الباحث القرآني

﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ سَبَقَتۡ لَهُم مِّنَّا ٱلۡحُسۡنَىٰۤ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ عَنۡهَا مُبۡعَدُونَ ۝١٠١﴾ - نزول الآية

٤٩٧٧٠- عن عبد الله بن عباس -من طريق سعيد بن جبير- قال: لَمّا نزلت: ﴿إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون﴾ قال المشركون: فالملائكة وعيسى وعزير يُعبَدون من دون الله. فنزلت: ﴿إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون﴾؛ عيسى، وعُزَير، والملائكة[[أخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار ٣/١٥ (٩٨٥)، والخطيب في كتاب الفقيه والمتفقه ١/٢٢٤-٢٢٥، والضياء المقدسي في المختارة ١٠/٣٠٤، وابن جرير ١٦/٤١٨-٤١٩، من طريق أبي كدينة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس به. وسنده صحيح.]]٤٤٠٣. (١٠/٣٨٥)

٤٤٠٣ علّق ابنُ القيم (٢/٢٠٢) على أثر ابن عباس، فقال: «إسنادٌ صحيح».

٤٩٧٧١- عن عبد الله بن عباس -من طريق الأعمش، عن أصحابه- قال: لَمّا نزلت: ﴿إنَّكُمْ وما تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أنْتُمْ لَها وارِدُونَ﴾ قال المشركون: فالملائكة، وعُزَير، وعيسى يُعْبَدون من دون الله؟ فنزلت: ﴿لَوْ كانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً ما ورَدُوها﴾[[أخرجه ابن أبي حاتم -كما في تفسير ابن كثير ٥/٣٨٠-، من طريق الأعمش، عن أصحابه، عن ابن عباس به. وسنده ضعيف؛ لجهالة شيوخ الأعمش.]]. (ز)

٤٩٧٧٢- عن عبد الله بن عباس -من طريق عكرمة- قال: جاء عبد الله بن الزِّبَعْرى إلى النبي ﷺ، فقال: تزعم أنّ الله أنزل عليك هذه الآية: ﴿إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون﴾؟ قال ابن الزِّبَعْرى: قد عُبِدَت الشمسُ والقمرُ والملائكةُ وعزيرٌ وعيسى ابن مريم، كل هؤلاء في النار مع آلهتنا؟! فنزلت: ﴿ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون وقالوا أالهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون﴾ [الزخرف:٥٧-٥٨]. ثم نزلت: ﴿إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون﴾[[أخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار ٣/١٨ (٩٨٨)، والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة ١١/٣٤٥ (٣٥١)، وابن مردويه -كما في تفسير ابن كثير ٥/٣٧٩-، من طريق إبراهيم بن محمد بن عرعرة، عن يزيد بن أبي حكيم، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس به. وسنده حسن.]]. (١٠/٣٨٦)

٤٩٧٧٣- عن عبد الله بن عباس -من طريق شُرَحْبِيل بن سعد- قال: نزلت هذه الآية: ﴿إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون﴾. ثم نسختها: ﴿إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون﴾، يعني: عيسى ومَن كان معه[[أخرجه البزار -كما في كشف الأستار ٣/٥٩ (٢٢٣٤)-، من طريق شرحبيل، عن ابن عباس به. قال الهيثمي في المجمع ٧/٦٨ (١١١٧٧): «فيه شرحبيل بن سعد مولى الأنصار، وثَّقه ابن حبان، وضَعَّفه الجمهور، وبقية رجاله ثقات».]]. (١٠/٣٨٧)

٤٩٧٧٤- عن عبد الله بن عباس -من طريق أبي يحيى- قال: لَمّا نزلت: ﴿إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون﴾ شَقَّ ذلك على أهل مكة، وقالوا: أيشتم آلهتنا؟ فقال ابن الزِّبَعْرى: أنا أخصم لكم محمدًا، ادعوه لي. فدُعِي، فقال: يا محمد، هذا شيء لآلهتنا خاصة أم لكل مَن عُبِد مِن دون الله؟ قال: «بل لكل مَن عُبِد من دون الله». فقال ابن الزِّبَعْرى: خُصِمْتَ، وربِّ هذه البَنِيَّةِ -يعني: الكعبة-، ألست تزعم -يا محمد- أنّ عيسى عبد صالح، وأنّ عزيرًا عبد صالح، وأن الملائكة صالحون؟ قال: «بلى». قال: فهذه النصارى تعبدُ عيسى، وهذه اليهود تعبد عزيرًا، وهذه بنو مليح تعبد الملائكة. فضجَّ أهلُ مكة، وفرِحوا. فنزلت: ﴿إن الذين سبقت لهم منا الحسنى﴾ عزير وعيسى والملائكة، ﴿أولئك عنها مبعدون﴾. ونزلت: ﴿ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون﴾ [الزخرف:٥٧][[أخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار ٣/١٥-١٦ (٩٨٦)، وإسحاق البستي في تفسيره ص٣٣٠، والواحدي في أسباب النزول ص٣٠٥-٣٠٦، من طريق عاصم، عن أبي رزين، عن أبي يحيى، عن ابن عباس. وأخرجه الطبراني في الكبير ١٢/١٥٣ (١٢٧٣٩) بنحوه، من الطريق نفسه لكن بإسقاط أبي يحيى من السند. قال الهيثمي في المجمع ٧/٦٩ (١١١٧٨): «فيه عاصم بن بهدلة، وقد وثق، وضعفه جماعة».]]. (١٠/٣٨٦)

٤٩٧٧٥- عن محمد بن السائب الكلبي أو غيره -من طريق سفيان بن عيينة، عن مقاتل- قال: لَمّا نزلت ﴿إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم﴾ بلغ [قريشًا]، فقال ابن الزِّبَعْرى: أنا أخصمه. فذكر نحوه[[أخرجه إسحاق البستي في تفسيره ص٣٣٠.]]. (ز)

٤٩٧٧٦- عن أبي حَصين، قال: سمعته يذكر عَن سعيد بن جبير في قوله: ﴿إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون﴾، قال: فذكروا عيسى وعُزيرًا أنهما كانا يُعبدان! فنزلت هذه الآية مِن بعدها: ﴿إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون﴾، قال: عيسى ابن مريم ﵇[[أخرجه ابن أبي شيبة (ت: محمد عوامة) ١٦/٥٥٣ (٣٢٥٤٣).]]. (ز)

٤٩٧٧٧- قال قتادة بن دعامة: إنّ اليهود قالت: ألستم تزعمون أنّ عُزَيرًا في الجنة، وأنّ عيسى في الجنة، وقد عُبِدا مِن دون الله؟ فأنزل الله -تبارك وتعالى-: ﴿إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون﴾[[علَّقه يحيى بن سلّام ١/٣٤٦.]]. (ز)

٤٩٧٧٨- تفسير محمد بن السائب الكلبي: أنّ رسول الله ﷺ قام مُقابل باب الكعبة، ثم قرأ هذه الآية، فوجد أهلُ مكة منها وجدًا شديدًا، فقال ابن الزِّبَعْرى: يا محمد، أرأيت الآية التي قرأتُ آنِفًا، أفينا وفي آلهتنا خاصة، أم في الأمم وآلهتهم معنا؟ فقال: لا، بل فيكم وفي آلهتكم، وفي الأمم وفي آلهتهم. قال: خَصَمْتُك، وربِّ الكعبة، قد علمتَ أنّ النصارى يعبدون عيسى وأمه، وأنّ طائفة من الناس يعبدون الملائكة، أفليس هؤلاء مع آلهتنا في النار؟ فسكت رسول الله ﵇، وضحِكت قريش، وضَجُّوا. فذلك قوله: ﴿ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون﴾ يعني: يضجون، ﴿وقالوا﴾ يعني: قريشًا: ﴿أآلهتنا خير أم هو﴾ قال الله -تبارك وتعالى-: ﴿ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون﴾ [الزخرف:٥٧-٥٨]. وقال: هاهنا في هذه الآية في جواب قولهم: ﴿إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون﴾ وهم عيسى وعزير والملائكة[[أورده يحيى بن سلّام ١/٣٤٥-٣٤٦. وينظر: تفسير ابن أبي زمنين ٤/١٨٩-١٩٠.]]. (ز)

٤٩٧٧٩- قال مقاتل بن سليمان: نزلت في بني سهم، منهم: العاص بن وائل، والحارث وعدي ابني قيس، وعبد الله بن الزِّبَعْرى بن قيس، وذلك أنّ النبي ﷺ دخل المسجد الحرام، ونفر من بني سهم جلوس في الحطيم، وحول الكعبة ثلاث مائة وستون صنمًا، فأشار بيده إليهم، فقال: ﴿إنكم وما تعبدون من دون الله﴾ يعني: الأصنام ﴿حصب جهنم أنتم لها واردون﴾ إلى آيتين. ثم خرج، فدخل ابن الزِّبَعْرى وهم يخوضون فيما ذكر النبيُّ ﷺ لهم ولآلهتهم، فقال: ما هذا الذي تخوضون؟ فذكروا له قولَ النبي ﷺ، فقال الزِّبَعْرى: واللهِ، لئن قالها بين يَدَيَّ لأخْصِمَنَّه. فدخل النبيُّ ﷺ مِن ساعته، فقال ابن الزِّبَعْرى: أهي لنا ولآلهتنا خاصة؟ أم لنا ولآلهتنا، ولجميع الأمم ولآلهتهم؟ فقال النبي ﷺ: «لكم ولآلهتكم، ولجميع الأمم ولآلهتهم». قال: خَصَمْتُك، وربِّ الكعبة، ألست تزعم أن عيسى نبيٌّ، وتُثني عليه، وعلى أُمِّه خيرًا، وقد علمت أنّ النصارى يعبدونهما، وعزيز يعبد، والملائكة تعبد؟! فإن كان هؤلاء معنا قد رضينا أنهم معنا. فسكت النبيُّ ﷺ، ثم استثنى ممن كان يعبد أنهم لا يدخلون جهنم، فقال سبحانه: ﴿إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنّا الحُسْنى الجنة أُولئِكَ عَنْها﴾ يعني: جهنم ﴿مُبْعَدُونَ﴾ يعني: عيسى وعزيرًا ومريم والملائكة ﵈ ... فلمّا سمع بنو سهم بما استثنى الله ﷿ مِمَّن يُعبد من الآلهة؛ عزير وعيسى ومريم والملائكة، قالوا للنبي ﷺ: هلا استثنيت هؤلاء حين سألناك، فلما خلوت تَفَكَّرْتَ![[تفسير مقاتل بن سليمان ٣/٩٣-٩٤.]]. (ز)

٤٩٧٨٠- عن عبد الملك ابن جريج -من طريق ابن ثور- قال: دخل النبيُّ ﷺ المسجدَ، فطاف سبعًا، وقريش جلوس بين باب بني مخزوم وباب بني جُمح، فقال ﷺ بيده، وأشار إليهم وإلى أوثانهم: ﴿إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون﴾. ثم خرج ﷺ، فجاء ابن الزِّبَعْرى، وإذا قريش تسبُّه، فقال: ما لكم؟ فقالوا: إنّ ابن أبي كبشة سبَّنا، وسبَّ أوثاننا. فلمّا أن كان مِن العشي لقي ابنَ الزِّبَعْرى، فقال: يا محمد، أهي لنا ولآلهتنا خاصة دون الأمم، أو هي لجميع الأمم؟ قال: «بل هي لكم ولجميع الأمم». قال ابن الزِّبَعْرى: خصمتُك، وربِّ الكعبة؛ فإنك تثني على عيسى وأمه خيرًا، وقد عُبِدَ! فنزلت: ﴿إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون﴾[[أخرجه الفاكهي في أخبار مكة ٢/١٦٩ (١٣٦٢).]]. (ز)

٤٩٧٨١- عن محمد بن إسحاق -من طريق سلمة- قال: جلس رسول الله ﷺ -فيما بلغني- يومًا مع الوليد بن المغيرة في المسجد، فجاء النضر بن الحارث حتى جلس معهم، وفي المجلس غير واحد من رجال قريش، فتكلَّم رسولُ الله ﷺ، فعرض له النضر بن الحارث، وكلَّمه رسول الله ﷺ حتى أفْحَمَه، ثم تلا عليه وعليهم: ﴿إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون﴾ إلى قوله: ﴿وهم فيها لا يسمعون﴾. ثم قام رسول الله ﷺ، وأقبل عبد الله بن الزِّبَعْرى بن قيس بن عدي السهمي حتى جلس، فقال الوليد بن المغيرة لعبد الله بن الزبعري: واللهِ، ما قام النضر بن الحارث لابن عبد المطلب آنِفًا وما قعد، وقد زعم أنّا وما نعبد من آلهتنا هذه حصب جهنم. فقال عبد الله بن الزِّبَعْرى: أما -واللهِ- لو وجدته لَخَصَمْتُه، فسلوا محمدًا: أكُلُّ مَن عُبِد من دون الله في جهنم مع مَن عبده؟ فنحن نعبد الملائكة، واليهود تعبد عُزَيرًا، والنصارى تعبد المسيح عيسى ابن مريم! فعجب الوليد بن المغيرة ومَن كان في المجلس مِن قول عبد الله بن الزِّبَعْرى، ورأوا أنه قد خاصم واحْتَجَّ، فذكر ذلك لرسول الله ﷺ من قول ابن الزِّبَعْرى، فقال رسول الله ﷺ: «نعم، كل مَن أحب أن يُعْبَد من دون الله فهو مع مَن عبده، إنما يعبدون الشياطين ومَن أمَرَتْهُم بعبادته». فأنزل الله عليه: ﴿إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون﴾ إلى ﴿خالدون﴾، أي: عيسى ابن مريم، وعزيرًا، ومَن عبدوا مِن الأحبار والرهبان الذين مضوا على طاعة الله فاتخذهم مَن بعدهم مِن أهل الضلالة أربابًا من دون الله. فأنزل الله فيما ذكروا أنهم يعبدون الملائكة وأنها بنات الله: ﴿وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون﴾ إلى قوله: ﴿نجزي الظالمين﴾ [الأنبياء:٢٦-٢٩][[أخرجه ابن جرير ١٦/٤١٧-٤١٨. وأورده ابن هشام في السيرة ١/٣٥٨-٣٦٠.]]٤٤٠٤. (ز)

٤٤٠٤ علّق ابنُ تيمية (٤/٣٩٢) على ما جاء في قصة ابن الزِّبَعْرى، فقال: «وابن الزِّبَعْرى وغيره من المشركين تعلَّقوا بالقياس الفاسد في قوله: ﴿إنَّكُمْ وما تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أنْتُمْ لَها وارِدُونَ﴾، فقاس المسيحَ على الأصنام بكونه معبودًا وهذا معبود، وهذا من جهله بالقياس؛ فإنّ الفرق ثابت بأن هؤلاء أحيانًا ناطقون، وهم صالحون يتألمون بالنار؛ فلا يُعَذَّبون لأجل كفر غيرهم، بخلاف الحجارة التي تلقى في النار إهانةً لها ولمن عبدها، وأيضًا فإنّ الخطاب للمشركين لا لأهل الكتاب، والمشركون لم يعبدوا المسيح، وإنما كانوا يعبدون الأصنام، والمراد بقوله: ﴿وما تعبدون﴾ الأصنام، فالآية لم تتناول المسيح لا لفظًا ولا معنى». ثم قال بعد هذا: «فالمسيح والعزير والملائكة وغيرهم ممن عُبِد من دون الله وهو مِن عباد الله الصالحين، وهو مستحق لكرامة الله بوعد الله وعدله وحكمته؛ فلا يعذب بذنب غيره؛ فإنه لا تزر وازرة وزر أخرى. والمقصود بإلقاء الأصنام في النار إهانة عابديها، وأولياء الله لهم الكرامة دون الإهانة». وبنحوه ابنُ القيم (٢/٢٠٢-٢٠٣)، وزاد: «وهذا الإيراد الذي أورده ابن الزِّبَعْرى لا يرِد على الآية؛ فإنه سبحانه قال: ﴿إنكم وما تعبدون من دون الله﴾، ولم يقل: ومن تعبدون، و﴿ما﴾ لما لا يعقل، فلا يدخل فيها الملائكة والمسيح وعزير، وإنما ذلك للأحجار ونحوها التي لا تعقل، وأيضًا فإن مَن عبد هؤلاء بزعمه فإنه لم يعبدهم في الحقيقة، فإنهم لم يدعوا إلى عبادتهم، وإنما عبد المشركون الشياطين، وتوهموا أن العبادة لهؤلاء، فإنهم عبدوا بزعمهم مَن ادعى أنه معبود مع الله، وأنه معه إله، وقد برأ الله سبحانه ملائكته والمسيح وعزيرًا من ذلك، وإنّما ادعى ذلك الشياطين، وهم بزعمهم يعتقدون أنهم يرضون بأن يكونوا معبودين مع الله، ولا يرضى بذلك إلا الشياطين؛ ولهذا قال سبحانه: ﴿ويَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أهَؤُلاءِ إيّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ قالُوا سُبْحانَكَ أنْتَ ولِيُّنا مِن دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الجِنَّ أكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ﴾ [سبأ:٤٠-٤١] ...». وعلّق ابنُ كثير (٩/٤٥٢) على هذا القول، فقال: «وهذا الذي قاله ابن الزِّبَعْرى خطأ كبير؛ لأن الآية إنما نزلت خطابًا لأهل مكة في عبادتهم الأصنام التي هي جماد لا تعقل، ليكون ذلك تقريعًا وتوبيخًا لعابديها؛ ولهذا قال: ﴿إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم﴾، فكيف يُورَد على هذا المسيح والعزير ونحوهما ممن له عمل صالح، ولم يرض بعبادة من عبده».

٤٩٧٨٢- قال سفيان الثوري: لَمّا نزلت: ﴿إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردن﴾ قال: خاصم المشركون إلى النبي ﷺ، فقالوا: فقد عُبِد عزيز، وعيسى، والملائكة، فهم في النار. فنزلت: ﴿إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون﴾[[تفسير الثوري ص٢٠٦.]]. (ز)

﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ سَبَقَتۡ لَهُم مِّنَّا ٱلۡحُسۡنَىٰۤ﴾ - تفسير

٤٩٧٨٣- عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ، في قوله: ﴿إن الذين سبقت لهم منا الحسنى﴾، قال: «عيسى، وعزير، والملائكة»[[أخرجه ابن أبي حاتم -كما في تفسير ابن كثير ٥/٣٧٩-، من طريق الليث بن أبي سليم، عن مغيث، عن أبي هريرة به. قال ابن كثير: «حديث غريب جدًّا».]]. (١٠/٣٨٩)

٤٩٧٨٤- عن علي بن أبي طالب -من طريق أصبغ- في قوله: ﴿إن الذين سبقت لهم منا الحسنى﴾ الآية، قال: كل شيء يُعبَد من دون الله في النار، إلا الشمس، والقمر، وعيسى[[أخرجه ابن أبي حاتم -كما في تفسير ابن كثير ٥/٣٧٤-.]]. (١٠/٣٩٠)

٤٩٧٨٥- عن النعمان بن بشير: أنّ عليًّا قرأ: ﴿إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون﴾. فقال: أنا منهم، وأبو بكر منهم، وعمر منهم، وعثمان منهم، والزبير منهم، وطلحة منهم، وسعد بن مالك منهم، وعبد الرحمن منهم[[أخرجه ابن أبي حاتم -كما في تفسير ابن كثير ٥/٣٧٣، وتخريج أحاديث الكشاف ٢/٣٧١-، وابن عدي ٣/٩٨٦، وابن مردويه -كما في تخريج أحاديث الكشاف ٢/٣٧١-. وعزاه السيوطي إلى العشارى في فضائل الصديق.]]. (١٠/٣٩١)

٤٩٧٨٦- عن محمد بن حاطب، قال: سُئِل علي بن أبي طالب عن هذه الآية: ﴿إن الذين سبقت لهم منا الحسنى﴾. قال: هو عثمان وأصحابه[[أخرجه ابن أبي شيبة ١٢/٥١-٥٢، وابن جرير ١٦/٤١٥. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.]]٤٤٠٥. (١٠/٣٩٢)

٤٤٠٥ ذكر ابنُ عطية (٦/٢٠٦) قول علي، ثم علّق بقوله: «ولا مِرْيَة أنها مع نزولها في خصوص مقصود تتناول كل مَن سَعِدَ في الآخرة».

٤٩٧٨٧- عن عبد الله بن عباس -من طريق الضحاك- في قوله: ﴿إن الذين سبقت لهم منا الحسنى﴾، قال: نزلت في عيسى ابن مريم، وعُزَيْر[[عزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم، وابن مردويه.]]. (١٠/٣٨٩)

٤٩٧٨٨- عن عبد الله بن عباس، ﴿إن الذين سبقت لهم منا الحسنى﴾، قال: أولئك أولياء الله، يَمُرُّون على الصراط مَرًّا هو أسرع مِن البرق، فلا تصيبهم، ولا يسمعون حسيسها، ويبقى الكفار فيها جِثِيًّا[[عزاه السيوطي إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم.]]. (١٠/٣٩٠)

٤٩٧٨٩- عن عطاء بن دينار الهذلي: أنّ عبد الملك بن مروان كتب إلى سعيد بن جبير يسأله عن هذه المسائل، [فأجابه] ...: وتسأل عن العبادة: والعبادة هي الطاعة، وذلك أنّه مَن أطاع الله فيما أمره به وفيما نهاه عنه فقد أتَمَّ عبادة الله، ومَن أطاع الشيطان في دينه وعمله فقد عبد الشيطان، ألم ترَ أنّ الله قال للذين فرطوا: ﴿ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان﴾ [يس:٦٠]؟ وإنّما كانت عبادتهم الشيطان أنهم أطاعوه في دينهم، فمِنهم مَن أمرهم فاتخذوا أوثانًا أو شمسًا أو قمرًا أو بشرًا أو ملَكًا يسجدون له من دون الله، ولم يظهر الشيطانُ لأحد منهم، فيتعبد له، أو يسجد له، ولكنَّهم أطاعوه فاتخذوها آلهة مِن دون الله، فلمّا جمعوا جميعًا يوم القيامة في النار قال لهم الشيطان: ﴿إني كفرت بما أشركتمون من قبل﴾ [إبراهيم:٢٢]. ﴿إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون﴾، فعبد عيسى والملائكة من دون الله، فلم يجعلهم الله في النار، فليس للشمس والقمر ذنب، وذلك يصير إلى طاعة الشيطان[[أخرجه محمد بن نصر في تعظيم قدر الصلاة ١/٣٤٦-٣٤٧.]]. (ز)

٤٩٧٩٠- عن الضحاك بن مُزاحِم -من طريق عبيد- قال: يقول ناس من الناس: ﴿إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون﴾، يعني: من الناس أجمعين، فليس كذلك، إنما يعني: مَن يُعبَد مِن الآلهة وهو لله مطيع؛ مثل عيسى وأمه، وعزير والملائكة، واستثنى الله هؤلاء مِن الآلهة المعبودة التي هي ومَن يعبدها في النار[[أخرجه ابن جرير ١٦/٤١٨.]]. (١٠/٣٩٢)

٤٩٧٩١- عن عكرمة مولى ابن عباس= (ز)

٤٩٧٩٢- والحسن البصري -من طريق يزيد- قالا: قال في سورة الأنبياء: ﴿إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم﴾ إلى قوله: ﴿وهم فيها لا يسمعون﴾. ثم استثنى، فقال: ﴿إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون﴾، فقد عُبِدَت الملائكةُ مِن دون الله، وعزير، وعيسى[[أخرجه ابن جرير ١٦/٤١٦.]]. (١٠/٣٩٢)

٤٩٧٩٣- عن الحسن البصري -من طريق حميد الطويل- في قوله: ﴿إن الذين سبقت لهم منا الحسنى﴾، قال: الحسنى: الجنة، سبقت مِن الله ﷿ لكلِّ مؤمن[[تفسير مجاهد ص٤٧٥.]]. (ز)

٤٩٧٩٤- عن أبي صالح باذام -من طريق إسماعيل بن أبي خالد- في قوله: ﴿إن الذين سبقت لهم منا الحسنى﴾، قال: عيسى، وأمه، وعزير، والملائكة[[أخرجه ابن جرير ١٦/٤١٧.]]. (١٠/٣٩٠)

٤٩٧٩٥- قال قتادة بن دعامة: ﴿إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون﴾، فعيسى وعزير مِمَّن سبقت لهم الحسنى، وهي الجنة، وما عَبَدوا من الحجارة، والخشب، ومِن الجن، وعبادة بعضهم بعضًا؛ فهم وما عبدوا حصب جهنم[[علَّقه يحيى بن سلّام ١/٣٤٦ عقب أثر قتادة في سبب نزول الآية، ويحتمل أن يكون من كلام يحيى.]]. (ز)

٤٩٧٩٦- قال مقاتل بن سليمان: ثم استثنى مِمَّن كان يعبد أنهم لا يدخلون جهنم، فقال سبحانه: ﴿إن الذين سبقت لهم منا الحسنى﴾ الجنة؛ ﴿أولئك عنها﴾ يعني: جهنم ﴿مبعدون﴾ يعني: عيسى، وعزيرًا، ومريم، والملائكة ﵈[[تفسير مقاتل بن سليمان ٣/٩٤.]]٤٤٠٦. (ز)

٤٤٠٦ انتقد ابنُ جرير (١٦/٤١٩) مستندًا إلى اللغة، والدلالة العقلية قول مقاتل وغيره أنهم جعلوا قوله تعالى: ﴿إن الذين سبقت لهم منا الحسنى﴾ استثناء من قوله: ﴿إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم﴾، فقال: «فأما قول الذين قالوا: ذلك استثناء من قوله: ﴿إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم﴾ فقولٌ لا معنى له؛ لأن الاستثناء إنما هو إخراج المستثنى من المستثنى منه، ولا شك أن الذين سبقت لهم من الله الحسنى إنما هم إما ملائكة، وإما إنس، أو جان، وكل هؤلاء إذا ذكرتها العرب فإن أكثر ما تذكرها بـ»مَن«لا بـ»ما«، والله -تعالى ذِكْرُه- إنما ذكر المعبودين الذين أخبر أنهم حصب جهنم بـ»ما«، قال: ﴿إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم﴾، إنما أريد به: ما كانوا يعبدونه من الأصنام والآلهة من الحجارة والخشب، لا مَن كان من الملائكة والإنس. فإذ كان ذلك كذلك لما وصفنا فَقَوْلُه: ﴿إن الذين سبقت لهم منا الحسنى﴾ جوابٌ مِن الله للقائلين ما ذكرنا من المشركين مبتدأ».

٤٩٧٩٧- قال عبد الملك ابن جريج: قوله: ﴿إنكم وما تعبدون من دون الله﴾، ثم استثنى فقال: ﴿إن الذين سبقت لهم منا الحسنى﴾[[علَّقه ابن جرير ١٦/٤١٦.]]. (ز)

٤٩٧٩٨- عن محمد بن إسحاق -من طريق سلمة- قال: ﴿إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون﴾ إلى ﴿خالدون﴾، أي: عيسى ابن مريم، وعزيرًا، ومَن عبدوا مِن الأحبار والرهبان الذين مَضَوْا على طاعة الله، فاتخذهم مَن بعدهم مِن أهل الضلالة أربابًا مِن دون الله[[أخرجه ابن جرير ١٦/٤١٧-٤١٨. وأورده ابن هشام في السيرة ١/٣٥٨-٣٦٠.]]٤٤٠٧. (ز)

٤٤٠٧ اختلف السلف فيمن عنى الله بقوله: ﴿إن الذين سبقت لهم منا الحسنى﴾؛ فقال بعضهم: هو كل إنسان كتبه الله من السعداء المبعدين عن النار. وقال آخرون: بل عنى بذلك كل مَن عُبد من دون الله وهو لله مطيع، ولعبادة من عبده كاره، كعيسى وعزير وغيرهم. وقد رجّح ابنُ جرير (١٦/٤١٩) مستندًا إلى ظاهر القرآن والسياق القول الثاني، وعلَّل ذلك بقوله: «لأن قوله -تعالى ذِكْرُه-: ﴿إن الذين سبقت لهم منا الحسنى﴾ ابتداء كلام محقق لأمر كان يُنكِرُه قوم، على نحو الذي ذكرنا في الخبر عن ابن عباس، فكأنّ المشركين قالوا لنبي الله ﷺ إذ قال لهم: ﴿إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم﴾ ما الأمر كما تقول؛ لأنّا نعبد الملائكة، ويعبد آخرون المسيح، وعزيرًا. فقال ﷿ رادًّا عليهم قولهم: بل ذلك كذلك، وليس الذين سبقت لهم منا الحسنى هم عنها مبعدون؛ لأنهم غير معنيين بقولنا: ﴿إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم﴾».

﴿ٱلۡحُسۡنَىٰۤ﴾ - تفسير

٤٩٧٩٩- عن الحسن البصري -من طريق حميد الطويل- في قوله: ﴿إن الذين سبقت لهم منا الحسنى﴾، قال: ﴿الحسنى﴾: الجنة، سبقت من الله ﷿ لكل مؤمن[[تفسير مجاهد ص٤٧٥.]]. (ز)

٤٩٨٠٠- قال قتادة بن دعامة: ﴿الحسنى﴾: وهي الجنة[[علَّقه يحيى بن سلّام ١/٣٤٦.]]. (ز)

٤٩٨٠١- قال مقاتل بن سليمان: ﴿الحسنى﴾: الجنة[[تفسير مقاتل بن سليمان ٣/٩٤.]]. (ز)

٤٩٨٠٢- عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهب- في قوله: ﴿إن الذين سبقت لهم منا الحسنى﴾، قال: ﴿الحسنى﴾: السعادة. وقال: سبقت السعادة لأهلها مِن الله، وسبق الشقاء لأهله من الله[[أخرجه ابن جرير ١٦/٤٢٠. وعزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم، وابن مردويه.]]٤٤٠٨. (١٠/٣٩١)

٤٤٠٨ لم يذكر ابنُ جرير (١٦/٤٢٠) في معنى ﴿الحسنى﴾ غير قول ابن زيد.

٤٩٨٠٣- قال يحيى بن سلّام: قوله: ﴿إن الذين سبقت لهم منا الحسنى﴾، يعني: الجنة[[تفسير يحيى بن سلّام ١/٣٤٨.]]. (ز)

﴿أُو۟لَـٰۤىِٕكَ عَنۡهَا مُبۡعَدُونَ ۝١٠١﴾ - تفسير

٤٩٨٠٤- عن سعيد بن جبير -من طريق جعفر- ﴿أولئك عنها مبعدون﴾، قال: عيسى[[أخرجه ابن جرير ١٦/٤١٦.]]. (ز)

٤٩٨٠٥- عن مجاهد بن جبر -من طريق ابن أبي نَجِيح- في قوله: ﴿أولئك عنها مبعدون﴾، قال: عيسى، وعزير، والملائكة[[أخرجه ابن جرير ١٦/٤١٦، والفاكهي في أخبار مكة ٢/١٦٩ (١٣٦٢) من طريق ابن جريج. وعلَّقه يحيى بن سلّام ١/٣٤٦.]]. (١٠/٣٩٠)

    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب