الباحث القرآني
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (٢٠) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (٢١) ﴾
يقول تعالى ذكره: قالت مريم لجبريل ﴿أنَّى يَكُونُ لي غُلامٌ﴾ من أيّ وجه يكون لي غلام؟ أمن قِبَل زوج أتزوّج، فأرزقه منه، أم يبتدئ الله فيّ خلقه ابتداء ﴿وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ﴾ من ولد آدم بنكاح حلال ﴿ولَمْ أَكُ﴾ إذ لم يمسسني منهم أحد على وجه الحلال ﴿بَغِيًّا﴾ بغيت ففعلت ذلك من الوجه الحرام، فحملته من زنا.
كما:-
⁕ حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ ﴿وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا﴾ يقول: زانية ﴿قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ﴾ يقول تعالى ذكره: قال لها جبريل: هكذا الأمر كما تصفين، من أنك لم يمسسك بشر ولم تكوني بغيا، ولكن ربك قال: هو عليّ هين: أي خلق الغلام الذي قلت أن أهبه لك عليّ هين لا يتعذّر عليّ خلقه وهبته لك من غير فحل يفتحلك.
﴿وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ﴾ يقول: وكي نجعل الغلام الذي نهبه لك علامة وحجة على خلقي أهبه لك. ﴿وَرَحْمَةً مِنَّا﴾ يقول: ورحمة منا لك، ولمن آمن به وصدقه أخلقه منك ﴿وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا﴾ يقول: وكان خلقه منك أمرا قد قضاه الله، ومضى في حكمه وسابق علمه أنه كائن منك.
كما:-
⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثني من لا أتهم، عن وهب بن منبه ﴿وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا﴾ أي أن الله قد عزم على ذلك، فليس منه بدّ.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (٢٢) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (٢٣) ﴾
وفي هذا الكلام متروك تُرِك ذكره استغناء بدلالة ما ذكر منه عنه ﴿فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا بغلام فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا﴾ وبذلك جاء تأويل أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثني محمد بن سهل، قال: ثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: ثني عبد الصمد بن معقِل ابن أخي وهب بن منبه، قال: سمعت وهبا قال: لما أرسل الله جبريل إلى مريم تمثَّل لها بشرا سويا فقالت له: ﴿إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا﴾ ثم نفخ في جيب درعها حتى وصلت النفخة إلى الرحم فاشتملت.
⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمن لا يتهم، عن وهب بن منبه اليماني، قال: لما قال ذلك، يعني لما قال جبريل ﴿قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ﴾ .... الآية استسلمت لأمر الله، فنفخ في جيبها ثم انصرف عنها.
⁕ حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قال: طرحَتْ عليها جلبابها لما قال جبريل ذلك لها، فأخذ جبريل بكميها، فنفخ في جيب درعها، وكان مشقوقا من قُدامها، فدخلت النفخة صدرها، فحملت، فأتتها أختها امرأة زكريا ليلة تزورها؛ فلما فتحت لها الباب التزمتها، فقالت امرأة زكريا: يا مريم أشعرت أني حبلى، قالت مريم: أشعرت أيضا أني حُبلى، قالت امرأة زكريا: إني وجدت ما في بطني يسجد لما في بطنك، فذلك قوله ﴿مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ﴾ .
⁕ حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج: يقولون: إنه إنما نفخ في جيب درعها وكمها.
* * *
وقوله ﴿فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا﴾
يقول: فاعتزلت بالذي حملته، وهو عيسى، وتنحَّت به عن الناس مكانا قصيا يقول: مكانا نائيا قاصيا عن الناس، يقال: هو بمكان قاص، وقصيّ بمعنى واحد، كما قال الراجز:
لَتَقْعُدِنَّ مَقْعَدَ القَصِيِّ ... مِنِّي ذي القاذُوَرةِ المَقْلِيّ [[البيتان لرؤبة ابن العجاج الراجز (انظر فوائد القلائد في مختصر الشواهد للعيني ص ١١٥ - ١١٦) وبعدهما بيتان آخران وهما: أو تحلفي بربك العلي ... أنى أبو ذيا لك الصبي
ومقعد القصي: إما مفعول مطلق. على أن يكون المقعد بمعنى القعود أو على أنه مفعول فيه، أي في مقعد القصي، أي البعيد، من قصا المكان يقصو: إذا بعد. ويقال رجل قاذورة: أي لا يخالط الناس، لسوء خلقه. والمقلي المبغض من قلاه يقليه قلى بالكسر. وهما صفتان للقصي. وفي (لسان العرب: قصا) قصا عنه قصوا، وقصوا وقصا وقصاء، وقصي (بكسر الصاد) : بعد وقصا المكان يقصو قصوا (على فعول) : بعد. والقصي والقاصي: البعيد، والجمع: أقصاء فيهما، كشاهد وأشهاد، ونصير وأنصار.]]
يقال منه: قصا المكان يقصو قصوا: إذا تباعد، وأقصيت الشيء: إذا أبعدته وأخَّرته.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ﴿فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا﴾ قال: مكانا نائيا.
⁕ حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ﴿مَكَانًا قَصِيًّا﴾ قال: قاصيا.
⁕ حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
⁕ حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدّي، قال: لما بلغ أن تضع مريم، خرجت إلى جانب المحراب الشرقي منه فأتت أقصاه.
* * *
وقوله ﴿فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ﴾
يقول تعالى ذكره: فجاء بها المخاض إلى جذع النخلة، ثم قيل: لما أسقطت الباء منه أجاءها، كما يقال: أتيتك بزيد، فإذا حذفت الباء قيل آتيتك زيدا، كما قال جل ثناؤه ﴿آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ﴾ والمعنى: بزُبَر الحديد، ولكن الألف مدت لما حذفت الباء، وكما قالوا: خرجت به وأخرجته، وذهبت به وأذهبته، وإنما هو أفعل من المجيء، كما يقال: جاء هو، وأجأته أنا: أي جئت به، ومثل من أمثال العرب": شرّ ما أجاءني إلى مُخَّة عرقوب"، وأشاء ويقال: شرّ ما يُجِيئك ويُشِيئك إلى ذلك ؛ ومنه قول زهير:
وَجارٍ سارَ مُعْتَمِدًا إلَيْكُمْ ... أجاءَتْهُ المَخافَةُ والرَّجاءُ [[البيت لزهير بن أبي سلمى (اللسان: جيأ) . قال: وأجاءه إلى شيء: جاء به، وألجأه، واضطره إليه. قال زهير بن أبي سلمى: " وجار. . . " البيت. قال الفراء: أصله من جئت، وقد وقد جعلته العرب إلجاء. وفي المثل: " شر ما أجاءك إلى مخة العرقوب، وشر ما يجيئك إلى مخة عرقوب " قال الأصمعي: وذلك أن العرقوب لا مخ فيه، وإنما يحوج إليه من لا يقدر على شيء. ومنهم من يقول: شر ما ألجأك: والمعنى واحد. وتميم تقول: شر ما أشاءك.]]
يعنى: جاء به، وأجاءه إلينا وأشاءك: من لغة تميم، وأجاءك من لغة أهل العالية، وإنما تأوّل من تأوّل ذلك بمعنى: ألجأها، لأن المخاض لما جاءها إلى جذع النخلة، كان قد ألجأها إليه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ﴿فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ﴾ قال: المخاض ألجأها.
⁕ حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: ألجأها المخاض. قال ابن جريج: وقال ابن عباس: ألجأها المخاض إلى جذع النخلة.
⁕ حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ ﴿فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ يقول: ألجأها المخاض إلى جذع النخلة.
⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ﴿فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ قال: اضطرّها إلى جذع النخلة.
واختلفوا في أيّ المكان الذي انتبذت مريم بعيسى لوضعه، وأجاءَها إليه المخاض، فقال بعضهم: كان ذلك في أدنى أرض مصر، وآخر أرض الشأم، وذلك أنها هربت من قومها لما حملت، فتوجهت نحو مصر هاربة منهم.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثنا محمد بن سهل، قال: ثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: ثني عبد الصمد بن معقل، أنه سمع وهب بن منبه يقول: لما اشتملت مريم على الحمل، كان معها قَرابة لها، يقال له يوسف النَّجار، وكانا منطلقين إلى المسجد الذي عند جبل صهيون، وكان ذلك المسجد يومئذ من أعظم مساجدهم، فكانت مريم ويوسف يخدمان في ذلك المسجد، في ذلك الزمان، وكان لخدمته فضل عظيم، فرغبا في ذلك، فكانا يليان معالجته بأنفسهما، تحبيره وكناسته وطهوره، وكل عمل يعمل فيه، وكان لا يعمل من أهل زمانهما أحد أشدّ اجتهادًا وعبادة منهما، فكان أوّل من أنكر حمل مريم صاحِبُها يوسف؛ فلما رأى الذي بها استفظعه، وعظم عليه، وفظع به، فلم يدر على ماذا يضع أمرها، فإذا أراد يوسف أن يتهمها، ذكر صلاحها وبراءتها، وأنها لم تغب عنه ساعة قطّ؛ وإذا أراد أن يبرئها، رأى الذي ظهر عليها؛ فلما اشتدّ عليه ذلك كلمها، فكان أوّل كلامه إياها أن قال لها: إنه قد حدث في نفسي من أمرك أمر قد خشيته، وقد حَرَصت على أن أميته وأكتمه في نفسي، فغلبني ذلك، فرأيت الكلام فيه أشفى لصدري، قالت: فقل قولا جميلا قال: ما كنت لأقول لك إلا ذلك، فحدثيني، هل ينبت زرع بغير بذر؟ قالت: نعم، قال: فهل تنبت شجرة من غير غيث يصيبها؟ قالت: نعم، قال: فهل يكون ولد من غير ذكر؟ قالت: نعم، ألم تعلم أن الله تبارك وتعالى أنبت الزرع يوم خلقه من غير بذر، والبذر يومئذ إنما صار من الزرع الذي أنبته الله من غير بذر؛ أو لم تعلم أن الله بقدرته أنبت الشجر بغير غيث، وأنه جعل بتلك القدرة الغيث حياة للشجر بعد ما خلق كلّ واحد منهما وحده، أم تقول: لن يقدر الله على أن ينبت الشجر حتى استعان عليه بالماء، ولولا ذلك لم يقدر على إنباته؟ قال يوسف لها: لا أقول هذا، ولكني أعلم أن الله تبارك وتعالى بقدرته على ما يشاء يقول لذلك كن فيكون، قالت مريم: أو لم تعلم أن الله تبارك وتعالى خلق آدم وامرأته من غير أنثى ولا ذكر؟ قال: بلى، فلما قالت له ذلك، وقع في نفسه أن الذي بها شيء من الله تبارك وتعالى، وأنه لا يسعه أن يسألها عنه، وذلك لما رأى من كتمانها لذلك، ثم تولى يوسف خدمة المسجد، وكفاها كل عمل كانت تعمل فيه، وذلك لما رأى من رقة جسمها، واصفرار لونها، وكلف وجهها، ونتوّ بطنها، وضعف قوّتها، ودأب نظرها، ولم تكن مريم قبل ذلك كذلك؛ فلما دنا نفاسها أوحى الله إليها أن أخرجي من أرض قومك، فإنهم إن ظفروا بك عيروك، وقتلوا ولدك، فأفضت ذلك إلى أختها، وأختها حينئذ حُبلى، وقد بشرت بيحيى، فلما التقيا وجدت أمّ يحيى ما في بطنها خرّ لوجهه ساجدا معترفا لعيسى، فاحتملها يوسف إلى أرض مصر على حمار له ليس بينها حين ركبت وبين الإكاف شيء، فانطلق يوسف بها حتى إذا كان متاخما لأرض مصر في منقطع بلاد قومها، أدرك مريم النفاس، ألجأها إلى آريّ حمار، يعنى مذود الحمار، وأصل نخلة، وذلك في زمان أحسبه بردا أو حرّا "الشكّ من أبي جعفر"، فاشتدّ على مريم المخاض؛ فلما وجدت منه شدّة التجأت إلى النخلة فاحتضنتها واحتوشتها الملائكة، قاموا صفوفًا محدقين بها.
وقد رُوي عن وهب بن منبه قول آخر غير هذا، وذلك ما:-
⁕ حدثنا به ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق عمن لا يتهم، عن وهب بن منبه، قال: لما حضر ولادُها، يعني مريم، ووجدت ما تجد المرأة من الطلق، خرجت من المدينة مغربة من إيلياء، حتى تدركها الولادة إلى قرية من إيلياء على ستة أميال يقال لها بيت لحم، فأجاءها المخاض إلى أصل نخلة إليها مذود بقرة تحتها ربيع من الماء، فوضعته عندها.
وقال آخرون: بل خرجت لما حضر وضعها ما في بطنها إلى جانب المحراب الشرقي منه، فأتت أقصاه فألجأها المخاض إلى جِذْعِ النخلة، وذلك قول السدي، وقد ذكرت الرواية به قبل.
⁕ حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: ثنا حجاج، قال: قال ابن جريج: أخبرني المغيرة بن عثمان، قال: سمعت ابن عباس يقول: ما هي إلا أن حملت فوضعت.
⁕ حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: وأخبرني المغيرة بن عثمان بن عبد الله أنه سمع ابن عباس يقول: ليس إلا أن حملتْ فولدتْ.
* * *
وقوله: ﴿يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا﴾
ذكر أنها قالت ذلك في حال الطلق استحياء من الناس.
كما:-
⁕ حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قال: قالت وهي تطلق من الحبل استحياء من الناس ﴿يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا﴾ تقول: يا ليتني مِتُّ قبل هذا الكرب الذي أنا فيه، والحزن بولادتي المولود من غير بَعْل، وكنت نِسيا منسيًّا: شيئا نُسي فتُرك طلبه كخرق الحيض التي إذا ألقيت وطرحت لم تطلب ولم تذكر، وكذلك كل شيء نسي وترك ولم يطلب فهو نسي. ونسي بفتح النون وكسرها لغتان معروفتان من لغات العرب بمعنى واحد، مثل الوَتر والوِتر، والجَسر والجِسر، وبأيتهما قرأ القارئ فمصيب عندنا؛ وبالكسر قرأت عامة قرّاء الحجاز والمدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة؛ وبالفتح قرأه أهل الكوفة؛ ومنه قول الشاعر:
كأنَّ لَهَا فِي الأرْضِ نِسْيا تَقُصُّهُ ... إذَا ما غَدَتْ وإنْ تُحَدّثْكَ تَبْلَتِ [[البيت للشنفرى " اللسان: نسي " قال: والنسي: الشيء المنسي الذي لا يذكر. وقال الأخفش: النسي: ما أغفل من شيء حقير ونسي. وقال الزجاج: النسي في كلام العرب الشيء المطروح، لا يؤبه له. وقال الشنفرى: " وكأن لها. . . البيت " قال ابن بري: بلت، فالفتح: إذا قطع، وبلت بالكسر: إذا سكن. وقال الفراء: النسي والنسي (بكسر النون المشددة وفتحها) لغتان فيه تلقيه المرأة من خرق اعتلاها (حيضها) مثل وتر ووتر. قال ولو أراد بالنسي (بالفتح) مصدر النسيان، كان صوابا.]]
ويعني بقوله: تقصه: تطلبه، لأنها كانت نسيته حتى ضاع، ثم ذكرته فطلبته، ويعني بقوله: تبلت: تحسن وتصدّق، ولو وجه النسي إلى المصدر من النسيان كان صوابا، وذلك أن العرب فيما ذكر عنها تقول: نسيته نسيانا ونسيا، كما قال بعضهم من طاعة الربّ وعصي الشيطان، يعني وعصيان، وكما تقول أتيته إتيانا وأتيا، كما قال الشاعر:
أتيُ الفَوَاحِشِ فِيهِمُ مَعْرَوفَةٌ ... وَيَروْنَ فِعْلَ المَكْرُماتِ حَرَامَا [[في (اللسان: أتى) : الإتيان: المجيء. أتيته أتيا وإتيانا وإتيانه ومأتاه: جئته. واستشهد المؤلف بالبيت على أن العرب تقول نسيته نسيانا ونسيا، كما تقول أتيته إتيانا وأتيا. وقوله معروفة: أنث الخبر بالتاء مع أن المبتدأ وهو الأتي مذكر، لكنه لما أضيف إلى الفواحش، وهي جمع فاحشة. اكتسب منها التأنيث فلذلك أنث الخبر بالتاء.]]
* * *
وقوله ﴿مَنْسيًّا﴾
مفعول من نسيت الشيء كأنها قالت: ليتني كنت الشيء الذي ألقي، فترك ونسي.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني عطاء الخراساني عن ابن عباس، قوله: ﴿يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا﴾ لم أخلق، ولم أك شيئا.
⁕ حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ ﴿وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا﴾ يقول: نِسيا: نُسي ذكري، ومنسيا: تقول: نسي أثري، فلا يرى لي أثر ولا عين.
⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ﴿وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا﴾ : أي شيئا لا يعرف ولا يذكر.
⁕ حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قوله ﴿وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا﴾ قال: لا أعرف ولا يدرى من أنا.
⁕ حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس ﴿نَسْيًا مَنْسِيًّا﴾ قال: هو السقط.
⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ﴿يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا﴾ لم أكن في الأرض شيئًا قط.
{"ayahs_start":20,"ayahs":["قَالَتۡ أَنَّىٰ یَكُونُ لِی غُلَـٰمࣱ وَلَمۡ یَمۡسَسۡنِی بَشَرࣱ وَلَمۡ أَكُ بَغِیࣰّا","قَالَ كَذَ ٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَیَّ هَیِّنࣱۖ وَلِنَجۡعَلَهُۥۤ ءَایَةࣰ لِّلنَّاسِ وَرَحۡمَةࣰ مِّنَّاۚ وَكَانَ أَمۡرࣰا مَّقۡضِیࣰّا","۞ فَحَمَلَتۡهُ فَٱنتَبَذَتۡ بِهِۦ مَكَانࣰا قَصِیࣰّا","فَأَجَاۤءَهَا ٱلۡمَخَاضُ إِلَىٰ جِذۡعِ ٱلنَّخۡلَةِ قَالَتۡ یَـٰلَیۡتَنِی مِتُّ قَبۡلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسۡیࣰا مَّنسِیࣰّا"],"ayah":"قَالَ كَذَ ٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَیَّ هَیِّنࣱۖ وَلِنَجۡعَلَهُۥۤ ءَایَةࣰ لِّلنَّاسِ وَرَحۡمَةࣰ مِّنَّاۚ وَكَانَ أَمۡرࣰا مَّقۡضِیࣰّا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق