الباحث القرآني

وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ قرأ أهل الكوفة: وَحِرْمٌ بكسر الحاء وجزم الراء من غير ألف، وقرأ الآخرون: وَحَرامٌ، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم، هما لغتان مثل حل وحلال. قال ابن عباس: معنى الآية «وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ» أي أهل قرية أَهْلَكْناها أي يرجعون بعد الهلاك وعلى هذا التأويل يكون لا صلة مثل قول العجاج: في سر لا حورى سرى وما شعر أي في سر حور [[لسان العرب: 4/. 217 والعبارة: في بئر لا حور سرى وما شعر.]] . وقال الآخرون: الحرام بمعنى الواجب كقول الخنساء: وإنّ حراما لا أرى الدهر باكيا ... على شجوه إلّا بكيت على عمرو [[لسان العرب: 12/ 127.]] وعلى هذا التأويل يكون لا ثابتا. وقال جابر الجعفي: سألت أبا جعفر عن الرجعة فقرأ هذه الآية. حَتَّى إِذا فُتِحَتْ قرأه العامة بالتخفيف، وقرأ أبو جعفر وابن عامر ويعقوب بالتشديد على الكسرة. يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ ومعنى الآية فرّج السد عن يأجوج ومأجوج، وقد ذكرنا قصتهما بالشرح. وروى منصور بن المعتمر عن ربعي بن خراش عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله ﷺ‎ [[جامع البيان للطبري: 25/ 147.]] : أوّل الآيات الدجّال، ونزول عيسى، ونار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر تقيل معهم إذا قالوا، والدخان والدابّة، ثم يأجوج ومأجوج. قال حذيفة: قلت: يا رسول الله ما يأجوج ومأجوج؟ قال: أمم، كلّ أمّة أربعمائة ألف أمّة، لا يموت الرجل منهم حتى يرى ألف عين تطرف بين يديه من صلبه، وهم ولد آدم (عليه السلام) فيسيرون إلى خراب الدنيا، ويكون مقدمتهم بالشام وساقهم بالعراق، فيمرّون بأنهار الدنيا فيشربون الفرات ودجلة وبحر الطبرية حتى يأتوا بيت المقدس فيقولوا: قد قتلنا أهل الدنيا، فقاتلوا من في السماء فيرمون بالنشّاب إلى السّماء، فيرجع نشابهم مخضّبة بالدم فيقولون: قد قتلنا من في السّماء. وعيسى والمسلمون بجبل طور سينين فيوحي الله سبحانه إلى عيسى أن احرز عبادي بالطور وما يلي، ثمّ إنّ عيسى يرفع يديه إلى السّماء، ويؤمّن المسلمون، فيبعث الله سبحانه عليهم دابّة يقال لها النغف [[في نسخة أصفهان: العرف.]] تدخل في مناخرهم فيصبحون موتى من حاقّ الشام إلى حاق المشرق [[في تفسير الطبري: العراق.]] [[في نسخة أصفهان: المغرب.]] حتى تنتن الأرض من جيَفهم ويأمر الله سبحانه السماء فتمطر كأفواه القرب فتغسل الأرض من جيفهم ونتنهم، فعند ذلك طلوع الشمس من مغربها [[تفسير الطبري: 17/ 115، وبعضه في سنن ابن ماجة: 2/ 1347، ح 4055.]] . وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ أي نشز وتلّ يَنْسِلُونَ يخرجون مشاة مسرعين كنسلان الذئب. واختلف العلماء في هذه الكناية فقال قوم: عنى بهم يأجوج ومأجوج، واستدلّوا بحديث أبي سعيد الخدري عن رسول الله ﷺ‎ قال: يفتح يأجوج ومأجوج فيخرجون على الناس كما قال الله سبحانه مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ فيغشون الأرض [[مسند أحمد: 3/ 77.]] . وروى عبد الله بن مسعود عن رسول الله ﷺ‎ فيما يذكر عن عيسى قال: «قال عيسى: عهد إليّ ربي أنّ الدجّال خارج وأنّه مهبطي إليه، فذكر أنّ معه قصبتين فإذا رآني أهلكه الله، قال: فيذوب كما يذوب الرصاص حتى أنّ الشجر والحجر ليقول: يا مسلم هذا كافر فاقتله، فيهلكهم الله عزّ وجلّ ويرجع الناس إلى بلادهم وأوطانهم، فيستقبلهم يأجوج ومأجوج مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، لا يأتون على شيء إلّا أهلكوه ولا يمرّون على ماء إلّا شربوه» [[جامع البيان للطبري: 17/ 120.]] . وقال آخرون: أراد جميع الخلق، يعني أنّهم يخرجون من قبورهم ومواضعهم فيحشرون إلى موقف القيامة، تدلّ عليه قراءة مجاهد: وهم من كلّ جدث بالجيم والثاء يعني القبر اعتبارا بقوله سبحانه فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ [[سورة يس: 51.]] . وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ يعني القيامة، قال الفرّاء وجماعة من العلماء: الواو في قوله «وَاقْتَرَبَ» مقحم ومجاز الآية: حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج اقترب الوعد الحقّ، نظيرها قوله فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنادَيْناهُ [[سورة الصافّات: 103- 104.]] أي ناديناه. قال امرؤ القيس: فلمّا أجزنا ساحة الحىّ وانتحى ... بباطن خبت ذي قفاف عقنقل [[تاج العروس: 4/ 19.]] يريد انتحى، ودليل هذا التأويل حديث حذيفة قال: لو أنّ رجلا اقتنى فلوا بعد خروج يأجوج ومأجوج لم يركبه حتّى تقوم الساعة. وقال الزجّاج: البصريون لا يجيزون طرح الواو ويجعلون جواب حتى إذا فتحت في قوله «يا وَيْلَنا» وتكون مجازا الآية حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ ... وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ قالوا يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا. فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا في قوله هِيَ ثلاثة أوجه: أحدها: أن تكون هي كناية عن الأبصار ويكون الأبصار الظاهرة بيانا عنها كقول الشاعر: لعمر أبيها لا تقول ظعينتي ... ألا فرّ عنّي مالك بن أبي كعب [[تفسير القرطبي: 11/ 342.]] فكنى عن الظعينة في أبيها ثم أظهرها فيكون تأويل الكلام: فإذا الأبصار شاخصة أبصار الذين كفروا. والثاني: أن تكون هي عمادا كقوله «فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ» ، وكقول الشاعر: فهل هو مرفوع بما هاهنا رأس [[جامع البيان للطبري: 1/ 565.]] والثالث: أن يكون تمام الكلام عند قوله هِيَ على معنى هي بارزة واقفة يعني: من قربها كأنّها آتية حاضرة، ثم ابتدأ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا على تقديم الخبر على الابتداء مجازها: أبصار الذين كفروا شاخصة من هول قيام الساعة، وهم يقولون يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا أي من هذا اليوم بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ بمعصيتنا ربّنا ووضعنا العبادة في غير موضعها. إِنَّكُمْ أيها المشركون وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ يعني الأصنام حَصَبُ جَهَنَّمَ قراءة العامة بالصاد أي وقودها عن ابن عباس. وقال مجاهد وقتادة وعكرمة: حطبها، وذكر أنّ الحصب في لغة أهل اليمن الحطب. الضحّاك: يعني يرمون بهم في النار كما يرمى بالحصباء، وأصل الحصب الرمي يقال: حصبت الرجل إذا رميته، قال الله سبحانه وتعالى إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً [[سورة القمر: 34.]] يعني ريحا ترميهم بالحجارة وقرأ ابن عباس: حضب بالضاد، وهو كل ما هيّجت وأوقدت به النار، ومنه قيل لدقاق النار: حضب، وقرأ علي وعائشة: ولا هو من حميد: حطب بالطاء نظيرها قوله سبحانه «وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ» . أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ أي فيها داخلون لَوْ كانَ هؤُلاءِ الأصنام آلِهَةً على الحقيقة ما وَرَدُوها يعني ما دخل عابدوها النار، بل منعتها وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ يعني العابد والمعبود. لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ قال ابن مسعود في هذه الآية: إذا بقي في النار من يخلد فيها جعلوا في توابيت من نار، ثم جعل التوابيت في توابيت أخرى، ثم جعلت التوابيت في أخرى فيها مسامير من نار، فلا يسمعون شيئا ولا يرى أحد منهم أن في النار أحدا يعذّب غيره. ثم استثنى فقال سبحانه وتعالى إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ قال قوم من العلماء: إنّ ها هنا بمعنى إلّا وليس في القرآن سواه، والسبق تقدّم الشيء على غيره. لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى السعادة والعدة الجميلة بالجنّة أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ والإبعاد: تطويل المسافة. واختلفوا في هؤلاء من هم؟ فقال أكثر المفسرين: عندي بذلك كلّ من عبد من دون الله وهو طائع ولعبادة من يعبده كاره، وذلك أنّ رسول الله ﷺ‎ دخل المسجد وصناديد قريش في الحطيم [[في النسخة الثانية: المسجد.]] وحول الكعبة ثلاثمائة وستّون صنما فجلس إليهم فعرض له النضر بن الحارث فكلّمه رسول الله ﷺ‎ حتى أفحمه، ثم تلا عليه وعليهم إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ الآيات الثلاث، ثمّ قام فأقبل عبد الله بن الزبعرى بن قيس بن عدي السهمي فرآهم يتهامسون قال: فيم خوضكم؟ فأخبره الوليد بن المغيرة بما قال لهم رسول الله ﷺ‎، فقال عبد الله: أما والله لو وجدته لخصمته، فدعوا رسول الله ﷺ‎ فقال له ابن الزبعرى: أنت قلت: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ؟ قال: نعم، قال: قد خصمتك وربّ الكعبة، أليست اليهود تعبد عزيرا والنصارى تعبد المسيح وبنو مليح يعبدون الملائكة؟. فقال رسول الله ﷺ‎: «نعم، بل هم يعبدون الشياطين، هي التي أمرتهم بذلك، فأنزل الله سبحانه إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى الآية يعني عزيرا وعيسى والملائكة» [[جامع البيان للطبري: 17/ 128.]] . قال الحسن بن الفضل: إنما أراد بقوله إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ الأوثان دون غيرها لأنّه لو أراد الملائكة والنّاس لقال: «ومن تعبدون» ، قلت: ولأنّ المخاطبين بهذه الآية مشركو مكة وهم كانوا يعبدون الأصنام. وقال بعضهم: هذه الآية عامّة في كلّ من سبقت له من الله السعادة. قال محمّد بن حاطب: سمعت عليّا كرّم الله وجهه يخطب، فقرأ هذه الآية إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ فقال: عثمان (رضي الله عنه) منهم!. وقال الجنيد في هذه الآية: سبقت لهم من الله العناية في البداية، فظهرت الولاية في النهاية. أخبرني أبو عبد الله محمد بن عبد الله قال: حدّثنا أبو الحسين محمد بن عثمان النصيبي قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين السبيعي بحلب قال: أخبرنا أحمد بن الحسين بن عبد الجبار الصوفي قال: حدّثنا عبيد الله القواريري قال: حدّثنا محمد بن الحسن بن أبي يزيد الهمداني قال: حدّثنا ليث عن ابن عمّ النعمان بن بشير- وكان من سمّار علىّ- قال: تلا عليّ ليلة هذه الآية إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ قال: أنا منهم وأبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد وعبد الرّحمن بن عوف منهم!!، ثم أقيمت الصلاة فقام علىّ يجرّ رداءه وهو يقول لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها يعني صوتها إذا نزلوا منازلهم من الجنة وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ والشهوة طلب النفس اللذّة، نظيرها قوله فِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ [[سورة الزخرف: 71.]] . لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وقرأ أبو جعفر بضمّ الياء وكسر الزاي، والباقون: بفتح الياء وضمّ الزاي، واختلفوا في الفزع الأكبر، فقال ابن عباس: النفخة الآخرة، دليله قوله سبحانه وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ [[سورة النمل: 87.]] . وقال الحسن: حين يؤمر بالعبد إلى النار. سعيد بن جبير والضحّاك: إذا أطبقت على أهل النار. ابن جريج: حين يذبح الموت على صورة كبش أملح على الأعراف والفريقان ينظران فينادى: يا أهل الجنّة خلود فلا موت، ويا أهل النّار خلود فلا موت. ذو النون المصري: هو القطيعة والهجران والفراق. وَتَتَلَقَّاهُمُ تستقبلهم الْمَلائِكَةُ على أبواب الجنة يهنّونهم ويقولون لهم هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ يَوْمَ. نَطْوِي السَّماءَ قرأ أبو جعفر تُطْوَى السَّماءُ بضم التاء والهمزة على المجهول، وقرأ الباقون بالنون السماء نصب كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ قرأ أهل الكوفة على الجمع، غيرهم: للكتاب على الواحد واختلفوا في السجلّ، فقال ابن عمر والسدىّ: السجل: ملك يكتب أعمال العباد فإذا صعد بالاستغفار قال الله سبحانه: أكتبها نورا. وقال ابن عباس ومجاهد: هو الصحيفة، واللام في قوله لِلْكُتُبِ بمعنى على تأويلها كطىّ الصحيفة على مكتوبها. وروى أبو الجوزاء وعكرمة عن ابن عباس أنّ السجلّ اسم كاتب لرسول الله، وهذا قول غير قوي لأنّ كتّاب رسول الله كانوا معروفين وقد ذكرتهم في كتاب «الربيع» ، والسجلّ اسم مشتقّ من المساجلة وهي المكاتبة، وأصلها من السجل وهو الدلو، يقال: سجلت الرجل إذا نزعت دلوا ونزع دلوا ثم استعيرت فسميت المكاتبة والمراجعة مساجلة، قال الشاعر: من يساجلني يساجل ماجدا ... يملأ الدلو إلى عقد الكرب [[لسان العرب: 11/ 326.]] ثم بنى هذا الاسم على فعل مثل طمر وقلز. والطي في هذه الآية يحتمل معنيين: أحدهما: الدرج الذي هو ضدّ النشر قال الله سبحانه وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [[سورة الزمر: 67.]] . والثاني: الإخفاء والتعمية والمحو والطمس لأنّ الله سبحانه يمحو رسومها ويكدر نجومها، قال الله سبحانه وتعالى إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ [[سورة التكوير: 1- 2.]] تقول العرب: اطو عن فلان هذا الحديث أي استره وأخفه. ثمّ ابتدأ واستأنف الكلام فقال عزّ من قائل كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ قال أكثر العلماء: كما بدأناهم في بطون أمهاتهم حفاة عزّلا كذلك نعيدهم يوم القيامة، نظيرها قوله سبحانه وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [[سورة الأنعام: 94.]] وقوله عُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا. لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [[سورة الكهف: 48.]] . ودليل هذا التأويل ما روى ليث عن مجاهد عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليّ رسول الله ﷺ‎ وعندي عجوز من بني عامر فقال: من هذه العجوز يا عائشة؟ فقلت: إحدى خالاتي، فقالت: ادع الله أن يدخلني الجنّة فقال: إنّ الجنّة لا يدخلها العجّز، فأخذ العجوز ما أخذها [[جامع البيان للطبري: 17/ 134.]] . فقال (عليه السلام) : إنّ الله ينشئهنّ خلقا غير خلقهن، قال الله تعالى إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً [[سورة الواقعة: 35.]] الآية ثمّ قال: يحشرون يوم القيامة عراة حفاة غلفا، فأوّل من يكسى إبراهيم صلوات الله عليه» . فقالت عائشة رضي الله عنها وعن أبيها: وا سوأتاه فلا تحتشم الناس بعضهم بعضا؟ قال: لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [[سورة عبس: 37.]] ، ثم قرأ رسول الله كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ كيوم ولدته أمه. وقال ابن عباس: يقول: نهلك كلّ شيء كما كان أول مرّة، وقيل: كما بدأناه من الماء نُعِيدُهُ من التراب. وَعْداً عَلَيْنا نصب على المصدر يعني وعدناه وعدا علينا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ يعني الإعادة والبعث. وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ قرأ الأعمش وحمزة: الزُّبُورِ بضم الزاي، وغيرهما يقرءون بالنصب وهو بمعنى المزبور كالحلوب والركوب، يقال: زبرت الكتاب وذبرته إذا كتبته، واختلفوا في معنى الزبور في هذه الآية، فقال سعيد بن جبير ومجاهد وابن زيد: عنى بالزبور الكتب المنزلة وبالذكر أمّ الكتاب الذي عنده. وقال ابن عباس والضحّاك: الذكر التوراة والزبور الكتب المنزلة من بعد التوراة. وقال الشعبي: الزبور كتاب داود والذكر التوراة. وقال بعضهم: الزبور زبور داود والذكر القرآن، وبعد بمعنى قبل كقوله وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ [[سورة الكهف: 79.]] أي أمامهم، وقوله وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها [[سورة النازعات: 30.]] أي قبل ذلك أَنَّ الْأَرْضَ يعني أرض الجنّة يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ يعني أمة محمد (عليه السلام) قاله مجاهد وأبو العالية، ودليل هذا التأويل قوله وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ. وقال ابن عباس: أراد أنّ الأرض في الدنيا تصير للمؤمنين، وهذا حكم من الله سبحانه بإظهار الدّين وإعزاز المسلمين وقهر الكافرين. قال وهب: قرأت في عدّة من كتب الله أنّ الله عزّ وجلّ قال: إنّي لأورث الأرض عبادي الصالحين من أمة محمد ﷺ‎. إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً وصولا إلى البغية، من اتّبع القرآن وعمل به وصل إلى ما يرجو من الثواب، فالقرآن زاد الجنة كبلاغ المسافر. لِقَوْمٍ عابِدِينَ أي مؤمنين يعبدون الله سبحانه وتعالى. وقال ابن عباس: عالمين، وقال كعب الأحبار: هم أمّة محمد أهل الصلوات الخمس وشهر رمضان، سمّاهم الله سبحانه وتعالى عابدين. وَما أَرْسَلْناكَ يا محمّد إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ قال ابن زيد: يعني المؤمنين خاصة، وقال ابن عباس: هو عامّ فمن آمن بالله واليوم الآخر كتب له رحمة في الدنيا والآخرة، ومن لم يؤمن عوفي ممّا أصاب الأمم من المسخ والخسف والقذف. قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ. فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ يعني أعلمتكم على بيان أنا وإيّاكم حرب لا صلح بيننا، وإنّي مخالف لدينكم، وقيل: معناه عَلى سَواءٍ من الإنذار لم أظهر بعضكم على شيء كتمته عن غيره، وقيل: لتستووا في الإيمان به، وهذا من فصيحات القرآن. وَإِنْ أَدْرِي وما أعلم أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ يعني القيامة، نسخها قوله وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ. إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ أي لعلّ تأخير العذاب عنكم، كناية عن غير مذكور فِتْنَةٌ اختبار لَكُمْ ليرى كيف صنيعكم وهو أعلم وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ إلى أجل يقضي الله فيه ما شاء. أخبرنا أبو بكر الجوزقي قال: أخبرنا أبو العباس الدعولي قال: أخبرنا أبو بكر بن أبي خيثمة قال: حدّثنا محمد بن أبي غالب قال: أخبرنا هشام قال: أخبرنا مجالد قال: حدّثني السبعي قال: لما سلم الحسن بن عليّ لمعاوية الأمر، قال له معاوية: قم فاخطب واعتذر إلى الناس، فقام الحسن فخطب، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنّ أكيس الكيس التقى، وإنّ أحمق الحمق الفجور، وإنّ هذا الأمر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية إمّا حقّ امرئ كان أحقّ به، وإمّا حقّ كان لي فتركته التماس الصلاح لهذه الأمّة، ثم قال: وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ. قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ افعل بيني وبين من كذبني بالحق، والله لا يحكم إلّا بالحق، وفيه وجهان من التأويل: قال أهل التفسير: الحق ها هنا بمعنى العذاب كأنّه استعجل العذاب لقومه فعذبوا يوم بدر وليله، نظيره قوله رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ [[سورة الأعراف: 89.]] . وقال قتادة: كان رسول الله (عليه السلام) إذا شهد قتالا قال: رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ. وقال أهل المعاني: معناه: رب احكم بحكمك الحق، فحذف الحكم وأقيم الحق مقامه، واختلف القراء في هذه الآية فقرأ حفص قالَ رَبِّ بالألف على الخبر، الباقون: قل على الأمر، وقرأ أبو جعفر: ربُّ احكم برفع الباء على النداء والمفرد، وقرأ الضحاك ويعقوب: ربي احكم بإثبات الياء على وجه الخبر بأنّ الله سبحانه أحكم بالحق من كل حاكم وهذه قراءة غير مرضية لمخالفة المصحف، والقرّاء الباقون: رَبِّ احْكُمْ على الدعاء وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب