الباحث القرآني

ولَمّا حَذَّرَهم مِنَ اتِّخاذِ ولِيجَةٍ مِن دُونِهِ، شَرَعَ يُبَيِّنُ أنَّ الوَلِيجَةَ الَّتِي يَتَّخِذُها بَعْضُهم لا تَصْلُحُ لِلْعاطِفَةِ بِما اتَّصَفَتْ بِهِ مِن مَحاسِنِ الأعْمالِ ما لَمْ تُوضَعْ تِلْكَ المَحاسِنُ عَلى الأساسِ الَّذِي هو الإيمانُ المُبَيَّنُ بِدَلائِلِهِ، فَقالَ سائِقًا لَهُ مَساقَ جَوابِ قائِلٍ قالَ: إنَّ فِيهِمْ مِن أفْعالِ الخَيْرِ ما يَدْعُو إلى الكَفِّ عَنْهم مِن عِمارَةِ المَسْجِدِ الحَرامِ وخِدْمَتِهِ وتَعْظِيمِهِ! ﴿ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ﴾ عَبَّرَ بِالوَصْفِ دُونَ الفِعْلِ لِأنَّ جَماعَةً مِمَّنْ أشْرَكَ أسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَصارَ أهْلًا لِما نُفِيَ عَنْهم ﴿أنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ﴾ أيْ: وهو المُنَزَّهُ بِإحاطَتِهِ بِصِفاتِ الكَمالِ؛ قالَ البَغَوِيُّ: قالَ الحَسَنُ: ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أنْ يُتْرَكُوا فَيَكُونُوا أهْلَ المَسْجِدِ الحَرامِ، ثُمَّ قالَ في تَوْجِيهِ قِراءَةِ الجَمْعِ: قالَ الحَسَنُ: إنَّما قالَ: مَساجِدَ اللَّهِ؛ لِأنَّهُ قِبْلَةُ المَساجِدِ كُلِّها - يَعْنِي فَعامِرُهُ عامِرٌ جَمِيعَ المَساجِدِ، ويَجُوزُ أنْ يُرادَ الجِنْسُ، وإذا (p-٤٠١)لَمْ يَصْلُحُوا لِعِمارَةِ الجِنْسِ دَخَلَ المَسْجِدُ الحَرامُ لِأنَّهُ صَدْرُ الجِنْسِ، وذَلِكَ آكَدُ لِأنَّهُ بِطَرِيقِ الكِنايَةِ - قالَ الفَرّاءُ: ورُبَّما ذَهَبَ العَرَبُ بِالواحِدِ إلى الجَمْعِ وبِالجَمْعِ إلى الواحِدِ؛ ألا تَرى أنَّ الرَّجُلَ يَرْكَبُ البِرْذَوْنَ فَيَقُولُ: أخَذْتُ في رُكُوبِ البَراذِينِ، ويُقالُ: فُلانٌ كَثِيرُ الدِّرْهَمِ والدِّينارِ. انْتَهى. فَتَحَرَّرَ أنَّ المَعْنى: مَنعُهم مِن إقامَةِ شَعائِرِهِ بِطَوافٍ أوْ زِيارَةٍ أوْ غَيْرِ ذَلِكَ لِأنَّهم نَجَسٌ - كَما يَأْتِي. ﴿شاهِدِينَ عَلى أنْفُسِهِمْ﴾ أيِ: الَّتِي هي مَعْدِنُ الأرْجاسِ والأهْوِيَةِ ﴿بِالكُفْرِ﴾ أيْ: بِإقْرارِهِمْ؛ لِأنَّهُ بَيْتُ اللَّهِ وهم يَعْبُدُونَ غَيْرَ اللَّهِ وقَدْ نَصَبُوا فِيهِ الأصْنامَ بِغَيْرِ إذْنِهِ وادَّعَوْا أنَّها شُرَكاؤُهُ، فَإذْنُ عِمارَتِهِمْ تَخْرِيبٌ لِتَنافِي عَقْدِهِمْ وفِعْلِهِمْ، قالَ البَغَوِيُّ: قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: شَهادَتُهم سُجُودُهم لِلْأصْنامِ، وذَلِكَ أنَّهم كانُوا نَصَبُوا أصْنامَهم خارِجَ البَيْتِ الحَرامِ عِنْدَ القَواعِدِ وكانُوا يَطُوفُونَ بِالبَيْتِ عُراةً، كُلَّما طافُوا شَوْطًا سَجَدُوا لِأصْنامِهِمْ. ولَمّا نَفى قَبِيحُ ما يَفْعَلُونَ حُسْنَ ما يَعْتَقِدُونَ، أشارَ إلى بُعْدِهِمْ عَنِ الخَيْرِ بِقَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ حَبِطَتْ أعْمالُهُمْ﴾ أيْ: مِنَ العِمارَةِ والحِجابَةِ والسِّقايَةِ وغَيْرِ ذَلِكَ، فَسَدَتْ بِبُطْلانِ مَعانِيها لِبِنائِها عَلى غَيْرِ أساسٍ ﴿وفِي النّارِ هُمْ﴾ أيْ: خاصَّةً ومَن فَعَلَ كَفِعْلِهِمْ فَهو مِنهم ﴿خالِدُونَ﴾ (p-٤٠٢)أيْ: بِجَعْلِهِمُ الكُفْرَ مَكانَ الإيمانِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب