قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى﴾ أَيِ الْجَنَّةُ (أُولئِكَ عَنْها) أَيْ عَنِ النَّارِ (مُبْعَدُونَ) فَمَعْنَى الْكَلَامِ الِاسْتِثْنَاءُ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: "إِنَّ" هَاهُنَا بِمَعْنَى "إِلَّا" وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ غَيْرُهُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَاطِبٍ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى الْمِنْبَرِ "إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى " فَقَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: (إِنَّ عُثْمَانَ مِنْهُمْ).
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها﴾ أَيْ حِسَّ النَّارِ وَحَرَكَةَ لَهَبِهَا. وَالْحَسِيسُ وَالْحِسُّ الْحَرَكَةُ. وَرَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ قَالَ أَبُو رَاشِدٍ الْحَرُورِيُّ لِابْنِ عَبَّاسٍ: "لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها" فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَجْنُونٌ أَنْتَ؟ فَأَيْنَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها﴾ [[راجع ص ١٣٥. وص ١٥٢ من هذا الجزء.]] وقوله تعالى: ﴿فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ﴾[[راجع ج ٩ ص ٩٣ فما بعد.]] [هود: ٩٨] وقوله: ﴿إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً﴾[[راجع ص ١٥٢ ص ١٤٩ من هذا الجزء.]] [مريم: ٨٦]. وَلَقَدْ كَانَ مِنْ دُعَاءِ مَنْ مَضَى: اللَّهُمَّ أَخْرِجْنِي مِنَ النَّارِ سَالِمًا، وَأَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ فَائِزًا. وقال أبو عثمان النهدي: عَلَى الصِّرَاطِ حَيَّاتٌ تَلْسَعُ أَهْلَ النَّارِ فَيَقُولُونَ: حَسَّ حَسَّ. وَقِيلَ: إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ [الْجَنَّةِ [[من ب وج وط وز وك.]]] لَمْ يَسْمَعُوا حِسَّ أَهْلِ النَّارِ وَقَبْلَ ذَلِكَ يَسْمَعُونَ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ (وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ) أَيْ دَائِمُونَ وَهُمْ فِيمَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ. وَقَالَ ﴿وَلَكُمْ فِيها مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها مَا تَدَّعُونَ﴾[[راجع ج ١٥ ص ٣٥٧.]] [فصلت: ٣١].
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ﴾ وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ "لَا يَحْزُنُهُمُ" بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الزَّايِ. الْبَاقُونَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الزَّايِ. قَالَ الْيَزِيدِيُّ: حَزَنَهُ لُغَةُ قُرَيْشٍ، وَأَحْزَنَهُ لُغَةْ تَمِيمٍ، وَقَدْ قُرِئَ بِهِمَا. وَالْفَزَعُ الْأَكْبَرُ أَهْوَالُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَالْبَعْثِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ وَقْتٌ يُؤْمَرُ بِالْعِبَادِ إِلَى النَّارِ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكُ: هُوَ إِذَا أَطْبَقَتِ النَّارُ عَلَى أَهْلِهَا، وَذُبِحَ الْمَوْتُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَقَالَ ذُو النُّونِ الْمِصْرِيُّ: هُوَ الْقَطِيعَةُ وَالْفِرَاقُ. وَعَنِ النَّبِيِّ ﷺ: (ثَلَاثَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي كَثِيبٍ مِنَ الْمِسْكِ الْأَذْفَرِ وَلَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ رَجُلٌ أَمَّ قَوْمًا مُحْتَسِبًا وَهُمْ له رضوان وَرَجُلٌ أَذَّنَ لِقَوْمٍ مُحْتَسِبًا وَرَجُلٌ ابْتُلِيَ بِرِقٍّ الدُّنْيَا فَلَمْ يَشْغَلْهُ عَنْ طَاعَةِ رَبِّهِ (. وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ يَضْرِبُ غُلَامًا لَهُ، فَأَشَارَ إِلَيَّ الْغُلَامُ، فَكَلَّمْتُ مَوْلَاهُ حَتَّى عَفَا عَنْهُ، فَلَقِيتُ أَبَا سَعِيدٍ الخدري فأخبرته، فقال: يا بن أَخِي مَنْ أَغَاثَ مَكْرُوبًا أَعْتَقَهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ. سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
(وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) أَيْ تَسْتَقْبِلُهُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يُهَنِّئُونَهُمْ وَيَقُولُونَ لَهُمْ: (هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) وَقِيلَ: تَسْتَقْبِلُهُمْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ عِنْدَ خُرُوجِهِمْ مِنَ الْقُبُورِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ "هَذَا يَوْمُكُمُ" أَيْ وَيَقُولُونَ لَهُمْ، فَحُذِفَ. "الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ" فيه الكرامة.
{"ayahs_start":101,"ayahs":["إِنَّ ٱلَّذِینَ سَبَقَتۡ لَهُم مِّنَّا ٱلۡحُسۡنَىٰۤ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ عَنۡهَا مُبۡعَدُونَ","لَا یَسۡمَعُونَ حَسِیسَهَاۖ وَهُمۡ فِی مَا ٱشۡتَهَتۡ أَنفُسُهُمۡ خَـٰلِدُونَ","لَا یَحۡزُنُهُمُ ٱلۡفَزَعُ ٱلۡأَكۡبَرُ وَتَتَلَقَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ هَـٰذَا یَوۡمُكُمُ ٱلَّذِی كُنتُمۡ تُوعَدُونَ"],"ayah":"إِنَّ ٱلَّذِینَ سَبَقَتۡ لَهُم مِّنَّا ٱلۡحُسۡنَىٰۤ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ عَنۡهَا مُبۡعَدُونَ"}