الباحث القرآني
.
قَوْلُهُ ﴿واذْكُرْ في الكِتابِ مَرْيَمَ﴾ هَذا شُرُوعٌ في ابْتِداءِ خَلْقِ عِيسى، والمُرادُ بِالكِتابِ هَذِهِ السُّورَةُ: أيِ: اذْكُرْ يا مُحَمَّدُ لِلنّاسِ في هَذِهِ السُّورَةِ قِصَّةَ مَرْيَمَ، ويَجُوزُ أنْ يُرادَ بِالكِتابِ جِنْسُ القُرْآنِ، وهَذِهِ السُّورَةُ مِنهُ، ولَمّا كانَ الذِّكْرُ لا يَتَعَلَّقُ بِالأعْيانِ احْتِيجَ إلى تَقْدِيرِ مُضافٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الذِّكْرُ، وهو قِصَّةُ مَرْيَمَ، أوْ خَبَرُ مَرْيَمَ ﴿إذِ انْتَبَذَتْ﴾ العامِلُ في الظَّرْفِ هو ذَلِكَ المُضافُ المُقَدَّرُ، ويَجُوزُ أنْ يُجْعَلَ بَدَلَ اشْتِمالٍ مِن مَرْيَمَ؛ لِأنَّ الأزْمانَ مُشْتَمِلَةٌ عَلى ما فِيها، ويَكُونُ المُرادُ بِمَرْيَمَ خَبَرَها، وفي هَذا الإبْدالِ دَلالَةٌ عَلى تَفْخِيمِ شَأْنِ الوَقْتِ لِوُقُوعِ قِصَّتِها العَجِيبَةِ فِيهِ، والنَّبْذُ: الطَّرْحُ والرَّمْيُ.
قالَ اللَّهُ سُبْحانَهُ: ﴿فَنَبَذُوهُ وراءَ ظُهُورِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٨٧] والمَعْنى: أنَّها تَنَحَّتْ وتَباعَدَتْ. وقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: اعْتَزَلَتْ، وقِيلَ: انْفَرَدَتْ، والمَعانِي مُتَقارِبَةٌ.
واخْتَلَفُوا في سَبَبِ انْتِباذِها، فَقِيلَ: لِأجْلِ أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ سُبْحانَهُ، وقِيلَ: لِتَطْهُرَ مِن حَيْضِها، ومِن أهْلِها مُتَعْلِّقٌ بِانْتَبَذَتْ، وانْتِصابُ ﴿مَكانًا شَرْقِيًّا﴾ عَلى المَفْعُولِيَّةِ لِلْفِعْلِ المَذْكُورِ، أيْ: مَكانًا مِن جانِبِ الشَّرْقِ، والشَّرْقُ بِسُكُونِ الرّاءِ المَكانُ الَّذِي تَشْرُقُ فِيهِ الشَّمْسُ، وإنَّما خَصَّ المَكانَ بِالشَّرْقِ؛ لِأنَّهم كانُوا يُعَظِّمُونَ جِهَةَ الشَّرْقِ؛ لِأنَّها مَطْلَعُ الأنْوارِ، حَكى مَعْناهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
وقَدْ اخْتَلَفَ النّاسُ في نُبُوَّةِ مَرْيَمَ، فَقِيلَ: إنَّها نَبِيَّةٌ بِمُجَرَّدِ هَذا الإرْسالِ إلَيْها ومُخاطَبَتِها لِلْمَلَكِ، وقِيلَ: لَمْ تَكُنْ نَبِيَّةً؛ لِأنَّهُ إنَّما كَلَّمَها المَلَكُ وهو عَلى مِثالِ البَشَرِ، وقَدْ تَقَدَّمَ الكَلامُ في هَذِهِ في آلِ عِمْرانَ.
﴿فاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجابًا﴾ أيِ: اتَّخَذَتْ مِن دُونِ أهْلِها حِجابًا يَسْتُرُها عَنْهم؛ لِئَلّا يَرَوْها حالَ العِبادَةِ، أوْ حالَ التَّطَهُّرِ مِنَ الحَيْضِ.
والحِجابُ: السِّتْرُ والحاجِزُ ﴿فَأرْسَلْنا إلَيْها رُوحَنا﴾ هو جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ، وقِيلَ: هو رُوحُ عِيسى؛ لِأنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ خَلَقَ الأرْواحَ قَبْلَ الأجْسادِ، والأوَّلُ أوْلى لِقَوْلِهِ: ﴿فَتَمَثَّلَ لَها بَشَرًا سَوِيًّا﴾ أيْ: تَمَثَّلَ جِبْرِيلُ لَها بَشَرًا مُسْتَوِيَ الخَلْقِ لَمْ يَفْقِدْ مِن نُعُوتِ بَنِي آدَمَ شَيْئًا، قِيلَ: ووَجْهُ تَمَثُّلِ المَلَكِ لَها بَشَرًا؛ أنَّها لا تُطِيقُ أنْ تَنْظُرَ إلى المَلَكِ وهو عَلى صُورَتِهِ. فَلَمّا رَأتْهُ في صُورَةِ إنْسانٍ حَسَنٍ كامِلِ الخَلْقِ قَدْ خَرَقَ عَلَيْها الحِجابَ ظَنَّتْ أنَّهُ يُرِيدُها بِسُوءٍ، فاسْتَعاذَتْ بِاللَّهِ مِنهُ، و﴿قالَتْ إنِّي أعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنكَ إنْ كُنْتَ تَقِيًّا﴾ أيْ: مِمَّنْ يَتَّقِي اللَّهَ ويَخافُهُ، وقِيلَ: إنَّ ( تَقِيًّا ) اسْمُ رَجُلٍ صالِحٍ، فَتَعَوَّذَتْ مِنهُ تَعَجُّبًا، وقِيلَ: (p-٨٨٦)إنَّهُ اسْمُ رَجُلٍ فاجِرٍ مَعْرُوفٍ في ذَلِكَ الوَقْتِ، والأوَّلُ أوْلى. وجَوابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ أيْ: فَلا تَتَعَرَّضْ لِي.
﴿قالَ إنَّما أنا رَسُولُ رَبِّكِ﴾ أيْ: قالَ لَها جِبْرِيلُ: إنَّما أنا رَسُولُ رَبِّكِ الَّذِي اسْتَعَذْتِ بِهِ، ولَسْتُ مِمَّنْ يُتَوَقَّعُ مِنهُ ما خَطَرَ بِبالِكِ مِن إرادَةِ السُّوءِ ﴿لِأهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا﴾ جَعَلَ الهِبَةَ مِن قِبَلِهِ لِكَوْنِهِ سَبَبًا فِيها مِن جِهَةِ كَوْنِ الإعْلامِ لَها مِن جِهَتِهِ، أوْ مِن جِهَةِ كَوْنِ النَّفْخِ قامَ بِهِ في الظّاهِرِ.
وقَرَأ أبُو عَمْرٍو ويَعْقُوبُ ووَرْشٌ، عَنْ نافِعٍ ( لِيَهَبَ ) عَلى مَعْنى أرْسَلَنِي لِيَهَبَ لَكِ، وقَرَأ الباقُونَ بِالهَمْزِ. والزَّكِيُّ الطّاهِرُ مِنَ الذُّنُوبِ الَّذِي يَنْمُو عَلى النَّزاهَةِ والعِفَّةِ، وقِيلَ: المُرادُ بِالزَّكِيِّ النَّبِيِّ.
﴿قالَتْ أنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ ولَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ﴾ أيْ: لَمْ يَقْرُبْنِي زَوْجٌ ولا غَيْرُهُ ﴿ولَمْ أكُ بَغِيًّا﴾ البَغِيُّ هي الزّانِيَةُ الَّتِي تَبْغِي الرِّجالَ. قالَ المُبَرِّدُ: أصْلُهُ بَغُويٌ عَلى فَعُولٍ قُلِبَتِ الواوُ ياءً ثُمَّ أُدْغِمَتْ في الياءِ وكُسِرَتِ الغَيْنُ لِلْمُناسَبَةِ. وقالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: إنَّهُ فَعِيلٌ. وزِيادَةُ ذِكْرِ كَوْنِها لَمْ تَكُ بَغِيًّا مَعَ كَوْنِ قَوْلِها: لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ يَتَناوَلُ الحَلالَ والحَرامَ لِقَصْدِ التَّأْكِيدِ تَنْزِيهًا لِجانِبِها مِنَ الفَحْشاءِ، وقِيلَ: ما اسْتَبْعَدَتْ مِن قُدْرَةِ اللَّهِ شَيْئًا، ولَكِنْ أرادَتْ كَيْفَ يَكُونُ الوَلَدُ هَلْ مِن قِبَلِ زَوْجٍ تَتَزَوَّجُهُ في المُسْتَقْبَلِ أمْ يَخْلُقُهُ اللَّهُ سُبْحانَهُ ابْتِداءً ؟ وقِيلَ: إنَّ المَسَّ عِبارَةٌ عَنِ النِّكاحِ الحَلالِ، وعَلى هَذا لا يُحْتاجُ إلى بَيانِ وجْهِ قَوْلِها: ولَمْ أكُ بَغِيًّا، وما ذَكَرْناهُ مِن شُمُولِهِ أوْلى بِاسْتِعْمالاتِ أهْلِ اللُّغَةِ، وما يُوجَدُ في مُحاوَراتِهِمْ مِمّا يَطُولُ تِعْدادُهُ. اهـ.
﴿ولِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنّاسِ﴾ أيْ: ولِنَجْعَلَ هَذا الغُلامَ أوْ خَلْقَهُ مِن غَيْرِ أبٍ آيَةً لِلنّاسِ يَسْتَدِلُّونَ بِها عَلى كَمالِ القُدْرَةِ، وهو عِلَّةٌ لِمُعَلَّلٍ مَحْذُوفٍ، والتَّقْدِيرُ خَلَقْناهُ لِنَجْعَلَهُ، أوْ مَعْطُوفٌ عَلى عِلَّةٍ أُخْرى مُضْمَرَةٍ تَتَعَلَّقُ بِما يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ﴾ وجُمْلَةُ ﴿قالَ كَذَلِكِ قالَ رَبُّكِ هو عَلَيَّ هَيِّنٌ﴾ مُسْتَأْنَفَةٌ، والقائِلُ هو المَلَكُ، والكَلامُ فِيها كالكَلامِ فِيما تَقَدَّمَ مِن قَوْلِ زَكَرِيّا.
وقَوْلُهُ: ﴿ورَحْمَةً مِنّا﴾ مَعْطُوفٌ عَلى ( آيَةً ) أيْ: ولِنَجْعَلَهُ رَحْمَةً عَظِيمَةً كائِنَةً مِنّا لِلنّاسِ لِما يَنالُونَهُ مِنَ الهِدايَةِ والخَيْرِ الكَثِيِرِ؛ لِأنَّ كُلَّ نَبِيٍّ رَحْمَةٌ لِأُمَّتِهِ ﴿وكانَ أمْرًا مَقْضِيًّا﴾ أيْ: وكانَ ذَلِكَ المَذْكُورُ أمْرًا مُقَدَّرًا قَدْ قَدَّرَهُ اللَّهُ سُبْحانَهُ وجَفَّ بِهِ القَلَمُ.
فَحَمَلَتْهُ هاهُنا كَلامٌ مَطْوِيٌّ، والتَّقْدِيرُ: فاطْمَأنَّتْ إلى قَوْلِهِ فَدَنا مِنها فَنَفَخَ في جَيْبِ دِرْعِها فَوَصَلَتِ النَّفْخَةُ إلى بَطْنِها فَحَمَلَتْهُ، وقِيلَ: كانَتِ النَّفْخَةُ في ذَيْلِها، وقِيلَ: في فَمِها.
قِيلَ: إنَّ وضْعَها كانَ مُتَّصِلًا بِهَذا الحَمْلِ مِن غَيْرِ مُضِيِّ مُدَّةٍ لِلْحَمْلِ، ويَدُلُّ عَلى ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فانْتَبَذَتْ بِهِ مَكانًا قَصِيًّا﴾ أيْ: تَنَحَّتْ واعْتَزَلَتْ إلى مَكانٍ بَعِيدٍ، والقَصِيُّ هو البَعِيدُ. قِيلَ: كانَ هَذا المَكانُ وراءَ الجَبَلِ، وقِيلَ: أبْعَدُ مَكانٍ في تِلْكَ الدّارِ، وقِيلَ: أقْصى الوادِي، وقِيلَ: إنَّها حَمَلَتْ بِهِ سِتَّةَ أشْهُرٍ، وقِيلَ: ثَمانِيَةَ أشْهُرٍ، وقِيلَ: سَبْعَةً.
﴿فَأجاءَها المَخاضُ إلى جِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ أيْ: ألْجَأها واضْطَرَّها، ومِنهُ قَوْلُ زُهَيْرٍ:
؎أجاءَتْهُ المَخافَةُ والرَّجاءُ
وقَرَأ شِبْلٌ ( فاجَأها ) مِنَ المُفاجَأةِ، ورُوِيَتْ هَذِهِ القِراءَةُ عَنْ عاصِمٍ، وقَرَأ الحَسَنُ بِغَيْرِ هَمْزٍ، وفي مُصْحَفِ أُبَيٍّ ( فَلَمّا أجاءَها ) قالَ في الكَشّافِ: إنَّ أجاءَها مَنقُولٌ مِن جاءَ، إلّا أنَّ اسْتِعْمالَهُ قَدْ تَعَيَّنَ بَعْدَ النَّقْلِ إلى مَعْنى الإلْجاءِ، وفِيهِ بُعْدٌ، والظّاهِرُ أنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنَ الفِعْلَيْنِ مَوْضُوعٌ بِوَضْعٍ مُسْتَقِلٍّ، والمَخاضُ مَصْدَرُ مَخَضَتِ المَرْأةُ تَمْخُضُ مَخْضًا ومَخاضًا: إذا دَنا وِلادُها.
وقَرَأ الجُمْهُورُ بِفَتْحِ المِيمِ، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ بِكَسْرِها.
والجِذْعُ ساقُ النَّخْلَةِ اليابِسَةِ، كَأنَّها طَلَبَتْ شَيْئًا تَسْتَنِدُ إلَيْهِ وتَتَعَلَّقُ بِهِ كَما تَتَعَلَّقُ الحامِلُ لِشِدَّةِ وجَعِ الطَّلْقِ بِشَيْءٍ مِمّا تَجِدُهُ عِنْدَها، والتَّعْرِيفُ إمّا لِلْجِنْسِ أوْ لِلْعَهْدِ ﴿قالَتْ يالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذا﴾ أيْ قَبْلَ هَذا الوَقْتِ. تَمَنَّتِ المَوْتَ لِأنَّها خافَتْ أنْ يُظَنَّ بِها السُّوءُ في دِينِها، أوْ لِئَلّا يَقَعَ قَوْمٌ بِسَبَبِها في البُهْتانِ ﴿وكُنْتُ نَسْيًا﴾ النَّسْيُ في كَلامِ العَرَبِ: الشَّيْءُ الحَقِيرُ الَّذِي مِن شَأْنِهِ أنْ يُنْسى ولا يُذْكُرَ ولا يُتَألَّمَ لِفَقْدِهِ، كالوَتَدِ والحَبْلِ، ومِنهُ قَوْلُ الكُمَيْتِ:
؎أتَجْعَلُنا خِسْرًا لِكَلْبِ قَضاعَةَ ∗∗∗ ولَسْنا بِنَسْيٍ في مَعْدٍ ولا دَخْلِ
وقالَ الفَرّاءُ: النَّسْيُ ما تُلْقِيهِ المَرْأةُ مِن خِرَقِ اعْتِلالِها، فَتَقُولُ مَرْيَمُ ﴿نَسْيًا مَنسِيًّا﴾ أيْ: حَيْضَةً مُلْقاةً، وقَدْ قُرِئَ بِفَتْحِ النُّونِ وكَسْرِها، وهُما لُغَتانِ مِثْلَ الحِجْرِ والحَجْرِ، والوِتْرِ والوَتْرِ. وقَرَأ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ القُرَظِيُّ ( نِساءً ) بِالهَمْزِ مَعَ كَسْرِ النُّونِ. وقَرَأ نَوْفٌ الَبِكالِيُّ بِالهَمْزِ مَعَ فَتْحِ النُّونِ. وقَرَأ بَكْرُ بْنُ حَبِيبٍ ( نَسِيًّا ) بِفَتْحِ النُّونِ وتَشْدِيدِ الياءِ بِدُونِ هَمْزٍ، والمَنسِيُّ المَتْرُوكُ الَّذِي لا يُذَكَرُ ولا يَخْطُرُ بِبالِ أحَدٍ مِنَ النّاسِ.
﴿فَناداها مِن تَحْتِها﴾ أيْ: جِبْرِيلُ لَمّا سَمِعَ قَوْلَها، وكانَ أسْفَلَ مِنها تَحْتَ الأكَمَةِ، وقِيلَ: تَحْتَ النَّخْلَةِ، وقِيلَ: المُنادِي هو عِيسى. وقَدْ قُرِئَ بِفَتْحِ المِيمِ مِن ( مِن ) وكَسْرِها.
وقَوْلُهُ: ﴿ألّا تَحْزَنِي﴾ تَفْسِيرٌ لِلنِّداءِ أيْ: لا تَحْزَنِي أوِ المَعْنى بِأنْ لا تَحْزَنِي، عَلى أنَّها المَصْدَرِيَّةُ ﴿قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ قالَ جُمْهُورُ المُفَسِّرِينَ: السَّرِيُّ النَّهْرُ الصَّغِيرُ، والمَعْنى: قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَ قَدَمِكِ نَهْرًا. قِيلَ: كانَ نَهْرًا قَدِ انْقَطَعَ عَنْهُ الماءُ، فَأرْسَلَ اللَّهُ فِيهِ الماءَ لِمَرْيَمَ، وأحْيا بِهِ ذَلِكَ الجِذْعَ اليابِسَ الَّذِي اعْتَمَدَتْ عَلَيْهِ حَتّى أوْرَقَ وأثْمَرَ، وقِيلَ: المُرادُ بِالسَّرِيِّ هُنا عِيسى، والسَّرِيُّ: العَظِيمُ مِنَ الرِّجالِ، ومِنهُ قَوْلُهم: فُلانٌ سَرِيٌّ أيْ: عَظِيمٌ، ومِن قَوْمٍ سُراةٍ أيْ: عِظامٍ.
﴿وهُزِّي إلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ الهَزُّ التَّحْرِيكُ: يُقالُ هَزَّهُ فاهْتَزَّ، والباءُ في ( بِجِذْعِ النَّخْلَةِ ) مَزِيدَةٌ لِلتَّوْكِيدِ، وقالَ الفَرّاءُ: العَرَبُ تَقُولُ هَزَّهُ وهَزَّ بِهِ، والجِذْعُ هو أسْفَلُ الشَّجَرَةِ. قالَ قُطْرُبٌ: كُلُّ خَشَبَةٍ في أصْلِ شَجَرَةٍ فَهي جِذْعٌ، ومَعْنى ( إلَيْكِ ): إلى جِهَتِكِ، وأصْلُ ( تَسّاقَطُ ) تَتَساقَطُ فَأُدْغِمَ التّاءُ في السِّينِ. وقَرَأ حَمْزَةُ والأعْمَشُ ( تَساقَطْ ) مُخَفَّفًا. وقَرَأ عاصِمٌ في رِوايَةِ حَفْصٍ والحَسَنُ بِضَمِّ التّاءِ مَعَ التَّخْفِيفِ وكَسْرِ القافِ وقُرِئَ ( تَتَساقَطْ ) بِإظْهارِ التّاءَيْنِ. وقُرِئَ بِالتَّحْتِيَّةِ مَعَ تَشْدِيدِ السِّينِ. وقُرِئَ ( تَسْقُطُ، ويَسْقُطُ ) .
وقَرَأ الباقُونَ بِإدْغامِ التّاءِ في السِّينِ، فَمَن قَرَأ بِالفَوْقِيَّةِ جَعَلَ الضَّمِيرَ لِلنَّخْلَةِ، ومَن قَرَأ بِالتَّحْتِيَّةِ جَعَلَ الضَّمِيرَ لِلْجِذْعِ. وانْتِصابُ رُطَبًا عَلى بَعْضِ هَذِهِ القِراءاتِ لِلتَّمْيِيزِ، وعَلى (p-٨٨٧)البَعْضِ الآخَرِ عَلى المَفْعُولِيَّةِ لِ ( تُساقِطْ ) .
قالَ المُبَرِّدُ والأخْفَشُ: يَجُوزُ انْتِصابُ ( رُطَبًا ) بِهُزِّي أيْ: هُزِّي إلَيْكِ رُطَبًا ﴿جَنِيًّا﴾ ( بِجِذْعِ النَّخْلَةِ ) أيْ: عَلى جِذْعِها، وضَعَّفَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، والجَنِيُّ المَأْخُوذُ طَرِيًّا، وقِيلَ: هو ما طُلِبَ وصَلُحَ لِلِاجْتِناءِ، وهو فَعِيلٌ بِمَعْنى مَفْعُولٍ. قالَ الفَرّاءُ: الجَنِيُّ والمَجْنِيُّ واحِدٌ، وقِيلَ: هو فَعِيلٌ بِمَعْنى فاعِلٌ أيْ: رُطَبًا طَرِيًّا طَيِّبًا.
فَكُلِي واشْرَبِي أيْ: مِن ذَلِكَ الرُّطَبِ وذَلِكَ الماءِ، أوْ مِنَ الرُّطَبِ وعَصِيرِهِ، وقَدَّمَ الأكْلَ مَعَ أنَّ ذِكْرَ النَّهْرِ مُقَدَّمٌ عَلى الرُّطَبِ، لِأنَّ احْتِياجَ النُّفَساءِ إلى أكْلِ الرُّطَبِ أشَدُّ مِنِ احْتِياجِها إلى شُرْبِ الماءِ، ثُمَّ قالَ ﴿وقَرِّي عَيْنًا﴾ قَرَأ الجُمْهُورُ بِفَتْحِ القافِ. وحَكى ابْنُ جَرِيرٍ أنَّهُ قُرِئَ بِكَسْرِها قالَ: وهي لُغَةُ نَجْدٍ.
والمَعْنى: طِيبِي نَفْسًا وارْفُضِي عَنْكِ الحُزْنَ، وهو مَأْخُوذٌ مِنَ القَرِّ والقُرَّةِ وهُما البَرْدُ، والمَسْرُورُ بارِدُ القَلْبِ ساكِنُ الجَوارِحِ، وقِيلَ: المَعْنى: وقَرِّي عَيْنًا بِرُؤْيَةِ الوَلَدِ المَوْهُوبِ لَكِ. وقالَ الشَّيْبانِيُّ: مَعْناهُ نامِي.
قالَ أبُو عَمْرٍو: أقَرَّ اللَّهُ عَيْنَهُ، أيْ: أنامَ عَيْنَهُ وأذْهَبَ سَهَرَهُ ﴿فَإمّا تَرَيِنَّ مِنَ البَشَرِ أحَدًا﴾ أصْلُهُ تَرْءَيِينَ، مِثْلَ تَسْمَعِينَ خُفِّفَتِ الهَمْزَةُ وسَقَطَتِ النُّونُ لِلْجَزْمِ وياءُ الضَّمِيرِ لِلسّاكِنَيْنِ بَعْدَ لُحُوقِ نُونِ التَّوْكِيدِ، ومِثْلُ هَذا مَعَ عَدَمِ لُحُوقِ نُونِ التَّوْكِيدِ قَوْلُ ابْنِ دُرَيْدٍ:
؎إمّا تَرَيْ رَأْسِيَ حاكِي لَوْنُهُ ∗∗∗ طُرَّةَ صُبْحٍ تَحْتَ أذْيالِ الدُّجى
وقَرَأ طَلْحَةُ وشَيْبَةُ ( تَرَيْنَ ) بِسُكُونِ الياءِ وفَتْحِ النُّونِ مُخَفَّفَةً. قالَ أبُو الفَتْحِ: وهي شاذَّةٌ. وجَوابُ الشَّرْطِ ﴿فَقُولِي إنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا﴾ أيْ قَوْلِي: إنْ طَلَبَ مِنكِ الكَلامَ أحَدٌ مِنَ النّاسِ: إنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا أيْ: صَمْتًا، وقِيلَ: المُرادُ بِهِ الصَّوْمُ الشَّرْعِيُّ، وهو الإمْساكُ عَنِ المُفْطِراتِ، والأوَّلُ أوْلى.
وفِي قِراءَةِ أُبَيٍّ ( إنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا صَمْتًا ) بِالجَمْعِ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ، وكَذا رُوِيَ عَنْ أنَسٍ. ورُوِيَ عَنْهُ أنَّهُ قَرَأ ( صَوْمًا وصَمْتًا ) بِالواوِ، والَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ المُفَسِّرِينَ أنَّ الصَّوْمَ هُنا الصَّمْتُ، ويَدُلُّ عَلَيْهِ ﴿فَلَنْ أُكَلِّمَ اليَوْمَ إنْسِيًّا﴾ ومَعْنى الصَّوْمِ في اللُّغَةِ أوْسَعُ مِنَ المَعْنَيَيْنِ. قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: كُلُّ مُمْسِكٍ عَنْ طَعامٍ أوْ كَلامٍ أوْ سَيْرٍ فَهو صائِمٌ. وقِراءَةُ أُبَيٍّ تَدَلُّ عَلى أنَّ المُرادَ بِالصَّوْمِ هُنا الصَّمْتُ؛ لِأنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلصَّوْمِ. وقِراءَةُ أنَسٍ تَدُلُّ عَلى أنَّ الصَّوْمَ هُنا غَيْرُ الصَّمْتِ كَما تُفِيدُهُ الواوُ، ومَعْنى ﴿فَلَنْ أُكَلِّمَ اليَوْمَ إنْسِيًّا﴾ أنَّها لا تُكَلِّمُ أحَدًا مِنَ الإنْسِ بَعْدَ إخْبارِهِمْ بِهَذا الخَبَرِ، بَلْ إنَّما تُكَلِّمُ المَلائِكَةَ وتُناجِي رَبَّها، وقِيلَ: إنَّها لَمْ تُخْبِرْهم هُنا بِاللَّفْظِ، بَلْ بِالإشارَةِ المُفِيدَةِ لِلنَّذْرِ.
وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿انْتَبَذَتْ مِن أهْلِها مَكانًا شَرْقِيًّا﴾ قالَ: مَكانًا أظَلَّها الشَّمْسَ أنْ يَراها أحَدٌ مِنهم. وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ وابْنُ أبِي شَيْبَةَ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ قالَ: إنَّما اتَّخَذَتِ النَّصارى المَشْرِقَ قِبْلَةً؛ لِأنَّ مَرْيَمَ اتَّخَذَتْ مِن أهْلِها مَكانًا شَرْقِيًّا، فاتَّخَذُوا مِيلادَهُ قِبْلَةً، وإنَّما سَجَدَتِ اليَهُودُ عَلى حَرْفٍ حِينَ نَتَقَ فَوْقَهُمُ الجَبَلُ، فَجَعَلُوا يَنْحَرِفُونَ وهم يَنْظُرُونَ إلَيْهِ، يَتَخَوَّفُونَ أنْ يَقَعَ عَلَيْهِمْ، فَسَجَدُوا سَجْدَةً رَضِيَها اللَّهُ، فاتَّخَذُوها سُنَّةً.
وأخْرَجَ الحاكِمُ وصَحَّحَهُ والبَيْهَقِيُّ في الأسْماءِ والصِّفاتِ وابْنُ عَساكِرَ مِن طَرِيقِ السُّدِّيِّ، عَنْ أبِي مالِكٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. وعَنْ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قالا: خَرَجَتْ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرانَ إلى جانِبِ المِحْرابِ لِحَيْضٍ أصابَها، فَلَمّا طَهُرَتْ إذا هي بِرَجُلٍ مَعَها ﴿فَتَمَثَّلَ لَها بَشَرًا﴾ فَفَزِعَتْ و﴿قالَتْ إنِّي أعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنكَ إنْ كُنْتَ تَقِيًّا﴾ فَخَرَجَتْ وعَلَيْها جِلْبابُها، فَأخَذَ بِكُمِّها فَنَفَخَ في جَنْبِ دِرْعِها، وكانَ مَشْقُوقًا مِن قُدّامِها، فَدَخَلَتِ النَّفْخَةُ صَدْرَها فَحَمَلَتْ، فَأتَتْها أُخْتُها امْرَأةُ زَكَرِيّا لَيْلَةً تَزُورُها، فَلَمّا فَتَحَتْ لَها البابَ التَزَمَتْها، فَقالَتِ امْرَأةُ زَكَرِيّا: يا مَرْيَمُ أشَعَرْتِ أنِّي حُبْلى ؟ قالَتْ مَرْيَمُ: أشَعَرْتِ أنِّي حُبْلى ؟ فَقالَتِ امْرَأةُ زَكَرِيّا: فَإنِّي وجَدْتُ ما في بَطْنِي سَجَدَ لِلَّذِي في بَطْنِكِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ﴾ فَوَلَدَتِ امْرَأةُ زَكَرِيّا يَحْيى، ولَمّا بَلَغَ أنْ تَضَعَ مَرْيَمُ خَرَجَتْ إلى جانِبِ المِحْرابِ ﴿فَأجاءَها المَخاضُ إلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذا﴾ الآيَةَ فَناداها جِبْرِيلُ مِن تَحْتِها أنْ لا تَحْزَنِي فَلَمّا ولَدَتْهُ ذَهَبَ الشَّيْطانُ، فَأخْبَرَ بَنِي إسْرائِيلَ أنَّ مَرْيَمَ ولَدَتْ، فَلَمّا أرادُوها عَلى الكَلامِ أشارَتْ إلى عِيسى فَتَكَلَّمَ فَ ﴿قالَ إنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الكِتابَ﴾ الآياتِ، ولَمّا وُلِدَ لَمْ يَبْقَ في الأرْضِ صَنَمٌ إلّا خَرَّ لِوَجْهِهِ.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ والفِرْيابِيُّ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في مَرْيَمَ قالَ: حِينَ حَمَلَتْ وضَعَتْ. وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنْهُ قالَ: وضَعَتْ لِثَمانِيَةَ أشْهُرٍ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿فَأرْسَلْنا إلَيْها رُوحَنا﴾ قالَ: جِبْرِيلُ وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ وابْنُ المُنْذِرِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ نَحْوَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ عَطاءٍ نَحْوَهُ أيْضًا. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ والبَيْهَقِيُّ في الأسْماءِ والصِّفاتِ وابْنُ عَساكِرَ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ في الآيَةِ قالَ: تَمَثَّلَ لَها رُوحُ عِيسى في صُورَةِ بَشَرٍ فَحَمَلَتْهُ، قالَ: حَمَلَتِ الَّذِي خاطَبَها دَخَلَ في فِيها. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿مَكانًا قَصِيًّا﴾ قالَ: نائِيًا. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ في قَوْلِهِ: ﴿إلى جِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ قالَ: كانَ جِذْعًا يابِسًا. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ عَنْهُ أيْضًا في قَوْلِهِ: ﴿وكُنْتُ نَسْيًا مَنسِيًّا﴾ قالَ: لَمْ أُخْلَقْ ولَمْ أكُ شَيْئًا. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ ﴿وكُنْتُ نَسْيًا مَنسِيًّا﴾ قالَ: حَيْضَةً مُلْقاةً. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ المُنْذِرِ، عَنْ مُجاهِدٍ نَحْوَهُ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ نَوْفٍ الَبِكالِيِّ والضَّحّاكِ مِثْلَهُ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ في قَوْلِهِ: ﴿فَناداها مِن تَحْتِها﴾ قالَ: الَّذِي ناداها جِبْرِيلُ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: الَّذِي ناداها مِن تَحْتِها جِبْرِيلُ ولَمْ يَتَكَلَّمْ عِيسى حَتّى أتَتْ بِهِ قَوْمَها. وقَدِ اخْتَلَفَتِ الرِّواياتُ عَنِ السَّلَفِ، هَلْ هَذا المُنادِي هو جِبْرِيلُ أوْ عِيسى.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ أبِي بَكْرِ بْنِ عَيّاشٍ قالَ: قَرَأ عاصِمُ بْنُ أبِي النُّجُودِ ﴿فَناداها مِن تَحْتِها﴾ بِالنَّصْبِ، قالَ: وقالَ عاصِمٌ مَن قَرَأ (p-٨٨٨)بِالنَّصْبِ فَهو عِيسى، ومَن قَرَأ بِالخَفْضِ فَهو جِبْرِيلُ.
وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ وابْنُ النَّجّارِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - يَقُولُ: «إنَّ السِّرِيَّ الَّذِي قالَ اللَّهُ لِمَرْيَمَ ﴿قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ نَهْرٌ أخْرَجَهُ اللَّهُ لَها لِتَشْرَبَ مِنهُ» .
وفِي إسْنادِهِ أيُّوبُ بْنُ نَهِيكٍ الجَبَلِيُّ قالَ فِيهِ أبُو حاتِمٍ الرّازِيُّ: ضَعِيفٌ، وقالَ أبُو زُرْعَةَ: مُنْكَرُ الحَدِيثِ، وقالَ أبُو فَتْحٍ الأزَدِيُّ: مَتْرُوكُ الحَدِيثِ، وقالَ الطَّبَرانِيُّ بَعْدَ إخْراجِ هَذا الحَدِيثِ: إنَّهُ غَرِيبٌ جِدًا.
وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ في الصَّغِيرِ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، «عَنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - في قَوْلِهِ ﴿قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ قالَ: النَّهْرُ» .
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ والفِرْيابِيُّ وسَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وصَحَّحَهُ والحاكِمُ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنِ البَراءِ قالَ في الآيَةِ: هو الجَدْوَلُ، وهو النَّهْرُ الصَّغِيرُ، فَظَهَرَ بِهَذا أنَّ المَوْقُوفَ أصَحُّ.
وقَدْ رُوِيَ عَنْ جَماعَةٍ مِنَ التّابِعَيْنِ أنَّ السِّرِيَّ هو عِيسى، وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿رُطَبًا جَنِيًّا﴾ قالَ: طَرِيًّا.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ في قَوْلِهِ: ﴿إنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا﴾ قالَ: صَمْتًا.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ الأنْبارِيِّ عَنْهُ أنَّهُ قَرَأ ( صَوْمًا صَمْتًا ) .
{"ayahs_start":16,"ayahs":["وَٱذۡكُرۡ فِی ٱلۡكِتَـٰبِ مَرۡیَمَ إِذِ ٱنتَبَذَتۡ مِنۡ أَهۡلِهَا مَكَانࣰا شَرۡقِیࣰّا","فَٱتَّخَذَتۡ مِن دُونِهِمۡ حِجَابࣰا فَأَرۡسَلۡنَاۤ إِلَیۡهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرࣰا سَوِیࣰّا","قَالَتۡ إِنِّیۤ أَعُوذُ بِٱلرَّحۡمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِیࣰّا","قَالَ إِنَّمَاۤ أَنَا۠ رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَـٰمࣰا زَكِیࣰّا","قَالَتۡ أَنَّىٰ یَكُونُ لِی غُلَـٰمࣱ وَلَمۡ یَمۡسَسۡنِی بَشَرࣱ وَلَمۡ أَكُ بَغِیࣰّا","قَالَ كَذَ ٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَیَّ هَیِّنࣱۖ وَلِنَجۡعَلَهُۥۤ ءَایَةࣰ لِّلنَّاسِ وَرَحۡمَةࣰ مِّنَّاۚ وَكَانَ أَمۡرࣰا مَّقۡضِیࣰّا","۞ فَحَمَلَتۡهُ فَٱنتَبَذَتۡ بِهِۦ مَكَانࣰا قَصِیࣰّا","فَأَجَاۤءَهَا ٱلۡمَخَاضُ إِلَىٰ جِذۡعِ ٱلنَّخۡلَةِ قَالَتۡ یَـٰلَیۡتَنِی مِتُّ قَبۡلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسۡیࣰا مَّنسِیࣰّا","فَنَادَىٰهَا مِن تَحۡتِهَاۤ أَلَّا تَحۡزَنِی قَدۡ جَعَلَ رَبُّكِ تَحۡتَكِ سَرِیࣰّا","وَهُزِّیۤ إِلَیۡكِ بِجِذۡعِ ٱلنَّخۡلَةِ تُسَـٰقِطۡ عَلَیۡكِ رُطَبࣰا جَنِیࣰّا","فَكُلِی وَٱشۡرَبِی وَقَرِّی عَیۡنࣰاۖ فَإِمَّا تَرَیِنَّ مِنَ ٱلۡبَشَرِ أَحَدࣰا فَقُولِیۤ إِنِّی نَذَرۡتُ لِلرَّحۡمَـٰنِ صَوۡمࣰا فَلَنۡ أُكَلِّمَ ٱلۡیَوۡمَ إِنسِیࣰّا"],"ayah":"قَالَ كَذَ ٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَیَّ هَیِّنࣱۖ وَلِنَجۡعَلَهُۥۤ ءَایَةࣰ لِّلنَّاسِ وَرَحۡمَةࣰ مِّنَّاۚ وَكَانَ أَمۡرࣰا مَّقۡضِیࣰّا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق