الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ﴾ الآية، قال ابن عباس: "لما أسر العباس يوم بدر أقبل عليه المسلمون فعيروه بكفره بالله وقطيعة الرحم وأغلظ عليّ القول، فقال العباس: ما لكم تذكرون مساوئنا ولا تذكرون محاسننا؟ قال له علىّ: ألكم محاسن؟! فقال: نعم، إنا لنعمر المسجد الحرام، ونحجب الكعبة ونسقي الحاج ونفك العاني، فأنزل الله -عز وجل- ردًا على العباس ﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ﴾ [[ذكره الثعلبي 6/ 84 أ، والمصنف في "أسباب النزول" ص 246 بغير سند، ورواه مختصرًا بن جرير 10/ 95، وابن أبي حاتم 5/ 1765 من طريق الوالبي.]].
ومعنى ما كان لهم ذلك: أنه أوجب على المسلمين منعهم عن ذلك، وأكثر المفسرين حملوا العمارة ههنا على دخول المسجد الحرام [[من (م).]] والقعود فيه [[انظر: "تفسير الثعلبي" 6/ 84 ب، والبغوي 4/ 20، والسمرقندي 2/ 38، والآية التالية وسبب النزول الذي ذكره المؤلف يدلان على أن المراد بالعمارة العمارة المعروفة من البناء والترميم.]]، وهو قول ابن عباس والحسن، قال [[لفظ: (قال) ساقط من (ح). والقائل ابن عباس، وسيأتي قول الحسن وتخريجه.]] في رواية عطاء: "يريد: لا يدخلوه ولا يقعدوا فيه كما كانوا قبل ذلك" [[لم أقف عليه فيما بين يديّ من مصادر.]].
وقال الحسن: "يقول [[ساقط من (ى).]]: ما كان للمشركين أن يتركوا فيكونوا أهل المسجد الحرام" [[ذكره الثعلبي 6/ 84 ب، والمصنف في "الوسيط" 2/ 482، والبغوي 4/ 20.]]. وقال الكلبي: "ما كان للمشركين أن يدخلوا المسجد وهم مشركون" [[لم أقف عليه يما بين يديّ من مصادر.]].
وذهب آخرون إلى [[في (ح): زيادة (أن) بعد (إلى).]] العمارة المعروفة من رم المسترم [[في (ى): (المستهدم، وهما بمعنى واحد، قال في "لسان العرب" (رم) 3/ 1736: "الرم: إصلاح الشيء الذي فسد .. واسترام الحائط: أي حان له أن يرم إذا بعد عهده بالتطيين".]] من أبنية المسجد [[انظر: "تفسير ابن جرير" 10/ 93، والبغوي 4/ 19، وابن الجوزي 3/ 409، والقرطبي 8/ 90.]]، وهذا محظور على الكافر يمنع منه ولا يمكن.
واختلف القراء في قوله: ﴿مَسَاجِدَ اللَّهِ﴾ فقرأ أبو عمرو وابن كثير على التوحيد [[وكذلك يعقوب، وقرأ باقي العشرة بالجمع. انظر: "الغاية في القراءات العشر" ص 164، و"تقريب النشر" ص120، و"تحبير التيسير" ص 119.]] وحجتهما قوله: ﴿وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ ومن جمع فحجته أن المشركين ليسوا بأولياء لمساجد المسلمين، لا المسجد الحرام ولا غيره [وإذا لم يكونوا أولياءها لم يكن لهم عمارتها، إنما عمارتها للمسلمين الذين هم أولياؤه [[هكذا في (ى) و (م) و"الحجة للقراء السبعة" 4/ 180 الذي نقك المؤلف النص منه، والسياق يقتضي أن يقول: أولياؤها.]] فدخل في ذلك المسجد الحرام وغيره، [[ما بين المعقوفين ساقط من (ح).]]، ويدل على أنهم ليس لهم عمارة المسجد قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ﴾ [الأنفال: 34]، قال الفراء في هذه الآية: "ربما ذهبت العرب بالواحد إلى الجمع، ألا ترى الرجل على البرذون [[قال الأزهري في "تهذيب اللغة" (برذن) 1/ 307: "البراذين من الخيل: ما كان من غير نتاج العراب".]] فتقول: قد أخذتَ في ركوب البراذين؟ وترى الرجل كثير الدراهم فتقول: إنه لكثير الدرهم [[في (ح) و (ى): (الدراهم، وهو خطأ).]]، وتقول العرب: عليه أخلاق نعلين، وأخلاق ثوب، ومنه قول الشاعر [[صدر بيت وعجزه:
شراذم بعجب منه التواق
ولم أهتد إلى قائله، وقال البغدادي في "الخزانة" 1/ 234: "نسب أبو حنيفة الدينوري في كتاب النبات هذا البيت إلى بعض الأعراب" اهـ. والبيت بلا نسبة في "لسان العرب" (توق).
وثوب أخلاق -بالجمع- إذا بلي كله. وثوب شراذم: قطع، والتواق: اسم ابن الشاعر. انظر: "خزانة الأدب"، الموضع السابق.]]:
جاء الشتاء وقميصي أخلاق [[اهـ. كلام الفراء من "معاني القرآن" 1/ 427 مع اختلاف يسير.]]
وقوله تعالى: ﴿شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ﴾، قال الزجاج: "شاهدين" [[في (ح): زيادة "على أنفسهم بالكفر" وهذه الزيادة غير موجودة في المصدر.]] حال، المعنى: ما كانت [[في (ى): (كان).]] لهم عمارة المسجد في حال إقرارهم بالكفر" [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 437.]].
ومعنى: ﴿شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ﴾: قال ابن عباس في رواية الضحاك: "شهادتهم على أنفسهم بالكفر: سجودهم لأصنامهم وإقرارهم أنها مخلوقة" [[رواه الثعلبي 6/ 85 أ، وفي سنده جويبر وهو ضعيف جداً، ثم إن الضحاك لم يلق ابن عباس كما في "تهذيب التهذيب" 2/ 226، ورواه البغوي 4/ 20 مختصرًا.]]، وقال في رواية عطاء: "يريد: حين اتخذوا لله شفعاء وأنداداً" [[لم أقف عليه.]]، وهذا معنى القول [[في (ى): (قول).]] الأول.
وقال الحسن: "لم يقولوا نحن كفار ولكن كلامهم بالكفر شاهد عليهم بكفرهم" [[رواه الثعلبي 6/ 85 أ، والبغوي 4/ 20.]] يعني أن [[ساقط من (ى).]] فيما يخبرون به دليلًا على كفرهم، لا أنهم يقولون نحن كفار، ولكن كما تقول للرجل: كلامك يشهد أنك ظالم، وقال السدي: "شهادتهم على أنفسهم بالكفر هو أن النصراني يُسأل ما أنت؟ فيقول: نصراني واليهودي يقول: يهودي، وعابد الوثن يقول: مشرك" [[رواه بنحوه ابن جرير 10/ 93، وابن أبي حاتم 6/ 1765، والثعلبي 6/ 85 أ، والبغوي 4/ 20.]].
وذكر ابن الأنباري في هذا وجهين:
أحدهما: أنه قال: شهادتهم على أنفسهم بالكفر عدولهم عن أمر النبي -ﷺ- وهو حق لا يخفى على مميز، ولا يرتاب به عاقل، فكانوا [[في (م): (كانوا).]] في ذلك بمنزلة من شهد على نفسه بالكفر.
والثاني: أنهم آمنوا بأنبياء [[في (ي): (بالأنبياء).]] شهدوا لمحمد ﷺ بالصدق فلما آمنوا بهم وكذبوه دلوا على كفرهم [[هذا الوجه يصح في حق أهل الكتاب دون مشركي العرب فإنهم ما كانوا يؤمنون بالأنبياء، ولا يعرفون الوحي، كما قال تعالى: ﴿بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ﴾ [ق: 2]، وقال تعالى: ﴿وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا﴾ [الإسراء: 94].]]، وجرى ذلك مجرى الشهادة منهم على أنفسهم بالكفر" [[ذكر قول ابن الأنباري بلفظ مقارب ابن الجوزي في "زاد المسير" 3/ 408.]].
وقوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾، قال ابن عباس: "يريد: أن أعمالهم لغير الله" [[لم أقف عليه.]].
وقال الزجاج: "أي كفرهم قد أذهب ثواب أعمالهم" [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 437.]].
ودلت هذه الآية مع ما ذكرنا من التفسير في العمارة أن الكافر ممنوع من عمارة مسجد من مساجد المسلمين، ولو أوصى بها [[أي بالعمارة، وفي (ى): (لها)، أي للمساجد، وأثبت ما في (م) و (ح) لموافقته ما في"تفسير الرازي" 16/ 7 - 8 نقلاً عن الواحدي.]] لم تقبل وصيته، ويمنع عن دخول المساجد، فإن دخل بغير إذن مسلم استحق التعزير، وإن دخل بإذن لم يعزر، والأولى تعظيم المساجد ومنعهم منها للآية، وقد أنزل رسول الله ﷺ وفد ثقيف في المسجد وهم كفار [[انظر: "مسند الإمام أحمد" 4/ 218، و"سنن أبي داود"، (3025) كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب ما جاء في خبر الطائف.]]، وشد ثمامة [[هو: ثمامة بن أثال بن النعمان الحنفي أبو أمامة اليمامي الصحابي، كان سيد أهل اليمامة، وقد حاصر أهل مكة أقتصاديًا ولما ارتد أهل اليمامة في فتنة مسيلمة ثبت هو على إسلامه وقاتل المرتدين من أهل البحرين، وقتل غيلة سنة12هـ. == انظر: "الاستيعاب" 1/ 287 (282)، و"الإصابة" 1/ 203 (961).]] بن أثال الحنفي على سارية من سواري المسجد وهو كافر [[رواه البخاري (469)، كتاب الصلاة، باب دخول المشرك المسجد 1/ 202.]]، وليس في الآية حجة لمن جعل دخول الكافر المسجد وصلاته فيه إيمانًا منه؛ لأنا [[(لأنا) ساقط من (ح).]] لا نأمن أن تكون صلاته قبل سماع الشهادتين منه سخرية واستهزاءً، ولا يكون فعله [[يعني دخوله المسجد وصلاته فيه.]] عمارة للمسجد ما لم تتقدم منه كلمة الإيمان، وإن حملنا العمارة على عمارة البناء سقط هذا الاستدلال.
{"ayah":"مَا كَانَ لِلۡمُشۡرِكِینَ أَن یَعۡمُرُوا۟ مَسَـٰجِدَ ٱللَّهِ شَـٰهِدِینَ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِم بِٱلۡكُفۡرِۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ وَفِی ٱلنَّارِ هُمۡ خَـٰلِدُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق