمد ﷺ فإنه سبق لهم من الله في الذكر الأول السعادة بأعمالهم على يد محمد ﷺ فهو خير تقدم لهم من الله ثم قدمه لهم على يد رسوله ثم يقدمهم عليه يوم لقائه وقد قال تعالى: ﴿لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكم فِيما أخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ﴾
وقد اختلف السلف في هذا الكتاب السابق فقال جمهور المفسرين من السلف ومن بعدهم لولا قضاء من الله سبق لكم يا أهل بدر في اللوح المحفوظ أن الغنائم حلال لكم لعاقبكم وقال آخرون لولا كتاب من الله سبق أنه لا يعذب أحدا إلا بعد الحجة لعاقبكم وقال آخرون لولا كتاب من الله سبق لأهل بدر أنه مغفور لهم وإن عملوا ما شاؤا لعاقبهم وقال آخرون وهو الصواب لولا كتاب من الله سبق بهذا كله لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم والله أعلم.
{"ayah":"إِنَّ ٱلَّذِینَ سَبَقَتۡ لَهُم مِّنَّا ٱلۡحُسۡنَىٰۤ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ عَنۡهَا مُبۡعَدُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق