الباحث القرآني
وهي إحدى وثلاثون آية مدنية
قوله تعالى: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ يعني: قد أتى على أدم حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ يعني:
أربعين سنة لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً يعني: لم يدر ما اسمه، ولا ما يراد به إلا الله تعالى.
وذلك أن الله تعالى، لما أراد أن يخلق آدم، أمر جبريل- عليه السلام-، أن يجمع التراب فلم يقدر. ثم أمر إسرافيل فلم يقدر، ثم أمر عزرائيل عليهم السلام، فجمع التراب من وجه الأرض، فصار التراب طيناً، ثم صار صلصالاً، وكان على حاله أربعين سنة، قبل أن ينفخ فيه الروح. وروى معمر، عن قتادة قال: كان آدم آخر ما خلق من الخلق، خلق كل شيء قبل آدم.
ثم قال: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ يعني: مختلطاً ماء الرجل وماء المرأة، لا يكون الولد إلا منهما جميعاً. ماء الرجل أبيض ثخين، وماء المرأة أصفر رقيق نَبْتَلِيهِ يعني: لكي نبتليه بالخير والشر فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً يعني: جعلنا له سمعاً يسمع به الهدى، وبصراً يبصر به الهدى. وقال مقاتل: في الآية تقديم، يعني: جعلناه سميعاً بصيراً، يعني: جعلنا له سمعاً لنبتليه، يعني: لنختبره.
قوله عز وجل: إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ يعني: بينا له، وعرفناه طريق الخير وطريق الكفر.
ويقال: سبيل السعادة والشقاوة إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً يعني: إما أن يكون موحداً، وإما أن يكون جاحداً لوحدانية الله تعالى. ويقال: إما شاكراً لنعمه، وإما كفوراً لنعمه. ثم بين ما أعد للكافرين فقال: إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ يعني: في الآخرة سَلاسِلَ وَأَغْلالًا يعني: هيئنا لهم أغلالاً، تغل بها أيمانهم إلى أعناقهم وَسَعِيراً يعني: وقوداً.
ثم بين ما أعد للشاكرين فقال: إِنَّ الْأَبْرارَ يعني: الصادقين في إيمانهم يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ يعني: من خمر كانَ مِزاجُها كافُوراً يعني: على برد الكافور وريح المسك وطعم الزنجبيل ليس ككافور الدنيا ولا كمسكها ولكنه وصف بها حتى يهتدى به القلوب أو يقال:
الكافور اسم عين في الجنة يمزج بها الخمر عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ يعني: عين الكافور يشرب بها أولياء الله تعالى في الجنة يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً يعني: يمزجونها تمزيجاً. وقال ابن عباس: يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً في قصورهم وديارهم، وذلك، أن عين الكافور، يشرب بها المقربون صرفاً غير ممزوج، ولغيرهم ممزوجاً. ويقال: يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً يعني: يفجرون تلك العين في الجنة كيف أحبوا، كما يفجر الرجل النهر الذي يكون له في الدنيا هاهنا، وهاهنا حيث شاء.
ثم بين أفعالهم في الدنيا فقال: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ يعني: يتمون الفرائض. ويقال: أوفوا بالنذر وَيَخافُونَ يَوْماً وهو يوم القيامة كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً يعني: عذابه فاشياً ظاهراً، وهو أن السموات قد انشقت، وتناثرت الكواكب، وفزعت الملائكة، وفارت المياه ثم قال عز وجل: وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ يعني: على قلته وشهوته وحاجته مِسْكِيناً وهو الطائف بالأبواب وَيَتِيماً وَأَسِيراً يعني: من أسر من دار الشرك. ويقال: أهل اليمن. وذكر أن الآية نزلت في شأن علي بن أبي طالب، وفاطمة- رضي الله عنهما وكانا صائمين فجاءهما سائل وكان عندهما قوت يومهما فأعطيا السائل بعض ذلك الطعام ثم جاءهما يتيم فأعطياه من ذلك الطعام ثم جاءهما أسير فأعطياه الباقي فمدحهما الله تعالى لذلك، ويقال: نزلت في شأن رجل من الأنصار ثم قال عز وجل: إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ يعني: ينوون بأدائهم، ويضمرون في قلوبهم وجه الله تعالى. ويقولون: لاَ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً يعني: لا نريد منكم مكافأة في الدنيا، ولا ثوابا في الآخرة إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً يعني: العبوس الذي تعبس فيه الوجوه، من هول ذلك اليوم، والقمطرير الشديد العبوس.
ويقال: عبوساً، أي: يوم يعبس فيه الوجوه، فجعل عبوساً من صفة اليوم. كما قال: فِي يَوْمٍ عاصِفٍ [إبراهيم: 18] أراد عاصف الريح والقمطرير الشديد. يعني: ينقبض الجبين وما بين الأعين، من شدة الأهوال. ويقال: قمطريراً نعت ليوم. ويقال: يوم قمطرير، إذا كان شديداً.
يعني: يوماً شديداً صعبا.
ثم قال عز وجل: فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ يعني: دفع الله عنهم عذاب ذلك اليوم وَلَقَّاهُمْ يعني: أعطاهم نَضْرَةً حسن الوجوه وَسُرُوراً يعني: فرحاً في قلوبهم قوله تعالى: وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا يعني: أعطاهم الثواب بما صبروا في الدنيا جَنَّةً وَحَرِيراً يعني: لباسهم فيها حرير. ويقال: بما صبروا على الطاعات. ويقال: على المصائب. وقوله عز وجل: مُتَّكِئِينَ فِيها يعني: ناعمين في الجنة عَلَى الْأَرائِكِ يعني: على السرر، وفي الجمال واحدها أريكة لاَ يَرَوْنَ فِيها شَمْساً يعني: لا يصيبهم فيها حر الشمس وَلا زَمْهَرِيراً يعني: ولا برد الشتاء.
ثم قال عز وجل: وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها يعني: قريبة عليهم ظلال الشجر. وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا يعني: قربت ثمارها ويقال سخرت قطوفها يعني: مجنى ثمرها تذليلاً يعني: قريباً ينالها القاعد والقائم. وروى بن أبي نجيح، عن مجاهد قال: أرض الجنة من فضة، وترابها مسك، وأصول شجرها ذهب وفضة، وأغصانها لؤلؤ وزبرجد، والورق والثمر تحت ذلك، فمن أكل قائماً لم يؤذه، ومن أكل جالساً لم يؤذه، ومن أكل مضطجعاً لم يؤذه. ثم قرأ وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا وقال أهل اللغة. ذللت أي: أدنيت منهم، من قولك: حائط ذليل إذا كان قصير السمك. والقطوف والثمرة واحدها قطف، وهو نحو قوله تعالى: قُطُوفُها دانِيَةٌ [الحاقة: 23] .
{"ayahs_start":1,"ayahs":["هَلۡ أَتَىٰ عَلَى ٱلۡإِنسَـٰنِ حِینࣱ مِّنَ ٱلدَّهۡرِ لَمۡ یَكُن شَیۡـࣰٔا مَّذۡكُورًا","إِنَّا خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ مِن نُّطۡفَةٍ أَمۡشَاجࣲ نَّبۡتَلِیهِ فَجَعَلۡنَـٰهُ سَمِیعَۢا بَصِیرًا","إِنَّا هَدَیۡنَـٰهُ ٱلسَّبِیلَ إِمَّا شَاكِرࣰا وَإِمَّا كَفُورًا","إِنَّاۤ أَعۡتَدۡنَا لِلۡكَـٰفِرِینَ سَلَـٰسِلَا۟ وَأَغۡلَـٰلࣰا وَسَعِیرًا","إِنَّ ٱلۡأَبۡرَارَ یَشۡرَبُونَ مِن كَأۡسࣲ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا","عَیۡنࣰا یَشۡرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ یُفَجِّرُونَهَا تَفۡجِیرࣰا","یُوفُونَ بِٱلنَّذۡرِ وَیَخَافُونَ یَوۡمࣰا كَانَ شَرُّهُۥ مُسۡتَطِیرࣰا","وَیُطۡعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ مِسۡكِینࣰا وَیَتِیمࣰا وَأَسِیرًا","إِنَّمَا نُطۡعِمُكُمۡ لِوَجۡهِ ٱللَّهِ لَا نُرِیدُ مِنكُمۡ جَزَاۤءࣰ وَلَا شُكُورًا","إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا یَوۡمًا عَبُوسࣰا قَمۡطَرِیرࣰا","فَوَقَىٰهُمُ ٱللَّهُ شَرَّ ذَ ٰلِكَ ٱلۡیَوۡمِ وَلَقَّىٰهُمۡ نَضۡرَةࣰ وَسُرُورࣰا","وَجَزَىٰهُم بِمَا صَبَرُوا۟ جَنَّةࣰ وَحَرِیرࣰا","مُّتَّكِـِٔینَ فِیهَا عَلَى ٱلۡأَرَاۤىِٕكِۖ لَا یَرَوۡنَ فِیهَا شَمۡسࣰا وَلَا زَمۡهَرِیرࣰا","وَدَانِیَةً عَلَیۡهِمۡ ظِلَـٰلُهَا وَذُلِّلَتۡ قُطُوفُهَا تَذۡلِیلࣰا"],"ayah":"هَلۡ أَتَىٰ عَلَى ٱلۡإِنسَـٰنِ حِینࣱ مِّنَ ٱلدَّهۡرِ لَمۡ یَكُن شَیۡـࣰٔا مَّذۡكُورًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق