قوله تعالى: مَا كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ شاهِدِينَ، قرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي مَساجِدَ بلفظ الجماعة، وكذلك الثاني يعني: جميع المساجد. وقرأ الباقون الأول مسجد بغير ألف، والثاني بألف. وروي عن ابن كثير كلاهما بغير ألف، يعني:
المسجد الحرام. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو الأول مسجد بغير ألف، والثاني بألف، يعني:
المسجد الحرام. ومن قرأ مَساجِدَ أيضاً، يجوز أن يحمل على المسجد الحرام، لأنه يذكر المساجد ويريد به مسجدا واحدا، كما قال: يا أَيُّهَا الرُّسُلُ [المؤمنون: 51] ، يعني به: النبي ﷺ.
ثم قال تعالى: شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ، يعني: ما كانت لهم عمارة المسجد في حال إقرارهم بالكفر، يعني: لا ثواب لهم بغير إيمان. أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ، يعني: بطل ثواب أعمالهم، ويقال: شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ يعني: كلامهم يشهد عليهم بالكفر. وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ، يعني: يكونون في النار هم دائمون، ويقال: شاهدين على أنفسهم يوم القيامة، فلا ينفعهم عمارة المسجد بغير إيمان. وروى أسباط، عن السدي في قوله: شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أنه قال: يسأل النصراني ما أنت؟ فيقول: نصراني، ويسأل اليهودي ما أنت؟ فيقول: يهودي، ويسأل المشرك ما أنت؟ فيقول: مشرك، فذلك قوله تعالى شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ.
ويقال: الآية نزلت في شأن العباس حين أُسِر يوم بدر، فأقبل عليه نفر من المهاجرين وعيّروه بقتال النبيّ ﷺ وبقطيعة الرحم، فقال العباس: «ما لكم تذكرون مساوينا وتكتمون محاسننا؟» فقال له عليّ رضي الله عنه: «فهل لكم من المحاسن شيء؟» فقال: «نعم، إنا نعمر المسجد الحرام، ونحج الكعبة، ونسقي الحاج، ونفك العاني، ونفادي الأسير، ونؤمن الخائف، ونقري الضيف» فنزل مَا كانَ لِلْمُشْرِكِينَ إلى قوله: أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ.
قوله تعالى: إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ، يعني: صدق بوحدانية الله تعالى.
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، يعني: آمن بالبعث بعد الموت، لأن عمارة المسجد بإقامة الجماعات، وهم كانوا لا يقيمون الصلاة، فلم يكن ذلك عمارة المسجد، فذلك قوله: وَأَقامَ الصَّلاةَ، يعني:
يداوم على الصلوات الخمس، ويقيمها بركوعها وسجودها في مواقيتها، وَآتَى الزَّكاةَ المفروضة، وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ يعني: ولم يعبد إلا الله ولم يوحّد غيره فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ، يعني: أُولئك هم المهتدون لدينه، ولهم ثواب أعمالهم.
{"ayahs_start":17,"ayahs":["مَا كَانَ لِلۡمُشۡرِكِینَ أَن یَعۡمُرُوا۟ مَسَـٰجِدَ ٱللَّهِ شَـٰهِدِینَ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِم بِٱلۡكُفۡرِۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ وَفِی ٱلنَّارِ هُمۡ خَـٰلِدُونَ","إِنَّمَا یَعۡمُرُ مَسَـٰجِدَ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَلَمۡ یَخۡشَ إِلَّا ٱللَّهَۖ فَعَسَىٰۤ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَن یَكُونُوا۟ مِنَ ٱلۡمُهۡتَدِینَ"],"ayah":"مَا كَانَ لِلۡمُشۡرِكِینَ أَن یَعۡمُرُوا۟ مَسَـٰجِدَ ٱللَّهِ شَـٰهِدِینَ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِم بِٱلۡكُفۡرِۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ وَفِی ٱلنَّارِ هُمۡ خَـٰلِدُونَ"}