الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ﴾
الْقِصَّةَ إِلَى آخِرِهَا. هَذَا ابْتِدَاءُ قِصَّةٍ لَيْسَتْ مِنَ الْأُولَى. وَالْخِطَابُ لِمُحَمَّدٍ ﷺ، أَيْ عَرِّفْهُمْ قِصَّتَهَا لِيَعْرِفُوا كَمَالَ قُدْرَتِنَا.
(إِذِ انْتَبَذَتْ) أَيْ تَنَحَّتْ وَتَبَاعَدَتْ. وَالنَّبْذُ الطَّرْحُ وَالرَّمْيُ، قال الله تعالى: ﴿فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ﴾[[راجع ج ٢ ص ٤٠ وص ٣٠٥ ج ٤.]] [آل عمران: ١٨٧].
(مِنْ أَهْلِها)
أي ممن كان معها. "إِذِ ٣٠" بَدَلٌ مِنْ "مَرْيَمَ" بَدَلُ اشْتِمَالٍ، لِأَنَّ الْأَحْيَانَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مَا فِيهَا. وَالِانْتِبَاذُ الِاعْتِزَالُ وَالِانْفِرَادُ. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ لِمَ انْتَبَذَتْ، فَقَالَ السُّدِّيُّ: انْتَبَذَتْ لِتَطْهُرَ مِنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لِتَعْبُدَ اللَّهَ، وَهَذَا حَسَنٌ. وَذَلِكَ أَنَّ مَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلَامُ كَانَتْ وَقْفًا عَلَى سِدَانَةِ الْمَعْبَدِ [[في ج وك: المتعبد.]] وَخِدْمَتِهِ وَالْعِبَادَةِ فِيهِ، فَتَنَحَّتْ مِنَ النَّاسِ لِذَلِكَ، ودخلت الْمَسْجِدِ إِلَى جَانِبِ الْمِحْرَابِ فِي شَرْقِيِّهِ لِتَخْلُوَ لِلْعِبَادَةِ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ. فَقَوْلُهُ: (مَكاناً شَرْقِيًّا) أَيْ مَكَانًا مِنْ جَانِبِ الشَّرْقِ. وَالشَّرْقُ بِسُكُونِ الرَّاءِ الْمَكَانُ الَّذِي تُشْرِقُ فِيهِ الشَّمْسُ. وَالشَّرَقُ بِفَتْحِ الرَّاءِ الشَّمْسُ. وَإِنَّمَا خَصَّ الْمَكَانَ بِالشَّرْقِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُعَظِّمُونَ جِهَةَ الْمَشْرِقِ وَمِنْ حَيْثُ تَطْلُعُ الْأَنْوَارُ، وَكَانَتِ الْجِهَاتُ الشَّرْقِيَّةُ من كل شي أَفْضَلَ مِنْ سِوَاهَا، حَكَاهُ الطَّبَرِيُّ. وَحُكِي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنِّي لَأَعْلَمُ النَّاسِ لِمَ اتَّخَذَ النَّصَارَى الْمَشْرِقَ قِبْلَةً لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: "إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا" فَاتَّخَذُوا مِيلَادَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قِبْلَةً، وقالوا: لو كان شي مِنَ الْأَرْضِ خَيْرًا مِنَ الْمَشْرِقِ لَوَضَعَتْ مَرْيَمُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِيهِ. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي نُبُوَّةِ مَرْيَمَ، فَقِيلَ: كَانَتْ نَبِيَّةً بِهَذَا الْإِرْسَالِ وَالْمُحَاوَرَةِ لِلْمَلَكِ. وَقِيلَ: لَمْ تَكُنْ نَبِيَّةً وَإِنَّمَا كلمها مثال بشر، ورؤيتها للملك كما رؤي جِبْرِيلُ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] فِي صِفَةِ دَحْيَةَ [الْكَلْبِيِّ [[من ج وك.]]] حِينَ سُؤَالِهِ عَنِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ. وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي هَذَا الْمَعْنَى مُسْتَوْفًى فِي "آلِ عِمْرَانَ" [[راجع ج ٤ ص ٨٣ وما بعدها.]] وَالْحَمْدُ لِلَّهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا﴾
قِيلَ: هُوَ رُوحُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْأَرْوَاحَ قَبْلَ الْأَجْسَادِ، فَرَكَّبَ الرُّوحَ فِي جَسَدِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ الَّذِي خَلَقَهُ فِي بَطْنِهَا. وَقِيلَ: هُوَ جِبْرِيلُ وَأُضِيفَ الرُّوحُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى تخصيصا وكرامة. والظاهر أنه جبريل عليه السَّلَامُ، لِقَوْلِهِ: (فَتَمَثَّلَ لَها) أَيْ تَمَثَّلَ الْمَلَكُ لَهَا.
(بَشَراً)
تَفْسِيرٌ أَوْ حَالٌ.
(سَوِيًّا) ١٠
أَيْ مُسْتَوِي الْخِلْقَةِ، لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ لِتُطِيقَ أَوْ تَنْظُرَ جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ. وَلَمَّا رَأَتْ رَجُلًا حَسَنَ الصُّورَةِ فِي صُورَةِ الْبَشَرِ قَدْ خَرَقَ عَلَيْهَا الْحِجَابَ ظَنَّتْ أَنَّهُ يُرِيدُهَا بِسُوءٍ فَ (- قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا) أَيْ مِمَّنْ يَتَّقِي اللَّهَ. الْبِكَالِيُّ: فَنَكَصَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَزِعًا مِنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. الثَّعْلَبِيُّ: كَانَ رَجُلًا صَالِحًا فَتَعَوَّذَتْ بِهِ تَعَجُّبًا. وَقِيلَ: تَقِيٌّ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ أَيْ كُنْتَ مِمَّنْ يُتَّقَى مِنْهُ. فِي الْبُخَارِيِّ قَالَ أَبُو وَائِلٍ: عَلِمَتْ مَرْيَمُ أَنَّ التَّقِيَّ ذُو نُهْيَةٍ حِينَ قَالَتْ: "إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا". وَقِيلَ: تَقِيٌّ اسْمُ فَاجِرٍ مَعْرُوفٍ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قَالَهُ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ، حَكَاهُ مَكِّيٌّ وَغَيْرُهُ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهُوَ ضَعِيفٌ ذَاهِبٌ مَعَ التَّخَرُّصِ. فَقَالَ لَهَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا)
جَعَلَ الْهِبَةَ مِنْ قِبَلِهِ لَمَّا كَانَ الْإِعْلَامُ بِهَا مِنْ قِبَلِهِ. وَقَرَأَ وَرْشٌ عَنْ نَافِعٍ "لِيَهَبَ لَكِ" عَلَى مَعْنَى أَرْسَلَنِي اللَّهُ لِيَهَبَ لَكِ. وَقِيلَ: مَعْنَى "لِأَهَبَ" بِالْهَمْزِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْنَى، أَيْ قَالَ: أَرْسَلْتُهُ لِأَهَبَ لَكِ. وَيَحْتَمِلُ "لِيَهَبَ" بِلَا هَمْزٍ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْمَهْمُوزِ ثُمَّ خُفِّفَتِ الْهَمْزَةُ. فَلَمَّا سَمِعَتْ مَرْيَمُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ اسْتَفْهَمَتْ عَنْ طَرِيقِهِ فَ (- قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) ٢٠ أَيْ بِنِكَاحٍ.
(وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا) ٢٠ أَيْ زَانِيَةً. وَذَكَرَتْ هَذَا تَأْكِيدًا، لِأَنَّ قَوْلَهَا لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ يَشْمَلُ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ. وَقِيلَ: مَا اسْتَبْعَدَتْ مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى شَيْئًا وَلَكِنْ أَرَادَتْ كَيْفَ يَكُونُ هَذَا الْوَلَدُ؟ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَمْ يَخْلُقُهُ اللَّهُ ابْتِدَاءً؟ وَرُوِيَ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ قَالَ لَهَا هَذِهِ الْمَقَالَةَ نَفَخَ فِي جَيْبِ دِرْعِهَا وَكُمِّهَا، قَالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ. ابْنُ عَبَّاسٍ: أَخَذَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رُدْنَ قَمِيصِهَا بِأُصْبُعِهِ فَنَفَخَ فِيهِ فَحَمَلَتْ مِنْ سَاعَتِهَا بِعِيسَى. قَالَ الطَّبَرِيُّ: وَزَعَمَتِ النَّصَارَى أَنَّ مَرْيَمَ حَمَلَتْ بِعِيسَى وَلَهَا ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَأَنَّ عِيسَى عَاشَ إِلَى أَنْ رُفِعَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ سَنَةً وَأَيَّامًا، وَأَنَّ مَرْيَمَ بَقِيَتْ بَعْدَ رَفْعِهِ سِتَّ سِنِينَ، فَكَانَ جَمِيعُ عُمْرِهَا نَيِّفًا [[في ج: ستا وخمسين.]] وَخَمْسِينَ سَنَةً. وَقَوْلُهُ: (وَلِنَجْعَلَهُ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ، أَيْ وَنَخْلُقُهُ لِنَجْعَلَهُ: (آيَةً) ١٠ دَلَالَةً عَلَى قدرتنا عجيبة (وَرَحْمَةً) [أي [[من ك.]]] لِمَنْ آمَنَ بِهِ.
(وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا) مُقَدَّرًا [[في ج: مقدورا.]] في اللوح مسطورا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا﴾ أَيْ تَنَحَّتْ بِالْحَمْلِ إِلَى مَكَانٍ بَعِيدٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِلَى أَقْصَى الْوَادِي، وَهُوَ وَادِي بَيْتِ لَحْمٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إِيلِيَاءَ أَرْبَعَةُ أَمْيَالٍ، وَإِنَّمَا بَعُدَتْ فِرَارًا مِنْ تَعْيِيرِ قَوْمِهَا إِيَّاهَا بِالْوِلَادَةِ مِنْ غَيْرِ زَوْجٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا هُوَ إِلَّا أَنْ حَمَلَتْ فَوَضَعَتْ فِي الْحَالِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الِانْتِبَاذَ عَقِبَ الْحَمْلِ. وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ عَلَى مَا يَأْتِي: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ "أجاءها" [بمعنى [[[من ج وك.]] اضطرها، وهو تعدية جاء بالهمز. يقال: جاءه [[في ك جاءه وأجاءه.]] بِهِ وَأَجَاءَهُ إِلَى مَوْضِعِ كَذَا، كَمَا يُقَالُ: ذَهَبَ بِهِ وَأَذْهَبَهُ. وَقَرَأَ شُبَيْلٌ وَرُوِيَتْ عَنْ عاصم "فَأَجاءَهَا" مِنَ الْمُفَاجَأَةِ. وَفِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ "فَلَمَّا أَجَاءَهَا الْمَخَاضُ". وَقَالَ زُهَيْرٌ:
وَجَارٍ سَارَ مُعْتَمِدًا إِلَيْنَا ... أَجَاءَتْهُ الْمَخَافَةُ وَالرَّجَاءُ
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ "الْمَخاضُ" بِفَتْحِ الْمِيمِ. وابْنُ كَثِيرٍ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ بِكَسْرِهَا وَهُوَ الطَّلْقُ وَشِدَّةُ الْوِلَادَةِ وَأَوْجَاعُهَا. مَخِضَتِ الْمَرْأَةُ تَمْخَضُ مَخَاضًا وَمِخَاضًا. وَنَاقَةٌ مَاخِضٌ أَيْ دَنَا وِلَادُهَا. "إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ" كَأَنَّهَا طَلَبَتْ شَيْئًا تَسْتَنِدُ إِلَيْهِ وَتَتَعَلَّقُ بِهِ، كَمَا تَتَعَلَّقُ الْحَامِلُ لِشِدَّةِ وَجَعِ الطَّلْقِ. وَالْجِذْعُ سَاقُ النَّخْلَةِ الْيَابِسَةِ فِي الصَّحْرَاءِ الَّذِي لَا سَعَفَ عَلَيْهِ وَلَا غُصْنَ وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ إِلَى النَّخْلَةِ.
(قالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا) تَمَنَّتْ مَرْيَمُ عَلَيْهَا السَّلَامُ الْمَوْتَ مِنْ جِهَةِ الدِّينِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا- أَنَّهَا خَافَتْ أَنْ يُظَنَّ بِهَا الشَّرُّ فِي دِينِهَا وَتُعَيَّرَ فَيَفْتِنُهَا ذَلِكَ. الثَّانِي- لِئَلَّا يَقَعَ قَوْمٌ بِسَبَبِهَا فِي الْبُهْتَانِ وَالنِّسْبَةِ إِلَى الزنى وَذَلِكَ مُهْلِكٌ. وَعَلَى هَذَا الْحَدِّ يَكُونُ تَمَنِّي الْمَوْتِ جَائِزًا، وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى مُبَيَّنًا فِي سُورَةِ "يُوسُفَ" [[راجع ج ٩ ص ٢٦٩.]] عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. قُلْتُ: وَقَدْ سَمِعْتُ أَنَّ مَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلَامُ سَمِعَتْ نِدَاءَ مَنْ يَقُولُ: اخْرُجْ يَا مَنْ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَحَزِنَتْ لِذَلِكَ، وَ (قالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا). النِّسْيُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الشَّيْءُ الْحَقِيرُ الَّذِي شَأْنُهُ أَنْ يُنْسَى وَلَا يُتَأَلَّمُ لفقده كالوتد والحبل للمسافر ونحوه.
وَحُكِيَ عَنِ الْعَرَبِ أَنَّهُمْ إِذَا أَرَادُوا الرَّحِيلَ عَنْ مَنْزِلٍ قَالُوا: احْفَظُوا أَنْسَاءَكُمْ، الْأَنْسَاءُ جَمْعُ نِسْيٍ وَهُوَ الشَّيْءُ الْحَقِيرُ يُغْفَلُ فَيُنْسَى. وَمِنْهُ قَوْلُ الْكُمَيْتِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ:
أَتَجْعَلُنَا جِسْرًا لِكَلْبِ قُضَاعَةَ ... وَلَسْتُ بِنِسْيٍ فِي مَعَدٍّ وَلَا دَخَلْ
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: النِّسْيُ مَا تُلْقِيهِ الْمَرْأَةُ مِنْ خِرَقِ اعْتِلَالِهَا، فَقَوْلُ مَرْيَمَ: "نَسْياً مَنْسِيًّا" أي حيضة ملقاة. وقرى "نَسْيًا" بِفَتْحِ النُّونِ وَهُمَا لُغَتَانِ مِثْلَ الْحِجْرِ وَالْحَجَرِ وَالْوِتْرِ وَالْوَتْرِ. وَقَرَأَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ القرظي بالهمز: "نسيا" بكسر النون. وقرا نوف البكالي: "نسيا" بِفَتْحِ النُّونِ مِنْ نَسَأَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَجَلِهِ أَيْ أَخَّرَهُ. وَحَكَاهَا أَبُو الْفَتْحِ وَالدَّانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ. وَقَرَأَ بَكْرُ بْنُ حَبِيبٍ: "نَسًّا" بِتَشْدِيدِ السِّينِ وَفَتْحِ النُّونِ دُونَ هَمْزٍ. وَقَدْ حَكَى الطَّبَرِيُّ فِي قَصَصِهَا أَنَّهَا لَمَّا حَمَلَتْ بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ حَمَلَتْ أَيْضًا أختها بيحيى، فجاءتها أختها زائرة فقالت: مَرْيَمُ أَشَعَرْتِ أَنْتِ أَنِّي حَمَلْتُ؟ فَقَالَتْ لَهَا: وَإِنِّي أَجِدُ مَا فِي بَطْنِي يَسْجُدُ لِمَا فِي بَطْنِكِ، وذلك أَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهَا أَحَسَّتْ بِجَنِينِهَا يَخِرُّ بِرَأْسِهِ إِلَى نَاحِيَةِ بَطْنِ مَرْيَمَ، قَالَ السُّدِّيُّ فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ﴾[[راجع ج ٤ ص ٧٤.]] [آل عمران: ٣٩]. وَذُكِرَ أَيْضًا مِنْ قَصَصِهَا أَنَّهَا خَرَجَتْ فَارَّةً مَعَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقَالُ لَهُ يُوسُفُ النَّجَّارُ، كَانَ يَخْدُمُ مَعَهَا فِي الْمَسْجِدِ وَطَوَّلَ فِي ذَلِكَ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: قِيلَ لِيُوسُفَ- وكانت سميت له أنها حملت من الزنى- فَالْآنَ يَقْتُلُهَا الْمَلِكُ، فَهَرَبَ بِهَا، فَهَمَّ فِي الطَّرِيقِ بِقَتْلِهَا، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَالَ لَهُ: إِنَّهُ مِنْ رُوحِ الْقُدُسِ، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا كُلُّهُ ضَعِيفٌ. وَهَذِهِ الْقِصَّةُ تَقْتَضِي أَنَّهَا حَمَلَتْ، وَاسْتَمَرَّتْ حَامِلًا عَلَى عُرْفِ النِّسَاءِ [[في ج وك: عرف البشر.]]، وَتَظَاهَرَتِ الرِّوَايَاتُ بِأَنَّهَا وَلَدَتْهُ لِثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ. قَالَهُ عِكْرِمَةُ، وَلِذَلِكَ قِيلَ: لَا يَعِيشُ ابْنُ ثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ حِفْظًا لِخَاصَّةِ عِيسَى. وَقِيلَ: وَلَدَتْهُ لِتِسْعَةٍ. وَقِيلَ: لِسِتَّةٍ. وَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَصَحُّ وَأَظْهَرُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَناداها مِنْ تَحْتِها﴾ قُرِئَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمُرَادُ ب"- مِنْ" جِبْرِيلُ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عِيسَى حَتَّى أَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا، وَقَالَهُ عَلْقَمَةُ وَالضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ، فَفِي هَذَا لَهَا آيَةٌ وَأَمَارَةٌ أَنَّ هَذَا مِنَ الْأُمُورِ الْخَارِقَةِ لِلْعَادَةِ التي لله [تعالى [[من ك.]]] فيها مراد عظيم. وقوله: (أَلَّا تَحْزَنِي) تفسير النداء، و "أن" مُفَسِّرَةٌ بِمَعْنَى أَيْ، الْمَعْنَى: فَلَا تَحْزَنِي بِوِلَادَتِكِ.
(قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا) يَعْنِي عِيسَى. وَالسَّرِيُّ مِنَ الرِّجَالِ الْعَظِيمُ الْخِصَالِ السَّيِّدُ. قَالَ الْحَسَنُ: كَانَ وَاللَّهِ سَرِيًّا مِنَ الرِّجَالِ. وَيُقَالُ: سَرِيَ فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ أَيْ تَكَرَّمَ. وَفُلَانٌ سَرِيٌّ مِنْ قَوْمٍ سَرَاةٍ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: أَشَارَ لَهَا إِلَى الْجَدْوَلِ الَّذِي كَانَ قُرَيْبَ جِذْعِ النَّخْلَةِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ ذَلِكَ نَهْرًا قَدِ انْقَطَعَ مَاؤُهُ فَأَجْرَاهُ اللَّهُ تَعَالَى لِمَرْيَمَ. وَالنَّهْرُ يُسَمَّى سَرِيًّا لِأَنَّ الْمَاءَ يَسْرِي فِيهِ، قَالَ الشَّاعِرُ:
سَلْمٌ [[السلم: الدلو التي لها عروة واحدة كدلو السقائين. والمدالي: المستقى بالدلو. والهرهرة: صوت الماء إذا جرى.]] تَرَى الدَّالِيَّ مِنْهُ أَزْوَرَا ... إِذَا يَعُبُّ فِي السَّرِيِّ هَرْهَرَا
وَقَالَ لَبِيدٌ:
فَتَوَسَّطَا عُرْضَ السَّرِيِّ وَصَدَّعَا [[أي شق العير والأتان النبت الذي على الماء. ومسجورة: عين مملوءة. والمتجاور المتقارب والقلام: نبت وقيل: هو القصب. والبيت من معلقته.]] ... مَسْجُورَةً مُتَجَاوِرًا قُلَّامُهَا
وَقِيلَ: نَادَاهَا عِيسَى [[أي على قراءة من فتح من وتحتها.]]، وَكَانَ ذَلِكَ مُعْجِزَةً وَآيَةً وَتَسْكِينًا لِقَلْبِهَا، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (فَنَادَاهَا مَلَكٌ مِنْ تَحْتِهَا) قَالُوا: وَكَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي بُقْعَةٍ مِنَ الْأَرْضِ أَخْفَضَ مِنَ الْبُقْعَةِ الَّتِي كَانَتْ هِيَ عَلَيْهَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا. فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً﴾ فِيهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَهُزِّي﴾ أَمَرَهَا بِهَزِّ الْجِذْعِ الْيَابِسِ لِتَرَى آيَةً أُخْرَى فِي إِحْيَاءِ مَوَاتِ الْجِذْعِ. وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: "بِجِذْعِ" زَائِدَةٌ مُؤَكِّدَةٌ كَمَا يُقَالُ: خُذْ بِالزِّمَامِ، وَأَعْطِ بِيَدِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ" [[راجع ج ١٢ ص ٢٢.]] أَيْ فَلْيَمْدُدْ سَبَبًا. وَقِيلَ: الْمَعْنَى وَهُزِّي إِلَيْكِ رُطَبًا عَلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ. وَ "تُساقِطْ" أَيْ تَتَسَاقَطْ فَأَدْغَمَ التَّاءَ فِي السِّينِ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ "تَسَاقَطْ" مُخَفَّفًا فَحَذَفَ الَّتِي أَدْغَمَهَا غَيْرُهُ. وَقَرَأَ عَاصِمٌ فِي رِوَايَةِ حَفْصٍ "تُسَاقِطْ" بِضَمِّ التاء مخففا وكسر القاف. وقرى: "تَتَسَاقَطْ" بِإِظْهَارِ التَّاءَيْنِ وَ "يَسَّاقَطْ" بِالْيَاءِ وَإِدْغَامِ التاء "وتسقط" وَ "يُسْقِطْ" وَ "تَسْقُطْ" وَ "يَسْقُطْ" بِالتَّاءِ لِلنَّخْلَةِ وَبِالْيَاءِ لِلْجِذْعِ، فَهَذِهِ تِسْعُ قِرَاءَاتٍ ذَكَرَهَا الزَّمَخْشَرِيُّ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ. "رُطَباً" نُصِبَ بِالْهَزِّ، أَيْ إِذَا هَزَزْتِ الْجِذْعَ هَزَزْتِ بِهَزِّهِ "رُطَباً جَنِيًّا" وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَ"- رُطَباً "يَخْتَلِفُ نَصْبُهُ بِحَسَبِ مَعَانِي الْقِرَاءَاتِ، فَمَرَّةً يَسْتَنِدُ الْفِعْلُ إِلَى الْجِذْعِ، وَمَرَّةً إِلَى الْهَزِّ، وَمَرَّةً إِلَى النخلة. و" جَنِيًّا "مَعْنَاهُ قَدْ طَابَتْ وَصَلُحَتْ لِلِاجْتِنَاءِ، وَهِيَ مِنْ جَنَيْتُ الثَّمَرَةَ. وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ- وَلَا يَصِحُّ- أَنَّهُ قَرَأَ" تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا بَرْنِيًّا" [[البرني: ضرب من التمر أصفر مدور وهو أجود التمر واحد برنية.]]. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: "رُطَباً جَنِيًّا" قَالَ: كَانَتْ عَجْوَةً. وَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ: سَأَلْتُ أَبَا عَمْرِو بْنَ الْعَلَاءِ عَنْ قَوْلِهِ: "رُطَباً جَنِيًّا" فَقَالَ: لَمْ يَذْوِ. قَالَ وَتَفْسِيرُهُ: لَمْ يَجِفَّ وَلَمْ يَيْبَسْ وَلَمْ يَبْعُدْ عَنْ يَدَيْ مُجْتَنِيهِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ الْفَرَّاءُ: الْجَنِيُّ وَالْمَجْنِيُّ وَاحِدٌ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْقَتِيلِ وَالْمَقْتُولِ وَالْجَرِيحِ وَالْمَجْرُوحِ. وَقَالَ غَيْرُ الْفَرَّاءِ: الْجَنِيُّ الْمَقْطُوعُ مِنْ نَخْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَالْمَأْخُوذُ مِنْ مَكَانِ نَشْأَتِهِ، وَأَنْشَدُوا:
وَطِيبُ ثِمَارٍ فِي رِيَاضٍ أَرِيضَةٍ ... وَأَغْصَانُ أَشْجَارٍ جَنَاهَا عَلَى قُرْبِ
يُرِيدُ بِالْجَنَى مَا يُجْنَى مِنْهَا أَيْ يُقْطَعُ وَيُؤْخَذُ. قَالَ ابْنُ عباس: كان جذعا نخزا فَلَمَّا هَزَّتْ نَظَرَتْ إِلَى أَعْلَى الْجِذْعِ فَإِذَا السَّعَفُ قَدْ طَلَعَ، ثُمَّ نَظَرَتْ إِلَى الطَّلْعِ قَدْ خَرَجَ مِنْ بَيْنِ السَّعَفِ، ثُمَّ اخْضَرَّ فَصَارَ بَلَحًا ثُمَّ احْمَرَّ فَصَارَ زَهْوًا، ثُمَّ رُطَبًا، كُلُّ ذَلِكَ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ، فَجَعَلَ الرُّطَبَ يَقَعُ بَيْنَ يَدَيْهَا لَا يَنْشَدِخُ مِنْهُ شي. الثَّانِيَةُ- اسْتَدَلَّ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الرِّزْقَ وَإِنْ كَانَ مَحْتُومًا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ وَكَلَ ابْنَ آدَمَ إِلَى سَعْيٍ مَا فِيهِ، لِأَنَّهُ أَمَرَ مَرْيَمَ بِهَزِّ النَّخْلَةِ [[في ج وك: الجذع.]] لِتَرَى آيَةً، وَكَانَتِ الْآيَةُ تَكُونُ بِأَلَّا تَهُزَّ. الثَّالِثَةُ- الْأَمْرُ بِتَكْلِيفِ الْكَسْبِ فِي الرِّزْقِ سُنَّةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي عِبَادِهِ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي التَّوَكُّلِ، خِلَافًا لِمَا تَقُولُهُ جُهَّالُ الْمُتَزَهِّدَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى وَالْخِلَافُ فِيهِ. وَقَدْ كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ يَأْتِيهَا رِزْقُهَا مِنْ غَيْرِ تَكَسُّبٍ كَمَا قَالَ: "كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً" [[راجع ج ٤ ص ٦٩.]] الآية [آل عمران: ٣٧]. فَلَمَّا وَلَدَتْ أُمِرَتْ بِهَزِّ الْجِذْعِ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: لَمَّا كَانَ قَلْبُهَا فَارِغًا فَرَّغَ اللَّهُ جَارِحَتَهَا عَنِ النَّصَبِ، فَلَمَّا وَلَدَتْ عِيسَى وَتَعَلَّقَ قَلْبُهَا بِحُبِّهِ، وَاشْتَغَلَ سِرُّهَا بِحَدِيثِهِ وَأَمْرِهِ، وَكَلَهَا إِلَى كَسْبِهَا، وَرَدَّهَا إِلَى الْعَادَةِ بِالتَّعَلُّقِ بِالْأَسْبَابِ فِي عِبَادِهِ. وَحَكَى الطَّبَرِيُّ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لَهَا: لَا تَحْزَنِي، فَقَالَتْ لَهُ وَكَيْفَ لَا أَحْزَنُ وَأَنْتَ مَعِي؟! لا ذات زوج ولا مملوكة! أي شي عُذْرِي عِنْدَ النَّاسِ؟!! "يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا" فَقَالَ لَهَا عِيسَى: أَنَا أَكْفِيكِ الْكَلَامَ. الرَّابِعَةُ- قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ خَيْثَمٍ: مَا لِلنُّفَسَاءِ عِنْدِي خَيْرٌ مِنَ الرُّطَبِ لِهَذِهِ الْآيَةِ، وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ شَيْئًا هُوَ أَفْضَلُ مِنَ الرُّطَبِ لِلنُّفَسَاءِ لَأَطْعَمَهُ مَرْيَمَ وَلِذَلِكَ قَالُوا: التَّمْرُ عَادَةٌ لِلنُّفَسَاءِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَكَذَلِكَ التَّحْنِيكُ. وَقِيلَ: إِذَا عَسِرَ وِلَادُهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا خَيْرٌ مِنَ الرُّطَبِ وَلَا لِلْمَرِيضِ خَيْرٌ مِنَ الْعَسَلِ، ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ قَالَ مَالِكٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "رُطَباً جَنِيًّا" الْجَنِيُّ مِنَ التَّمْرِ مَا طَابَ مِنْ غَيْرِ نَقْشٍ وَلَا إِفْسَادٍ. وَالنَّقْشُ أَنْ يُنْقَشَ مِنْ أَسْفَلِ الْبُسْرَةِ حَتَّى تَرْطُبَ، فَهَذَا مَكْرُوهٌ، يَعْنِي مَالِكٌ أَنَّ هَذَا تَعْجِيلٌ لِلشَّيْءِ قَبْلَ وَقْتِهِ، فَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَهُ، وَإِنْ فَعَلَهُ فَاعِلٌ مَا كَانَ ذَلِكَ مُجَوِّزًا لِبَيْعِهِ، وَلَا حُكْمًا بِطِيبِهِ. وَقَدْ مَضَى هَذَا الْقَوْلُ في الانعام [[راجع ج ٧ ص ٥٠ وما بعدها.]]. والحمد لله. وعن طَلْحَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ "جَنِيًّا" بِكَسْرِ الْجِيمِ لِلْإِتْبَاعِ، أَيْ جَعَلْنَا [[في ج وك: جمعنا.]] لَكَ فِي السَّرِيِّ وَالرُّطَبِ فَائِدَتَيْنِ: إحداهما الأكل والشرب، والثانية سَلْوَةُ الصَّدْرِ، لِكَوْنِهِمَا مُعْجِزَتَيْنِ. وَهُوَ [مَعْنَى [[الزيادة من الكشاف للزمخشري.]]] قَوْلِهِ تَعَالَى: (فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً) أَيْ فَكُلِي مِنَ الْجَنِيِّ، وَاشْرَبِي مِنَ السَّرِيِّ، "وَقَرِّي عَيْناً" برؤية الولد النبي. وقرى بِفَتْحِ الْقَافِ وَهِيَ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ. وَحَكَى الطَّبَرِيُّ قِرَاءَةَ "وَقِرِّي" بِكَسْرِ الْقَافِ وَهِيَ لُغَةُ نَجْدٍ. يُقَالُ: قَرَّ عَيْنًا يَقُرُّ وَيَقِرُّ بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِهَا وَأَقَرَّ اللَّهُ عَيْنَهُ فَقَرَّتْ. وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْقُرِّ وَالْقُرَّةِ وَهُمَا الْبَرْدُ. وَدَمْعَةُ السُّرُورِ باردة ودمعة الحزن حارة. وضعف فِرْقَةٌ هَذَا وَقَالَتِ: الدَّمْعُ كُلُّهُ حَارٌّ، فَمَعْنَى أَقَرَّ اللَّهُ عَيْنَهُ أَيْ سَكَّنَ اللَّهُ عَيْنَهُ بِالنَّظَرِ إِلَى مَنْ يُحِبُّهُ حَتَّى تَقِرَّ وَتَسْكُنَ، وفلان قرة عيني، أي نَفْسِي تَسْكُنُ بِقُرْبِهِ. وَقَالَ الشَّيْبَانِيُّ: "وَقَرِّي عَيْناً" مَعْنَاهُ نَامِي حَضَّهَا عَلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالنَّوْمِ. قَالَ أَبُو عَمْرٍو: أَقَرَّ اللَّهُ عَيْنَهُ أَيْ أنام عينه، وأذهب سهره. و "عَيْناً ٦٠" نُصِبَ عَلَى التَّمْيِيزِ، كَقَوْلِكَ: طِبْ نَفْسًا. وَالْفِعْلُ فِي الْحَقِيقَةِ إِنَّمَا هُوَ لِلْعَيْنِ فَنُقِلَ ذَلِكَ إِلَى ذِي الْعَيْنِ، وَيُنْصَبُ الَّذِي كَانَ فَاعِلًا فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى التَّفْسِيرِ. وَمِثْلُهُ طِبْتُ نَفْسًا، وَتَفَقَّأْتُ شَحْمًا، وَتَصَبَّبْتُ عَرَقًا، وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً﴾ فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَإِمَّا تَرَيِنَّ﴾ الْأَصْلُ فِي تَرَيِنَّ تَرْأَيِينَ [[أي قبل التوكيد ودخول الجازم وهي بوزن تمنعين.]] فَحُذِفَتِ الْهَمْزَةُ كَمَا حُذِفَتْ مِنْ تَرَى وَنُقِلَتْ فَتْحَتُهَا إِلَى الرَّاءِ فَصَارَ "تَرَيِينَ" ثُمَّ قُلِبَتِ الْيَاءُ الْأُولَى أَلِفًا لِتَحَرُّكِهَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا، فَاجْتَمَعَ سَاكِنَانِ الْأَلِفُ الْمُنْقَلِبَةُ عَنِ الْيَاءِ وَيَاءُ التَّأْنِيثِ، فَحُذِفَتِ الْأَلِفُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، فَصَارَ تَرَيْنَ، ثُمَّ حُذِفَتِ النُّونُ عَلَامَةً لِلْجَزْمِ لِأَنَّ إِنْ حَرْفُ شَرْطٍ وَمَا صِلَةٌ فَبَقِيَ تَرَيْ، ثُمَّ دَخَلَهُ نُونُ التَّوْكِيدِ وَهِيَ مُثَقَّلَةٌ، فَكُسِرَ يَاءُ التَّأْنِيثِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، لِأَنَّ النُّونَ الْمُثَقَّلَةَ بِمَنْزِلَةِ نُونَيْنِ الْأُولَى سَاكِنَةٌ فَصَارَ تَرَيِنَّ وَعَلَى هَذَا النَّحْوِ قَوْلُ ابْنِ دُرَيْدٍ:
إِمَّا تَرَيْ رَأْسِيَ حَاكَى لَوْنُهُ [[تمامه:
طرت صبح تحت أذيال الدجى]]
وَقَوْلُ الْأَفْوَهِ:
إِمَّا تَرَيْ رَأْسِيَ أَزْرَى بِهِ [[تمامه:
ماس زمان ذي انتكاس مئوس]]
وَإِنَّمَا دَخَلَتِ النُّونُ هُنَا بِتَوْطِئَةِ "مَا" كَمَا يُوَطِّئُ لِدُخُولِهَا أَيْضًا لَامُ الْقَسَمِ. وَقَرَأَ طَلْحَةُ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَشَيْبَةُ "تَرَيْنَ" بِسُكُونِ الْيَاءِ وَفَتْحِ النُّونِ خَفِيفَةً، قَالَ أَبُو الْفَتْحِ: وَهِيَ شَاذَّةٌ. الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ﴾ هَذَا جَوَابُ الشَّرْطِ وَفِيهِ إِضْمَارٌ، أَيْ فَسَأَلَكِ عَنْ وَلَدِكِ "فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً" أَيْ صَمْتًا، قَالَهُ ابْنُ عباس وأنس ابن مَالِكٍ. وَفِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ "إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا صَمْتًا" وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ.
وَعَنْهُ أَيْضًا "وَصَمْتًا" بِوَاوٍ، وَاخْتِلَافُ اللَّفْظَيْنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَرْفَ ذُكِرَ تَفْسِيرًا لَا قُرْآنًا، فَإِذَا أَتَتْ مَعَهُ وَاوٌ فَمُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ الصَّوْمِ. وَالَّذِي تَتَابَعَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ عَنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَرُوَاةِ اللُّغَةِ أَنَّ الصَّوْمَ هُوَ الصَّمْتُ، لِأَنَّ الصَّوْمَ إِمْسَاكٌ وَالصَّمْتَ إِمْسَاكٌ عَنِ الكلام. وقيل: هو الصوم والمعروف، وَكَانَ يَلْزَمُهُمُ الصَّمْتُ يَوْمَ الصَّوْمِ إِلَّا بِالْإِشَارَةِ. وَعَلَى هَذَا تُخَرَّجُ قِرَاءَةُ أَنَسٍ "وَصَمْتًا" بِوَاوٍ، وَأَنَّ الصَّمْتَ كَانَ عِنْدَهُمْ فِي الصَّوْمِ مُلْتَزِمًا بِالنَّذْرِ، كَمَا أَنَّ مَنْ نَذَرَ مِنَّا الْمَشْيَ إِلَى الْبَيْتِ اقْتَضَى ذَلِكَ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ. وَمَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَهَا عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَوِ ابْنِهَا عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ- بِأَنْ تُمْسِكَ عَنْ مُخَاطَبَةِ الْبَشَرِ، وَتُحِيلَ عَلَى ابْنِهَا فِي ذَلِكَ لِيَرْتَفِعَ عَنْهَا خَجَلُهَا، وَتَتَبَيَّنَ الْآيَةُ فَيَقُومُ عُذْرُهَا. وَظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّهَا أُبِيحَ لَهَا أَنْ تَقُولَ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ الَّتِي فِي الْآيَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: مَعْنَى "قُولِي" بِالْإِشَارَةِ لَا بِالْكَلَامِ. الزَّمَخْشَرِيُّ: وَفِيهِ أَنَّ السُّكُوتَ عَنِ السَّفِيهِ وَاجِبٌ، وَمِنْ أَذَلِّ النَّاسِ سَفِيهٌ لَمْ يَجِدْ مُسَافِهًا. الثَّالِثَةُ- مَنِ التَزَمَ بِالنَّذْرِ أَلَّا يُكَلِّمَ أَحَدًا مِنَ الْآدَمِيِّينَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ قُرْبَةٌ فَيَلْزَمُ بِالنَّذْرِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي شَرْعِنَا لِمَا فِيهِ مِنَ التَّضْيِيقِ وَتَعْذِيبِ النَّفْسِ، كَنَذْرِ الْقِيَامِ فِي الشَّمْسِ وَنَحْوِهُ. وَعَلَى هَذَا كَانَ نَذْرُ الصَّمْتِ فِي تِلْكَ الشَّرِيعَةِ لَا فِي شَرِيعَتِنَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَقَدْ أَمَرَ ابْنُ مَسْعُودٍ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِالنُّطْقِ بِالْكَلَامِ. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لِحَدِيثِ أَبِي إِسْرَائِيلَ، خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [[الحديث كما في البخاري عن ابن عباس قال: بينا النبي ﷺ يَخْطُبُ إِذَا هُوَ برجل قائم فسأل عنه فقالوا: أَبُو إِسْرَائِيلَ نَذَرَ أَنْ يَقُومَ وَلَا يَقْعُدَ وَلَا يَسْتَظِلَّ وَلَا يَتَكَلَّمَ وَيَصُومَ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (مره فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه).]]. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ وَالسُّدِّيُّ: كَانَتْ سُنَّةُ الصِّيَامِ عِنْدَهُمُ الْإِمْسَاكَ عَنِ الْأَكْلِ وَالْكَلَامِ. قُلْتُ: وَمِنْ سُنَّتِنَا نَحْنُ فِي الصِّيَامِ الْإِمْسَاكُ عَنِ الْكَلَامِ الْقَبِيحِ، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ فَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ). وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةً فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وشرابه).
{"ayahs_start":16,"ayahs":["وَٱذۡكُرۡ فِی ٱلۡكِتَـٰبِ مَرۡیَمَ إِذِ ٱنتَبَذَتۡ مِنۡ أَهۡلِهَا مَكَانࣰا شَرۡقِیࣰّا","فَٱتَّخَذَتۡ مِن دُونِهِمۡ حِجَابࣰا فَأَرۡسَلۡنَاۤ إِلَیۡهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرࣰا سَوِیࣰّا","قَالَتۡ إِنِّیۤ أَعُوذُ بِٱلرَّحۡمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِیࣰّا","قَالَ إِنَّمَاۤ أَنَا۠ رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَـٰمࣰا زَكِیࣰّا","قَالَتۡ أَنَّىٰ یَكُونُ لِی غُلَـٰمࣱ وَلَمۡ یَمۡسَسۡنِی بَشَرࣱ وَلَمۡ أَكُ بَغِیࣰّا","قَالَ كَذَ ٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَیَّ هَیِّنࣱۖ وَلِنَجۡعَلَهُۥۤ ءَایَةࣰ لِّلنَّاسِ وَرَحۡمَةࣰ مِّنَّاۚ وَكَانَ أَمۡرࣰا مَّقۡضِیࣰّا","۞ فَحَمَلَتۡهُ فَٱنتَبَذَتۡ بِهِۦ مَكَانࣰا قَصِیࣰّا","فَأَجَاۤءَهَا ٱلۡمَخَاضُ إِلَىٰ جِذۡعِ ٱلنَّخۡلَةِ قَالَتۡ یَـٰلَیۡتَنِی مِتُّ قَبۡلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسۡیࣰا مَّنسِیࣰّا","فَنَادَىٰهَا مِن تَحۡتِهَاۤ أَلَّا تَحۡزَنِی قَدۡ جَعَلَ رَبُّكِ تَحۡتَكِ سَرِیࣰّا","وَهُزِّیۤ إِلَیۡكِ بِجِذۡعِ ٱلنَّخۡلَةِ تُسَـٰقِطۡ عَلَیۡكِ رُطَبࣰا جَنِیࣰّا","فَكُلِی وَٱشۡرَبِی وَقَرِّی عَیۡنࣰاۖ فَإِمَّا تَرَیِنَّ مِنَ ٱلۡبَشَرِ أَحَدࣰا فَقُولِیۤ إِنِّی نَذَرۡتُ لِلرَّحۡمَـٰنِ صَوۡمࣰا فَلَنۡ أُكَلِّمَ ٱلۡیَوۡمَ إِنسِیࣰّا"],"ayah":"قَالَ كَذَ ٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَیَّ هَیِّنࣱۖ وَلِنَجۡعَلَهُۥۤ ءَایَةࣰ لِّلنَّاسِ وَرَحۡمَةࣰ مِّنَّاۚ وَكَانَ أَمۡرࣰا مَّقۡضِیࣰّا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق