الباحث القرآني

﴿وإذا قِيلَ لَهم لا تُفْسِدُوا في الأرْضِ قالُوا إنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾ ﴿ألا إنَّهم هُمُ المُفْسِدُونَ ولَكِنْ لا يَشْعُرُونَ﴾ إذا: ظَرْفُ زَمانٍ، ويَغْلِبُ كَوْنُها شَرْطًا، وتَقَعُ لِلْمُفاجَأةِ ظَرْفَ زَمانٍ وِفاقًا لِلرِّياشِيِّ والزَّجّاجِ، لا ظَرْفَ مَكانٍ خِلافًا لِلْمُبَرِّدِ، ولِظاهِرِ مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ، ولا حَرْفًا خِلافًا لِلْكُوفِيِّينَ. وإذا كانَتْ حَرْفًا فَهي لِما تُيُقِّنَ أوْ رُجِّحَ وُجُودُهُ، ويُجْزَمُ بِها في الشِّعْرِ، وأحْكامُها مُسْتَوْفاةٌ في عِلْمِ النَّحْوِ. الفِعْلُ الثُّلاثِيُّ الَّذِي انْقَلَبَ عَيْنُ فِعْلِهِ ألِفًا في الماضِي، إذا بُنِيَ لِلْمَفْعُولِ، أخْلَصَ كَسْرَ أوَّلِهِ وسَكَنَتْ عَيْنُهُ ياءً في لُغَةِ قُرَيْشٍ ومُجاوِرِيهِمْ مِن بَنِي كِنانَةَ، وضُمَّ أوَّلُها عِنْدَ كَثِيرٍ (p-٦١)مِن قَيْسٍ وعَقِيلٍ ومَن جاوَرَهم وعامَّةِ بَنِي أسَدٍ. وبِهَذِهِ اللُّغَةُ قَرَأ الكِسائِيُّ وهُشامٌ في: قِيلَ، وغِيضَ، وحِيلَ، وسِيءَ، وسِيئَتْ، وجِيءَ، وسِيقَ. وافَقَهُ نافِعٌ وابْنُ ذَكْوانَ في: سِيءَ، وسِيئَتْ. زادَ ابْنُ ذَكْوانَ: حِيلَ، وساقَ. وبِاللُّغَةِ الأُولى قَرَأ باقِي القُرّاءِ، وفي ذَلِكَ لُغَةٌ ثالِثَةٌ، وهي إخْلاصُ ضَمِّ فاءِ الكَلِمَةِ وسُكُونِ عَيْنِهِ واوًا، ولَمْ يُقْرَأْ بِها، وهي لُغَةٌ لِهُذَيْلٍ، وبَنِي دُبَيْرٍ. والكَلامُ عَلى تَوْجِيهِ هَذِهِ اللُّغاتِ وتَكْمِيلِ أحْكامِها مَذْكُورٌ في النَّحْوِ. الفَسادُ: التَّغَيُّرُ عَنْ حالَةِ الِاعْتِدالِ والِاسْتِقامَةِ. قالَ سُهَيْلٌ في الفَصِيحِ: فَسَدَ، ونَقِيضُهُ: الصَّلاحُ، وهو اعْتِدالُ الحالِ واسْتِواؤُهُ عَلى الحالَةِ الحَسَنَةِ. الأرْضُ مُؤَنَّثَةٌ، وتُجْمَعُ عَلى أُرْضٍ وأراضٍ، وبِالواوِ والنُّونِ رَفْعًا وبِالياءِ والنُّونِ نَصْبًا وجْرًا شُذُوذًا، فَتُفْتَحُ العَيْنُ، وبِالألِفِ والتّاءِ، قالُوا: أرِضاتٍ، والأراضِي جَمْعُ جَمْعٍ كَأواظِبِ. إنَّما: ما: صِلَةٌ لِإنَّ وتَكُفُّها عَنِ العَمَلِ، فَإنْ ولِيَتْها جُمْلَةٌ فِعْلِيَّةٌ كانَتْ مُهَيَّئَةً، وفي ألْفاظِ المُتَأخِّرِينَ مِنَ النَّحْوِيِّينَ وبَعْضِ أهْلِ الأُصُولِ أنَّها لِلْحَصْرِ، وكَوْنُها مُرَكَّبَةً مِن ما النّافِيَةِ، دَخَلَ عَلَيْها إنَّ الَّتِي لِلْإثْباتِ فَأفادَتِ الحَصْرَ، قَوْلٌ رَكِيكٌ فاسِدٌ صادِرٌ عَنْ غَيْرِ عارِفٍ بِالنَّحْوِ، والَّذِي نَذْهَبُ إلَيْهِ أنَّها لا تَدُلُّ عَلى الحَصْرِ بِالوَضْعِ، كَما أنَّ الحَصْرَ لا يُفْهَمُ مِن أخَواتِها الَّتِي كُفَّتْ بِما، فَلا فَرْقَ بَيْنَ: لَعَلَّ زَيْدًا قائِمٌ، ولَعَلَّ ما زَيْدٌ قائِمٌ، فَكَذَلِكَ: إنَّ زَيْدًا قائِمٌ، وإنَّما زَيْدٌ قائِمٌ، وإذا فُهِمَ حَصْرٌ، فَإنَّما يُفْهَمُ مِن سِياقِ الكَلامِ لا أنَّ إنَّما دَلَّتْ عَلَيْهِ، وبِهَذا الَّذِي قَرَّرْناهُ يَزُولُ الإشْكالُ الَّذِي أوْرَدُوهُ في نَحْوِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّما أنْتَ مُنْذِرٌ﴾ [الرعد: ٧]، ﴿قُلْ إنَّما أنا بَشَرٌ﴾ [الكهف: ١١٠]، ﴿إنَّما أنْتَ مُنْذِرُ مَن يَخْشاها﴾ [النازعات: ٤٥] . وإعْمالُ إنَّما قَدْ زَعَمَ بَعْضُهم أنَّهُ مَسْمُوعٌ مِن لِسانِ العَرَبِ، والَّذِي عَلَيْهِ أصْحابُنا أنَّهُ غَيْرُ مَسْمُوعٍ. نَحْنُ: ضَمِيرُ رَفْعٍ مُنْفَصِلٌ لِمُتَكَلِّمٍ مَعَهُ غَيْرُهُ أوْ لِمُعْظَمِ نَفْسِهِ، وفي اعْتِلالِ بِنائِهِ عَلى الضَّمِّ أقْوالٌ تُذْكَرُ في النَّحْوِ. ألا: حَرْفُ تَنْبِيهٍ زَعَمُوا أنَّهُ مُرَكَّبٌ مِن هَمْزَةِ الِاسْتِفْهامِ ولا النّافِيَةِ لِلدَّلالَةِ عَلى تَحَقُّقِ ما بَعْدَها، والِاسْتِفْهامُ إذا دَخَلَ عَلى النَّفْيِ أفادَ تَحْقِيقًا، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ألَيْسَ ذَلِكَ بِقادِرٍ﴾ [القيامة: ٤٠]، ولِكَوْنِها مِنَ المُنْصَبِّ في هَذِهِ لا تَكادُ تَقَعُ الجُمْلَةُ بَعْدَها إلّا مُصَدَّرَةً بِنَحْوِ ما يُتَلَقّى بِهِ القَسَمُ، وقالَ ذَلِكالزَّمَخْشَرِيُّ. والَّذِي نَخْتارُهُ أنَّ ألا التَّنْبِيهِيَّةَ حَرْفٌ بَسِيطٌ؛ لِأنَّ دَعْوى التَّرْكِيبِ عَلى خِلافِ الأصْلِ، ولِأنَّ ما زَعَمُوا مِن أنَّ هَمْزَةَ الِاسْتِفْهامِ دَخَلَتْ عَلى لا النّافِيَةِ دَلالَةً عَلى تَحَقُّقِ ما بَعْدَها، إلى آخِرِهِ خَطَأٌ، لِأنَّ مَواقِعَ ألا تَدُلَّ عَلى أنَّ لا لَيْسَتْ لِلنَّفْيِ، فَيَتِمُّ ما ادَّعَوْهُ، ألا تَرى أنَّكَ تَقُولُ: ألا إنَّ زَيْدًا مُنْطَلِقٌ، لَيْسَ أصْلُهُ لا أنَّ زَيْدًا مُنْطَلِقٌ، إذْ لَيْسَ مِن تَراكِيبِ العَرَبِ بِخِلافِ ما نُظِرَ بِهِ مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ألَيْسَ ذَلِكَ بِقادِرٍ﴾ [القيامة: ٤٠]، لِصِحَّةِ تَرْكِيبِ لَيْسَ زَيْدٌ بِقادِرٍ، ولِوُجُودِها قَبْلَ رُبَّ وقَبْلَ لَيْتَ وقَبْلَ النِّداءِ وغَيْرِها مِمّا لا يُعْقَلُ فِيهِ أنَّ لا نافِيَةٌ، فَتَكُونُ الهَمْزَةُ لِلِاسْتِفْهامِ دَخَلَتْ عَلى لا النّافِيَةِ فَأفادَتِ التَّحْقِيقَ، قالَ امْرُؤُ القَيْسِ: ؎ألا رُبَّ يَوْمٍ لَكَ مِنهُنَّ صالِحٌ ولا سِيَّما يَوْمٍ بِدارَةِ جُلْجُلِ وقالَ الآخَرُ: ؎ألا لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ حادِثُ وصْلِها ∗∗∗ وكَيْفَ تُراعِي وصْلَةَ المُتَغَيِّبِ وقالَ الآخَرُ: ؎ألا يا لِقَوْمِي لِلْخَيالِ المُشَوِّقِ ∗∗∗ ولِلدّارِ تَنْأى بِالحَبِيبِ ونَلْتَقِي وقالَ الآخَرُ: ؎ألا يا قَيْسُ والضَّحّاكُ سِيرا ∗∗∗ فَقَدْ جاوَزْتُما خَمْرَ الطَّرِيقِ إلى غَيْرِ هَذا مِمّا لا يَصْلُحُ دُخُولُ لا فِيهِ. وأمّا قَوْلُهُ: لا تَكادُ تَقَعُ الجُمْلَةُ بَعْدَها إلّا مُصَدَّرَةً بِنَحْوِ ما يَلْتَقِي بِهِ القَسَمُ فَغَيْرُ صَحِيحٍ، ألا تَرى أنَّ الجُمْلَةَ بَعْدَها تُسْتَفْتَحُ بِرُبَّ، وبِلَيْتَ، وبِفِعْلِ الأمْرِ، وبِالنِّداءِ، وبِحَبَّذا، في قَوْلِهِ:(p-٦٢) ؎ألا حَبَّذا هِنْدٌ وأرْضٌ بِها هِنْدُ ولا يَلْتَقِي بِشَيْءٍ مِن هَذا القَسَمُ، وعَلامَةُ ألا هَذِهِ الَّتِي هي تَنْبِيهٌ واسْتِفْتاحٌ صِحَّةُ الكَلامِ دُونَها، وتَكُونُ أيْضًا حَرْفَ عَرْضٍ فَيَلِيها الفِعْلُ، وإنْ ولِيَها الِاسْمُ فَعَلى إضْمارِ الفِعْلِ، وحَرْفِ جَوابٍ بِقَوْلِ القائِلِ: ألَمْ تَقُمْ فَتَقُولُ: ألا بِمَعْنى بَلى ؟ نَقَلَ ذَلِكَ صاحِبُ كِتابِ (وصْفِ المَبانِي في حُرُوفِ المَعانِي) قالَ: وهو قَلِيلٌ شاذٌّ، وأمّا ألا الَّتِي لِلتَّمَنِّي في قَوْلِهِمْ: ألا ماءً، فَذَكَرَها النُّحاةُ في فَصْلِ لا الدّاخِلِ عَلَيْها الهَمْزَةُ. لَكِنْ: حَرْفُ اسْتِدْراكٍ، فَلا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ ما قَبْلَها مُوافِقًا لِما بَعْدَها، فَإنْ كانَ نَقِيضًا أوْ ضِدًّا جازَ، أوْ خِلافًا فَفي الجَوازِ خِلافٌ، وفي التَّصْحِيحِ خِلافٌ. وحَكى أبُو القاسِمِ بْنُ الرَّمّالِ جَوازَ إعْمالِها مُخَفَّفَةً عَنْ يُونُسَ، وحَكى ذَلِكَ غَيْرُهُ عَنِ الأخْفَشِ، وحُكِيَ عَنْ يُونُسَ أنَّها لَيْسَتْ مِن حُرُوفِ العَطْفِ، ولَمْ تَقَعْ في القُرْآنِ غالِبًا إلّا وواوُ العَطْفِ قَبْلَها، ومِمّا جاءَتْ فِيهِ مِن غَيْرِ واوٍ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ﴾ [آل عمران: ١٩٨] ﴿لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ﴾ [النساء: ١٦٦]، وفي كَلامِ العَرَبِ: ؎إنَّ ابْنَ ورْقاءَ لا تُخْشى غَوائِلُهُ ∗∗∗ لَكِنْ وقائِعَهُ في الحَرْبِ تُنْتَظَرُ وبَقِيَّةُ أحْكامِ لَكِنْ مَذْكُورَةٌ في النَّحْوِ. الكافُ: حَرْفُ تَشْبِيهٍ تَعْمَلُ الجَرَّ واسْمِيَّتُها مُخْتَصَّةً عِنْدَنا بِالشِّعْرِ، وتَكُونُ زائِدَةً ومُوافِقَةً لِعَلى، ومِن ذَلِكَ قَوْلُهم: كَخَيْرٍ في جَوابِ مَن قالَ كَيْفَ أصْبَحْتَ، ويَحْدُثُ فِيها مَعْنى التَّعْلِيلِ، وأحْكامُها مَذْكُورَةٌ في النَّحْوِ. السَّفَهُ: الخِفَّةُ. ومِنهُ قِيلَ لِلثَّوْبِ الخَفِيفِ النَّسْجِ سَفِيهٌ، وفي النّاسِ خِفَّةُ الحِلْمِ، قالَهُ ابْنُ كَيْسانَ، أوِ البُهْتُ والكَذِبُ والتَّعَمُّدُ خِلافَ ما يُعْلَمُ، قالَهُ مُؤَرِّجٌ، أوِ الظُّلْمُ والجَهْلُ، قالَهُ قُطْرُبٌ. والسُّفَهاءُ جَمْعُ سَفِيهٍ، وهو جَمْعٌ مُطَّرِدٌ في فَعِيلٍ الصَّحِيحِ الوَصْفِ المُذَكَّرِ العاقِلِ الَّذِي بَيْنَهُ وبَيْنَ مُؤَنَّثِهِ التّاءُ، والفِعْلُ مِنهُ سَفِهَ بِكَسْرِ العَيْنِ وضَمِّها، وهو القِياسُ لِأجْلِ اسْمِ الفاعِلِ. قالُوا: ونَقِيضُ السَّفَهِ: الرُّشْدُ، وقِيلَ: الحِكْمَةُ، يُقالُ رَجُلٌ حَكِيمٌ، وفي ضِدِّهِ سَفِيهٌ، ونَظِيرُ السَّفَهِ النَّزَقُ والطَّيْشُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب