الباحث القرآني

القول في تأويل قول الله جل ثناؤه: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ﴾ قال أبو جعفر: وتأويل قوله: ﴿وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس﴾ يعني: وإذا قيل لهؤلاء الذين وَصَفهم الله ونعتَهم بأنهم يقولون: ﴿آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين﴾ : صَدِّقوا بمحمد وبما جاء به من عند الله، كما صدق به الناس. ويعني بِ "الناس": المؤمنين الذين آمنوا بمحمد ونبوته وما جاء به من عند الله. كما-: ٣٤٣- حدثنا أبو كُريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، عن بشر بن عُمارة، عن أبي رَوْق، عن الضحاك، عن ابن عباس في قوله: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ﴾ ، يقول: وإذا قيل لهم صدِّقوا كما صدَّق أصحاب محمد، قولوا: إنَّه نبيٌّ ورسول، وإنّ ما أنزل عليه حقّ، وصدِّقوا بالآخرة، وأنَّكم مبعوثون من بعد الموت [[الخبر ٣٤٣- نقله السيوطي ١: ٣٠، والشوكاني ١: ٣١، ويأتي تمامه في تفسير بقية الآية، برقمي: ٣٤٧، ٣٤٨.]] . وإنما أدخِلت الألف واللام في"الناس"، وهم بعضُ الناس لا جميعُهم، لأنهم كانوا معروفين عند الذين خُوطبوا بهذه الآية بأعيانهم، وإنما معناه: آمِنُوا كما آمَن الناس الذين تعرفونهم من أهل اليقين والتصديق بالله وبمحمد ﷺ وما جاء به من عند الله وباليوم الآخر. فلذلك أدخِلت الألف واللام فيه، كما أدخِلَتا في قوله: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ) [سورة آل عمران: ١٧٣] ، لأنه أشِير بدخولها إلى ناس معروفين عند مَن خُوطب بذلك. * * * القول في تأويل قوله جل ثناؤه: ﴿قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ﴾ قال أبو جعفر: والسفهاء جمع سَفِيه، كما العلماء جمع عليم [[في المطبوعة: "كالعلماء. . . ".]] ، والحكماء جمعُ حكيم. والسفيه: الجاهل، الضعيفُ الرأي، القليلُ المعرفة بمواضع المنافع والمضارّ. ولذلك سمى الله عز وجل النِّساء والصبيانَ سفهاء، فقال تعالى: ﴿وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا﴾ [سورة النساء: ٥] ، فقال عامة أهل التأويل: هم النساء والصبيان، لضعف آرائهم، وقلة معرفتهم بمواضع المصالح والمضارِّ التي تصرف إليها الأموال. وإنما عَنَى المنافقون بقيلهم: أنؤمن كما آمَن السُّفهاء - إذْ دُعوا إلى التصديق بمحمد ﷺ، وبما جاء به من عند الله، والإقرار بالبعث فقيل لهم: آمنوا كما آمن [الناس] [[في المطبوعة والمخطوطة: "فقال لهم آمنوا كما آمن أصحاب محمد. . . "، وهو كلام مضطرب والصواب ما أثبتناه. وقوله: "أصحاب محمد" مفعول قوله: "وإنما عنى المنافقون بقيلهم. . ".]] - أصحابَ محمدٍ وأتباعَه من المؤمنين المصدِّقين به، من أهل الإيمان واليقين، والتصديقِ بالله، وبما افترض عليهم على لسان رسوله محمد ﷺ وفي كتابه، وباليوم الآخر. فقالوا إجابة لقائل ذلك لهم: أنؤمن كما آمَن أهل الجهل، ونصدِّق بمحمد ﷺ كما صدّق به هؤلاء الذين لا عقولَ لهم ولا أفهام؟ كالذي-: ٣٤٤- حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السُّدِّيّ في خبر ذكره، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس - وعن مُرَّة الهَمْداني، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي ﷺ: ﴿قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ﴾ ، يعنون أصحابَ النبي ﷺ. ٣٤٥- حدثني المثنّى بن إبراهيم، قال: حدثنا إسحاق بن الحجاج، قال: حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس: ﴿قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ﴾ يعنون أصحاب محمد ﷺ. ٣٤٦- حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أنبأنا ابن وهب، قال: حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله:"قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء"، قال: هذا قول المنافقين، يريدون أصحابَ النبي ﷺ. ٣٤٧- حدثنا أبو كُريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، عن بشر بن عُمارة، عن أبي رَوْق، عن الضحاك، عن ابن عباس: ﴿قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ﴾ يقولون: أنقول كما تقولُ السفهاء؟ يعنون أصحابَ محمد ﷺ، لخِلافهم لدينهم [[الأخبار ٣٤٤ - ٣٤٧: أشار إليها ابن كثير ١: ٩٢ والسيوطي ١: ٣٠ والشوكاني ١: ٣١ والأخير منها من تتمة الخبر: ٣٤٣.]] . * * * القول في تأويل قوله جل ثناؤه: ﴿أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ (١٣) ﴾ قال أبو جعفر: وهذا خبرٌ من الله تعالى عن المنافقين الذين تقدم نعتُه لهم، ووصفُه إياهم بما وصفهم به من الشك والتكذيب - أنَّهم هُم الجُهَّال في أديانهم، الضعفاء الآراء في اعتقاداتهم واختياراتهم التي اختاروها لأنفسهم، من الشكّ والريْب في أمر الله وأمر رسوله وأمر نبوته، وفيما جاء به من عند الله، وأمر البعث، لإساءَتهم إلى أنفسهم بما أتَوْا من ذلك وهم يحسبون أنَّهم إليها يُحْسِنون. وذلك هو عَيْنُ السَّفه، لأن السفيه إنما يُفسد من حيث يرى أنه يُصلحُ، ويُضيع من حيث يَرى أنه يحفظ، فكذلك المنافق: يَعصي رَبَّه من حيث يرى أنه يطيعُه، ويكفرُ به من حيث يرى أنه يُؤمن به، ويسيء إلى نفسه من حيث يحسب أنه يُحسن إليها، كما وصفهم به ربنا جلّ ذكره، فقال: ﴿ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون﴾ ، وقال: ﴿ألا إنهم هم السفهاء﴾ - دون المؤمنين المصدّقين بالله وبكتابه، وبرسوله وثوابه وعقابه - ﴿ولكن لا يعلمون﴾ . وكذلك كان ابن عباس يتأول هذه الآية. ٣٤٨- حدثنا أبو كُريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، عن بشر بن عُمارة، عن أبي رَوْق، عن الضحاك، عن ابن عباس يقول الله جل ثناؤه: ﴿أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ﴾ ، يقول: الجهال، ﴿ولكن لا يعلمون﴾ ، يقول: ولكن لا يعقلون [[الخبر ٣٤٨- هو تتمة الخبرين: ٣٤٣، ٣٤٧.]] . وأما وَجْهُ دخول الألف واللام في"السُّفهاء"، فشبيه بوجه دخولهما في"الناس" في قوله: ﴿وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس﴾ ، وقد بيَّنا العلة في دخولهما هنالك، والعلةُ في دخولهما في"السفهاء" نظيرتها في دخولهما في"الناس" هنالك، سواء. والدلالةُ التي تدل عليه هذه الآية من خطأ قول من زعم أن العقوبةَ من الله لا يستحقّها إلا المعاند ربَّه، بعد علمه بصحة ما عانده فيه - نظيرُ دلالة الآيات الأخَر التي قد تقدم ذكرنا تأويلَها في قوله"ولكن لا يشعرون"، ونظائر ذلك [[في المطبوعة: "مع علمه بصحة ما عاند فيه"، وفيها أيضًا: ". . . ونظير ذلك".]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب