الباحث القرآني
وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: أنَّها إنَّما تَعَجَّبَتْ بِما بَشَّرَها جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ؛ لِأنَّها عَرَفَتْ بِالعادَةِ أنَّ الوِلادَةَ لا تَكُونُ إلّا مِن رَجُلٍ والعاداتُ عِنْدَ أهْلِ المَعْرِفَةِ مُعْتَبَرَةٌ في الأُمُورِ وإنْ جَوَّزُوا خِلافَ ذَلِكَ في القُدْرَةِ فَلَيْسَ في قَوْلِها هَذا دَلالَةٌ عَلى أنَّها لَمْ تَعْلَمْ أنَّهُ تَعالى قادِرٌ عَلى خَلْقِ الوَلَدِ ابْتِداءً وكَيْفَ وقَدْ عَرَفَتْ أنَّهُ تَعالى خَلَقَ أبا البَشَرِ عَلى هَذا الحَدِّ؛ ولِأنَّها كانَتْ مُنْفَرِدَةً بِالعِبادَةِ ومَن يَكُونُ كَذَلِكَ لا بُدَّ مِن أنْ يَعْرِفَ قُدْرَةَ اللَّهِ تَعالى عَلى ذَلِكَ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: لِقائِلٍ أنْ يَقُولَ: قَوْلُها: ﴿ولَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ﴾ يَدْخُلُ تَحْتَهُ قَوْلُها: ﴿ولَمْ أكُ بَغِيًّا﴾ فَلِماذا أعادَتْها ومِمّا يُؤَكِّدُ هَذا السُّؤالَ أنَّ في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ قالَتْ: ﴿رَبِّ أنّى يَكُونُ لِي ولَدٌ ولَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ﴾ [آلِ عِمْرانَ: ٤٧] فَلَمْ تَذْكُرِ البِغاءَ، والجَوابُ مِن وُجُوهٍ:
أحَدُها: أنَّها جَعَلَتِ المَسَّ عِبارَةً عَنِ النِّكاحِ الحَلالِ؛ لِأنَّهُ كِنايَةٌ عَنْهُ لِقَوْلِهِ: ﴿مِن قَبْلِ أنْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ [الأحْزابِ: ٤٩] والزِّنا لَيْسَ كَذَلِكَ إنَّما يُقالُ فَجَرَ بِها أوْ ما أشْبَهَ ذَلِكَ ولا يَلِيقُ بِهِ رِعايَةُ الكِناياتِ.
وثانِيها: أنْ إعادَتَها لِتَعْظِيمِ حالِها كَقَوْلِهِ: ﴿حافِظُوا عَلى الصَّلَواتِ والصَّلاةِ الوُسْطى﴾ [البَقَرَةِ: ٢٣٨] وقَوْلُهُ: ﴿ومَلائِكَتِهِ ورُسُلِهِ وجِبْرِيلَ ومِيكالَ﴾ فَكَذا هَهُنا أنَّ مَن لَمْ تُعْرَفْ مِنَ النِّساءِ بِزَوْجٍ فَأغْلَظُ أحْوالِها إذا أتَتْ بِوَلَدٍ أنْ تَكُونَ زانِيَةً فَأفْرَدَ ذِكْرِ البِغاءِ بَعْدَ دُخُولِهِ في الكَلامِ الأوَّلِ؛ لِأنَّهُ أعْظَمُ ما في بابِهِ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: قالَ صاحِبُ ”الكَشّافِ“ البَغِيُّ الفاجِرَةُ الَّتِي تَبْغِي الرِّجالَ وهو فَعَوْلٌ عِنْدَ المُبَرِّدِ: بَغُويْ فَأُدْغِمَتِ الواوُ في الياءِ، وقالَ ابْنُ جِنِّي في كِتابِ ”التَّمامِ“ هو فَعِيلٌ ولَوْ كانَ فَعُولًا لَقِيلَ بَغَوْا كَما قِيلَ نَهَوْا عَنِ المُنْكَرِ.
(p-١٧١)المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: أنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ أجابَها بِقَوْلِهِ: ﴿قالَ كَذَلِكِ قالَ رَبُّكِ هو عَلَيَّ هَيِّنٌ﴾ وهو كَقَوْلِهِ في آلِ عِمْرانَ: ﴿كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ إذا قَضى أمْرًا فَإنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ (آلِ عِمْرانَ: ٤٧) لا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ فِعْلُ ما يُرِيدُ خَلْقَهُ ولا يَحْتاجُ في إنْشائِهِ إلى الآلاتِ والمَوادِّ.
المَسْألَةُ الخامِسَةُ: الكِنايَةُ في: ﴿هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ﴾ وفي قَوْلِهِ: ﴿ولِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنّاسِ﴾ تَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ:
الأوَّلُ: أنْ تَكُونَ راجِعَةً إلى الخَلْقِ أيْ: أنَّ خَلْقَهُ عَلَيَّ هَيِّنٌ ولِنَجْعَلَ خَلْقَهُ آيَةً لِلنّاسِ إذْ وُلِدَ مِن غَيْرِ ذَكَرٍ، ورَحْمَةً مِنّا يَرْحَمُ عِبادَنا بِإظْهارِ هَذِهِ الآياتِ حَتّى تَكُونَ دَلائِلُ صِدْقِهِ أبْهَرَ فَيَكُونَ قَبُولُ قَوْلِهِ أقْرَبَ.
الثّانِي: أنَّ تَرْجِعَ الكِناياتُ إلى الغُلامِ وذَلِكَ لِأنَّها لَمّا تَعَجَّبَتْ مِن كَيْفِيَّةِ وُقُوعِ هَذا الأمْرِ عَلى خِلافِ العادَةِ أُعْلِمَتْ أنَّ اللَّهَ تَعالى جاعِلٌ ولَدَها آيَةً عَلى وُقُوعِ ذَلِكَ الأمْرِ الغَرِيبِ، فَأمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ورَحْمَةً مِنّا﴾ فَيُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلى ﴿ولِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنّاسِ﴾ أيْ: فَعَلْنا ذَلِكَ: ﴿ورَحْمَةً مِنّا﴾ فَعَلْنا ذَلِكَ ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلى الآيَةِ أيْ: (ولِنَجْعَلَهُ آيَةً ورَحْمَةً) فَعَلْنا ذَلِكَ.
المَسْألَةُ السّادِسَةُ: قَوْلُهُ: ﴿وكانَ أمْرًا مَقْضِيًّا﴾ المُرادُ مِنهُ أنَّهُ مَعْلُومٌ لِعِلْمِ اللَّهِ تَعالى فَيَمْتَنِعُ وُقُوعُ خِلافِهِ؛ لِأنَّهُ لَوْ لَمْ يَقَعْ لانْقَلَبَ عِلْمُ اللَّهِ جَهْلًا وهو مُحالٌ، والمُفْضِي إلى المَحالِ مُحالٌ، فَخِلافُهُ مُحالٌ، فَوُقُوعُهُ واجِبٌ وأيْضًا فَلِأنَّ جَمِيعَ المُمْكِناتِ مُنْتَهِيَةٌ في سِلْسِلَةِ القَضاءِ والقَدَرِ إلى واجِبِ الوُجُودِ، والمُنْتَهِي إلى الواجِبِ انْتِهاءً واجِبًا يَكُونُ واجِبَ الوُجُودِ وإذا كانَ واجِبَ الوُجُودِ فَلا فائِدَةَ في الحُزْنِ والأسَفِ وهَذا هو سِرُّ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: «”مَن عَرَفَ سِرَّ اللَّهِ في القَدَرِ هانَتْ عَلَيْهِ المَصائِبُ“» .
{"ayahs_start":20,"ayahs":["قَالَتۡ أَنَّىٰ یَكُونُ لِی غُلَـٰمࣱ وَلَمۡ یَمۡسَسۡنِی بَشَرࣱ وَلَمۡ أَكُ بَغِیࣰّا","قَالَ كَذَ ٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَیَّ هَیِّنࣱۖ وَلِنَجۡعَلَهُۥۤ ءَایَةࣰ لِّلنَّاسِ وَرَحۡمَةࣰ مِّنَّاۚ وَكَانَ أَمۡرࣰا مَّقۡضِیࣰّا"],"ayah":"قَالَ كَذَ ٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَیَّ هَیِّنࣱۖ وَلِنَجۡعَلَهُۥۤ ءَایَةࣰ لِّلنَّاسِ وَرَحۡمَةࣰ مِّنَّاۚ وَكَانَ أَمۡرࣰا مَّقۡضِیࣰّا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق