الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى﴾ الآية، قال الكلبي: أتى رسول الله -ﷺ- قريشًا، وهم في المسجد مجتمعون، وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنمًا، فتلا عليهم: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ الآيات الثلاث، فشق ذلك عليهم، فأتاهم عبد الله بن الزبعري السهمي، فرآهم قد ظهر ذلك منهم، فقال: مالي أراكم بحال لم أركم [[في (أ): (أراكم).]] عليها قبل أن أفارقكم؟ فقالوا: إنَّ محمدًا يزعم أنَّا وما نعبد في النار، فقال ابن الزبعري: والذي جعلها بيته لو كنت هاهنا لخصمته. وقالوا: وهل لك أن نرسل إليه [[في (أ): (الله). وهو خطأ.]] فتكلمه [[فتكلمه: ساقطة من (د)، (ع). وهي في (أ): (فيكلمه)، والصواب ما أثبتنا.]]؟ قال: نعم. وكان رسول الله -ﷺ- إذا بعثت [[في (أ)، (ع): (بعث).]] إليه قريش أتاهم رجاء أن يسلموا، فبعثوا إليه، فأتاهم، فقال ابن الزبعرى: أرأيت يا محمد ما قلت لقومك آنفاً أخاصٌ أم عام؟ قال: بل عام، من عبد شيئًا من دون الله فهو وما يعبد في النار. قال: قد خصمتك ورب الكعبة [أليست اليهود تعبد عزيرًا، والنصارى تعبد المسيح، وبنو مليح [[بنو مليح: بطن هن خزاعة، من القحطانية. وهم بنو مليح بن عمرو بن عامر بن لحي. انظر: "جمهرة أنساب العرب" لابن حزم ص 238، "معجم قبائل العرب" لكحالة 3/ 1138.]] يعبدون الملائكة؟] [[ما بين المعقوفين ساقط من (أ).]] فان كانوا هم ومعبودوهم في النار فما آلهتنا خير من معبوديهم [[في (أ): (معبودهم).]]، فسكت النبي -ﷺ- رجاء أن يأتيه جبريل، ولم يجبهم ساعة، فأنزل الله هذه الآية [[ذكره عن الكلبي: هودُ بن محكّم الهواري. والكلبي متهم بالكذب فلا يعتمد عليه في رواية. قال ابن عطية 1/ 213. ولا مرية أنها مع نزولها في خصوص مقصود تتناول كل من سعد في الآخرة.]]. وروى أن النبي -ﷺ- قال لابن الزبعرى: بل هم يعبدون الشياطين، هي التي أمرتهم بذلك. وأنزل الله هذه الآية [[روى الطبري 17/ 97 عن محمد بن حميد قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، فذكره مرفوعًا بنحوه. وإسناده لا يصح لضعف شيخ الطبري محمد بن حميد، ولإرساله.]]. وأراد بقوله: ﴿سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى﴾ عزيرًا، وعيسى، والملائكة. وهذا قول يروى عن ابن عباس [[روى الطبري 17/ 96 من طريق عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. وفيه عطاء بن السائب قد اختلط في آخره. لكن يشهد له رواه البزار في "مسنده" كما في "كشف الأستار" 3/ 59 عنه بلفظ: عيسى بن مريم -عليه السلام- ومن كان معه. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 7/ 68: رواه == البزار، وفيه شرحبيل بن سعد مولى الأنصار وثقه ابن معين وضعفه الجمهور، وبقية رجاله ثقات.]]. وهو قول مجاهد، وسعيد ابن جبير، وأبي صالح، والضحاك [[روى الطبري في "تفسيره" 17/ 69 - 97 هذا القول عن مجاهد وسعيد وأبي صالح والضحاك.]]، والسدي. وقال آخرون: هذه الآية مستأنفة ليست ترجع بمعناها إلى ما قبلها، وهي عامة في كل من سبقت لهم [[في (أ): (له).]] من الله السعادة. وهذا مذهب أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- روي أنه قال: أنا منهم، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، والزبير، وسعد [[هو سعد بن أبي وقاص.]]، وسعيد [[هو سعيد بن زيد بن عمرو بن نُفيل، العدوي، القرشي. أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، ومن السابقين الأولين، شهد المشاهد مع رسول الله -ﷺ-، وشهد حصار دمشق وفتحها، فولاه عليها أبو عبيدة بن الجراح. توفي بالعقيق سنة 50 هـ وقيل: 51 هـ وحمل إلى المدنية. "الاستيعاب" 2/ 614، "سير أعلام النبلاء" 1/ 124، "الإصابة" 2/ 44.]]، وعبد الرحمن بن عوف [[قال الزيلعي في "تخريج أحاديث الكشاف" 2/ 372 - 374: رواه ابن أبي حاتم، والثعلبي، وابن مردويه في تفاسيرهم، من حديث محمد بن الحسن بن أبي يزيد الهمداني، ثنا ليث -وتصحف في المطبوع إلى ليس- بن أبي سليم، عن ابن عم النعمان بن بشير- وفي المطبوع من "الدر المنثور" 5/ 681: عن النعمان بن بشير، وهو خطأ- وكان من سمار علي قال: تلا علي .. ثم قال الزلعي بعد سياقه للأثر: انتهى بلفظ الثعلبي لم يذكر فيه سعدًا، ولفظ ابن أبي حاتم: وعبد الرحمن بن عوف أو قال: سعد، شك فيه. ورواه ابن عدي في الكامل عن داود بن علية الحارثي، عن ليث بن أبي سليم، == به، فذكره، ولم يذكر سعدًا كالثعلبي. أهـ كلام الزيلعي. وفي النسخة الموجودة عندي من "تفسير الثعلبي" 3/ 44 ب ذكر سعدًا في الأثر، فلعله سقط من نسخته التي اعتمد عليه. والأثر عند ابن عدي في "الكامل" 3/ 986. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 5/ 682 وعزاه لابن أبي حاتم وابن عدي وابن مردويه. وهذا الأثر عن علي -رضي الله عنه- فيه علتان: الأولى: ضعف ليث بن أبي سليم، والثانية: جهالة ابن عم النعمان بن بشير. وقد روى ابن أبي شيبة في مصنفه 12/ 51 - 52، والطبري في "تفسيره" 17/ 96، وابن أبي حاتم في "تفسيره" كما في "تفسير ابن كثير" 3/ 198 عن محمد بن حاطب قال: سمعت عليًّا يخطب، فقرأ هذه الآية "إن الذين سبقت .. قال عثمان -رضي الله عنه- منهم". ولفظ ابن أبي حاتم: عثمان وأصحابه. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 5/ 681 - 682 وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير. وإسناده صحيح.]]. وهذا اختيار أكثر [[أكثر: ساقطة من (د)، (ع).]] أهل المعاني. قالوا: وقوله تعالى: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ﴾ أراد أوثان قريش، ولو كان عزير وعيسى والملائكة داخلًا تحت الكلام لقيل: ومن تعبدون، ولأن الخطاب [[في (د)، (ع): (الكلام).]] لمشركي مكة وهم كانوا أصحاب أوثان والإشارة بقوله: ﴿لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ﴾ إلى تلك الأصنام التي وقف عليها رسول الله -ﷺ- وكانت حول الكعبة. وقوله لآبن الزبعري هي عامة يعني في ما عبد من دون الله من غير العقلاء، وسكوته عند إلزامه إياه حديث عزير وعيسى إنما كان لإرادة أن يكون الجواب من الله إنْ صح أنه سكت. ومعنى قوله: ﴿سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى﴾ قال ابن عباس وعكرمة: يريد الرحمة [[ذكر ابن الجوزي في "زاد المسير" 5/ 393 عن ابن عباس وعكرمة أنهما قالا: الجنة.]]. وقال ابن زيد: السعادة من الله لأهلها [[رواه الطبري 17/ 98، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 5/ 681 وعزاه لابن مردويه وابن جرير وابن أبي حاتم.]]. وروي عن ابن عباس: الحسنى الجنة [[ذكره عنه ابن الجوزي كما تقدم. وانظر: "تنوير المقباس" ص 205. وشهد لهذا قوله تعالى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: 26]. والمعاني في تفسير "الحسنى" متقاربة.]]. وقد سبق من الله للمؤمنين الوعد بها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب